مازال الرئيس الأمريكي السابق بوش يدافع عن تركة وحصيلة رئاسته والتي دامت ولايتين رئاسيتين متمتعا بالجرأة والتحدي حتى آخر لحظة. إذ قال في مراسيم احتفال في قاعدة ماير آرلنغتون العسكرية في فرجينيا: “إن القرارات التي اتخذتُها بصفتي قائدكم الأعلى لم تكن محببة دائما لدى عموم الناس، ولكن القضية التي خدمتموها كانت دائما عادلة ً وصحيحة .”
مرة أخرى، يُظهِر الرئيس المنتهية ولايته براعته في استخدام شجاعة الجيش الأمريكي ليصرِف َ الانتباه عن سياساته الكارثية، إبتداءا من العراق وانتهاءً بأفغانستان.
ما برِح الرئيس السابق يكرر بلا هوادة، ولسنوات عديدة، كيف أصبحنا –نحن الأمريكيون- “أكثر أمنا” منذ الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، والحمد والشكر لقيادته. ولكن الخبراء العسكريين، وكبار ضباط المخابرات، والدبلوماسيين يتفقون على أن تَمسّكْ الرئيس بوش بالبقاء في العراق لم يجعلنا أكثر أمنا.
على الرغم من كل المكاسب التي جنيناها من ذلك “الاندفاع”، إن الحرب على العراق خلقت جيلا جديدا من الناشطين الإرهابيين، مما يزيد عدد الجهاديين العالميين، ورقعة انتشارهم الجغرافية على حد سواء. كما أنها عمقت من انعدام الثقة بأمريكا في شتى أنحاء العالم، حتى وإن نظر رؤساؤنا إلى أنفسهم، وبقناعة تامة، على أنهم خيّرين. كان هدف أسامة بن لادن هو إثارة الولايات المتحدة واستفزازها لتقوم بهجوم مفرط وغير واضح المعالم ضد العالم الإسلامي. وكان له ما أراد حيث كانت سياسة إدارة بوش في العراق لعبة في يديه.
أما الأسوأ من قيام بوش بتوحيد أعداءنا، فهو تشتيت صفوف أصدقائنا. ففي الخارج، أدى وَلعُ القائد الأعلى بخطاباته البلاغية العصماء، التي تنادي بشعار “نحن مقابل الآخرين”، إلى قيامه بتوبيخ حلفاءنا المحتملين، وعدم الإصغاء إلى جميع الأصوات المحذّرَة. بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) بأيام، أصدر حلف الناتو وروسيا بيانا مشتركا لدعم الحرب الأمريكية على الراديكالية الإسلامية. حتى إيران عرضت تقديم مساعدة البحث والإنقاذ إذا ما أصيب الطيارون الأمريكيون وأسقطوا فوق أفغانستان. أما في أيام إدارته الأخيرة، حتى حلفاء أمريكا في حلف الناتو قد انقسموا حول التزام قواتهم بمهمة اعتبروا أن بوش قد أساء إدارتها. كما يحذّر الخبراء من نشوء حرب القرن الحادي والعشرين الباردة مع روسيا. والأسوأ من ذلك، فقد انتشر تأثير قيادة طهران الدينية في منطقة الشرق الأوسط، والفضل في ذلك يعود إلى قيام بوش بإزالة القوة الموازِنة الإستراتيجية الرئيسية لذلك البلد، ألا وهي صدام حسين.
كما أن جانبا آخر من مزاعم بوش بعالم “أكثر أمنا” منذ الحادي عشر سبتمبر (أيلول)، قد تقوّض على يد رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال بيتر بايس. ففي عام 2007 أكد بايس، في تقرير سرّي إلى الكونغرس، أن أعباء العمليات في العراق وأفغانستان قد تمنع أمريكا من الاستجابة الكاملة لأية أزمة عالمية. وبوجود جيش منتشر على مسافات مترامية، ونقص في كوادر الاستجابة السريعة هنا في داخل أمريكا، وقدرة منهكة في التصدي للتهديدات العالمية، من السهل جدا معرفة السبب وراء تأييد 27% فقط من الأمريكيين لطريقة بوش في إدارة السياسة الخارجية، حسب استطلاع صحيفة وول ستريت جيرنالوقناة الأن بي سي في ديسمبر (كانون الأول) عام 2008.
لا شك أن غزو العراق سيُذكر لأشياء عديدة، ليس أقلها شأنا الوثائق المزورة المتعلقة بكعكة اليورانيوم الصفراء النيجيرية، والمزاعم الخاطئة حول علاقة صدام بالقاعدة. ولكن الأكثر لعنة من أن يُذكر هو حماقة بوش الكبرى: رفضه النظر في تكاليف تشتيت انتباهنا ومواردنا العسكرية في العراق، بعيدا عن أفغانستان. ونتيجة لذلك، أصبحت المهمة في أفغانستان الآن في خطر، حيث تستمر الظروف الأمنية في ذلك الإقليم بالتدهور. أما التأثير العكسي الكامل لقرار بوش فقد لا نشعر بآثاره قبل سنوات.
كان عام 2008 العام الأكثر فتكا وهلاكا بالنسبة للقوات الأمريكية وقوات حلف الناتو في أفغانستان. أما طالبان، فبالرغم من تفشي الانقسامات الداخلية فيها، فلديها الآن حضور بارز في العديد من المحافظات الجنوبية والشرقية للبلد. وبعض هذه المحافظات الآن مناطق محظورة على قوات التحالف. ونتيجة لضغوطات وارتباكات في القوة، لم يعد الـ 70.000 مقاتلا أمريكيا ولا جنود حلف الناتو، يكفون لمنع المسلحين من اختراق المناطق التي تمت تصفيتها وتطهيرها سابقا.
والأسوأ من ذلك أن بعض المقاتلين الذي يعملون عبر الحدود مع باكستان ذات الأسلحة النووية قد بدأوا بمهاجمة شاحنات إمدادات حلف الناتو المتجهة إلى أفغانستان المغلقة. ففي الشهر الماضي، أحرق مسلحون 160 شاحنة كانت تروم قوات التحالف قرب بيشاور في باكستان، وهي المركز الإداري للمناطق القبلية وعاصمة المحافظة الحدودية الشمالية الغربية. وقد خلقت هذه البيئة المتدهورة على طول الحدود الأفغانية – الباكستانية بيئة مثالية لانتعاش القاعدة وطالبان. فقد انتعش تهديد القاعدة، الذي وصل إلى حافة الهزيمة عام 2002، وقد وصل الآن إلى مستوى مخيف. إن هذا التطور لم يجعل أمريكا “أكثر أمنا” دون شك.
يستحق الرئيس بوش أن يُذكر لسوء تقديراته الإستراتيجية في تشتيت حملتنا العسكرية بعيدا عن هؤلاء الذين هاجمونا في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، نحو غزو بلد لم يهاجمنا، وبفعله هذا، لم يترك البلد أكثر أمنا من السابق.
© منبر الحرية ، 6 ماي /أيار2010