إيرك ويد

peshwazarabic5 نوفمبر، 20100

طبقا لدراسات اقتصادية رياضية، فإن الحرية الاقتصادية، أو تطويراتها، تعمل على زيادة معدلات النمو الاقتصادي. إلا أن ظواهرها ستكون تحت سيطرة ظواهر مستوى التنمية الاقتصادية ورأس المال البشري. فهل تشير هذه النتائج، ضمنيا، إلى أن المناصرين أو المدافعين عن الرأسمالية وعن الحرية الاقتصادية يبالغون في قضيتهم؟ ليس ذلك على الإطلاق.
فكِّر في مستوى التنمية الاقتصادية التي تعمل على تحديد الفوائد الكامنة في الاسترجاعية. فعلماء الاقتصاد، في العادة، يقومون بمناقشة أسباب وجود هذه الفوائد كالتالي: يمكن للاقتصاد الأقل تطورا أن يستعير أو يستلف التقنيات التكنولوجية ونماذج الأعمال التجارية وإجراءات التسويق من الدول الأكثر تطورا، وقد يكون التقليد اكثر سهولة وسرعة من الابتكار الذي تعتمد عليه الاقتصاديات المتطورة الرائدة.
وهذه الفوائد تكون، من الناحية المعقولة ظاهريا، اضخم واعظم عندما تكون مسـتويات الاسترجاعية معتدلة بحيث يسمح مستوى تكوين رأس المال البشري أن يتم الاستفادة واستغلال فرص الاسترجاعية، أو، عندما يكون لدى الاقتصاديات الأقل تطورا نطاقا واسعا بالنسبة لإعادة توزيع العمالة بحيث يكون هذا النطاق اكبر من الأعمال الأقل إنتاجية في الزراعـــة ليصل إلى الأعمال الأكثر إنتاجية في مجال الصناعة أو في الخدمات، أو، على سبيل الاحتمال، عندما يكون من السهل أن يتم إيجاد استثمارات مربحة في الدول النامية، ولنفترض بأنها سوف تكون في مجال البنية التحية للنقل، بحيث يكون اكثر سهولة من إيجاد مثل تلك الاستثمارات المربحة في الاقتصاديات العالية التطور والتي تمت بها، وبشكل مسبق، تأسيس عدد كبير من الاستثمارات الهامة البارزة. وبالنسبة لي، فأنني ليس لدي الرغبة في أن أشارك في مناظرات تدور حول مدى جدارة هذه المناقشات النسبية. كما أنني ليس لدي الرغبة في إضافة أية حجج تؤخذ من علوم اجتماعية أخرى تشير عملية التنمية الاقتصادية من خلالها، وبشكل ضمني، إلى وجود تغييرات في القيمة تقوم بتغذية استرجاعية كي يتم تقويض الإمكانيات التي تدل على حدوث نمو اقتصادي مرتقب لاحق.
دور الدول المتقدمــة
وبدلا مما سبق ذكره، أود أن أؤكد على ما هو واضح والذي ينزع، بالرغم من ذلك، إلى أن يتم نسيانه، وهو: أن فوائد الاسترجاعية بالنسبة لبعض الدول النامية تستلزم وجود دول متقدمة. فإذا كانت الدول المتقدمة، ولنفترض بأنها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية واليابان، غير موجودة، فان نمور شرق آسيا الأوائل (كوريا الجنوبية وتايوان وهونغ كونغ وسنغافورة) لا يمكن لها أن تنمو بالسرعة التي نمت بها مطلقا، كما أنه من غير الممكن للصين والهند أن تحققا ما تحققانه هذه الأيام. وقبل أن يحل منتصف القرن العشرين وتبايناته السابقة المجهولة في الدخل في تلك الفترة بين المجتمعات الصناعية الغربية والدول الأقل تطورا، فانه، في تلك الفترة، لن تجد، مطلقا، دولة كبرى يمكنها أن تحقق النمو الاقتصادي بشكل سريع كسرعة النمو الاقتصادي الذي حققته كوريا الجنوبية وتايوان خلال أعوام الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي أو كما تقوم الصين بتحقيقه منذ أعوام الثمانينيات من القرن الماضي وكما تقوم الهند وفيتنام بإنجازه في الوقت الحاضر. وهكذا، فان عدم المساواة العالمية (أو التفاوت بين دول العالم) يعتبر جزءا أساسيا من فوائد الاسترجاعية، وان هذا التفاوت سوف ينفع تلك الدول المتخلفة التي تعمل على الإمساك بالفرص المتاحة.
وتعتبر الدول المتقدمة والدول الحرة إلى حد ما دولا أساسية في استحداث الفرص الخاصة بالاسترجاعية. فهي تقدم أنموذجا ليتم تقليده وتوفر مصدرا للتكنولوجيا وسوقا خاصة بالمنتجات المنخفضة الأجور. فإذا أصبحت الدول المتقدمة غنية بشكل يسبق الدول الأخرى نظرا لأنها قامت بتأسيس وتثبيت حقوق ملكية سليمة خاصة بالتجار وبالمنتجين بوقت أبكر من الآخرين، ولأنها استفادت من حكومة محدودة بوقت أبكر من الآخرين وقامت باختراع الرأسمالية واستفادت من الحرية الاقتصادية منذ البداية، سوف تكون، عندئذ، فوائد الاسترجاعية إحدى ظواهر الحرية الاقتصادية أو الرأسمالية.
وللأسف، فان نقص البيانات الكمية تمنعنا من إجراء تحليل خاص بمدى تأثير الحرية الاقتصادية على معدلات النمو الاقتصادي على المدى الطويل. إلا انه من المقبول ظاهريا أن نقوم بإسناد ادعائنا إلى بيانات كيفية أو إلى روايات سوف يكون تأثير الحرية الاقتصادية بموجبها قويا. وفوائد الاسترجاعية لا بد وأن كانت صغيرة قبل أن يتم تأسيس الرأسمالية نظرا لان معظم الحضارات الكبرى (المكونة من عشرات الملايين من الأفراد) قد كان لديها آنذاك إيرادات متماثلة في الدخل لنصيب الفرد الواحد.[1]
وهكذا، فان فوائد الاسترجاعية تستحق أن يتم تفسيرها حسب تفسير عالم الاقتصاد فريدرك هايك، كما يلي:
“لا تنحصر منافع الحرية، إذن، في الحرية… فمما لا ريب فيه أن الاغلبيات غير الحرة على مدى التاريخ الماضي استفادت من وجود الاقليات الحرة وسوف تستفيد المجتمعات غير الحرة في الوقت الحاضر مما ستحصل عليه وتتعلمه من المجتمعات الحرة.”
هذه الإفادة تتفق مع العلاقة القائمة حاليا بين جمهورية الصين الشعبية والغرب كما لو أنها قد تمت كتابتها يوم أمس مع وجود هذا المثال تحديدا في الذاكرة. إن كون منافع الحرية الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب ممتدة لتشمل المجتمعات الدولانية قد تمت أيضا الإشارة إليها من قبل هنري ناو بخصوص اليابان والدول الآسيوية الأخرى التي تطورت بشكل مبكر كتايوان أو كوريا الجنوبية، كما يلي:
“سوف يعمل إنموذج التطور الآسيوي الذي تم تمجيده والإعلان عنه من قبل واضعي النظريات التجارية الاستراتيجية بنجاح فقط إذا تم وضعه ضمن سياق الانموذج الانجلو-أمريكي في التجارة الحرة. فليس هناك من قام بالإثبات بان اليابان أو أية دولة آسيوية أخرى ستكون قد حققت النجاح في تجارتها واستراتيجياتها الاقتصادية، مهما كانت درجات تدخل الحكومة، لو لم يكن لديها دخولا ووصولا إلى الأسواق العالمية، وعلى وجه الخصوص إلى السوق الأمريكي. ولو تم عزو مثل ذلك النجاح إلى انموذج التطور المتفوق في الصناعة المحلية فمن المرجح أن تشكل التكنولوجيا وتدخل السياسات التجارية، بناء على ذلك، نصف الحقيقة.”
وجهة نظر مختلفة للتفاوت العالمي
وهكذا، فان الأمر يبدو وكأن للحرية الاقتصادية في الاقتصاد العالمي—والذي يعني وجود اقتصاديات حرة مهيمنة ورائدة—أهمية عليا في تحسين معدلات النمو الاقتصادي وفي التغلب على الفقر الجماعي في كل مكان آخر غير دول الغرب. إضافة إلى ذلك، فان الحرية الاقتصادية داخل الأمم، أو تطويراتها، ستساعد أولئك الذين يقومون بممارستها وتطبيقها.
إن الاعتراف بحقيقة التفاوت الدولي أيضا قد أدى إلى وجود تقييمات متباينة تماما. فقد قام البنك الدولي، مؤخرا، بإبداء تحسره بقوله بان “هناك تفاوتات هائلة في العالم. حتى المواطنين الأكثر غنى في معظم الدول النامية يواجهون فرصا أسوأ من الفقراء في الدول الغنية. والحقيقة القائلة بان الدولة التي يلد بها الشخص تعتبر إحدى المحددات الرئيسية للفرص الخاصة بالأشخاص تسير بشكل مضاد لوجهة نظرنا عن المساواة.”
ومهما تكن فكرة البنك الدولي عن المساواة، فان ذلك سوف يكون، على ابعد تقدير، تقييما منقوصا للتأثير الذي يحدثه التفاوت بين الأمم، والذي نشأ بسبب تأسيس وتثبيت حقوق الملكية والحرية الاقتصادية والرأسمالية في الغرب قبل تلك الإنجازات التي تحققت ببطء في كل مكان آخر غير بلدان الغرب. فلو لم يقم تأسيس وتثبيت الحرية الاقتصادية المبكر بإثراء الغرب قبل الآخرين، فانه عندئذ سوف لن يكون هناك مصالح وفوائد كامنة في الاسترجاعية بالنسبة للدول الفقيرة كي تقوم بالاستفادة منها واستغلالها. وهكذا، فان الحرية الاقتصادية الغربية لم تقم فقط باستحداث متطلب أساسي لتحقيق الازدهار الغربي، بل قامت أيضا وبشكل تزامني بتثبيت شرطا خاصا كي يتم التغلب على الفقر الجماعي بشكل سريع في كل مكان آخر غير البلدان الغربية.
ملاحظات:
[1] مع أن أسيموغلو وجونسون وروبنسون لم يقوموا بالتركيز الصريح على الحكومة المحدودة والحرية الاقتصادية، فقد جادلوا محاججين بان المؤسسات—وليس الجغرافيا—هي محددات النمو الاقتصادي على مدى قرون من السنوات وأنها تقدم نوعا من الدليل الكمي تم أخذه من القرون الخمسة الأخيرة كي يتم دعم وجهة نظرهم.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 21 شباط 2007.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018