نوح الهرموزي16 أبريل، 20110
رأينا من قائد قام بثورة فخلد في الحكم، أو رئيس جاء لإصلاح الوضع فدام حكمه لأزيد من عشرين أو ثلاثين سنة ليخرج الشعب في الأخير ويطالب بمغادرته. ومن بين هؤلاء الزعماء، نجد ملوك ورؤساء الدول العربية من المحيط إلى الخليج وبدون استثناء.....

تنوعت أنظمة الحكم في العالم عبر الزمن. فالتاريخ عرف قياصرة، ثم فراعنة ثم إمبراطوريات تشرق فيها الشمس ولا تغرب. أما أنظمة الحكم على الطريقة الحالية فهي حديثة العهد ولم نعرف ولادتها إلا مع الثورات الاجتماعية التي انتشرت في أوربا ضد الإقطاع والفساد أو بعد الثورة الصناعية في القرون 14 و 15 بعد الميلاد أو بعض الحروب التي أدت إلى تقسيم الإمبراطوريات السابقة وتشتتها. وهكذا، أصبح العالم يعرف غالبية عظمى من الجمهوريات مع قلة قليلة من المملكات.
ويمكن أن نقسم دول العالم سواء المملكات أو الجمهوريات إلى نوعين :
دول متقدمة رئاسية وملكية مع بعض الاستثناءات (كحالة بلجيكا حاليا والتي لم تتشكل فيها حكومة خلال سنة 2010 وبداية سنة 2011) : فهذه الدول تتميز بشفافية أنظمتها السياسية. إذا كانت ملكية، فإن الملك هنا في منصب شرفي يسود ولا يحكم و يتدخل فقط في القرارات الحاسمة للبلد. وما دون ذلك، فإنه مسير من طرف رئيس للوزراء خاض مجموعة من التصفيات الانتخابية قبل الوصول إلى المنصب. وما قيل في حق رئيس الوزراء في المملكات يطبق على الرؤساء لدى الجمهوريات. فهناك فترة حكم من ولاية أو ولايتين -على أكثر تقدير- يقضيها الرئيس أو رئيس الوزراء وبعد ذلك سيغادر منصبه ليتركه إلى فائز آخر قد يكون من حزبه أو يكون من حزب آخر.
دول العالم الثالث رئاسية وملكية. وهنا تخلط الأوراق : فهذا ملك يتدخل في كل شيء رغم مطالب المعارضة بالحد من الصلاحيات وإعطاء الوزير الأول أو رئيس الحكومة دورا مهما في الحياة السياسية. أما إذا كان النظام جمهوريا، فتلك الطامة الكبرى بحيث أن العديد من رؤساء دول العالم الثالث يمتنعون عن مغادرة كراسي حكمهم وغالبا ما ينتهي الأمر بتدخل المدافع والبنادق لاغتياله أو إجباره على مغادرة قصره. وهكذا، ففي هذه الدول يتم خلط الحكم بالممتلكات الخاصة ويكاد الحاكم لا يطيق فراق كرسيه. كما أن هؤلاء الحكام كثيرا ما يتغنون بالديمقراطية لكنهم لا يترددون في استعمال قوى الأمن والجيش في أول مناسبة يطالبهم فيها الشعب بالإصلاح أو بالرحيل. وكم رأينا من قائد قام بثورة فخلد في الحكم، أو رئيس جاء لإصلاح الوضع فدام حكمه لأزيد من عشرين أو ثلاثين سنة ليخرج الشعب في الأخير ويطالب بمغادرته. ومن بين هؤلاء الزعماء، نجد –مع الأسف- ملوك ورؤساء الدول العربية من المحيط إلى الخليج وبدون استثناء.
فسعادة حكام وطننا العربي –وحواشيهم بطبيعة الحال- ينسون أنهم وجدوا لخدمة الشعب. وهذا هو الشعار الذي يرفعه كل مترشح للانتخابات (سواء كانت تشريعية أو رئاسية). لكن، بعد الفوز في الانتخابات وإضافة طابع الشرعية على الفوز، فذلك حديث آخر. وعند أول انتفاضة شعبية يتم استعمال قوى الأمن والجيش ضد المتظاهرين العزل. وفي هذا الإطار، أتوجه بالسؤال التالي : لماذا يتدخل الجيش مادام يوجد لحماية البلد والمواطنين ليس فقط من التدخلات الأجنبية لكن أيضا من ما يهدد استقرار البلد؟ ألا يعتبر وجود شخص غير مرغوب فيه من طرف الشعب على رأس الدولة مسألة تهدد أمن وسلامة البلد؟ لذا، يجب الانصياع لما يريده الشعب لأن سلامته هي سلامة البلد. وأما القائد المنبوذ، فإنه لم يكن ينظر إلى الأشياء بحجمها الحقيقي أو يجمع حوله أشخاصا يحجبون عنه الشمس ويخفون عنه الوقائع إلى درجة لم يعد بإمكان الشعب تحملها.
وبالإمعان جيدا في حالة الدول العربية التي تعيش أحداثا ساخنة منذ الشهور الأولى للسنة الجارية، يمكن أن نقسم المسؤولين العرب إلى عدة أنواع :
النوع التونسي على غرار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذي صرح في خطاب له بأنه فهم الشعب التونسي وذهب دون رجعة. لهذا، فإني أعتبر فرار الرئيس التونسي قرارا شجاعا لأنه فهم –ولو متأخرا- أن الشعب لا يرغب في بقاءه على رأس الدولة وذهب دون إراقة دماء، لكن ذنبه الوحيد أنه ختمها بسرقة أموال الشعب.
النوع المصري الذي أصر وقاوم رئيسه إلى أن رأى بأنه لا جدوى من المقاومة أمام إصرار الشعب وذهب ويداه ملوثة بدماء شهداء الثورة، لكن حالة الرئيس المصري تعتبر جد محرجة لأنه تمسك بالحكم في حين أن الشعب طالبه بالتخلي، وهذه هي أرذل أيام العمر.
النوع الليبي الذي كذب على كل دول العالم وزعم بأن الحكم في يد اللجان الشعبية، لكنه في الأخير عمل بمبدأ “علي وعلى أعدائي” فأعطى أوامره للجيش بالتدخل لردع المتظاهرين بالمدرعات والطائرات الحربية، كما نجح في خلق انقسام في المجتمع الدولي بين مؤيد ومعارض للتدخل الأجنبي في ليبيا خوفا من تكرار المأساة العراقية.
النوع المغربي الذي تميز بمسيرة شعبية سلمية خرج فيها الشعب المغربي يوم 20 فبراير 2011 بطلب من حركة تحمل نفس الإسم (حركة 20 فبراير المكونة من شباب نسقوا للمسيرة فيما بينهم باستعمال الموقع الاجتماعي الفيسبوك ولست أدري شخصيا هل ستنزل إلى الواقع وتنضاف إلى المخزون الحالي للأحزاب السياسية أم أنها ستبقى عنكبوتية) من أجل القيام بإصلاحات دستورية من شأنها تعزيز العمل الحكومي ولا تضر النظام الملكي في شيء. وبعد أقل من شهر عن خروج الشعب المغربي إلى الشارع، أعلن الملك المغربي في خطاب له يوم 9 مارس 2011 عن الشروع في القيام بعدة إصلاحات تبدأ بتعديل شامل للدستور المغربي وعهد هذه الإصلاحات الدستورية إلى لجنة من اختياره، الشيء الذي جعل الشعب يشكك في مصداقية هذه اللجنة خشية أن لا تكون في الموعد لأنها مشكلة من أشخاص غير معروفين بالجرأة المطلوبة لرفع سقف المطالب الدستورية من هذا النوع. لكن مهما كان المولود الجديد، فإن الحراك السياسي الذي واكب هذا الحدث كان حافزا للجنة من أجل عدم التخلي عن بعض المطالب التي انبثقت عن الشارع المغربي.
باقي الدول العربية تختلف بين اليمن الذي أعلن رئيسه عن حالة من المراهقة السياسية في اتخاذ قراراته (فهو يصرح بالشيء وفي اليوم الموالي يصرح بنقيضه) وسوريا (الذي خاطب رئيسها الشعب السوري دون أن يقول أي شيء عن الإصلاحات التي طالب بها الشارع السوري) والأردن التي أعلن ملكها عن مجموعة من الإصلاحات التي طالب بها الشعب الأردني والجزائر التي قمعت مسيرة دعت إليها التنسيقية الوطنية للتغيير والديمقراطية كانت ستكون بداية الشرارة لكنها أجهضت في بدايتها.
إنه فعلا مسكين هذا العالم العربي الذي كثيرا ما تغنى شعراؤه بالحرية وتداعى قادته بالديمقراطية لكن سرعان ما اهتز عندما هبت أول رياح التغيير. فكل هذه التجاوزات التي يعيشها العرب اليوم تكرس مفهوم الخاصية العربية البعيدة كل البعد عن المفاهيم الحقوقية المتعارف عليها دوليا. والحمد لله أن العالم أصبح قرية صغيرة وأن أي تحرك أو نشاط كيفما كان نوعه يكون له أثر في كل بقاع العالم ليكشف عن حقائق وجرائم يرتكبونها هؤلاء الحكام ضد شعوبهم المطالبة بالتغيير أو الإصلاحات. فالحكام العرب طالما طلبوا ود شعوبهم للصعود إلى الحكم واكتساب الشرعية، لكن بعد ذلك انقلبوا إلى دكتاتوريين ومقاومي التغيير. فتناسوا الحكامة الجيدة وتعاطوا للمحسوبية وطغوا وأسمعوا صوتهم الواحد والوحيد، بدل الإصغاء لما يقوله الآخرون لأن الرأي الآخر غالبا ما يضيف أشياء بإمكان الحاكم إغفالها وجهلها أو تجاهلها.
إنه لا مفر من الإنصات إلى الشعب عبر مؤسساته الحقيقية والمنتخبة ديمقراطيا وليس التنصت عليه عبر أجهزة المخابرات. وكذلك يجب الإنصات إلى المعارضة الحقيقية التي تهتم بمشاكل الشعب ومطالبته بالحرية والعيش الكريم والاقتسام الحقيقي للثروات وليس المعارضة التي تجري فقط وراء المناصب. لأن غياب مؤسسات تمثل المواطن يترك الفراغ الذي يؤدي في الغالب إلى الفوضى كما وقع في هذه الدول التي نعيش أحداثها متأسفين على ما يقع في العالم العربي الذي دخل الثورة الصناعية والثورة الرقمية، لكنه لم يدخل بعد الثورة الديمقراطية.
لكن الغريب في الأمر أن القادة العرب لم يريدوا الاعتراف بتخلف بلدانهم على المستوى الحقوقي والاقتصادي وبحثوا عن أكباش فداء لتبرير هذه التحركات الشعبية. وهكذا، تم إلقاء اللائمة على 1) بعض التدخلات الأجنبية التي تسعى لإشعال فتن طائفية أو 2) إلى بعض الوزراء فغيروهم، ثم 3) بعد ذلك أقالوا الحكومات بأكملها من أجل امتصاص الغضب الشعبي و4) في بعض الحالات نسبوا هذه الحراكات الشعبية إلى منظمة القاعدة. أين كان التدخل الأجنبي في الماضي ؟ لماذا الآن بالضبط؟.
إن ما يروج في الدول العربية اليوم يسمونه الساسة بالربيع العربي. لكن أفضل أن أسمي هذا الحراك بالصحوة الشعبية العربية ولو متأخرة شيئا ما. لهذا، فإن لجنة جائزة نوبل عليها أن لا تعطي لأحد جائزة نوبل للسلام لسنة 2011 لأن من يستحقها هو الشعب العربي برمته الذي انتفض أخيرا وأزال ورقة التوت عن الأنظمة العربية التي تدعي الشعبية والديمقراطية وكل الشعارات الرنانة التي أبان الواقع أنها تخفي طاغوت وجبروت هذه الأنظمة وتمسكها في الحكم بقبضة من حديد.
© منبر الحرية،16 أبريل/نيسان 2011

نوح الهرموزي

الدكتور نوح الهرموزي: أستاذ الاقتصاد في جامعة ابن طفيل في القنيطرة بالمغرب.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018