قيمة أن تعيش في وطن يحميك من أن تكون لاجئ

عزمي عاشور30 أغسطس، 20140
مأساة أن تجد ملايين البشر قد أصبحوا فجأة لاجئين ومشتتين بعدما كانوا يعيشون في وطنهم في امن وسلام يفوق في الضراوة الذين يموتون في أوطانهم لظروف مرتبطة بالفقر والمجاعة وغيرها.....

مأساة أن تجد ملايين البشر قد أصبحوا فجأة لاجئين ومشتتين بعدما كانوا يعيشون في وطنهم في امن وسلام يفوق في الضراوة الذين يموتون في أوطانهم لظروف مرتبطة بالفقر والمجاعة وغيرها،  ففي حالة اللاجئ يتم القفز به إلى المجهول  من حيث لقمة العيش والمسكن  وغياب الأمن .. الخ.. وقضية اللاجئتين هذه لم تكن إلى وقت قريب  مطروحة في المجتمعات العربية  باستثناء  مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، أما الآن الوضع تغير بشكل دراماتيكي، وأصبحت كبرى البلدان العربية مواطنيها لاجئين ومشردين في دول الجوار؛حالة كل من سوريا والعراق والسودان . فما هي الأسباب التي تقف وراء الظهور المفاجئ لهذه الظاهرة في المجتمعات العربية ؟

 كما هو المعتاد تأتى الحروب في مقدمة العوامل التي تؤدى إلى هروب البشر من أوطانهم، إلا انه عند النظر إلى أزمة  اللاجئين في العالم  العرب وبالأخص في العقد الأخير نجد أسبابها تتعدد وتختلف عن غيرها من بينها:

 أولا:الحكم الديكتاتوري :ماسات المجتمعات العربية قبل المجئ بالثورات كانت في الحكم  الديكتاتوري الذي تباين من  مصر إلى السودان ومن العراق إلى سوريا ..ففي مصر كان هناك نظام ديكتاتوري وإنما كان أكثر عقلانية من أن يصنع فتنة طائفية تخلق عنف طائفي داخل مجتمعه فضلا عن أن الدولة كانت قوية بمفهومها المؤسسي ومفهوم حكم القانون ..هذا على عكس السودان الذي كان الحكم فيه  طائفي والدولة ليست من القوة بحيث أن تفرض حكم القانون مما جعلها عاجزة عن حل مشاكل الأقاليم المتباعدة  مثل إقليمي  دارفور وجنوب السودان ، وتعاملت معهما بمنطق بعيد عن مفهوم الدولة وحكم القانون وهو ما قاد إلى حروب ما بين الشمال والجنوب  وعمليات إبادة في إقليم دارفور نتج عنها عدد كبير من الضحايا ما بين قتلى ولاجئيين، وحتى بعد استقلال  الجنوب ما زالت بيئة صنع حروب داخلية طائفية واثنية موجودة  في السودان ما بقي  الاستبداد هو الذي يحكم وليس منطق حكم القانون  والمؤسسات ..

وبالنسبة للحالة العراقية كان هناك هيمنة وسيطرة على كل جميع الأرض العراقية في فترة حكم صدام حسين ، وقد نجح  إلى حد ماء في الانتصار بالرغم من ديكتاتوريته في التوحد حول مفهوم الوطن  إلا أن شطحاته  في سياساته الخارجية  صنعت مآسات حربه مع الكويت 1991 ومن ثم كان الحصار ثم الاحتلال الامريكى والذي كان سبب بشكل أساسي في تفكيك أسس الدولة  من الجيش والبيروقراطية التي كان يهيمن عليها حزب البحث  الأمر الذي اضعف من مفهوم الدولة مما فتح المجال للحروب الطائفية التي لم تنته منذ الاحتلال الأمريكي  وحتى الآن،  ولم يستطع القادمون الجدد من العراقيين أن يعكسوا في بناء المؤسسات مفهوم الوطن الواحد سواء في المؤسسات  ولا في السياسات مما أدى إلى خلق تمييز لأصحاب طائفة على أخرى وهو ما تجلت قمة ماساته بظهور تنظيم داعش وإعلان الخلافة الإسلامية على الأراضي العراقية بعد طرد وقتل المختلفين دينيا معهم .

وبالنسبة لسوريا في عهد الأسد لم يختلف الأمر فكان هناك ديكتاتور بقبضة أمنية قد تعامل مع معارضيه إما بالقتل أو الاختفاء الأمر الذي جعل كثير من النخبة تفر هربا للعيش في الخارج  واستمر نفس الحال مع الابن بعد رحيل الأب …وما أن قامت الثورة ضد الابن حتى استخدم الإرث الديكتاتوري في قتل شعبه .. ومن هنا  نلحظ ان الديكتاتورية بطريق غير مباشر هي صانعة  للازمة ووجوده  خطر على الوطن بالشكل الذي شاهدناه في كل العراق وسوريا والسودان …

 ثانيا :الثورات العربية :على الرغم من سلمية الثورات العربية وقدرتها على الالتفاف حول أهداف تعكس مفهوم المواطنة والوطن بعيدا عن التصنيفات الاثنية والعرقية والدينية إلا أن انعدام النجاح في إسقاط نظام الأسد في سوريا على وتيرة ما حدث في  مصر وتونس أدى إلى استخدام النظام الجيش النظامي  في مواجهة المعارضين له مما أدى إلى تدمير عدد كبير من المدن السورية  وهروب ساكنيها إلى دول الجوار كلاجئين بدلا من أن يتم دفنهم أحياء تحت منازلهم .. فقد وصل عدد اللاجئين  السوريين على مدار السنوات الثلاث الماضية  إلى 6 مليون لاجئ موزعين على دول الجوار هذا بخلاف الذين قتلوا وتعدو المائتين ألف  والمفقودين والمسجونين في مأساة تكاد تقترب من ماسة الشعب الفلسطيني..

 وإذا كانت مصر وتونس لم يحدث فيهما ما حدث في سوريا، فكان التساؤل هل من الممكن أن تمرا بنفس الظروف وتصنع بيئة  ينتج عنها توتر وعنف يؤدى إلى أن يصبح هناك لاجئين مصريين وتونسيين في دول الجوار؟

إن اخطر ما يواجه المجتمعات التي نجحت فيها الثورة وجاءت فيها  انتخابات أن القادمون الجدد كانوا يسيرون على نهج الدكتاتورين السابقين في سياساتهم .. في مصر على سبيل المثال  كان هناك انتصار للايدولوجية الاخوانية على حساب مفهوم  الوطن في سنة حكمهم،  فكان يتم بشكل تدريجي أخونة مؤسسات الدولة بشكل يتنافى مع منطق العدالة، بحيث تحل الأقلية الاخوانية محل الأغلبية المصرية في مؤسساتها على طريقة نفس النهج الذي اتبعه آل الأسد في سوريا  بالانحياز للأقلية العلوية .

الحقيقة التي باتت مؤكدة الآن بعد الذي يحدث بشكل مؤسف في كل من العراق وسوريا وليبيا هي أولوية الحفاظ  على مفهوم  الوطن الواحد وعدم التمييز بين  مواطنيه على أسس عنصرية أو دينية حتى لو كانت المبررات ديمقراطية وحرية، فلا يمكن لأي قيمة منهما أن تتحقق بعد أن يضيع الوطن ويعيش أبنائه لاجئين.

* كاتب صحفي من مصر

منبر الحرية، 30 غشت/اب 2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018