في الأول من كانون الثاني من عام 1999، قامت 11 دولة أوروبية بالتخلي عن استقلالية سيساتهم النقدية بالانضمام إلى الاتحاد النقدي الأوروبي. ومنذ ذلك الوقت، تقاسمت هذه الدول عملة مشتركة وهي اليورو، والأهم من ذلك، أنها جميعها تخضع تحت إشراف البنك المركزي الأوروبي الذي يضبط السياسات النقدية للمنطقة الأوروبية برمتها. ووفقا للمادة 105(1) لمعاهدة ماسترخت، فإن الهدف الرئيسي للبنك المركزي الأوروبي هو المحافظة على استقرار الأسعار. وتقود البنية المؤسسية للبنك، إضافة إلى الهدف الرئيسي المُعلن، إلى اعتقاد معظم الاقتصاديين على أن البنك الموحد الجديد سيكون اقل تدخلا نسبيا في السعي نحو استقرار الاقتصاد الكلي في المدى القصير. ولذلك، فإن غالبية، إن لم يكن جميع، دول الاتحاد النقدي الأوروبي تخضع الآن لبنك مركزي له دور أقل تدخلا ونشاطا من بنوكهم المركزية الوطنية السابقة. في هذه المقالة، سيتم بحث ما إذا كان هذا التحول في درجة فاعلية ونشاط السياسة النقدية قد أدى إلى زيادة أو نقصان الاستقرار في الاقتصاد الكلي في هذه البلدان.
قبل الموعد الرسمي لبدء الاتحاد النقدي الأوروبي، صدر العديد من الدراسات الأكاديمية التي بحثت تأثير التحول نحو بنك مركزي موحد على استقرار الاقتصاد الكلي في هذه الدول. فلقد استنتجت بعض هذه الدراسات بأن التحول نحو بنك مركزي موحد سيجعل هذه الاقتصادات أكثر ضعفا وزعزعة بسبب عجز البنك المركزي الموحد عن تكييف السياسة النقدية لملائمة الاحتياجات المنفردة لكل دولة من منطلق أن كل دولة تواجه صدمات خاصة بها، ولذا فلن يكون بمقدور البنك المركزي الأوروبي مواجهة هذه الصدمات بكفاءة نظام البنوك المركزية الوطنية المستقلة. وبالتالي، فقد توصلت بعض هذه الدراسات الأكاديمية، نظريا، الى أن الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي الأوروبي ستُعاني على ارض الواقع من تأرجحات واسعة في النشاط الاقتصادي بعد التحول نحو البنك المركزي الموحد.
ومع ذلك، لم يظهر حتى الآن أي نقد لهذا التصور من قبل أصحاب النظرية النقدية. ولطالما جادل أصحاب النظرية النقدية أن السياسة النقدية هي المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار الاقتصادي، حتى وإن كانت حسنة النية. ويلخص برونر (1985: 12) موقف أصحاب النظرية النقدية بإيجاز: “لا تستطيع، في النهاية، أن تفي خيارات الإدارة النقدية بوعدها حتى مع وجود أفضل النوايا.” ويعتقد أصحاب النظرية النقدية أن المشاكل المتعلقة بوجود فجوات بين القرار والتنفيذ وكيفية اختيار التوقيت المناسب تنتج أخطاء في السياسات النقدية تتسبب في تحقيق درجة أدنى من الاستقرار الاقتصادي. فإذا كانت هذه النظرية صحيحة، فهي بذلك تقترح أن وجود بنك مركزي موحد غير قادر على أن يتجاوب بشكل أمثل مع الصدمات الخاصة لكل دولة، من الممكن أن يؤدي على أرض الواقع إلى تحقيق استقرار اقتصادي أكبر في الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي الأوروبي وليس العكس. وبعبارة أخرى، سوف تؤدي السياسة النقدية الموحدة الأقل استجابة للصدمات الخاصة بكل دولة إلى المزيد من الاستقرار لأنه سيكون هناك تقلبات اقتصادية كلية أقل ناجمة عن أخطاء السياسات النقدية. ومع ذلك، ولبعض البلدان التي كان لديها بنك مركزي وطني غير نشط من حيث درجة التدخل (مثل البنك المركزي الألماني المعروف باسم بندسبنك)، فقد يكون دور البنك المركزي الأوروبي في اطاره الجديد أكثر نشاطا من البنوك المركزية الوطنية السابقة. وفي هذه الحالة، سيُجادل أصحاب النظرية النقدية أن هذه الاقتصادات ستصبح أكثر زعزعة وعدم استقرارا بعد التحول نحو البنك المركزي الأوروبي الأكثر تدخلا ونشاطا.
منذ ثلاثة عقود، احتدم نقاش أكاديمي هام حول الفعالية النسبية لكل من السياسات المالية والنقدية في التوصل الى الاستقرار الاقتصادي المنشود. ويبدو أنه قد تنامى إجماع للآراء بأن السياسة المالية أقل فعالية عموما من السياسة النقدية في تعزيز الاستقرار الاقتصادي في المدى القصير. ومن منطلق هذه النظرة المستجدة، يجب أن تكون السياسة المالية معنية بالدرجة الأولى بتعزيز النمو الاقتصادي طويل الأجل من خلال المحافظة على تحفيض معقول للمعدلات الضريبية وضبط العجز المالي وإلغاء الأنظمة والضرائب التي تؤثر سلبا في التعاملات الاقتصادية المحلية والدولية. ومن جهة أخرى، فلقد تزايدت القناعة بأن السياسة النقدية هي الآن الوسيلة الرئيسية التي تستطيع بواسطتها البلدان الوصول إلى الاستقرار الاقتصادي. ومازال النقاش محتدما حول ما إذا كانت السياسة النقدية النشطة ستحقق استقرارا بالفعل. وقد اصبح هذا النقاش أكثر أهمية من أي وقت مضى، مع اعتبار ان السياسة المالية لم تعد أداة فعالة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي المنشود.
إن تأسيس الاتحاد النقدي الأوروبي يوفر فرصة فريدة لرؤية كيف يمكن أن يؤثر التغيير في درجة نشاط السياسة النقدية على الاستقرار الاقتصادي لبلد ما. وسوف تساهم الأدلة المستقاة من هذا التحول النقدي الأوروبي على تبديد الخلاف الكبير بين الاقتصاديين حول مسألة ما إذا كان نشاط السياسة النقدية يوفر استقرارا اقتصاديا كليا بدرجة أكثر أو أقل. وفي حال ما إذا كان لا يمكن للسياسة النقدية الناشطة وحسنة النية أن تُعزز الاستقرار الاقتصادي، فعندها يقترح ضرورة قيام البنوك المركزية بالتركيز على استقرار الأسعار على المدى الطويل بدلا من التركيز على استقرار الاقتصاد الكلي في المدى القصير.
تبدأ هذه المقالة باستعراض بعض الكتابات السابقة حول الاتحاد النقدي الأوروبي وتعرض بعضا من الكتابات الصادرة عن أصحاب النظرية النقدية. ثم ستتوجه لقياس مدى نشاط وفعالية البنك المركزي الوطني لكل بلد قبل انشاء الاتحاد النقدي الأوروبي ومقارنة هذا مع نشاط البنك المركزي الأوروبي الجديد منذ تم تأسيسه. وأخيرا، سيتم تحديد الدول التي شهدت أعلى درجة من الزيادة (أو النقصان) في الاستقرار الاقتصادي منذ انضمامها للاتحاد الأوروبي النقدي، مع محاولة إيجاد علاقة بين تغيّر النشاط في السياسة النقدية والتغيّر الحاصل في الاستقرار الاقتصادي.
الاتحاد الأوروبي النقدي: الخلفيات والدراسات السابقة
دعت معاهدة ماسترخت التي تم التوقيع عليها من قبل أعضاء الاتحاد الأوروبي الخمسة عشر في 7 شباط 1992 إلى إنشاء البنك المركزي الأوروبي الجديد بتاريخ 1 كانون الثاني 1999. وسيكون البنك المركزي الأوروبي مسؤولا عن مهمة إدارة السياسة النقدية الموحدة لأعضاء الاتحاد النقدي الاوروبي الأحد عشر.[1] وينص النظام الأساسي للبنك المركزي الأوروبي (المادة 2 من البروتوكول) على أن الهدف الرئيسي والأهم للسلطة النقدية الأوروبية هو “المحافظة على استقرار الأسعار”.[2] وبتبني أسس النظرية النقدية، فقد حددت معدلات نمو ثابتة للكتل النقدية المتداولة لتكون في صميم النظام الأساسي للبنك المركزي الأوروبي (فمثلا حدد معدل نمو الكتلة النقدية الموسعة M3 لمنطقة اليورو بنحو 4.5%). وبذلك يستند البنك المركزي الأوروبي الى توجهات النظرية النقدية مشابها لما كان يقوم به البندسبنك الألماني سابقا، من حيث تركيز السياسة النقدية على هدف استقرار الأسعار للمدى الطويل عوضا عن التركيز على الاستقرار الاقتصادي للمدى القصير.
أكد محافظ البنك المركزي الأوروبي فيم دوزنبرغ في خطابه أمام البنك الاحتياطي الفيدرالي في كانزس سيتي عام 1999 التزامه باستقرار الأسعار. ولقد صرّح دوزنبرغ (1999) أنه لا ينبغي توجيه السياسة النقدية بعيدا عن هدفها الرئيسي الكائن بالحفاظ على استقرار الأسعار. وشدد على أن الحفاظ على معدلات تضخم منخفضة ضروري للمحافظة على النمو المستدام وارتفاع مستويات العمالة. وأوضح دوزنبرغ أن البنك المركزي الأوروبي يرى أنه حتى معدلات التضخم المرتفعة باعتدال مضرة بالنمو الاقتصادي.[3]علاوة على ذلك، فإنه يلاحظ أن البنك المركزي الاوروبي اتبع سياسة غير نشطة وفق أدائه في عام 2001 إبان بروز بوادر مخاطر عالمية واضحة للركود. في ذلك العام، وبينما قام البنك الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة 11 مرة وبنك إنجلترا المركزي بسبع مرات، قام البنك المركزي الأوروبي بخفض أسعار الفائدة أربع مرات فقط بالرغم من الضغوط العالمية للمزيد من الانخفاض.
قبل بروز البنك المركزي الأوروبي رسميا إلى حيّز الوجود في عام 1999، بدأت تظهر المؤلفات والدراسات الأكاديمية التي تُخمّن كيف سيتأثر الاستقرار الاقتصادي في الدول الأعضاء بالتحرك نحو بنك مركزي موحد. ولقد أجمعت الآراء التي انبثقت عن هذه المؤلفات على وجود أمل ضئيل بزيادة الاستقرار الاقتصادي. وعلى سبيل المثال، يُشير آيكنجرين (1992) وبيومي وآيكنجرين (1993 و1997) أن الدول الأعضاء لم تقم بتشكيل منطقة العملة المُثلى كما تم تعريفها من قبل مونديل (1961). وتتألف منطقة العملة المُثلى من مجموعة من البلدان التي تتقاسم صدمات اقتصادية مماثلة والتي يمكن أن يتدفق رأس المال والعمالة بينها بحرية. ونظرا لاختلاف الصدمات التي واجهتها الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي الأوروبي عبر الزمن، فمن المحتمل أن تكون هناك حالات في المستقبل تختلف فيها السياسة النقدية المُثلى لهذه الدول. ومع ذلك، لن يستطع بنك مركزي موحد من أن يحدد سياسة نقدية تلائم احتياجات كافة هذه الدول في الوقت ذاته. وستُصبح اقتصادات هذه الدول أقل استقرارا نتيجه لأن البنك المركزي الأوروبي الجديد لن يكون قادرا على الاستجابة الافضل لهذه الصدمات غير المتماثلة (الخاصة بكل دولة).
كذلك، يبين دو جروي (2000) أن البنك المركزي الأوروبي قد يؤدي إلى درجة منخفضة جدا من الاستقرار بالنسبة إلى الصدمات غير المتماثلة بالنظر لاختلاف الوضع الأمثل لكل دولة من الدول الأعضاء منفردة، لأن البنك في هذه الحالة يستجيب لمتوسط الدول الأعضاء كافة. ويبين ستيفنز (1999) أن عدم قدرة البنك المركزي الأوروبي من الاستجابة لمتطلبات كل دولة منفردة قد يؤدي في النهاية إلى انسحاب الأعضاء من الاتحاد النقدي الأوروبي. وبالمثل، يقول سلفادور (2002) أنه عندما تتأثر دولة ما بصدمة غير متماثلة، يتوجب على تلك الدولة أن تنتظر ريثما يصحح الاقتصاد نفسة بنفسه. ويعتقد سلفادور أن عملية الإصلاح الذاتي هذه قد تطول لدرجة لا تستطيع أن تتحملها سياسيا أي حكومة. ويقدم سلفادور دليلا على أن كل من إيطاليا وإسبانيا هما الدولتان الأعضاء في الاتحاد النقدي الأوروبي اللتان كثيرا ما ستواجهان صدمات غير مماثلة، وبذلك ستواجهان أعلى خسارة من هذه السياسة النقدية المشتركة.
نقد أصحاب النظرية النقدية للدراسات السابقة
إن الدراسات السابقة حول التأثيرات المحتملة للتحول نحو البنك المركزي الأوروبي الموحد نشطت في الإطار النظري، وعكست وجود اختلاف واسع بين خبراء الاقتصاد الكلي حول ذلك الموقف. وعلى وجه التحديد، يعتقد أصحاب النظرية النقدية أنه هناك بعض المشاكل في تنفيذ السياسة النقدية والتي يمكن أن تحجم من قدرة السياسة النقدية الناشطة على إحداث استقرار اقتصادي، حتى إن كانت هذه السياسة حسنة النية.
يمكن إيجاز رأي أصحاب النظرية النقدية بوجود فجوة بين القرار والتنفيذ في السياسة النقدية يخلق وضعا يستحيل فيه توقيت ضخ الحوافز والتحكم في حجم الكتلة النقدية بدقة. ولذلك، فإن استخدام سياسة نقدية ناشطة كثيرا ما يؤدي إلى أخطاء ينجم عنها تقلبات في دورات الاعمال أشمل من تلك الممكن حدوثها في حال عدم استجابة البنك المركزي ببساطة للصدمات الخارجية الاقتصادية. ويعتبر الاستنتاج الرئيسي للدراسات في هذا المجال، ممثلة في كل من فريدمان (1961، 1968) وبرينارد (1967) وفيلبس (1968) وبرونر (1985) وملتزر (1987) وأورفانيدس (1998، 2000، 2002)، أنه يتوجب على السياسة النقدية أن تهتم أولا باستقرار الأسعار في المدى الطويل بدلا من الاهتمام بالاستقرار الاقتصادي في المدى القصير وأنه نتيجة لذلك سيكون الاقتصاد أكثر استقرارا.[4]
يطرح الرأي الصادر عن أصحاب النظرية النقدية صورة للآثار المحتملة للتحول نحو بنك مركزي موحد تختلف كثيرا عن تلك التي تم رسمها في المؤلفات السابقة. وإذا كان النشاط النقدي الموجه بطريقة جيدة يؤدي فعلا إلى إقتصاد أقل استقرارا، كما يعتقد أصحاب النظرية النقدية، عندها ستؤدي عدم قدرة البنك المركزي الموحد الرد على جميع هذه الصدمات غير المتماثلة بالفعل إلى استقرار اقتصادي بدرجة أكبر. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الدول التي ستشهد زيادة في الاستقرار الاقتصادي نتيجة لانضمامها إلى الاتحاد النقدي الأوروبي هي بالضبط تلك التي كان لديها أكثر البنوك المركزية الوطنية نشاطا. ومن جهة أخرى، بالنسبة لبعض الدول التي كان لديها بنوك مركزية وطنية غير نشطة مثل ألمانيا، فمن المرجح أن يكون البنك المركزي الأوروبي الجديد أكثر نشاطا وتدخلا فعليا من البنك المركزي الوطني السابق لديها. وإذا كان هذا الأمر صحيحا، فمن المحتمل أن تشهد هذه الدول، بعد خضوعها لبنك مركزي أكثر فاعلية، درجة أقل من الاستقرار الاقتصادي.
وعليه، هناك نظريتان متنافستان تنتجان تنبؤات مختلفة كليا حول كيف سيتغير الاستقرار الاقتصادي لكل دولة بعد انشاء الاتحاد النقدي الأوروبي. ويتوقع النموذج الناشط الذي كان بمثابة الأساس للدراسات والمؤلفات السابقة أن وجود بنك مركزي موحد أقل نشاطا فيما يتعلق بالصدمات غير المتماثلة سيؤدي إلى التقليل من الاستقرار الاقتصادي في هذه الدول، في حين يتوقع نموذج خبراء النظرية النقدية العكس تماما. ويتوقع النموذج الخاص بأصحاب النظرية النقدية أن الافتقار إلى الاستجابة لمثل هذه الصدمات يجب أن ينتج المزيد من الاستقرار الاقتصادي. وعليه، وبفحص التغيير في الاستقرار الاقتصادي لهذه الدول منذ أن خضعت لبنك مركزي موحد وما إذا كان هذا التغيير مرتبطا بفاعلية البنك المركزي الوطني السابق، يمكن اختبار وتفحص توقعات المدارس الفكرية المتنافسة.
ما مدى نشاط البنوك المركزية الوطنية السابقة؟
يستعرض هذا الجزء مجموعة من البيانات التي تعكس درجة فاعلية البنوك المركزية في كل من النمسا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا قبل انشاء الاتحاد النقدي الأوروبي.[5] ومع ذلك، فإن قياس درجة فاعلية السياسة النقدية يعتبر مهمة غير سهلة، كما لا يوجد إجماع حول كيفية قياس حجم واتجاه التغيير في السياسة النقدية على نحو تطبيقي. ويقيس كل من سيمز (1972) وجرير (1984، 1989) التغيرات في السياسة النقدية بواسطة التغيرات في حجم الكتلة النقدية الضيقة المعروفة باسم M1. ولقد تم مؤخرا استخدام بدائل أخرى لـحجم الكتلة النقدية الضيقة M1. فعلى سبيل المثال، يستخدم كل من سيمز (1995) وبرنانكي وبلايندر (1992) وبرنانكي وميهوف (1995) وكابورال وجرير (1998) التغيرات في أسعار الفائدة على الايداعات الفيدرالية الامريكية كمقياس للتغيرات في السياسة النقدية.
لقد تركز الجدل حول مقاييس السياسة النقدية بين اختيار معدلات نمو حجم الكتلة النقدية مقابل أسعار الفائدة. وفي حين أن حجم النقد المتداول لا يخضع للإدارة المباشرة من قبل البنوك المركزية، إلا انه يرتبط بعلاقة تبادلية مباشرة مع تحركات التضخم. وعليه، تعكس حركة الكتلة النقدية المتداولة سياسة البنوك المركزية. يقدم الجدول 1 بضعة معايير للنشاط النقدي لكل دولة على أساس معدل نمو حجم الكتلة النقدية المعروفة باسم M2، إضافة إلى اسعار الفائدة الإسمية والحقيقية للاسواق المالية في المدى القصير.
يحتوي العمودان الأولان من الجدول 1 بيانات عن تقلب نمو النقد M2 للفترة من كانون الثاني 1987 لغاية كانون الأول 1998.[6] وكلما كانت القيمة أكبر، يعني ذلك أن البنك المركزي كان أكثر نشاطا خلال تلك الفترة الزمنية. وتحسب القيمة المطلقة في العمود الأول تقلب M2 لكل دولة بالنسبة إلى متوسط مجموعة قيمها باستخدام المعادلة التالية للتباين المطلق:
بحيث تمثل M2 لوغارثم الكتلة النقدية المتداولة؛ و∆M2 يمثل معدل نمو الكتلة النقدية المتداولة؛ وμ∆M2 يمثل متوسط ∆M2؛ وN تمثل اي دولة عضو في الاتحاد النقدي الأوروبي (أو البنك المركزي الأوروبي)؛ وT عدد البيانات الشهرية المسجلة.
وتحتسب القيمة النسبية الواردة في العمود الثاني مدى تقلب M2 مقارنة مع قيمة تغيره في الولايات المتحدة الامريكية للفترة نفسها بدلا من متوسط المجموعة نفسها باستخدام معادلة التباين النسبي:
حيث تشير US إلى القيمة المعاصرة للولايات المتحدة.
ويتم احتساب مقياس التباين النسبي الثاني بالمقارنة مع الولايات المتحدة كطريقة للتحقق من قوة وصحة النتائج. وبما أن البنوك المركزية الوطنية السابقة والبنك المركزي الأوروبي الجديد عملوا في فترات زمنية مختلفة والتي قد تكون مختلفة هيكليا، فإن تعديل البيانات بالنسبة إلى الولايات المتحدة يساعد في التأكد من أن هذا الفارق لا يؤثر على النتائج. وبعبارة أخرى، من الممكن أن تختلف الظروف الاقتصادية في مرحلة ما بعد البنك المركزي الأوروبي كثيرا عن الظروف الاقتصادية السائدة في فترة ما قبل انشاء البنك، وبالتالي ستكون المقارنة بالنسبة للولايات المتحدة مساعدا على تلافي ذلك وبالذات لأن رئيس البنك الفيدرالي الامريكي بقي نفسه خلال الفترة الزمنية التي تم اختيارها. وهكذا في حين تمت مناقشة المقاييس المطلقة، تم تقديم المقاييس النسبية مع الولايات المتحدة لإظهار مدى صحة وقوة النتائج لمثل هذا التعديل.
تظهر النتائج الواردة في الجدول 1 أن تقلب معدل نمو M2 كانت قيمته أعلى لإيطاليا وفرنسا وإسبانيا وكانت أدناها للنمسا وبلجيكا وألمانيا. هذا يلمح إلى أن البنوك المركزية الوطنية السابقة لإيطاليا وفرنسا وإسبانيا كانت نسبيا أكثر فاعلية من البنوك المركزية للنمسا وبلجيكا وألمانيا. وللتحقق من صحة وقوة هذه الاستنتاجات حول فاعلية البنوك المركزية الوطنية التي تم الحصول عليها من تقلب M2، تم إجراء الحسابات (بقيم مطلقة ونسبية) باستخدام البيانات الشهرية لأسعار الفائدة الإسمية والحقيقية للاسواق المالية للمدى القصير (r) كالآتي:
حيث تُشير القيم ذات الرمز السفلي US إلى معدلات أسعار الفائدة على الايداعات الفيدرالية في الولايات المتحدة الامريكية.
يظهر العمودان الثاني والثالث من الجدول 1 النتائج باستعمال أسعار الفائدة كمقياس للنشاط النقدي. وتؤدي هذه المقاييس إلى النتيجة ذاتها التي توصلت إليها مقاييس حجم الكتلة النقدية. وعلى وجه التحديد، تؤكد نتائج أسعار الفائدة الإسمية والحقيقية مرة أخرى أن البنوك المركزية الوطنية السابقة لإسبانيا وفرنسا وإيطاليا كانت أكثر نشاطا من تلك للنمسا وألمانيا وبلجيكا. إضافة إلى ذلك، فإن تقلب أسعار الفائدة الإسمية والحقيقية لدولة عضو في الاتحاد النقدي الأوروبي بالنسبة إلى متوسط تقلب مجموعتها وكذلك بالنسبة إلى معدلات أسعار الفائدة على الايداعات الفيدرالية الإسمية والحقيقية في الولايات المتحدة، يعطي في الواقع النتائج نفسها.
النتائج الواردة في الجدول 1 مبنية على أساس اختيار مقاييس بسيطة لنشاط السياسة النقدية وتكمن بساطتها في شمولها معلومات عن جميع التغيرات وليس فقط التغيرات التي نُفذت بواسطة البنك المركزي استجابة إلى تقلب الأوضاع الاقتصادية في المدى القصير. ولذلك فإن هذه النتيجة مختلطة لأن فاعلية السياسة النقدية قد عرفت تقليديا على أنها درجة استجابة سياسة البنك المركزي إلى التقلبات في النشاط الاقتصادي الفعلي في المدى القصير. وعليه، فإن مقياس نشاط السياسة النقدية الجيدة يجب أن يتضمن التغيرات في السياسة النقدية المرتبطة بالتغيرات في الأوضاع الاقتصادية في المدى القصير. وفي محاولة للحصول على مقياس أكثر دقة لنشاط السياسة النقدية، تم استخدام نموذج قاعدة تيلور لكل دولة لتقدير استجابة البنوك المركزية الوطنية السابقة للاوضاع الاقتصادية الفعلية باتباع الطريقة المقبولة من قبل فوست وروجرز ورايت (2001). هذا الصنف من الدالة المرتبطة بتفاعل السياسة يفترض أن لدى البنوك المركزية أسعار فائدة إسمية مستهدفة rt* تعتمد على تفاوت الناتج المتوقع Etyt والتضخم المتوقع Etπt+n حسب المعادلة:
ويشتمل النموذج على تسوية لأسعار الفائدة بحيث يكون:
بحيث تكون 1 > ρ > 0، وυt صدمة عشوائية لأسعار الفائدة (بافتراض انها مستقلة ومتماثلة في التوزيع النمطي).
يعطي الإحلال المعادلة التي يجب أن تُقدَّر:
بحيث تكون:
في هذه المعادلة، rt هي أسعار الفائدة الإسمية، وπt+n أسعار التضخم المستهدفة (بحيث تكون n=12) و yt تفاوت الناتج الصناعي. ويتم قياس تفاوت الناتج بالنسبة المئوية لانحراف لوغارثم الإنتاج الصناعي عن اتجاهه العام.[7] يمكن استخدام الخصائص التي تم تقديرها من تفاعل كل بنك مركزي لقياس الدرجة التي يستهدفها كل بنك على حدة لاستقرار الأسعار للمدى الطويل مقابل معالجة التقلب الاقتصادي في المدى القصير. وهذه تنعكس على قيم β وγ، على التوالي. وعليه، فإن نسبة γ/β تعتبر مقياسا واضحا لفاعلية البنك المركزي. وتدل القيمة المرتفعة لنسبة γ/β على أن سياسة البنك المركزي كانت أكثر فاعلية نسبيا في استهداف تفاوت الناتج، وعليه، أظهرت درجة أعلى من نشاط السياسة النقدية.
وهكذا تم تقدير نموذج قاعدة تيلور لكل دولة[8] باستخدام بيانات شهرية من كانون الثاني 1979 إلى كانون الأول 1998. وباتباع فاوست وروجرز ورايت (2001)، تم استخدام طريقة الأدوات المتغيرة. تم استخدام ست قيم لأسعار الفائدة والتضخم وتفاوت الناتج كأدوات لنسبة التضخم المستهدفة وتفاوت الناتج. وتظهر نتائج نسب γ/β من التقديرات في العمود الأخير من الجدول 1 لسهولة المقارنة للمقاييس الأكثر بساطة الخاصة بالنشاط النقدي.
وتتشابه نتائج عملية التقدير هذه مع المقاييس الثلاثة البسيطة. ووفقا للنسب، تظهر النتائج انقسام البنوك المركزية الوطنية السابقة الى مجموعتين واضحتين هما مجموعة إيطاليا وفرنسا وإسبانيا الأكثر نشاطا، ومجموعة النمسا وبلجيكا وألمانيا الأقل نشاطا من البنوك المركزية الوطنية السابقة قبل انشاء الاتحاد النقدي الأوروبي.[9]
وكما سبقت الإشارة، فإن دستور البنك المركزي الأوروبي يقوده بصراحة باتجاه سياسة أقل نشاطا وأكثر اتباعا للنظرية النقدية. ومع ذلك، نعتقد أنه من الجدير بالاهتمام أن يتم احتساب معاييرنا الخاصة بالنشاط النقدي للبنك المركزي الأوروبي لغايات المقارنة. ولسوء الحظ، يوجد مشكلتان. المشكلة الأولى، البيانات المتوفرة للبنك المركزي الأوروبي تغطي فترة زمنية أقصر بالنسبة للبنوك المركزية الوطنية السابقة. هذا يقلل من دقة التقديرات كما أنه يجعل من الصعوبة الحصول على تقديرات ذات معنى من نموذج قاعدة تيلور. وبالتالي، نستطيع أن نقدم مقاييس النشاط الأبسط للبنك المركزي الأوروبي الجديد. ومع ذلك نشعر بالتشجيع لأن النتائج السابقة تُشير إلى أن هذه المقاييس المبسطة توفر، جوهريا، نفس النتائج التي تنتج عن نموذج قاعدة تيلور الأكثر تطورا.
المشكلة الثانية هي أن الأوضاع الاقتصادية التي شهدتها فترة ما بعد انشاء الاتحاد النقدي الأوروبي تختلف عن تلك السائدة في فترة ما قبل الانشاء مما يؤثرعلى أي مقارنة ذات معنى. ولو كان البنك المركزي الأوروبي موجودا خلال هذه الفترة السابقة وكان يتبع قواعد السياسة ذاتها لكان من المحتمل أن يكون سلوكه الملاحظ إما أكثر أو أقل فاعلية من سلوكه في حقبة ما بعد الاتحاد النقدي الأوروبي. وهذا بالتحديد هو السبب وراء قيامنا بعرض المقاييس بالقيم المطلقة وكذلك القيم النسبية مقارنة مع الولايات المتحدة الامريكية. وبالتعديل مع سياسة الولايات المتحدة، من الممكن أن يُساعد هذا على ضبط الفروقات في الأوضاع الاقتصادية الضمنية التي من المحتمل أن تكون قد تسببت في تغيير النشاط الملاحظ وخصوصا أنه قد تم الإبقاء على نفس رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي الامريكي خلال فترة العينة كاملة. هذا الأسلوب يُتيح لنا المجال للتأكد من أن الاختلافات في الأوضاع الاقتصادية بين الفترتين الزمنيتين لا تدفع النتائج التي يتم الحصول عليها بالنظر الى المقاييس المطلقة. ومع ذلك، لا نزال نعرض البيانات الخاصة بالمقاييس المطلقة (غير المتصلة بالولايات المتحدة) لإظهار قوة وصحة نتائجنا بغض النظر عما إذا تم اعتبار هذا التعديل أو لم يتم.
تظهر النتائج الخاصة بالتقلب النسبي لمعدل نمو حجم الكتلة النقدية المتداولة للبنك المركزي الأوروبي وكذلك تقلب كل من أسعار الفائدة الإسمية والحقيقية في الاسواق المالية في الصف الأخير[10] من الجدول 1. ويُظهر البنك المركزي الأوروبي نشاطا أقل بكثير من نشاط البنوك المركزية الوطنية السابقة لكافة المؤشرات.
يعرض الشكل 1 بيانات تجعل من السهل مقارنة درجة النشاط عبر البنوك المركزية الوطنية السابقة بالنسبة إلى البنك المركزي الأوروبي الجديد. ونظرا لوجود العديد من المقاييس لنشاط السياسة النقدية، يتم إيجاد المعدل لها والتي يبين قيمته الرسم البياني في الشكل 1. ويبدو واضحا من الشكل المذكور أن السياسة النقدية في ظل البنك المركزي الأوروبي الجديد أقل نشاطا من تلك للبنوك المركزية الوطنية السابقة. وبصفة خاصة، فإن السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي أقل نشاطا وبدرجة كبيرة من البنوك المركزية الوطنية السابقة لإسبانيا وإيطاليا. وباسترجاع ما سبق، فلقد وجد سلفادور (2002) أن كل من إيطاليا وإسبانيا تعانيان من أشد الصدمات غير المتماثلة وستكونان الدولتان اللتان ستعانيان من درجة كبيرة من التقلب الاقتصادي بعد الانضمام إلى الاتحاد النقدي الأوروبي (وذلك لأن البنك المركزي الأوروبي لن يكون قادرا على موازنة الصدمات الاقتصادية أسوة بما فعلت البنوك المركزية الوطنية الناشطة جدا).[11]
وجد فاوست وروجرز ورايت (2001)، في الدراسة الأخرى الوحيدة التي تناقش نشاط البنك المركزي الأوروبي الجديد بالنسبة إلى البنوك المركزية الوطنية السابقة، أن البنك المركزي الأوروبي أقل واقعية وصرامة في موضوع التضخم عند مقارنته بالبنك المركزي الألماني السابق (بندسبنك). وبرغم ذلك، فهذا لا يتناقض بشكل مباشر مع استنتاجاتنا لأننا حاولنا النظر إلى النشاط بدلا من النظر إلى الدرجة التي تحاول فيها المحافظة على صرامة استقرار الأسعار. ومن الممكن أن يدلل ذلك أنه من المحتمل إنشاء مقاييس بديلة تبين أن البنك المركزي الأوروبي الجديد أنشط من البنك المركزي الألماني السابق (بندسبنك) بدرجة قليلة وربما مساوية لنشاط البنوك المركزية السابقة لكل من النمسا وبلجيكا.
هل أصبحت الاقتصادات أكثر أم أقل استقرارا في ظل البنك المركزي الأوروبي؟
تقترح نتائجنا أن البنك المركزي الجديد هو بنك مركزي غير ناشط وتحديدا عندما يقارن بالبنوك المركزية الوطنية السابقة لدول مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا. في هذا الجزء، سيتم محاولة البحث عما إذا كانت اقتصادات هذه الدول قد أصبحت أكثر أو أقل استقرارا بعد خضوعها لبنك مركزي أقل تجاوبا للتقلبات الاقتصادية التي تواجهها في المدى القصير. يُظهر القسم العلوي من الجدول 2 مقاييس عديدة للتغير في الاستقرار الاقتصادي لهذه الدول منذ إنشاء البنك المركزي الأوروبي. أما القسم السفلي من الجدول، فهو يعرض نتائج مشابهة للدنمارك والسويد والمملكة المتحدة (الدول الثلاثة الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والتي لم تنضم إلى الاتحاد النقدي الأوروبي). سيتم عرض ومناقشة النتائج لهذه الدول الثلاثة في نهاية هذا الجزء، وبذلك يمكن للقراء أن يتجاهلوا القسم السفلي من الجدول.
تم استخدام تقلب تفاوت الناتج، مقاسا بتباين النسبة المئوية للوغارثم الإنتاج الصناعي الشهري عن اتجاهه العام، لقياس الاستقرار لكل اقتصاد. العمود الأول من الجدول 2 يصف التغييرات في تباين تفاوت الناتج مقاسا بطرح التباين لفترة ما قبل الاتحاد النقدي الأوروبي من التباين لفترة ما بعد الاتحاد النقدي.[13] وعليه، يعني الرقم السالب أن اقتصاد الدولة قد أصبح أكثر استقرارا في ظل البنك المركزي الأوروبي الجديد، بينما يعني الرقم الموجب أن الاقتصاد قد أصبح أقل استقرارا. ويظهر العمود الثاني من الجدول هذا التغيير كنسبة مئوية لدرجة التباين القديمة.
تبين التغييرات في تباين تفاوت الناتج أن اقتصادات النمسا وبلجيكا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا قد اصبحت جميعها أكثر استقرارا تحت البنك المركزي الأوروبي الجديد، بخلاف ما توقعته الدراسات السابقة حول الصدمات غير المتماثلة وخاصة لكل من إسبانيا وإيطاليا. ولم تصبح هذه الاقتصادات أكثر استقرارا فحسب، بل يبدو أن الزيادة في الاستقرار مرتبطة بشكل وثيق بدرجة نشاط البنوك المركزية الوطنية السابقة. إن تلك الدول مثل إسبانيا وإيطاليا، التي كان لديها أكثر البنوك المركزية الوطنية نشاطا، هي التي كسبت أقصى درجات الاستقرار كنتيجة للتحول نحو البنك المركزي الأوروبي الاقل نشاطا نسبيا. وباستخدام مقياس تباين تفاوت الناتج، فإن المانيا هي الدولة الوحيدة التي أصبحت أقل استقرارا، وعلى نحو بسيط. وبما أن المانيا كانت الأقل نشاطا بين البنوك المركزية الوطنية السابقة، فإن ذلك يؤيد، مرة أخرى، التوقعات المبنية على النظرية النقدية. وفي حين أن بياناتنا دلت على أن ألمانيا أنشط من البنك المركزي الأوروبي الجديد بدرجة قليلة، فلقد اقترح فاوست وروجرز ورايت (2001) أن البنك المركزي الأوروبي هو بالفعل أنشط من البندسبنك الألماني بدرجة بسيطة. وإذا كان هذا صحيحا، فإن هذا الاستنتاج المتعلق بنقص الاستقرار يتفق مع تنبؤات موقف اصحاب النظرية النقدية والتي تنص على أنه بينما تتحرك ألمانيا نحو بنك مركزي أكثر نشاطا فإنها تخسر استقرارها الاقتصادي.
البيانات المقدمة في الجدول 2 دليل يساند موقف أصحاب النظرية النقدية لأصحاب نظرية الفاعلية لأنها تعتقد أن عدم مقدرة البنك المركزي الأوروبي الجديد على الاستجابة إلى هذه الصدمات غير المتماثلة قد أدت بالفعل إلى المزيد من الاستقرار الاقتصادي. والأمر الأكثر أهمية أن الزيادات في الاستقرار أكبر بدرجة لا يمكن نكرانها بالنسبة للدول الثلاثة التي كانت البنوك المركزية الوطنية السابقة لها هي الأكثر نشاطا في السعي نحو الاستقرار الاقتصادي في المدى القصير (فرنسا وإسبانيا وإيطاليا) بالمقارنة مع الدول الثلاثة ذات البنوك المركزية الوطنية السابقة الأقل نشاطا (ألمانيا والنمسا وبلجيكا). وعليه، فإن الدول التي تعاني من أكبر مكاسب الاستقرار كونها تخضع للبنك المركزي الأوروبي هي تلك الدول التي كانت بنوكها المركزية الوطنية السابقة الأكثر نشاطا. وقد يبدو هذا دليلا واضحا يساند، مرة أخرى، نظرة أصحاب النظرية النقدية بأن البنك المركزي الناشط، وبالرغم من النية الحسنة، يؤدي إلى درجة أدنى من الاستقرار الاقتصادي.
هناك نقد واضح لهذه البيانات بأنه وببساطة من الممكن أن تكون فترة ما بعد الاتحاد النقدي الأوروبي مختلفة عن فترة ما قبل الاتحاد النقدي الأوروبي بسبب أن اقتصادات العالم كافة كانت أكثر استقرارا. ومع ذلك، لا يُفسر هذا السبب في أن هذه الدول تحديدا، ذات البنوك المركزية الوطنية السابقة الأكثر نشاطا، قد شهدت أكثر المكاسب من الاستقرار الاقتصادي. ومع ذلك، وسعيا للتأكيد على أن هذا التأويل ليس مسؤولا عن النتائج، تمت مقارنة تباين تفاوت الناتج لفترة ما بعد الاتحاد النقدي الأوروبي مقابل نوافذ البيانات الأصغر المتساوية في بيانات فترة ما قبل الاتحاد النقدي الأوروبي. يُظهر العمود الثالث في الجدول 2 النسبة المئوية لنوافذ فترة ما قبل الاتحاد النقدي الأوروبي التي لها تباينات أعلى لتفاوت الناتج مقارنة مع النافذة المستقلة لفترة ما بعد الاتحاد النقدي الأوروبي. وجدير بالذكر أن لإيطاليا وفرنسا وإسبانيا ما نسبته 100% و68% و100%، على التوالي، من تباين نوافذ فترة ما قبل الاتحاد النقدي الأوروبي والتي كانت أعلى من تلك لفترة ما بعد الاتحاد النقدي الأوروبي. ويعني هذا أنه بالنسبة إلى إيطاليا وإسبانيا تميزت فترة ما بعد الانضمام إلى الاتحاد النقدي الأوروبي بمزيد من الاستقرار الاقتصادي مقارنة مع أي فترة زمنية مساوية قبل الاتحاد النقدي الأوروبي. وعليه، تعرض هذه المجموعة من الدول ذات البنوك المركزية الوطنية السابقة الأكثر نشاطا مزيدا من الاستقرار تحت البنك المركزي الأوروبي مقارنة مع الغالبية العظمى من نوافذ ما قبل الاتحاد النقدي الأوروبي المتساوية. من ناحية أخرى، فإن النسبة المئوية لألمانيا وبلجيكا والنمسا (الدول الثلاثة ذات البنوك المركزية الوطنية القديمة غير الناشطة نسبيا) أدنى على صفر% و23% و61%، على التوالي. مرة أخرى، فإن هذه المجموعة من الدول لم تشهد أية مكاسب، أو في أحسن الأحوال شهدت مكاسب استقرار صغيرة مقارنة مع الدول الأخرى ذات البنوك المركزية الوطنية الأنشط.
لمزيد من التحقق من سلامة النتائج، ورد في الجدول 2 بيانات مماثلة على تقلبات الأسواق المالية في هذه الدول مقاسة بمؤشر سوق الأسهم المالية الشهري لكل دولة (مع ضريبة عند المصدر).[14] ولقد كنا نظن أن هذا سيكون متغيرا ثانيا مثيرا للاهتمام ليس لمجرد أن الاستقرار المالي يرتبط بشكل وثيق مع الاستقرار الشامل في الاقتصاد، بل أيضا لأن أسعار الأسهم تتضمن قدرا كبيرا من المعلومات عن الأوضاع الاقتصادية المستقبلية. إن الانخفاض في تقلب عائدات سوق الأسهم يعني المزيد من الاستقرار في النظام المالي. الأعمدة الثلاثة الأخيرة من الجدول 2 تُبين التغييرات في تقلب عائدات سوق الأسهم مقاسة مرة أخرى بطرح تباين ما قبل الاتحاد النقدي الأوروبي من تباين ما بعد الاتحاد النقدي الأوروبي.[15]
إن استخدام هذا المقياس البديل للاستقرار الاقتصادي يعكس النتيجة ذاتها. فلقد كسبت كل من إيطاليا وإسبانيا، ذات البنوك المركزية الوطنية الأكثر نشاطا، استقرارا اقتصاديا كبيرا منذ أن انضمت إلى الاتحاد النقدي الأوروبي. كما أصبحت عائدات سوق الأسهم أكثر استقرارا للنمسا وإن لم تصل للقدر نفسه. وتشير النتائج الخاصة بألمانيا، الدولة ذات أقل البنوك المركزية الوطنية السابقة نشاطا، مرة أخرى إلى انخفاض طفيف في الاستقرار الاقتصادي منذ انضمامها إلى الاتحاد النقدي الأوروبي. إن نتائج سوق الأسهم لبلجيكا وفرنسا هي النتائج الوحيدة التي لا تتوافق مع الاستنتاج ذاته الذي تم التوصل إليه من قياس الاستقرار الاقتصادي عبر دراسة تفاوت الناتج.
في هذه المرحلة، إن أكثر الفرضيات المعاكسة التي تستدعي الاعتبار لمواجهة الفرضية التي تم عرضها هي أن جميع اقتصادات اوروبا قد أصبحت ببساطة أكثر استقرارا في فترة ما بعد الاتحاد النقدي الأوروبي (ربما بسبب الاتحاد الأوروبي نفسه). الاختبار الواضح لهذا هو مقارنة التغير في الاستقرار الاقتصادي لدول الاتحاد النقدي الأوروبي هذه مع الدول الأوروبية الثلاثة العضو في الاتحاد الأوروبي والتي لم تنضم إلى الاتحاد النقدي الأوروبي (بريطانيا والدنمارك والسويد)، وتمسكت بدلا من ذلك ببنوكها المركزية الوطنية. ولقد تم عرض نتائج هذه الدول الثلاثة التي تخدم “كمجموعة تحكم” في القسم السفلي من الجدول 2. وحيث أن هذه الدول لم تنضم إلى الاتحاد النقدي الأوروبي ولا تزال تخضع لبنوكها المركزية الوطنية نفسها كما كانت في السابق، يجب أن يكون التغير في الاستقرار الاقتصادي لهذه الدول بمثابة النقطة المرجعية الإرشادية لمقارنة دول الاتحاد النقدي الأوروبي بها.
يبين مقياس تفاوت الناتج أن دولتين من هذه الدول الثلاثة غير العضو في الاتحاد النقدي الأوروبي قد شهدت درجة أدنى من الاستقرار الاقتصادي في فترة ما بعد الاتحاد النقدي الأوروبي عنها في فترة ما بعد الاتحاد النقدي الأوروبي، في حين يظهر مقياس تقلب سوق الأسهم أن جميع الدول الثلاثة تشهد الآن درجة أقل من الاستقرار الاقتصادي. تبين هذه البيانات بشكل واضح أن مكاسب الاستقرار الاقتصادي لدول الاتحاد النقدي لم تشهدها دول أخرى من دول الاتحاد الأوروبي التي لم تنضم إلى الاتحاد النقدي، وبالتالي استبعاد هذه الفرضية المنافسة التي قد تفسر وتوضح استنتاجاتنا.
إن الأدلة المقدمة في هذا الجزء توحي بوجود دليل ضئيل يدعم جدال الدراسات السابقة القائلة بأن اقتصادات الاتحاد النقدي الأوروبي هذه (وخاصة إسبانيا وإيطاليا) ستصبح أقل استقرارا بعد الخضوع للبنك المركزي الأوروبي الجديد بسبب عدم قدرته على تكييف السياسة النقدية لحاجات كل دولة. وفي الواقع، يبدو أن الدليل يقترح العكس تماما، حيث نجد أن اقتصادات هذه الدول قد أصبحت أكثر استقرارا تحت سيطرة البنك المركزي الأوروبي. لهذا معاني ضمنية مهمة لمستقبل الاتحاد النقدي الأوروبي بسبب أن مجموعة كبيرة من الدراسات قد استخدمت هذه الفكرة كأساس للحجة القائلة أن الاتحاد النقدي الأوروبي سينهار في نهاية المطاف بمغادرة هذه الدول للاتحاد النقدي الأوروبي بسبب تراجع الاستقرار الاقتصادي الذي سيعانون منه.
يمكن تفسير النتائج المبنية على التجربة لإسبانيا وإيطاليا بإحدى الطريقتين: إما أن تكون إسبانيا وإيطاليا مستفيدتين من كونهما تحت سيطرة بنك مركزي لا يستطيع مواجهة الصدمات غير المتماثلة (موقف أصحاب النظرية النقدية)، أو أن الدولتين لم تشهدا اضطرابات غير متماثلة نهائيا. لقد شهدت كل من إسبانيا وإيطاليا زيادة في استقرار الناتج المحلي الإجمالي في مرحلة ما بعد الاتحاد النقدي الأوروبي أكثر من أي زيادة في كل الفترات الزمنية خلال العشرين عاما قبل تشكيل الاتحاد النقدي الأوروبي. ويبدو أن هذا يعزز ما سبق ذكره، وخصوصا أنه كان هناك درجة أدنى من استقرار الناتج لدول مجموعة التحكم مثل السويد والمملكة المتحدة خلال نفس فترة ما بعد الاتحاد النقدي الأوروبي عنها خلال الفتره السابقة للاتحاد النقدي الأوروبي. وهكذا نرى أن البيانات تُظهر بوضوح أن عجز البنك المركزي الأوروبي الجديد من التمكن من الاستجابة لجميع الصدمات غير المتماثلة التي تحدث في هذه الدول قد أسفر عن مزيد من الاستقرار وليس العكس—وهذه نتيجة تنسجم مع رأي أصحاب النظرية النقدية حول عدم فاعلية السياسة النقدية.
كما تتفق النتيجة التي توصلنا إليها بأن دول الاتحاد النقدي الأوروبي التي أظهرت اقتصاداتها أكبر المكاسب في الاستقرار الاقتصادي بعد خضوعها للبنك المركزي الأوروبي الجديد هي بالضبط تلك الدول التي كانت بنوكها المركزية الوطنية السابقة الأكثر فاعلية في السعي نحو الاستقرار الاقتصادي في المدى القصير، مع الفرضية المستمدة من موقف أصحاب النظرية النقدية. وبالأخص، أظهرت كل من إيطاليا وإسبانيا، ذات أنشط البنوك المركزية الوطنية، أقصى قدر من تحسن الاستقرار، بينما وفي نفس الوقت لم تتحقق مكاسب الاستقرار هذه في دول الاتحاد النقدي الأوروبي التي كان لديها بنك مركزي وطني غير نشط نسبيا (مثل ألمانيا) وكذلك الأمر بالنسبة إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ولكنها لم تنضم إلى الاتحاد النقدي الأوروبي (مثل السويد وبريطانيا).
الخاتمة
يترتب على نتائج هذه الدراسة آثار ومضامين هامة بالنسبة إلى مستقبل الاتحاد النقدي الأوروبي تحديدا، وفاعلية سياسة التثبيت الناشطة بشكل عام. وبالرغم عن التنبؤات القائلة أن اقتصادات الدول الأوروبية هذه ستبدأ بالمعاناة من تأرجح أكبر في النشاط الاقتصادي في إطار بنك مركزي موحد لا يستطيع الاستجابة للصدمات غير المتماثلة بشكل أمثل، فذلك لم يحدث فعلا. وفي حقيقة الأمر، نجد أن جميع هذه الاقتصادات قد أصبحت أكثر استقرارا في ظل سيطرة البنك المركزي الأوروبي باستثناء ألمانيا التي كان لديها بنك مركزي غير نشط نسبيا. وبما أن هذا التنبؤ بزيادة الاستقرار كان هو أساس التنبؤات التي أدعت أن الاتحاد النقدي الأوروبي محكوم عليه بالإخفاق على المدى الطويل، فإن نتائجنا تقترح صورة أفضل لمستقبل الاتحاد النقدي الأوروبي.
إن تفسيرنا للبيانات التي تم ملاحظتها هو أنه وبالرغم من حسن النوايا، تكون السياسة النقدية الناشطة غير قادرة، ببساطة، على أن تفي بوعدها، وأن السياسة الناشطة تعطي فعلا نتائج عكسية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي. وإذا كان هذا التفسير صحيحا، يبرز التساؤل حول كامل النظرية لمناطق العملة المثلى. وإذا كانت البنوك المركزية الموحدة ناشطة ولكنها تتفاعل مع الحدود الوسطى للأوضاع الاقتصادية في مجمل المنطقة، وأن هذه السياسات تُعطي نتائج عكسية فعلا، عندها سيبدو أن دمج اقتصادات غير متشابهة في منطقة العملة الموحدة من شأنه أن يؤدي إلى قدر من الاستقرار أكبر من ذلك الناتج عن دمج اقتصادات مماثلة لأنه سيؤدي إلى بنك مركزي موحد أقل نشاطا. من السهل على المرء أن يتصور كيف سيتغير حساب نموذج منطقة العملة المثلى بعد إضافة أخطاء توقيت للسياسة النقدية وكذلك بنك مركزي يستجيب مع حدود وسطى للظروف الاقتصادية للمنطقة. من الممكن النظر إلى الاستنتاجات المتعلقة بنظرية منطقة العملة المثلى على أنها تدعم الاستنتاجات التي تم التوصل إليها في المؤلفات المحلية الحديثة نسبيا[17] حول منطقة العملة المثلى والتي يقودها فرانكل وروز وفان وينكوب.
تدل النتائج على أنه هناك المزيد من الاستقرار الاقتصادي بعد الخضوع للبنك المركزي الأوروبي الخامل نسبيا، كما وتُظهر أيضا أن الدول التي تعاني من أكبر قدر من مكاسب الاستقرار هي تحديدا تلك الدول التي مارست بنوكها المركزية الوطنية القديمة أقصى درجات الاستقرار الناشط. ويتم إلقاء الضوء على ذلك بواسطة مكاسب الاستقرار لإيطاليا وإسبانيا والتي كانت بنوكها المركزية الوطنية مميزة بالاستجابة النشطة لتقلبات الناتج في المدى القصير. هذه البيانات مقنعة بشكل خاص عندما تتم مقارنة هذه الدول مع الدول التي كان لها بنوك مركزية غير ناشطة نسبيا (مثل ألمانيا) وكذلك مع دول الاتحاد الأوروبي التي لم تنضم إلى الاتحاد النقدي الأوروبي (المملكة المتحدة والسويد والدنمارك). وهذا هو أقوى الأدلة ضد التفسير البديل على أنه كان لجميع هذه الدول، وببساطة، استقرارا اقتصاديا أساسيا أكبر في حقبة ما بعد الاتحاد النقدي الأوروبي. إن الزيادة في الاستقرار مرتبطة بشكل ثابت يسهل التوقع به بدرجة نشاط البنك المركزي الوطني السابق ولا يعتبر مجرد تحسين منتظم عبر جميع الدول. ولقد كسبت الدول التي كان لديها أكبر انخفاض في النشاط النقدي أقصى درجة من الاستقرار الاقتصادي. وتقترح النتائج ببساطة ووضوح أن البنك المركزي الأقل نشاطا والذي يلتزم باستقرار الأسعار سيؤدي إلى قدر أكبر من استقرار الاقتصاد الكلي.
إن المعنى الضمني الأساسي للنتيجة اللاحقة يجب أن يكون واضحا. حيث تؤدي سياسة الاستقرار الناشط من جهة البنوك المركزية إلى قدر أقل من الاستقرار الاقتصادي. وبما أن فعالية السياسة النقدية الناشطة كانت موضوع جدل ومناقشة عبر العقود الثلاثة الماضية، فإن إيجاد فرصة نادرة لفحص هذه السياسة بطريقة واضحة ومباشرة يُعتبر ذو قيمة هامة. فالنظريات النقدية المبنية على أساس نماذج رياضية بافتراض أن النشاط النقدي فعال (مثل نظرية الصدمة غير المتماثلة للاتحاد النقدي الأوروبي أو نظريات مناطق العملة المثلى) غير قادرة على إعطاء تنبؤات تلائم البيانات الواقعية للاتحاد النقدي الأوروبي. نتأمل أن تُشجع هذه النتائج القراء على الشك في تنبؤات النظريات النقدية التي لا تضم نقد أصحاب النظرية النقدية وتفترض ببساطة فعالية نشاط السياسة النقدية.
وبالطبع، فلقد مرت ثلاث سنوات على تشكيل الاتحاد النقدي الأوروبي، وهي فترة طويلة بما فيه الكفاية لبدء اختبار كثير من التغيرات الاقتصادية التي حدثت نتيجة لهذا التحول في أوروبا. ومع ذلك، وبمرور مزيد من الوقت، وتوفر مزيد من البيانات لفترة ما بعد الاتحاد النقدي الأوروبي، سيكون هناك تقديرات موثوقة. وفي حين أن البيانات المتوفرة الآن تعتبر كافية من وجهة نظر الاقتصاد القياسي، إلا أن وجود بيانات إضافية سيحسن من دقة التقديرات التي يتم الحصول عليها من التحليل التجريبي. ونحن على ثقة من أن دراسة آثار تشكيل الاتحاد النقدي الأوروبي ستولد الكثير من الأفكار الجديدة والهامة التي ستُتيح المجال إلى تسوية بعض أهم المناقشات المتبقية في نظريات الاقتصاد الكلي حول فعالية نشاط السياسة النقدية.
ملاحظات:
[1] استوفت كل من النمسا وبلجيكا وفنلندا وفرنسا وألمانيا وإيرلندا وإيطاليا ولوكسمبرغ وهولندا وإسبانيا والبرتغال المعايير الاقتصادية المفروضة من قبل معاهدة ماسترخت وقامت بتأسيس الاتحاد النقدي الأوروبي في 1 كانون الثاني 1999. ولقد استوفت اليونان هذه المعايير في 1 كانون الثاني 2001. ولقد اختارت كل من بريطانيا والدنمارك والسويد عدم المشاركة في الاتحاد النقدي الأوروبي بسبب قلقها إزاء فقدان السيادة الوطنية.
[2] عرّف النظام استقرار الأسعار بأنه المحافظة على معدل الزيادة السنوية لمؤشر سعر المستهلك المتوافق ليكون أقل من 2% لمنطقة اليورو.
[3] هذه المقولة تتفق مع بارو (1996)، الذي وجد علاقة سلبية بين التضخم والأداء الاقتصادي في 100 دولة للفترة من 1960 إلى 1990.
[4] يوضح إليسون وفالا (2000) أن التفاعلات الاستراتيجية بين البنوك المركزية وأفراد السوق تحث على نشاط أقل في السياسة النقدية. وعلى وجه التحديد، فإن نشاط البنوك المركزية سيؤدي إلى المزيد من التأرجحات في توقعات التضخم من قبل الأفراد، والذي يمكن ترجمته إلى انتاج متقلب ورعاية اجتماعية اقل. إضافة إلى ذلك، فإن هذه النظرية تلمح إلى أن البنك المركزي الذي يأخذ في الحسبان أن أداءه وأعماله يترتب عليها تعلم مستمر يجب أن يختار أن يكون أقل فعالية من البنك المركزي الذي يتغاضى عن تأثير التعلّم.
[5] هذه هي مجموعة الدول التي يتوفر لديها بيانات ثابتة وموثوقة.
[6] البيانات الشهرية لـ M2 مأخوذة من مكتب الإحصاء في البنك المركزي الفرنسي، واختيار تاريخ البداية يعتمد على توافر البيانات إضافة إلى أنه يتزامن مع رئاسة ألن جرينسبان، وهذا مفيد في الإجراءات المؤخرة لنشاط البنوك المركزية الوطنية السابقة مقارنة بالبنك الفيدرالي الأمريكي.
[7] تم قياس تفاوت الناتج بالنسبة المئوية لانحراف لوغارثم الإنتاج الصناعي عن اتجاهه الخطي. النتائج باستعمال المعادلة الخطية قريبة من النتائج التي يتم الحصول عليها باستخدام المعادلة التربيعية.
[8] ينصح كلاريدا وجالي وجيرتلر (1997، 2000) استخدام فترات طويلة لتحسين دقة تقدير المعامِلات. ولمعرفة إذا كانت قد أثرت نتائجنا بشكل هام، تم حذف السنوات من 1990-1993، وهي الفترة التي يشار إليها بآلية سعر الصرف الصعبة. تم حذف هذه السنوات لأن كلاريدا وجالي وجيرتلر (1997) أظهروا أن البنوك المركزية الوطنية السابقة قد فقدت التحكم في سياستها النقدية إلى البندسبنك الذي كان مسيطرا في تلك الفترة. ولقد بينت النتائج التي تم الحصول عليها بعد الحذف، وبشكل أكثر وضوحا، الاختلاف بين مجموعتي البنوك المركزية الوطنية السابقة عن ذلك المعروض في الجدول 1. ولقد تم تقدير قاعدة تيلور باستخدام بيانات من القرص المدمج للإحصائيات المالية الدولية.
[9] في حين لا نورد القيم الفردية لكل من γ وβ، يجدر الإشارة إلى أنه كان لكل من ألمانيا والنمسا وبلجيكا أقل قيمة لـ γ حتى وبدون أن تقسم على β. إضافة إلى ذلك، كانت قيم β > 1 لكل من ألمانيا والنمسا وبلجيكا فقط (مما يعني أن البنك المركزي قد زاد سعر الفائدة الإسمية استجابة إلى ضغوط التضخم بشكل كاف بحيث يتم ارتفاع الفائدة الحقيقية) وعليه، حاربت التضخم بشكل فعال، مظهرة مرة أخرى موقفها من السياسة النقدية.
[10] للمزيد من المقارنة تم عرض نتائج البنك الاحتياطي الفيدرالي للفترة من كانون الثاني 1987 لغاية كانون الأول 1998 ومن كانون الثاني 1999 لغاية كانون الأول 2001. البيانات الخاصة بـ M2 للولايات المتحدة مأخوذة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي لسانت لويس.
[11] إن الارتفاع الملحوظ في النشاط النقدي لإيطاليا وإسبانيا لا يؤكد فقط تباين حجم الكتلة النقدية فحسب، بل ينعكس أيضا في مقياس قاعدة تيلور الذي يعزل النشاط وخاصة ذلك المتعلق بالتجاوب مع التقلب الاقتصادي في المدى القصير.
[12] إن أحد أكبر الصدمات التي ضربت ألمانيا في أوائل التسعينيات كان إعادة اتحاد شرق وغرب ألمانيا. كانت الاستجابة النقدية للبندسبنك خلال فترة إعادة الاتحاد فوق العادة. نعتقد أنها تحرف المقياس الحقيقي قليلا لسياسة البندسبنك النقدية وبالتحديد مقياس التباين والانحراف المعياري حيث تؤثر العينات المختلفة على النتائج. تظهر النتائج في هذا الجدول البيانات بدون بيانات السنة التي توحدت فيها ألمانيا وكذلك البيانات للعينة الكلية بين القوسين.
[13] تبدأ فترة ما قبل الاتحاد النقدي الأوروبي بالشهر الذي انضمت فيه كل دولة إلى الاتحاد الأوروبي وتستمر خلال كانون الأول 1998، وتمتد فترة ما بعد الاتحاد النقدي الأوروبي من كانون الثاني 1999 لغاية تاريخ أحدث بيانات متوفرة (عادة تموز 2001). ولقد تم استخدام فترة أطول لما قبل الاتحاد النقدي الأوروبي في مسودة سابقة لهذه الدراسة، ولقد قلق العديد من القراء من أن تشكيل الاتحاد الأوروبي قد زاد من استقرار الدول وأنه يقيّد نتائجنا. ولذلك، تم اختيار أن تقتصر عينة فترة ما قبل الاتحاد النقدي الأوروبي إلى البيانات التي تم الحصول عليها منذ انشاء الاتحاد الأوروبي فقط.
[14] تغطي فترة ما قبل الاتحاد النقدي الأوروبي الفترة التي تبدأ منذ مصادقة الدولة على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لغاية كانون الأول 1998 وفترة ما بعد الاتحاد النقدي الأوروبي تغطي الفترة من كانون الثاني 1999 لغاية تموز 2001. البيانات مأخوذة عن مورغان ستانلي كابيتال إنترناشيونال.
[15] تحتسب عائدات سوق الأسهم بلوغارثم فرق مؤشر سوق الأسهم.
[16] لفترة ما قبل الاتحاد النقدي الأوروبي، فإن بداية البيانات تتوافق مع وقت إقرار الدول الدخول في الاتحاد الأوروبي. بالنسبة إلى ألمانيا وبلجيكا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا، فإن فترة ما قبل الاتحاد النقدي الأوروبي تمتد من تشرين الثاني 1992 لغاية كانون الأول 1998. وبالنسبة للنمسا والسويد، فإن فترة ما قبل الاتحاد النقدي الأوروبي تبدأ من كانون الثاني 1993 لغاية كانون الأول 1998. لفترة ما بعد الاتحاد النقدي الأوروبي تمتد البيانات من كانون الثاني 1999 لأحدث بيانات متوفرة، وهي في العادة تموز 2001.
[17] يجادل فرانكل وروز (1998) أن الاشتراك في عملة واحدة يؤدي إلى علاقات تجارية مقربة والتي بدورها تتسبب في تقارب دورات الأعمال عبر الدول. ولأن دورات الأعمال المتزامنة تعتبر من أهم المعايير لإنشاء منطقة عملة مثلى، فإن استنتاجاتهم تؤكد الواقع بأن ظروف منطقة العملة المثلى يمكن تحقيقها بواسطة النتائج الفعلية بدلا من التوقعات والتنبؤات. ويؤكد روز (2000) وروز ووينكوب (2001) المنافع الاقتصادية التي تواجهها الدولة التي تنضم إلى اتحاد للعملة ومحلية معايير منطقة العملة المثلى. وتطابق هذه النتيجة استنتاجاتنا في أن الخيار بالانضمام إلى الاتحاد النقدي الأوروبي لا يجب أن يعتمد على معايير منطقة العملة المثلى. ويعتقد هؤلاء، مثلنا، أنه قد تم تقليل شأن منافع منطقة العملة المثلى في المؤلفات، وأن مكاسب الانضمام للاتحاد النقدي الأوروبي المحتملة يجب أن تؤدي إلى تخلي دولا أكثر عن سيادتها النقدية.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 29 أيلول 2006.
One comment
FARIDASS
22 أغسطس، 2013 at 4:34 ص
الرقابة على الكتلة النقدية