إن الانتقاد الأساسي الذي يمكن لقادة دول شرق آسيا أن يوجهوه للسياسة الخارجية للإدارة الأمريكية في عهد بوش الابن هو أن واشنطن ركزت خلال الثمان سنوات الأخيرة على مشاكل الشرق الأوسط الكبير، تاركة الصين ومعظم دول شرق آسيا على هامش الأجندة الأمريكية.
فتحركات كاتبة الدولة في الخارجية كوندوليزا رايس إلى جنوب آسيا (من اجل محاولة تهدئة التوترات الهندية الباكستانية التي أعقبت الهجمات الإرهابية)، وإلى الشرق الأوسط، أخذت حيزا هاما من تعليقات أكبر الجرائد الأمريكية. و بالمقابل فوسائل الإعلام ذاتها لم تعط صدى كبيرا للقاءات التي أجراها في بكين وزير المالية هنري بولسن في إطار الحوار الاقتصادي الاستراتيجي الحالي.
و في نفس الإطار، و بعد أن قام الرئيس المنتخب باراك أوباما بالكشف عن تركيبة فريقه المكلف بالأمن الوطني، ظلت نقاشات الخبراء في واشنطن مقتصرة على معرفة مدى تأثير اختيار هيلاري كلينتون كاتبة الدولة في للخارجية وروبرت كيتز مسؤولا عن الدفاع على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. وهنا أيضا، ظلت الصين و شرق آسيا غائبتين بشكل كبير عن التحليلات.
في السنة الماضية، و خلال مناقشات السياسة الخارجية إبان الحملة الانتخابية الرئاسية كانت الإشارة إلى الصين مرتبطة أساسا بالنقد الموجه لسياستها التجارية، ومطالبات التحذير من صعودها و ما يشكله من تهديد جديد للمصالح الجيو- اقتصادية الأمريكية.
لا شك أن أوباما يحتاج ضمن إدارته لأشخاص أكفاء من أجل مواجهة تحديات الشرق الأوسط بنجاح. ولكن عليه وفريقه المكلف بالسياسة الخارجية أن يعرفوا أن المشاكل الجيو- استراتيجية والجيو- اقتصادية الكبرى التي ستواجهها الولايات المتحدة في السنوات الأربع المقبلة – بما في ذلك السياسة المتعلقة بالطاقة والتغير المناخي و الانتشار النووي و الأزمة الاقتصادية العامة الحالية – تستلزم تعاونا مع بكين.
و قد عبّر السيد بولسن، خلال اللقاءات التي أجراها مع المسؤولين في بكين، عن انشغاله من التخفيض من قيمة اليوان الذي اريد لع ان يعطي نفسا جديدا للاقتصاد الصيني. إنه تخفيض قد يؤدي إلى التصعيد من حدة الركود الأمريكي، و ذلك بإبقاء قيمة الصادرات الصينية منخفضة نسبيا، و إبقاء قيمة الواردات الصينية القادمة من الولايات المتحدة مرتفعة نسبيا، مما قد يؤثر سلبا على الصادرات الأمريكية. في الماضي، هدّد المشرعون الأمريكيون بمعاقبة الصين إذا ما رفضت تغيير لسياساتها الخاصة بمعدل الصرف، لكن، في الوقت الراهن، يبقى احتمال مجازفة الكونغرس بحرب تجارية ضعيفا، و ذلك باعتبار أن المجهود الأمريكي للخروج من الركود عن طريق النفقات الضخمة، يرتبط حاليا برغبة الصينيين في الاستمرار في تمويل العجز الأمريكي.
هذه المفارقة تسلط الضوء على الحاجة إلى وضع خطة بعيدة المدى، يكون الهدف منها دفع العلاقة الصينية الأمريكية نحو اتجاه يشجع الصين على قبول لعب دور ريادي في المنظمات الاقتصادية العالمية مثل صندوق النقد الدولي. خلال الحرب الباردة، كان السؤال الأول الذي يتبادر إلى ذهن حلفاء الولايات المتحدة وخصومها بعد انتخاب رئيس جديد، هو: كيف سيتصرف إزاء موسكو؟ أما اليوم وفي المستقبل، فعلى أصدقاء أمريكا وخصومها أن يهتموا أكثر بالطريقة التي سيتعامل بها ساكن البيت الأبيض الجديد مع بكين.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 26 يناير 2009