تجتاح بلادنا حالة مدمرة تتحكم بالعلاقة الشيعية-السنية. علينا أن ننتبه لعدة أبعاد عند مناقشة المسألة الطائفية العربية:
أولا: الشيعة في بلاد العرب، إسوة بالمسيحيين العرب، كانوا سباقين للقومية العربية، وهذا كان في النصف الأول من القرن العشرين ولغاية سبعينياته. لكن الدولة العربية الحديثة اعتمدت على الرأي الواحد والحزب الواحد وواجهت التنوير بنقيضه، كما واعتمدت على عصبيات صغيرة، فقد اعتمد الأسد على فئة من العلويين وفئة أصغر من السنة، واعتمد صدام حسين على التكارتة وقطاع من السنة وفئة صغيرة من الشيعة، واعتمد كل نظام على أقلية خائفة ومتعالية. هذه السياسة أنشأت دول ضعيفة لا يشعر كل مواطن بأنه ينتمي.
ثانيا: لإيران مصالح متناقضة في سوريا والعراق ولبنان واليمن، لكن بنفس الوقت يجب أن لا يتحول ذلك لإلتباس يشمل الشيعة في منطقتنا. يجب التميز بين السياسة التي تتبعها إيران كدولة إقليمية وقومية وتلك الخاصة بالمواطن الشيعي في كل بلد عربي. هذا التميز ضروري، فهناك من الشيعة من يختلف مع إيران، وهناك من يعارضها، وهناك من يهمه مذهبه أولا ويرى أن وضعه في نفس سلة إيران محاولة مقصودة للقفز على حقوقه.
ثالثا: لو دققنا في حالة الشيعة والسنة سنرى انقسامات لا تقل عمقا ضمن الشيعة وضمن السنة. فذلك قائم بين الديني والعلماني و الجهادي وغير الجهادي و السلمي والعنيف، والسلطة السياسية ومعارضيها وبين المتقبلين لسيطرة الغرب السياسية والرافضين لها. فلو اختفي كل الشيعة من المشهد ولو اختفت كل المدارس السنية الجهادية بنفس الوقت من كل الساحات، فلن نكون اقرب البتة لإيجاد حل عادل وعقلاني لمشكلاتنا أو حتى لعلاقتنا مع الاحتلال الأجنبي والغرب.
رابعا: تحول السلفية في المذهب السني لسلفية عنيفة كما داعش مثلا في سوريا والعراق وأماكن أخرى دليل على عمق المأزق العربي و غياب البدائل الفكرية والإنسانية والسياسية والعادلة. السنة يعيشون حالة اشتباك، ويشعرون، كما يشعر الشيعة، بأن هويتهم ومكانتهم وطائفتهم على المحك، فهم خاسرون في العراق وفي سوريا والنظام العربي ككل يعيش تردي وانهيار. من هنا تزداد الهوية السنية توترا تجاه الآخر. لكن التاريخ يقول لنا بأن الخوف يجعلنا نقتص ممن لا يجب أن نقتص منهم، الخوف يدفعنا لقتل البراءة في أولادنا ومجتمعنا، وهو يدفعنا لأن نظلم الآخر، هو ذات الخوف الذي يدفعنا للانغلاق الذي يؤدي لفناء كل الأطراف.
خامسا: هناك كتل سنية وأخرى شيعية لم تكن تريد الإنجرار لحرب طائفية خاسرة، ففي الجوهر يتصارع شيعة فاقدين للحقوق والتمثيل مع سنة هم أيضا فاقدين للحقوق و التمثيل والمواطنة، يتصارع فقراء الشيعة وضحايا الفساد والظلم مع فقراء السنة من ضحايا الفساد، كل منهم يعيش في عالم مرتبك ويعتقد إنه ينتصر لنفسه. فهل فعلا الشيعة في العراق( تلك القاعدة الشعبية الكبيرة) ستحقق مستقبلها وحقوقها إن اقتصر العراق على الشيعة؟ وهل سوريا ستكون أفضل حالا لو أصبح جزء منها مقتصر على السنة وآخر مقتصر على العلويين؟ بل العكس قد تسيطر إيران على ما تبقى من شيعة العراق، وستسيطر روسيا على ساحل سوريا، وسيجد الجميع أن استقلالهم قد سقط أمام إسرائيل لعقود قادمة.
إنها لمشكلة حقة بأن يشعر الشيعة العرب أنهم مواطنون من الدرجة الثانية في معظم الدول العربية لكن الكثير من السنة يشعرون أيضا أنهم مواطنون من الدرجة الثانية والثالثة. الطريق الثالث هو المطلوب، هذا الطريق لا هو شيعي ولا هو سني، بل حقوقي وإنساني وتنموي، يختلف مع إيران دون أن يعمم خلافه على الشيعة ودون أن يقف مع إسرائيل والولايات المتحدة ضد إيران. ويختلف مع الأسد ويسعى لإسقاطه دون أن يعادي العلويين، ويتصادم مع داعش دون أن يشمل السنة في سوريا والعراق. التوتر بين الشيعة والسنة نتاج أزمة ومأزق النظام السياسي الإقليمي ونتاج تلاعب دولي واضح المعالم.
المصدر: الوطن
* أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت
منبر الحرية، 25 يناير/كانون الثاني 2016
© مشروع منبر الحرية
لو دققنا في حالة الشيعة والسنة سنرى انقسامات لا تقل عمقا ضمن الشيعة وضمن السنة. فذلك قائم بين الديني والعلماني و الجهادي وغير الجهادي والسلمي والعنيف، والسلطة السياسية ومعارضيها وبين المتقبلين لسيطرة الغرب السياسية والرافضين لها... .