اسباب تعثر التبادل التجاري بين الدول العربية : اتفاقية أغادير نمودجا

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

في غضون شهر يناير 2009 قامت أجهزة الجمارك المغربية بإيقاف مجموعة من الحافلات المصرية كانت في طريقها إلى السوق المغربية. السبب الذي قدمته السلطات المغربية هو أن هذه الشحنة من الحافلات لا تخضع لبنود اتفاقية أغادير للتبادل الحر، و هي اتفاقية تم التوقيع عليها سنة 2004 بين المغرب و مصر و الأردن و تونس و يتم بمقتضاها الرفع الكامل للحواجز غير الجمركية و التوجه نحو إنشاء منطقة للتبادل الحر. من جانبها، تقول السلطات المصرية أن هذه ليست إلا عراقيل إدارية هدفها الحقيقي هو منع منتوجاتها من الوصول إلى السوق المغربية. و رغم أنه من المفترض أن تكون اتفاقية التبادل الحر هذه قد دخلت حيز التنفيذ في أبريل 2007 إلا أن تطبيقها على أرض الواقع يبقى أمرا صعب التحقيق لحد الآن. كيف يمكن إذن أن نفسر هذا التعثر؟
يبدو أن هناك نقطة مشتركة بين تصرف الحكومتين المغربية والمصرية؛ و هي الخضوع لإملاءات مجموعات الضغط الاقتصادية. ففي مصر هناك قطاع تركيب السيارات الذي يرى الفاعلون فيه أن دخول سيارة “لوغان” المركبة في المغرب إلى السوق المصرية يشكل تهديدا لمصالحهم.
لقد وجد المصدرون المغاربة صعوبات جمة في إيصال هذه السيارة للمستهلك المصري، بدعوى عدم احترامها لمقاييس الجودة. في حقيقة الأمر، كل المؤشرات تدل على أن هذا المنع ناتج عن ضغوطات شركات تركيب السيارات المصرية التي تريد الحفاظ على حصص إنتاجها في سوق داخلية للسيارات جد محمية.
في الجانب المغربي ينضر الفاعلون في قطاعات عدة كالنسيج و الفلاحة قدوم السلع المصرية بكثير من الريبة و الحذر. في هذا الإطار استجابت الحكومة المغربية للمطالب الملحة لمنتجي الأرز المغاربة بتحديد الكميات المستوردة من الأرز المصري، لأنهم يعتقدون أن استيراد الأرز المصري بكميات كبيرة قد يؤدي إلى القضاء على نشاطهم الاقتصادي.
و تظهر كلتا الحالتين أن الحكومات، و هي تستجيب لمطالب مجموعات الضغط، تزعم أنها تفعل ذلك “لحماية” اقتصادياتها مما تعتقد أنه تهديدات ناتجة عن التبادل الحر. حسب هذا المنطق يكون التبادل دائما لعبة ذات مجموع صفري حيث أرباح طرف تؤدي إلى خسائر لدى الطرف الآخر. و هذه، في نظرنا، رؤية خاطئة لأسس التبادل الحر. و هي رؤية سائدة حتى بين أولئك الذين يؤمنون بايجابياته لأنهم يترددون في تطبيق مبادئه في جميع الحالات، نظرا لاعتقادهم أنه في ظل تشابه البنيات الإنتاجية بين الدول فإن التبادل الحر لا يمكن أن يكون مفيدا بالنسبة لجميع الأطراف. و هنا لابد أن نرجع إلى النظرية المؤسسة لهذا الطرح للاقتصادي البريطاني دافيد ريكارد و التي تقول أن على كل بلد أن يتخصص في فروع الاقتصاد التي يتوفر فيها على مزايا نسبية تتعلق بالإنتاجية. بعد ذلك يمكن لهذه الدول أن تتبادل بحرية منتوجاتها و تستفيد من مزايا التخصص. هذه النظرية صحيحة، لكن تفسيرها قد يتم بشكل خاطىء من طرف من يعتقدون أن التبادل التجاري يجب أن يتم بين بلدان مختلفة و حول منتوجات مختلفة. لكن، و كما ذكر بذلك عالم الاقتصاد الأمريكي الحاصل على جائزة نوبل لسنة 2008 بول كروغمان :” في غالب الأحيان فإن التبادلات التجارية تتم بين دول لا تتوفر فقط على بنيات إنتاجية متشابهة لكنها تتبادل نفس المنتوجا ت”.  وهذا يظهر بوضوح قي حالة فرنسا و ألمانيا اللتان تتبادلان السيارات و أيضا في حالة السويد التي تصدر “فولفو” إلى ألمانيا و تستورد منها « BMW ». إذن لا يمكن في أي حال من الأحوال تبرير الإنغلاق التجاري بحجة تشابه المنتوجات.
و يضيف “كروغمان” أن التبادل التجاري بين دول ذات بنيات متشابهة يبقى مفيدا لجميع الأطراف، لأنه يسمح للمنتجين بالإستفادة من خزان من المستهلكين أكبر من ذلك الذي توفره السوق الوطنية و ذلك عن طريق ما يسمى بوفورات الإنتاج. كما أن المستهلكين سيستفيدون من اختيارات أوسع و أثمنة أرخص للسلع. و إذا ما أضفنا إلى ذلك عامل التنافسية بين منتجين مدفوعين إلى الإبتكار من أجل التميز عن منافسيهم، فإن ذلك سيخلق حتما فرصا أكبر و تقسيما جيدا للعمل مما سيؤدي الى تحقيق نمو اقتصادي دائم. الإنفتاح الاقتصادي يعني أذواقا جديدة لتلبية رغباتها و أثمانا أرخص بالنسبة للمستهلكين.
و إذا ما عدنا إلى تعثر التبادل الحر بين المغرب و مصر فإنه ناجم عن تصور خاطئ لأسس التجارة الدولية. تصور لا يرى ضرورة للتبادل إلا في حالة التكامل الاقتصادي ويغفل أن الطرفان سيستفيدان حتما لو تبادلا السلع بحرية.
إن المشكلة هنا لا ترجع إلى “اتفاقية أغادير” و لا إلى آليات تطبيقها بل إلى الرؤية التي يتم بها تفسيرها. لذا فيجب على الحكومات اعتماد البيداغوجية في تفسير مزايا الإنفتاح التجاري، كما يجب عليها التحرر من ضغط اللوبيات لأن هذا هو السبيل الوحيد لتغيير العقليات في اتجاه فهم صحيح لمزايا السوق الحرة والإقتناع بأن التبادل الحر سيبقى دائما لعبة ذات مجموع إيجابي.
© منبر الحرية، 25 مايو 2009

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018