المجاعة في إثيوبيا: سياساتٌ رديئة أم مناخ سيء؟

peshwazarabic10 نوفمبر، 20101

إن قصة المجاعة المألوفة تحدّق ثانية بشرق أفريقيا. ومرة أخرى، تتناول القمة العالمية للأمن الغذائي التي عُقدت قبل أيام أعراض هذه المجاعة، وتغفل أسبابها. فأحد هذه الأسباب هي السنوات المتعاقبة من الأمطار الشحيحة؛ فالقلة القليلة من المزارعين الأفارقة يمتلكون أنظمة للري. ففي أثيوبيا على سبيل المثال، تعتمد 90% من الزراعة على مياه الأمطار. ولكن كثيرا ما يتعرض المزارعون في أنحاء أخرى من العالم إلى موجات من الجفاف ومع ذلك فهم يتجنبون المجاعة.
قبل عام 1800، كانت المجاعة سببا رئيسا للموت في شتى أرجاء العالم. وكانت معظم الشعوب تعيش من الزراعة. فقد كانوا ينتجون ما يكفيهم من الغذاء وبعض الفائض عندما تكون الظروف ملائمة. أما إذا ما ساءت الأحوال، فيستهلكون ما ادخروه. وفي حال استمرار الأحوال السيئة كانوا يلقونَ حتفهم من الجوع.
لقد تغيّرت هذه الحلقة ببطء  في أوربا الغربية بعدما ازداد التمدن، وأصبح الأفراد يتخصصون في تصنيع بعض البضائع والمتاجرة بها مع أفراد آخرين متخصصين في مجالات أخرى. فازداد الإنتاج وأدت المنافسة إلى الابتكار وتضاعف المخرجات. فارتفع الإنتاج الزراعي بشكل كبير في المحصلة وانخفضت نسب المجاعة.
بيد أن مجاعة أيرلندة منذ عام 1845  إلى 1852، ومجاعة فنلندة منذ عام 1866 وحتى عام 1868 تشكلان استثناءا لتلاشي هذه الظاهرة في أوروبا في القرن 19. و تجد ومجاعتي فنلندة و أيرلندة  سببهما في الحكومات القمعية التي تقيد حقوق الأفراد في امتلاك الأراضي والتجارة.  فأدت الزراعات المعيشية المصحوبة بالمرض وسوء الأحوال الجوية إلى مقتل مئات الآلاف من الناس.
منذ عشرينيات القرن الماضي، سجّلت معدلات الوفيات العالمية الناجمة عن المجاعات المرتبطة بالجفاف تراجعا كبيرا بنسبة 99.9%. ما هو السبب؟ التخصص المتواصل والتجارة هما اللتان ضاعفتا كميات الطعام المنتج للفرد الواحد، ومكّنتا الناس في الأقاليم المعرّضة للجفاف من التنوّيع، ليصبحوا أقل عرضة للمجاعة. ولكن في أفريقيا، حيث تقوم الحكومات بمنع حرية حركة وانتقال البضائع والأفراد، وحيث حقوق ملكية الأرض مقيّدة جدا وغير مؤمنَّة، لم تبقى للأفراد سوى فرص ضئيلة لكسب قوت يومهم الهزيل. وأثيوبيا هي المثال الأبرز على ذلك: فالحكومة هي المسؤول الأول عن تكرار تلك الكوارث.
في عام 1975، قامت الدكتاتورية الاشتراكية بقيادة مينغيستو هايل مريم بتأميم كافة الأراضي الزراعية في أثيوبيا، معرقلة ً بذاك نظام الملكية المعقد والشائك، فضلا عن تقويض عملية تمليك الأراضي الناشئة. كان الهدف المعلن هو حيازة الأراضي من المالكين الإستغلايين، و منح الفلاحين حقوق استغلالها، وخلق تعاونيات زراعية لغرض إطعام الشعب، وإبقاء الناس خارج المدن.
ولكن هذه السياسة فشلت فشلا ذريعا. فقد تم استبدال الاستغلال بالقمع. ففي غياب الحوافز لتطوير الأرض، تراجع الناتج تراجعا حادّا، ناهيك عن منع التجارة وتجريمها. وفي ظل مينغيستو، لم يُسمح للمزارعين بتخزين المحاصيل وتوفيرها لأوقات الشدّة، ولا بتوفير المال المتأتي من مبيعاتهم. ولم يُسمح للمقاولين بنقل الغذاء وتوجيهه إلى المناطق التي هي في أمس الحاجة إليه. فقد اعتبرت جميع هذه الممارسات ممارسات رأسمالية مضادة للاشتراكية. وعندما ضرب الجفاف البلاد عام 1983، كما يفعل دوريا ، لم يكن بوسِع الملايين من الناس أن يجدوا كفافهم من الطعام، فلقي مئات الآلاف حتفهم جوعا.
فهل تعلّمت حكومة ميليس زيناوي، رئيس وزراء أثيوبيا منذ عام 1991 دروس عام 1983؟
لم تدخل حكومة ميليس تغييرا ملموسا على سياسة مينغيستو في ملكية الحكومة للأراضي. فبموجب دستور عام 1995 ضل للمزارعين الحق في استخدام الأرض دون الحق في امتلاكها. لذا لم يكن بمقدورهم رهن أراضيهم؛ أي أنهم لم يستطيعوا الحصول على قروض معقولة لأجل رفع إنتاجهم من المحاصيل (من خلال البذور الجيدة  والأسمدة والمبيدات والري، الخ)، مما جعل معدلات الفائدة المترتبة على القروض التي حصلوا عليها عالية جدا.
كما أنهم لا يستطيعون بيع أراضيهم والانتقال بحثا عن فرص اقتصادية أفضل. فليس أمام العائلات سوى أن تقسّم الأرض التي يستخدمونها إلى قطع أصغر فأصغر لتوزيعها على البالغين من الأبناء. وهذا بدوره أدى إلى مجموعة من العواقب الوخيمة: توجّب على العائلات استنفاذ مدّخراتها أو بيع ممتلكاتها الأخرى من أجل البقاء؛ كما أن التقسيم المتواصل أدى بصورة مباشرة إلى تدهور البيئة و انخفاض المحاصيل الزراعية مما فاقم مشكلة الجوع. وأخيرا، لم يكن مسموحا للمزارعين الأكفاء بالتملك وإنشاء مزارع أكبر وأكثر أنتاجا.
والأسوأ من ذلك هو الحد المتعمد من الهجرة إلى المدن من طرف الحكومة. لماذا؟ تدّعي الحكومة، من خلال الحد من الهجرة إلى المدن، أنها قلقة بشأن النمو الحضري “الفوضوي”. ولكنها تتخوّف في الحقيقة من تزايد الناس في العاصمة أديس أبابا الذي سيصعب عليها عملية إخماد الاحتجاجات وإسكاتها، والتشبث بالسلطة السياسية. فعندما يُمنع الناس من الانتقال إلى المدن، فهم بذلك يُمنعون من السعي وراء الفرص الاقتصادية واستخدام مواهبهم في إقامة المشاريع – وهو الشيء الذي يحتاجه الناس عندما لا يكون بمقدورهم إعالة أنفسهم وعائلاتهم من خلال الزراعة.
إن إجبار الناس على البقاء مجرد مزارعين صغار، وحرمانهم من استغلال الفرص المحتملة في المدن، وإجبارهم على الهجرة، وجعلهم يدمرون الأرض من خلال تقسيمها إلى حصص صغيرة، هي سياسات حكومية سيئة، وليست طقسا سيئا.
كان من الممكن تفادي مأساة العام الحالي عبر سياسات مختلفة، بتحويل ملكية الأرض التي تملكها الحكومة إلى الذين يحرثونها، وإزالة القيود المفروضة على التجارة والتنقل. لقد أن الأوان لتحسين وضع الفقراء لمنع المآسي المستقبلية.
* جوليان موريس هو المدير التنفيذي لشبكة السياسة الدولية، و كارول بودرو هي زميل أبحاث أقدم وباحثة قيادية في مشروع إنتربرايس أفريكا! في مركز ميركاتوس في جامعة جورج ميسون بأمريكا.
© منبر الحرية، 23 نوفمبر/تشرين الثاني2009

One comment

  • تخزين

    6 مارس، 2013 at 3:39 ص

    انشاء مساحه كبيره غذائيه فيها جميع انواع الحبوب ومشتقاتها من الارز وغيره ومن الخضار والفواكه تكون مدينه غذائيه يقوم عليها مجموعه امينه من اهل الدين والشبان ثم اذا كانت المنطقه معرضه للجوع وشح الامطار بما لا يمكن للزراعه ثم اذا انتجت القيام بتخزين كميات كبيره من الحبوب ومشتقاتها وحفظها في مكان مناسب غير معرض لخرابها ودمارها من حراره الشمس والرطوبه وغيرها بمعنى توفير الظروف المناسبه لبقائها مده طويلهبما يكفي الاعداد البشريه لسنوات عده حتى وقت نزول المطر وما يمكن ان يخزن من انواع الفاكهه والمكسرات بما يكفي لاكبر مده لاحتمال غياب المطر وهكذا حتى يتم تحقيق الاكتفاء الذاتي وبعد ذلك التصدير بمعنى لا بد من اخذ السبب لان اثيوبيا وغيرها مثل الصومال حدثت هذه المشكله عده مرات فلا بد من اخذ الحيطه اي الاحتياط وعمل الاحتياطات اللازمه للازمات وكذلك تخزين الماء وعدم الاسراف فيه ولحديث الرسول لا تسرف ولو كنت على نهر جار وعدم تبذير الماء حتى في الاستخدامات المنزليه والشوون العامه وحتى وان كثر الماء وبالله التوفيق الدائم

    Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018