منبر الحرية12 مايو، 20140
إذا كانت المرأة المغربية تسير بخطى ثابتة نحو مزيد من الانجازات والمكاسب إلا أن هناك العديد من العراقيل التي تقف أمامها والتي لا يمكن التغلب عليها إلا بتضافر جهود كل أفراد المجتمع.....

تمكنت المرأة المغربية من تحقيق العديد من المكاسب المهمة وخاصة في السنوات الأخيرة، وهو ما يجعل منها تجربة تستحق تسليط الضوء عليها.

وإذا كانت مكتسبات المرأة المغربية حديثة نسبيا إلا أن نضالها بدأ منذ الاستقلال غير أن الملامح التقليدية للمجتمع آنذاك شكلت عائقا أمام دخول المرأة معترك الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلى جانب الرجل، وهو ما سيتغير مع دخول المغرب مرحلة التحديث ومصادقته على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تنص على أهمية وضرورة إشراك المرأة إلى جانب الرجل في عملية التنمية وبناء مجتمع ديمقراطي منفتح وحر ومن أبرزها اتفاقية مؤتمر بكين والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) والتي تنص على أن “التنمية التامة والكاملة لبلد ما ورفاهية العلم، وقضية السلم، تتطلب جميعا أقصى مشاركة ممكنة من  جانب المرأة على قدم المساواة مع الرجل في جميع الميادين”. بل إن المغرب كان من أوائل الدول العربية التي تصادق على هذه الاتفاقية.

وهو ما شكل بداية لمسلسل من الانجازات والمكتسبات للمرأة بالمغرب  أطلق عليها لقب الثورة البيضاء، فعلى المستوى السياسي وبعد أن ظلت المرأة مجرد موضوع للسياسة ومشاركتها تقتصر على التصويت فقط تمكنت مع انتخابات 2002 من الدخول إلى معترك السياسة بقوة بفوز 35 امرأة بمقعد برلماني بسبب تبني المغرب لنظام الحصة أو ما يعرف بالكوطا، كما عرفت حكومة 2007 تعيين 7 وزيرات  على رأس وزارات مهمة كوزارة الصحة والشباب والرياضة والطاقة والمعادن. واستمر حضور المرأة ولكن بوتيرة اقل في الحكومة الحالية وخاصة بعد التعديل الحكومي حيث تم تعزيز الحكومة ب 6 وزيرات اثنان منهم على رأس وزارتي الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني في حين جاءت أغلب التعيينات كوزيرات منتدبات فقط وهو ما لم يرض طموح المرأة المغربية والتي اعتبرتها تعيينات نسائية خلف جدار رجولي.

والى جانب مكاسبها السياسية وحضورها القوي كناخبة وكمنتخبة وكأمينة عامة لحزب سياسي فقد تمكنت المرأة المغربية من أن ترأس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وهي جمعية مهنية لأرباب المقاولات المغربية والممثل الرئيسي للمقاولات المغربية وعلى مستوى الحوار الاجتماعي، مقتحمة بذلك منصبا ظل حكرا على الرجل منذ تأسيس الاتحاد.

وعلى المستوى الاجتماعي كان صدور مدونة الأحوال الشخصية أهم انجاز منح المرأة حقوقا مهمة وخاصة فيما يتعلق بوضعيتها الاجتماعية كزوجة ومطلقة وأرملة وأم. وتلت هذه الخطوة مكاسب أخرى وكان أهمها إعطاء المرأة المغربية الحق في منح جنسيتها لأبنائها من زوج غير مغربي، كما تم تبني إستراتيجية وطنية لمحاربة العنف والتحرش الجنسي ضد النساء واستحدثت مراكز استماع وخلايا للنساء المعنفات في المستشفيات ومراكز الشرطة، وتم إشراك الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني في هذه الخطوة. ويتم حاليا التحضير لمشاريع مهمة من قبيل إحداث هيئة المناصفة والقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة إعمالا بمقتضيات الدستور المغربي لسنة 2011.

ولقد تم تتويج انجازات المرأة بالمغرب بتصويت البرلمان بالإجماع على تعديل الفصل 475 من القانون الجنائي المغربي والذي ينص على إعفاء مرتكب جريمة الاغتصاب من عقوبة السجن في حال زواجه بالضحية، في حين يعاقب القانون الحالي بصيغته المعدلة بعقوبة تصل إلى 5 سنوات، ـ وهو ما يعتبر غير كاف بالنسبة للجمعيات النسائية نظرا لفداحة الجرم ولتواضع العقوبة ـ ، ولقد جاء هذا التعديل بعد أن أقدمت شابة على الانتحار عندما أجبرت على الزواج من مغتصبها وتحولت معه تجربتها المرية إلى قضية رأي عام استجاب لها المشرع المغربي بسرعة شديدة.

وإذا كانت المرأة المغربية تسير بخطى ثابتة نحو مزيد من الانجازات والمكاسب إلا أن هناك العديد من العراقيل التي تقف أمامها والتي لا يمكن التغلب عليها إلا بتضافر جهود كل أفراد المجتمع، وخاصة تلك التي لها علاقة بالوضعية الاقتصادية للدولة والتي تساهم في زيادة نسبة البطالة وخاصة في صفوف النساء، كما أن له علاقة بالبنية التقليدية وبسيادة العقلية الذكورية والتي لا تؤمن بدور المرأة إلا في محيطها الخاص وهو ما يؤثر على نسبة تمدرس الفتاة وخاصة القروية ومن اقتحامها لسوق الشغل، لتبقى قضية المرأة قضية نظرية يتم الجوع إليها لتحسين صورة المجتمع أمام العالم ويتم اللجوء إليها كصوت مهم خلال الانتخابات والاستحقاقات النيابية.

وما لا يمكن حصره على مستوى المغرب فقط ولكن تعميمه على مستوى الدول العربية ككل كتونس ومصر، هو أن المرأة وجدت نفسها تعيش على إيقاع هاجس تحصين المكتسبات التي حققتها، وخاصة بعد الحراك العربي بالدول العربية والذي أدى إلى تراجع كبير في مستوى حقوق المرأة بهذه الدول، وهو ما يعني أن المرأة مطالبة من جديد بالعمل بقوة وبمزيد من الجهد وتضافر الجهود، كما أن الحكومة والمجتمع مطالبين بمزيد من الإنصاف والمساواة بين الجنسين وإدماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات والبرامج التنموية وكل ما له علاقة بنهضة المجتمع. وخاصة وأن تقدم المرأة داخل المجتمع العربي يعد بمثابة محك حقيقي لتقدم وتطور للشعوب العربية، ودليل على توازن المجتمع وانتقاله إلى مصاف المجتمعات الديمقراطية، بل أن هناك ارتباط وثيق بين تحرر المجتمع وتحرر المرأة ومقياس لمدى انفتاحه نحو الداخل كما الخارج.  وفي الأخير يمكن التأكيد على أن مشاركة المرأة تبقى أمرا ضروريا وملحا يفرضه الواقع ويفرضه انخراط المغرب وكل الدول العربية في مسلسل الديمقراطية والحداثة.

المصدر: الحياة

*باحثة في العلوم السياسية من المغرب

منبر الحرية،12 ماي/أيار 2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018