آدم ليريك

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

قام البنك الدولي بإجراء تغيير على اسم “دائرة تقييم العمليات” التابعة له، إلا أن ذلك لا يعني تغييرا في أساليبه. وقد ظهر على اللوحة الجديدة التي تم تثبيتها على باب تلك الدائرة اسم “مجموعة التقييم المستقلة”. وبهذا العمل، يقوم البنك في الوقت الحالي بالتخندق استعدادا للدفاع عن مطلب صريح بشكل متزايد بخصوص إجراء مراجعة مستقلة حقيقية للإشراف الذي يقوم به البنك على المعونات الخارجية.
وبانقضاء نصف قرن وبصرف مبالغ تزيد عن 500 مليار دولار، سوف يكون هناك الشيء القليل الذي سيتم الكشف عنه بفعل الجهود التي يبذلها البنك الدولي. غير أنه لن يتوفر لدينا أي مقياس لأداء البنك سوى ما سيقوم بالإعلان عن اختياره، وليست هناك وسيلة يتم بها التثبت من حكمة الاستثمارات الجماعية لدول العالم الصناعية.
لن يكون بإمكان التفاؤل الذي سينجم عن التقارير الهامة أن يعمل على تغطية الحقائق الكامنة فوق الأرض. فمستويات المعيشة للدول الأشد فقرا قد أصابها الركود[1] حتى أنها هبطت بشكل كبير وصل إلى نسبة 25 في المائة. وهناك ثماني وثلاثون دولة تتراكم عليها قروض غير قابلة للسداد لجهات متعددة بلغت 71 مليار دولار والتي جرى تشجيعها بفعل توقعات البنك المسيرة ذاتيا حول نمو الدول، والتي بمقتضاها يتوجب على دافعي ضرائب الدول الغنية في الوقت الراهن أن يقوموا بالوفاء بها. وقد تم الكشف عن الفساد المستشري داخل البنك وداخل برامجه والذي يقدر في الوقت الحالي بما يزيد عن 100 مليار دولار. وهناك احتجاجات تصاعدت بين كبار المفكرين الإفريقيين الذين يسعون إلى إيقاف كافة المعونات نظرا لأنها تهدف فقط إلى تحصين وإثراء سلسلة من نخب الفساد في إفريقيا. كما أن هناك إثباتات كبيرة في إفريقيا تتم روايتها تدل على حدوث تبديد وعلى وجود عدم كفاءة وسرقات علنية لم يعد بالمستطاع أن يتم تجاهلها.
لقد منح البنك لنفسه درجات جيدة وهو يتفاخر متبجحا بان ما يربو على ثلاثة أرباع المشاريع التي قام بإنجازها قد تحقق لديها “نتائج مرضية”. غير أن مدققي الحسابات عندما يكونوا مقيّدين، وعندما يكون توقيت إصدار الحكم قد استحق قبل أوانه، وعندما تكون المعايير خاطئة وتكون الأرقام متلاعب بها بشكل انتقائي، فكم ستكون عندئذ مصداقية الاستنتاجات؟
مدققو الحسابات المقيّدون

التعبير بكلمة “مستقلين” المستخدمة من قبل البنك هي مجرد كلمة تجميلية بخصوص تغيير مؤقت طرأ على أحد دوائر البنك وسوف لن يعمل تركيب لوحة تحمل اسما جديدا على تغيير التوقيع الذي يتم وضعه على شيك دفع الرواتب أو على المكافآت الخاصة بجهاز الموظفين التابع للبنك. وتعتبر “مجموعة التقييم المستقلة” بمثابة دائرة في البنك كأية دائرة أخرى فيما عدا شكليات تسلسل التبعية إلى مجلس الإدارة التنفيذي والتي تكون في افضل حالاتها سلبية. ومن ناحية أعضاء مجموعة التقييم جميعهم باستثناء حامل لقب المدير العام، هناك باب دوار يتجه عائدا إلى الوظائف القياسية وفق نفس المستوى وللترقيات المتوفرة لدى البنك. وبسبب قيام البنك بالإعلان عن النتائج فقد تمت ممارسة ضغوط قوية لكي يتم الإظهار بان هناك نجاح قد تحقق في هذه النتائج. أما التدقيق الخارجي فقد تم الحيلولة دون إجرائه بسبب عدم وجود وصول يتاح أمام العامة إلى البيانات الأساسية والتي بالكاد أن تعزز إصدار أحكام نزيهة ودقيقة جدا حتى وإن قام البنك بالتفاخر بان من غير الممكن بالنسبة لموظفيه أن يقوموا بمراجعة وتدقيق المشاريع التي يقومون هم أنفسهم بتصميمها.
وبالنسبة لبعثات تقصي الحقائق، فهي بعثات مشتبه بها بما أنها لم تقم ببذل قصارى جهدها نحو المواضيع المنوطة بها. ولقد عمل كبر حجم إخفاق شركة إنرون على إلقاء الضوء على الحماقة التي يتم ارتكابها عندما يتم حصر المصداقية في المراقبة الداخلية وحتى عندما يتم حصرها في مدققي الحسابات من الخارج حيث يمكن أن يتم تخويفهم من قبل أولئك العملاء الذين يتمتعون بالإنفاق المرتفع.
من الواجب على مدققي الحسابات الخارجيين والذين هم وراء إحداث أي تأثير على هذا الموضوع أن يقوموا باختراق وتمزيق غشاوة التمجيد الذاتي وأن يقدموا إجراءات ضبطية تعمل على حماية المصلحة العامة.
المنهجية المشكوك بها والتلاعب الانتقائي

عند وضع مسألة “الاستقلالية” جانبا فان منهجية التقييم التي يتبعها البنك تقوم باستفراغ تلك الاستنتاجات دون أن يكون لها أية قيمة. أما الأشياء التي يقوم البنك بالإعلان عنها كنتائج فهي في واقع الأمر عبارة عن توقعات فقط تمت صياغتها في لحظتها عندما يكون التفاؤل في وضعية عالية. ويقوم البنك بتعريف كلمة “النتيجة” على أنها تعني فعلا فقط “احتمالية” أن يكون ذلك المشروع أو البرنامج ناجحا وفق ما تم تصنيفه من قبل ضابط القروض عندما يتم الانتهاء من تقديم الأموال. وقد تجري مثل تلك الأشياء وفي أحيان كثيرة قبل سنوات عديدة من إدارة وتشغيل المشروع المادي. فـ”برامج الإصلاح (الاقتصادي)” المعممة والشائعة هي التي تقوم بجذب أعلى الدرجات. ومع ذلك، تتطلب الإصلاحات الموعودة سنوات عديدة لإحداث تأثير على الاقتصاد إذا صدف وقد تم تنفيذها فعلا.
ولم يحدث أن قام البنك بالعودة إلى تفقد وتفحص نجاح مشروع طويل الأجل إلا في حالات نادرة حيث أن هناك الكثير من التحريات التي تمت في موقع المشروع قد توصلت إلى لا شيء بفعل افتقارها إلى الرقابة والسجلات. أما التركيز فهو يكون منصبا على كمية مدخلات البرامج مع بذل القليل من الجهد ليشمل قياس المخرج الفعلي الذي سينتج عن تلك البرامج.
ولقد تم التلاعب بمقاييس الأداء كي تعمل على دعم ادعاءات ومزاعم الإدارة في تحقيق النجاح وفي دحض النقاد. وفي أواخر أعوام التسعينيات من القرن الماضي قفزت مرتبة التصنيفات الإرضائية عندما تمت مراجعة المعايير استنادا إلى تعليمات إدارة البنك دون أن تتم تسوية مقابلة في السنوات السابقة لضمان التناغم والتناسق في القياس، بناء أيضا على تعليمات صادرة عن إدارة البنك.
الحاجة إلى تدقيق أداء مستقل
يبدو أن البنك أكثر كفاءة ودقة في إدارة أرقامه مقارنةً بإدارة برامجه! المطلوب هو وجود مدقق حسابات خارجي حسن النية يتم إرساله إلى موقع البنك من قبل القطاع الخاص ليقوم بالبت في المساهمات الدائمة التي يقوم بها في مشاريعه لدى الدول الأشد فقرا بعد تاريخ تشغيلي يمتد ما بين 3 إلى 5 سنوات وليعطي مقياس فعلي دائم بالنسبة لفعالية وكفاءة المعونات التي يقدمها. ويجب أن يكتب مدققو الحسابات التقارير بشكل مباشر إلى الدوائر التشريعية والتنفيذية لدى حكومات مجموعة الدول السبع، كما يجب أن يتم نشر أعمال تدقيق البرامج الفردية والتقييمات الكلية للأداء وأن يتم تكرار هذه الممارسة كل ثلاث سنوات.
إن اعتراضات البنك على القيام بأعمال تدقيق من الخارج قد تركزت على الضرر الذي قد يصيب الناحية المعنوية لهذه المؤسسة وعلى تبديد الأموال وعلى عدم وجود علاقة مع السجلات السابقة حيث تم التذرع بأنها قد تمت معالجتها من خلال الإصدار الأخير المسمى “البنك الجديد”. والسبب الأخير يعتبر بمثابة الرد الروتيني الذي يصدر عن سلسلة من إدارات البنك على مدى العقود الثلاثة الماضية.
ومن بين المعوقات الأخرى فقد تم ذكر الأمور الفنية الخاصة بسرية العملاء وبحقوق سيادة الدول التي ترغب في تحاشي أعمال التدقيق. أما بالنسبة لتلك الأطراف الكائنة في الجانب المتلقي لمليارات الدولارات من المعونات التي تتدفق من دافعي الضرائب في الدول الصناعية من خلال قناة التمويل التابعة للبنك الدولي، فمن الواجب أن يكون هناك التزام مقابل لدى هؤلاء المتلقين، ويجب أن يتم اعتبار الوصول الحر إلى الحقائق والقدرة على نشرها والإعلان عنها شرطا من شروط قروض البنك الدولي كلها.
وبما أن الهدف من برنامج “التنمية الألفية التابع للأمم المتحدة” المتمثل بجعل الفقر المدقع يصل إلى النصف قد اكتسب زخما قويا، فان الدول المانحة تنزع إلى التمويل من خلال زيادة المعونة التنموية بأرقام مرفوعة بقوة كبيرة—مضاعفة التدفقات السنوية إلى 50 مليار دولار للدول الأشد فقرا بحلول عام 2010 و50 مليار دولار أخرى كزيادة سنوية تم التمهيد لها للعام 2015. وبناء عليه، سيقوم البنك بالحصول على اكثر من حصته. عندئذ، سوف تكون هناك مكاسب غير متوقعة تتمثل بما يسمى بتخفيف عبء الديون والتي بمقتضاها قام البنك بانتزاع ابتزازي بمقدار مائة سنت لكل دولار من مجموعة الدول السبع بخصوص محفظة مالية بلغت 46 مليار دولار من قروض عديمة القيمة على الدول النامية والتي كان البنك قد قام بإدارتها لمدة تزيد عن عقدين من الزمن. وقد كانت نتيجة ذلك عبارة عن سيل من الأموال المضمونة التي تتدفق على إحدى الأدوات الآلية بغرض ملء ثغرات عميقة في ميزانية البنك العامة ومن ثم بعد ذلك يتم إغداقها كمعونات جديدة غير مصرح بها.
إن تقديم مقادير كبيرة من الأموال سوف لن ينهي مسؤولية الدول الغنية تجاه الدول النامية. فللمانحين اهتمام لا مهرب منه في الاستخدامات التي يتم تخصيص المعونات لها وفي النتائج التي سوف تحققها تلك المعونات. ويجب أن يتم وزن هذه المبالغ الهامة مقابل الاستخدامات البديلة بالنسبة للموارد النادرة لدافعي الضرائب.
لقد حانت اللحظة المناسبة كي يتم الإصرار على أن البنك الدولي يجب أن يخضع لمراجعة ولتدقيق خارجي جدي ومستمر وأن يصبح قدوة في الشفافية والمساءلة بحيث تقتدي به الدول النامية وأن يصبح توفير تدقيق خارجي ليقوم بتدقيق أداء البنك كل ثلاث سنوات شرطا من شروط موافقة اتفاقية مجموعة الثمانية على تخفيف عبء الديون وعلى تمويل المعونات المستقبلية. فسوف لن يكون هناك إصلاح اقتصادي دون الاعتراف بالإخفاقات التي تمت في الماضي.
ملاحظات:

[1] لم تكن المعونة هي القوة المحركة وراء المكاسب الضخمة التي تحققت في الصين والهند وإندونيسيا حيث حصل، افتراضيا، تقدم شامل في مستويات معيشة الدول النامية.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 20 آذار 2007.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018