الضريبة الثابتة تقود الطريق نحو النمو

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

بدأ ذلك في إستونيا، تلك الدولة التي أثبتت أنها إحدى أكثر دول أوروبا الشرقية جرأةً في الإصلاح الاقتصادي. ففي عام 1994، طبقت حكومة مارت لار نظام الضريبة الثابتة. الفكرة كانت سهلة: بغض النظر عن كمية ما يجنيه الناس فإنهم يدفعون ضريبة دخل واحدة، وقد كانت منخفضة نسبياً في حدود 26%.
الفكرة لم تكن جديدة نظريا؛ فقد اقتُرحت الضريبة الثابتة قبل 25 سنة من قبل رجلي الاقتصاد الأمريكيين ألفن رابوشكا وروبرت هول. بيد أنها حديثة العهد من الناحية العملية، وقد نجحت في ذلك: ضرائب سهلة—من السهولة بمكان دفعها ومن الصعب التحايل عليها—رفعت من مقدرة إستونيا التنافسية، وجذبت الاستثمارات الأجنبية وساعدت في جعل هذه الجمهورية البلطيقية أسرع الاقتصادات نموا على امتداد القارة الأوروبية. فانتشر الإصلاح الاقتصادي وثورة الضريبة الثابتة إلى سائر بلدان البلطيق، ومن ثم اجتاحت روسيا وصربيا وأوكرانيا وسلوفاكيا ورومانيا وجورجيا ومقدونيا ومونتينيغرو.
وقد تدعمت مناقشات الإصلاح الضريبي في روسيا عندما بحث آندريه إلاريونوف، كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس فلاديمير بوتين آنذاك، نجاح الضريبة الثابتة في بلدان البلطيق وإمكانية تطبيقها بشكل فعال في روسيا.
واستجابة لاقتراح إلاريونوف، نفذ الرئيس بوتين ضريبة ثابتة مقدارها 13% على الأفراد جنباً إلى جنب مع نسبة 15% على مداخيل معظم النشاطات الاقتصادية الأخرى. لقد جاءت النتائج مذهلة من حيث أن العاملين في سوق روسيا السوداء قرروا بأن الضريبة كانت منخفضة إلى درجة لم يعد من المجدي معها التحايل على دفعها. وبعد كفاح استمر نحو عقد من الزمان فقد نما الاقتصاد الروسي بمقدار 5% سنوياً محسوباً بعد التضخم في عامي 2002 و2003 كما ارتفع إلى 7.3% في العام الماضي. وقد كان فرض الضريبة الثابتة هو السبب الرئيسي لنمو دخل البلاد من ضريبة الدخل الفردية بمقدار 150% منذ العام 2001.
حتى روسيا لا تود أن تلعب بالضريبة الثابتة التي أثبتت نجاعتها. فقبل شهرين فقط، رفض المشرعون الروس اقتراحا لاستبدال الضريبة الثابتة بضريبة دخل تصاعدية تدريجية.
هنالك الكثير للإصلاحيين الاقتصاديين في العالم لتعلمه من قصص النجاح العظيمة التي تحققت في أوروبا الشرقية، والضريبة الثابتة هي من أعظمها.
لذا، فإن من العجيب أن نسمع إيفان سوكر، وزير خارجية كرواتيا، يصف نظام الضرائب في بلاده بأنه نظام “كامل”. ألق نظرة: كرواتيا تلقي على عاتق دافعي الضرائب نسبا ثقيلة تصل إلى 45% كضريبة دخل و20% كضريبة على الشركات، وفي غضون ذلك تُغرِقُهم في واحدةٍ من أكثر نُظم الضرائب تعقيدا في جنوب شرق أوروبا.
أما بالنسبة للضريبة الثابتة فإن كرواتيا هي بطيئة التعلم: صربيا (14% ضريبة ثابتة على الدخل الشخصي و10% ضريبة دخل على الشركات)، مونتينيغرو (9% ضريبة ثابتة على دخل الشركات) ورومانيا (16% ضريبة ثابتة على المداخيل الشخصية ودخل الشركات)؛ كل هذه الدول اشتركت في ثورة الضريبة الثابتة، وما زالت قائمة المؤمنين بنجاعتها تزداد بشكل سريع. وفي 1 كانون الثاني من هذا العام، أقرت مقدونيا ضريبة ثابتة مقدارها 12% على المداخيل الشخصية ومداخيل الشركات، وهي تعتزم إجراء مزيد من التخفيض إلى 10% عام 2008. وفي 1 تموز، من المقرر أن تطبق مونتينيغرو ضريبة ثابتة مقدارها 15% على المداخيل الفردية، على أن تخفضها إلى 12% في عام 2009 و9% عام 2010. وفي ألبانيا فإن أعضاء البرلمان يدرسون إمكانية اعتماد ضريبة ثابتة بمقدار 10% على مداخيل الشركات والمداخيل الشخصية.
بلغاريا أيضاً قد تنضم إلى هذه القائمة. فمؤيدو الضريبة المقطوعة هناك يعدون لعقد مؤتمر كبير، مشيرين إلى قلقهم بأن بلغاريا قد تفقد الاستثمارات لديها ما لم تتخلّ عن ضريبة الدخل الهامشية التي تبلغ 24%، و15% كضريبة على الشركات.
الاستثمارات الخارجية ليست الاعتبار الوحيد. فالضرائب الثابتة تحمل أيضاً إمكانية تحرير الاقتصاديات من أجل النمو، وإرغام النشاطات التجارية في اقتصاد الظل على الرجوع إلى الأسواق القانونية، وكذلك تسهيل جمع تلك الضرائب، وإعطاء أرقام صحيحة عن المداخيل وتخفيض التهرب الضريبي. لقد كانت النتيجة في جميع البلدان التي طبقت نظام الضرائب الثابتة حتى الآن زيادة في تحصيل الضرائب في غضون عام واحد.
في إقليم مثل جنوب شرق أوروبا يجب أن تحظى هذه التغييرات بالترحيب. ذلك أن بلدان الإقليم يواجهون تحديات تتمثل في الفساد، والتطبيقات العشوائية للقوانين والانظمة، والحجم الكبير من التجارة غير المسجلة، والمستوى المتردي من حماية الملكية الخاصة. إن الضرائب الثابتة تساعد في مكافحة مثل هذه المشاكل عن طريق إغلاق المنافذ وكشف وسائل التحايل على القانون.
لقد عززت ثورة الإصلاح الضريبي من التنافس الضريبي في أوروبا. إذ أخذت أوروبا الغربية علماً بذلك، وهي في صدد تخفيض نسبة ضرائبها. النمسا خفضت من ضريبة الشركات من ارتفاعٍ يبلغ 34% إلى 25% بعد أن خفضت سلوفاكيا من الضريبة الثابتة إلى %19. والآن تعمل ميركل، رئيسة ألمانيا، على تخفيض ضريبة الشركات إلى 29.8% بدلاً من 38.7%. وقد أكد نيكولا ساركوزي على أهمية تخفيض نسبة الضريبة على الشركات من 33% إلى 25%، وقد أعاد تأكيد هذه الرسالة بعد أن تم انتخابه رئيساً جديداً لفرنسا.
عدد متزايد من بلدان أوروبا الشرقية قد اعتنقوا فكرة الإصلاح الضريبي. وغيرهم يُقدمون على خطوات جديدة جريئة مثلما فعلت إستونيا. لقد بدأ السباق. وعلى المتباطئين نحو الإصلاح أن يأخذوا علماً بذلك.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 27 حزيران 2007.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018