مرت ذكرى تحرير و استقلال الكويت بهدوء. إذ غادر البلاد عشرات الألوف من الناس في حالة تبدو طبيعية تجاه السفر وتغير الأجواء، لكن بنفس الوقت تشير هذه الهجرة الجماعية والمؤقتة إلى حاجة الناس للتغير في ظل قوانين المنع التي تسود البلاد، فبالرغم من تزامن الإجازة مع هلا فبراير الخاص بالتسوق والترويح، إلا أن ذلك لم يغير شيئا. فحتى الآن لم تتحول البلاد لمركز مالي وتجاري أو سياحي جاذب، إذ لازال الاهتمام منصبا على طرق السيطرة على المجتمع والشباب من خلال القوانين. لهذا تأتي الاحتفالات بلا احتفال وتتحول البلاد إلى معسكر عمل بالنسبة لأغلبية كبيرة من السكان. أما الذين بقوا في الكويت فانتشروا بين راحة مطلوبة وبين شارع الخليج الذي تم قلبه رأسا على عقب من قبل شباب يبحث عن المعنى. مرت هذه الذكرى والكويت تعيش أزمة صاخبة في يوم وأخرى هادئة في يوم آخر. مواضيع الأزمات كثيرة بعضها ذو قيمة وبعضها خال من أي قيمة. تغادر الناس في الإجازة ثم ستعود لتجد أن شيئا لم يتغير: نائب يهدد وآخر يهدأ وثالث يحاسب ووزير يدافع، ومدير يستقبل.
تتصل بي رويتر متسائلة عن الاستجواب الجديد لوزير الإعلام. بدأت ساخرا أو مازحا: “هذه هدية العيد الوطني. يجب أن نضمن طريقة لقراءة الصحف في العيد خاصة للذين غادروا الكويت. “ وبطبيعة الحال يتحول كل استجواب لكرة ثلج، ثم ما يلبث وان ينتهي بنفس الغموض الذي بدأ به. لكن السـؤال: ماذا كانت النتيجة؟ وهل أدى هذا إلى تحقيق مطالب البلاد وتصورات التقدم؟
صديقي د. محمد رميحي كتب في احد الأيام في زمن بداياته الفكرية ( منذ عقود طوال) كتاب عنوانه: ”الخليج ليس نفطا“، وذلك عندما أطلق صرخته بأن الخليج يتكون من مجتمعات وحراك وأفراد وشعوب تبحث عن تنمية . لهذا في ذكرى استقلال الكويت تبقى الأحلام محدودة واستغلال الموارد ضعيف بينما الاعتماد على النفط وصرف أمواله في التوظيف العشوائي هو الأساس.
في الكويت عدة قوى لكل منها دور، وهذه القوى إن بقيت في صراع سوف تبقى الكويت في فراغ وجمود وتآكل. القوة الأولى هي التيار الإسلامي بكل تصوراته وتناقضاته في الجانب السني والجانب الشيعي. فهذا التيار يمثل شيئا أساسيا في الشارع والمجتمع وهو يحمل هموم وموضوعات تميل للمحافظة في جانب وتميل في جانب آخر إلى إقصاء الآخرين ورفض التعامل معهم. يجب التحاور مع هذا التيار للوصول لنتائج حول استقرار الكويت. أما التيار الآخر فهو تيار الليبراليين الذي يمثل إلى حد قوى فاعلة في القطاع الخاص والإعلام وبين الكتاب والمؤلفين والمسرحيين والمفكرين وفي كافة ثنايا المجتمع ولكنها غير منظمة نسبة للتيار الإسلامي. هذا التيار الليبرالي الوسطي العريض الذي يؤمن بالحريات الاجتماعية والشخصية وبمساواة الناس وحقوق المرأة هو الآخر يمثل رؤية ولديه تصورات منسجم بعضها مع العولمة والتطورات العالمية في حقوق الإنسان والتنمية. بلا حوار مع هذا التيار وبلا الاستفادة في قدراته وبلا جلبه إلى طاولة الاتفاق لن يكون هناك استقرار أو تنمية في الكويت. أما التيار الثالث فهو تيار شعبي وطني يبحث عن المطالب الشعبية على أرضية نقابية ومطلبية وهو الأخر تيار كبير في الساحة يضم ضمن أجنحته قوى عديدة تتلاقي والتيار الإسلامي في موضوعات شتى. هذا التيار مكون أساسي في الساحة ويجب محاورته. أما التيار الرابع فيمثل السلطة الرسمية بما فيها من رموز للعائلة السياسية الأهم في الكويت: عائلة الصباح. هذا التيار بكل توجهاته وتناقضاته وامتداداته السياسية والعائلية يمثل رمزا أساسيا للبلاد ولجذورها ولدورها. بلا تفاهم حقيقي وصادق مع هذا التيار لن تستقر الكويت.
تيارات أربع أساسية في الكويت ولكن هذا لا يكفي لاختزال الكويت في ذكرى الاستقلال. ففي كل تيار تناقضات وتقاطعات واصطفافات طائفية وقبيلة تتطلب هي الأخرى حوارات واتفاقات. هذه قضايا تتطلب حوارا صادقا. بلا هذا ستبقى الدعوة للوحدة الوطنية خالية من المتابعة. في ذكرى الاستقلال والتحرير يجب التفكير بهذه المسائل وإعادة النظر قبل فوات الأوان. ويجب أن يكون السؤال الأساسي: كيف تتفق هذه التيارات على رؤية للكويت، ولكن كيف يكون محور الرؤية المواطن والمواطنة بصفته فردا حرا لديه مصالح واحتياجات قبل أن يكون مرتبطا أو متعاطفا مع هذا التيار أو ذاك؟.
المصدر: الاوان
© منبر الحرية، 02مارس/آذار 2010