شهدت إيران في الثاني عشر من شهر حزيران الجاري انتخابات لرئاسة الجمهورية الإسلامية، بمنافسة ملفتة بين التيار الإصلاحي، والتيار المحافظ الحاكم ، وحضورا لم تشهده إيران من قبل حسب المراقبين، وقد رصدت الانتخابات وسائل الإعلام لمختلف الدول، وبهذا الحضور الكثيف، تفاءل الإصلاحيون من أن النجاح بات شبه مؤكد، بل أن أحد المصادر في وزارة الداخلية الإيرانية قد أبلغ المرشح الإصلاحي السيد مير حسين موسوي مباركا ومهنئا بفوزه الأكيد، وعليه صياغة كلمته حينما يشهر فوزه أمام الملأ..
بيد أن النتائج المعلنة رسميا، أفادت بنجاح الرئيس الحالي السيد أحمدي نجاد لدورة رئاسية ثانية، وبفارق كبير بينه، وبين السيد الموسوي، أي 63 بالمئة لأحمدي نجاد و33 بالمئة لحسين الموسوي، هذه النتيجة بحسب المراقبين قد صدمت الإصلاحيين وسرعان ما أعلنوا عن لعب وتزوير في النتائج، ويبدو أن وزارة الداخلية الإيرانية قد أدركت خطورة الموقف، فقد شهدت العاصمة طهران اضطرابات، فنزلت إلى الشوارع أرتال من جيل الشباب خاصة، إلى جانب العنصر النسائي، وهذا الثنائي عدّا أكثر المتضررين بفوز الرئيس نجادي، وهما أكثر حماسا للإصلاحات في البلاد، وهذه النتيجة عمقت الهوة بين الشباب والعنصر النسائي من جهة والدولة من جهة أخرى، فجاء الرد بإغلاق الهواتف ومواقع البريد الإلكترونية، وتم قطع التيار الكهربائي.. وتتالت التصريحات، وبالتالي توالت الإجراءات، فالسيد مير حسين الموسوي أعلن أنه هو الفائز، وبالتالي فالنتيجة هي مزورة وطلب من الجماهير الغاضبة النزول للشارع، فما كان من السلطة أن حاصرته في داره، وألزمته المكوث في بيته، وقطع عنه مختلف وسائل الاتصال بالخارج، في حين أن الرئيس نجاد، اعتبر نجاحه وهذا الحشد التي بايعته بمثابة ملحمة وطنية، في الوقت الذي أعلن السيد الكروبي المرشح الثالث لرئاسة الجمهورية من أن النتيجة غير مقبولة وغير شرعية..
لكن الملفت هذه المرة أن الانتقاد قد طال المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي، الذي لم يقف موقف الحياد- حسب زعم الإصلاحيين – فقد كان عليه أن يكون أبا للشعب، واعتبر موقفه هذا الداعم للسيد نجاد انقلابا ضد الشعب…
لاشك أن الاحتقان كان موجودا ويبدو لي أنه سيأخذ مسارا تصعيديا أكثر بعد الانتخابات، فقد تم اعتقال نحو مئة من المحافظين بينهم شقيق الرئيس السابق محمد خاتمي.. وهذا دليل على تخبط وإرباك طاقم نجاد..
إن الشكوى في عهد السيد نجاد، كانت بسبب ازدياد نسبة البطالة، وتوسع رقعة الفقر، وعدت ولايته حينها كارثة على الصعد كافة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا… فكيف له إذن بالولاية الثانية..!
كما ثمة توجس عربي من خبايا نفوس المعممين في إيران، وبالتالي تمددهم إلى فلسطين ولبنان بعد العراق متجاوزين الواقع العربي ورؤيتهم في الحلول المطروحة للخروج بحلول ممكنة في النزاع العربي الإسرائيلي، منها إقامة دولتين عربية وإسرائيلية في فلسطين.. لكن أيران لها موقف آخر من الحل وهو الحل المستحيل، أي(اللاحل) تحرير فلسطين، لهذا كانت حركة حماس أول المعلقين دعما لنجاح السيد نجاد..
فماذا بعد الانتخابات، وتبّوء السيد أحمدي نجاد سدة الرئاسة مرة ثانية، باعتقادي أن الأمور ليست بسهولة تصورها، وكأنها زوبعة، أو سحابة صيف، لا تلبث أن تنقشع خلال بضعة أيام، حسب مصادر مؤيدة لأحمدي نجاد، لاشك أن أيران ستشهد هدوءا في غضون الأيام القليلة القادمة، لكنها لن تنعم بهدوء دائم، ربما ذلك الهدوء أو الركود سيسبق العاصفة .. وفي الحقيقة، أن قراءتين مختلفتين تتجذران في الواقع الإيراني، شئنا أم أبينا.! فالتيار المعارض سيشتد عوده، وقد بدا ذلك إقباله الملفت لصناديق الانتخابات، وهذا الإقبال كان دليلا على توق الشعب الإيراني على التغيير والانفتاح ورزمة من الإصلاحات، وأن التيار التقليدي المحافظ الحاكم لن يتقدم خطوة باتجاه هذا، بل العكس فقد أعلن الرئيس أحمدي نجاد خلال مناظرته أنه لن يتراجع عن سياساته، أي لن يتراجع عن علاقاته المأزومة بمحيطه لا سيما جيرانه من العرب، لن يتراجع عن التدخل في العراق ولبنان وفلسطين، وأخيرا وليس آخرا اليمن ومصر..أنه لن يتراجع عن تخصيب اليورانيوم، أما عن التنمية في إيران، لاسيما إقامة مشاريع استثمارية، فهذا غير مشجع الكلام فيه، فقد بدد مليارات الدولارات في فترة حكمه، ما صنعه هو في غضون حقبة أربع سنوات من حكمه، أنه قام بتوزيع الصدقات وقدم الأعطيات للأسر الفقيرة التي تعيش تحت خط الفقر، فبدل أن يسعى لتوفير فرص العمل والإقبال على الاستثمارات، جعل من فقراء إيران متسولين، ينتظرون كيسا من بطاطا أو من رز وماعونا من الزيت..إلخ في حين كانت نسبة البطالة في ارتفاع، والعزلة الإيرانية السياسية من كل الجهات، أما عائدات النفط التي بلغت نحو 270مليار دولار، فكانت تبدد في دعم سياساتها الخارجية لاستمالة أتباع كحماس وحزب الله، أو دعم حتى بعض التنظيمات السنية المتطرفة كالقاعدة مثلا، للقيام ببعض الأعمال الإرهابية للأهداف التي هم يرسمونها، في حين أنهم يرفضون تعيين وزيرا سنيا أو حتى معاون وزير سني في حكومتهم الطائفية، أي قوامها من طائفة الشيعة فقط، والسنة يبلغ تعدادهم نحو عشرين مليون سني… كما عمدوا على إبقاء بعض الدول على موقف الحياد تجاه سياساتها الخاطئة.. فلننتظر ونترقب..!
طاقم الرئيس الأمريكي باراك أوباما، عبر عن شكوكه في نتائج الانتخابات، كما شكك في نسبة المشاركة من المقترعين، التي ناهزت 85 بالمئة حسب زعمهم، واليوم الإدارة الأمريكية في ما يشبه ورطة بشأن تواصل الحوار، وبعض من هؤلاء قد انتقدوا سياسة أوباما في التساهل والدخول في حوار مع إيران.
ستشهد إيران احتقانا اجتماعية وليس استقرارا، والهوة ستزداد شرخا بين المعارضين المناهضين لسياسة المحافظين التقليديين، فالنتائج كانت مؤذية لمشاعر ومستقبل العنصر النسائي والشباب، اللذين يريان في الولاية الجديدة للرئيس أحمدي نجاد بمثابة كارثة سياسية واقتصادية واجتماعية، والأشهر القليلة القادمة كفيلة بمدنا بصورة واضحة عن مستقبل إيران السياسي، وإلى أية كوارث تسوقهم هذه السياسة التقليدية الخرقاء.