
مع حلول الرابع عشر من فبراير شباط المقبل، وهي الذكرى السنوية الثالثة لانطلاق الاحتجاجات في البحرين، التي تطالب بإصلاحات سياسية ودستورية، تزداد وتيرة الحراك في الشارع من قبل المعارضة من جهة، ومن جهة أخرى الناشطين الذين يدعون على شبكة التواصل الاجتماعي إلى ما يشبه بعصيان مدني، في محاولة منهم للضغط أكثر على الحكومة لتنفيذ مطالبهم ووقف ما يصفونه بالقمع الممنهج ضد حركة الاحتجاجات.
هذه الاحتجاجات التي لازلت مستمرة خلفت منذ انطلاقتها أكثر من ١٣٠ قتيل ومئات الجرحى بينهم عدد محدود من رجال الأمن، فضلا عن انقسام سياسي واجتماعي لا يخلوا في بعض الأحيان من البعد الطائفي، كما كلفت أيضا خسائر اقتصادية باهظة تقدر بمئات الملايين من الدولارات فضلا عن استنزاف الخطة الأمنية لملايين الدولارات.
وبالرغم من هذا الخسائر لا يوجد حتى الآن أي تقدم يذكر على مستوى الملف السياسي، بل يزداد تعقيد الأمور أكثر من خلال تحويل الأزمة من كونها أزمة سياسية إلى أزمة أمنية، مع ازدياد محاكمة وسجن المحتجين وبعض القيادات السياسية، وهذا ما يعكس أن السلطة في البحرين ليست جاهزة حتى الآن لأي عملية إصلاح حقيقي يخرج البلد من أتون هذه الأزمة
وسط هذا التعقيد الحاصل تواجه الحكومة مزيدا الانتقادات المتواضعة وحملات الحث من قبل المنظمات الحقوقية وبعض الدول، لوقف انتهاكات حقوق الإنسان والدخول في حوار مع المعارضة والبدء بإصلاح سياسي يرضي جميع الأطراف، لكن هذه الانتقادات تواجهها السلطة إما بالوعود أو النفي والدخول في أزمة دبلوماسية مع هذه الدول كما جرى مع إيران والعراق.
وفي خضم ما يجري في هذا البلد الخليجي الصغير وبعد قرابة الثلاث أعوام، خرج ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة – الذي تراه المعارضة شخصا معتدلا- خرج بدعوة للفرقاء السياسيين للدخول في حوار جاد لم تتضح معالمه بعد، أو ما هو السقف الذي يمكن أن تطرح فيه مطالب المعارضة التي ترفض جزء منها جمعيات الفاتح القريبة من السلطة، وخصوصا مطلب الحكومة المنتخبة وتنحية رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة الذي يتولى هذا المنصب منذ قرابة ٤٥ عاما.
هذا الحوار ليس الأول منذ أن بدأت الأزمة في البحرين حيث سبق وأن انسحبت المعارضة من حواران لم يكن ولي العهد طرفا فيهما، الأول جرى في يونيو ٢٠١١ والثاني بدأ مطلع العام الماضي واستمر قرابة عشر شهور، احتجاجا على عدم جدية الحكومة والأطراف القريبة منها في طرح الملفات التي يمكن أن تحل الأزمة.
المعارضة تسعى حاليا لاستثمار فرصة هذا الحوار، لطرح مطالبها التي ترى فيها أنها سوف تؤدي إلى عودة المحتجين إلى منازلهم، وتحقق العدل والمساواة للجميع وأبرزها حكومة منتخبة، وبرلمان كامل الصلاحيات، ودستور عقدي، واستقلال القضاء، ووضع دوائر انتخابية عادلة، وبحث ملفات: التمييز، القضاء، التجنيس، الفساد. وكذلك بحث الملف الأمني عبر بند: الأمن للجميع.
أمام هذا المشهد المتأزم منذ اندلاع الاحتجاجات يمكن القول أنه لا شئ تحقق على أرض الواقع من هذه المطالب، التي تحاول السلطة تجاوزها وتفضل الخيار الأمني في التعامل معها، من جهة، ومن جهة أخرى تحاول إضفاء صورة عن أن البلد مستقرا من خلال المهرجانات والاحتفالات التي تهدف لتحسين الصورة الذهنية ولا تخلوا من أبعادها السياسية مستندنا على دعم وتغطية دول مجلس التعاون وغالبية الدول العربية وخصوصا السعودية إضافة إلى مواقف تتصف “بالخجولة” من قبل بريطانيا الولايات المتحدة، التي تقتصر مواقفهما على “التعبير عن القلق والمناشدة” ولم تصل لمرحلة الضغوط.
هذا الدعم الذي تحظى به السلطة في البحرين دفع المعارضة والمحتجون لخيار التظاهرات يوميا في الشارع التي لا تنتهي في غالبها إلا باشتباكات مع قوات الأمن، وتخلف جرحى وأحيانا سقوط ضحايا سواء بسبب رصاص الخرطوش أو الغازات المسيلة للدموع التي تتسبب كثافتها إلى حالات اختناق تصل أحيانا للموت.
وقد نتج عن انتهاج هذا الخيار من كلا الطرفين إلي احتدام الوضع الأمني، فقد ذهبت الحكومة إلى خطة أمنية واسعة في أرجاء الجزيرة الخليجية، تمثلت في تضييق الخناق على المتظاهرين في مناطقهم ومنعهم من التظاهر في العاصمة عبر إجراءات أمنية متعددة الأشكال، باستثناء بعض التصاريح المحدودة التي تمنحها وزارة الداخلية لقوى المعارضة الرئيسية للتظاهر في مناطق معينة، ليس من بينها العاصمة المنامة ولا الشوارع الرئيسية وتفرض عليهم أوقات معينة.إلى جانب تشديد العقوبات في القوانين والتشريعات التي تتعلق بالتظاهر والعمل السياسي والصحافة.
ويأخذ الحراك في الشارع أشكال عدة أبرزها قطع الطرق الرئيسية والداخلية بالإطارات المشتعلة، إضافة إلى إلقاء الزجاجات الحارقة على عناصر وسيارات الأمن. هذه الصور يرى فيها المتظاهرون أنها جاءت نتيجة احتقان الشارع، وعدم تلبية مطالب المحتجين في حين يراها أنصار النظام هي بمثابة أعمال إرهابية.
ف المتجول في شوارع البحرين سيرى أن الظاهر في الشارع، هو الانتشار الأمني الواسع لمركبات قوات الأمن التي باتت تتواجد في الشوارع طوال ٢٤ ساعة معززة بمئات من العناصر الأمنية غالبيتهم من غير بحرينيين.
وتنتشر في الكثير من المناطق، نقاط التفتيش الأمنية التي تستهدف في غالب الأحيان الناشطين الملاحقين أمنيا، بتهم المشاركة في المظاهرات أو الدعوة لها، كما تنتشر في هذه الشوارع الكثير من الحواجز الأمنية المعززة بالكتل الأسمنتية والسياج الحديدي الذي يمتد على طول بعض الشوارع بعشرات الكيلوامترات بهدف منع المتظاهرين من أي محاولة لقطع الطرق بالإطارات المشتعلة.
وإلى جانب هذه الحواجز تنتشر أيضا الأسلاك الشائكة في المداخل والمنافذ التي تؤدي إلى الشوارع الرئيسية، وخاصة في المناطق القريبة من ما كان يعرف بدوار اللؤلؤة في شرق المنامة وهو أيقونة احتجاجات البحرين، بهدف ضبط خروج ودخول أهالي هذه المناطق عند فرض أي حصار أمني عليها لمداهمة بعض منازل الناشطين واعتقالهم.
التشديد الأمني امتد أيضا إلى انتشار كاميرات المراقبة الأمنية في أغلب الشوارع لمراقبة أي تحرك للاحتجاجات، إضافة لبعض المنشآت الحكومية فضلا عن التواجد الأمني في المستشفى المركزي، وهو ما يجعل المصابين في الاحتجاجات يخشون من الذهاب لهذا المستشفى خوفا من الاعتقال، ويتم علاجهم في عيادات في المنازل من خلال بعض المتطوعين.
وبات كل شيء في البحرين لا يعلوا هذه الأيام على قرارات الأجهزة الأمنية، التي ترى فيها ضرورة ملحة لاستتباب الأمن، إضافة قيام بعض الأجهزة الحكومية بخطوات لا تخلوا من البعد الأمني وخصوصا إذا تعارضت مع الخطة الأمنية للحد من الاحتجاجات.
كما أصبحت نقاط التفتيش والانتشار الأمني وغلق بعض الشوارع من قبل قوات الأمن خلال الاضطرابات الأمنية أو من قبل المتظاهرين بقطعهم الطرق بالإطارات يشكلون اختناقات مرورية في أغلب الشوارع ممارسات يومية.
صورة أخرى من الحالة الأمنية التي تعيشها البلاد، وهي ارتفاع وتيرة الكشف عن أسلحة محلية ومتفجرات وعبوات محلية الصنع أو الإعلان عن انفجارات في مناطق محددة، وتليها مباشرة حملات اعتقال ومداهمة لمنازل ناشطين.
أما النيابة العامة والمحاكم الجنائية فقد باتت تعج بالقضايا اليومية المتعلقة بالناشطين والمتظاهرين الذين يتم محاكمتهم جنائيا، والحكم على أغلبهم بأقصى العقوبات والغرامات المالية التي بات تشكل دخلا مهما في خزينة المحاكم والنيابة العامة.
هذه الإجراءات الأمنية ترى فيها السلطة أولوية ولا يمكن التراجع عنها حتى وإن تعارضت مع الحوار، لكنه وبعد ثلاث، سيتضح جليا للمتتبع للشأن البحريني، أن الاستقرار والأمن لن يتحقق إلا بالإصلاح والتسوية السياسية التي ترضي جميع الأطراف وتحقق الأمن للجميع.
فالأمن لا يتحقق بانتشار سيارات الأمن في جميع شوارع البلد والتي بات البحرينيون يعرفونها جيدا ولا تفارقهم غمضة عين في شوارعهم، ولا يتحقق الأمن بانتشار نقاط التفتيش والحواجز الأمنية والأسلاك الشائكة وإغلاق المنافذ، بل يتحقق بالعدالة والحكم الرشيد وسلطة الشعب، وهو ما تراه في الكثير من البلدان الديمقراطية التي لا ترى ولا سيارة للشرطة ولا حواجز أمنية في الشارع وهي في قمة الآمان.
صورة الانتشار الأمني في الشوارع هي القاعدة التي يمكن أن تحدد لنا بوصلة الانفراج الأمني ثم التسوية السياسية، ما يعني إذا تراجع الانتشار الأمني والمحاكمات فهو مؤشر يمكن القياس عليه أن ثمة انفراج سياسي قادم، وهي نفس الصورة التي حصلت في بداية العام ٢٠٠١ عندما حصل الانفراج الأمني ثم بدأ ما عرف آنذاك بالمشروع الإصلاحي، وإذا لم يتغير فهذا يوحي إن الإصلاح السياسي وإنهاء الأزمة لازالا بعيدا المنال، ولا يلوح في الأفق أي انفراج قريب، وهو سبب رفض المتظاهرين العودة لمنازلهم من دون تحقيق الإصلاح وتحقيق الأمن الذي يقولون أنهم فقدوه بسبب هذه الأزمة.
*صحفي بحريني
منبر الحرية،12 فبراير /شباط 2014