تاكيس ميكاس

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

تواجه اليونان معضلة خطيرة في السياسة الخارجية. فمن ناحية تؤيد أثينا مطلب تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ومن الناحية الأخرى فإنها تؤيد أيضاً، رسمياً على الأقل، سياسات القيادة القبرصية اليونانية. لذا فإن اليونان قد ينتهي بها الأمر بدون تعمد منها بالمساهمة في إفشال انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
في الوقت الحالي، يبدو أن بروكسل وأنقرة تسيران في اتجاه الاصطدام. كان من المقرر أن يجتمع وزراء خارجية تركيا واليونان والجزأين المقسمين من جزيرة قبرص ورئيسة الاتحاد الأوروبي الحالية الفنلندية في نهاية الأسبوع الفائت لبحث نزاع حول النقل بين قبرص وتركيا بيد أن الاجتماع لم يتم عقده.
الاتحاد الأوروبي يريد من تركيا فتح موانئها ومطاراتها إلى السفن والطائرات من قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي في هذه السنة بموجب بروتوكول اتحاد جمركي تم توقيعه في عام 2005. وجهة نظر تركيا، التي ترفض ذلك، هي أن بروكسل قد فشلت في الالتزام بتعهد برفع الحصار الاقتصادي والسياسي عن الجزء التركي من جزيرة قبرص مقابل تأييد تركيا لمخطط إعادة توحيد الجزيرة الذي وضعته الأمم المتحدة. وتصر بروكسل على أن هذين الموضوعين ليسا مرتبطين من الناحية الرسمية ويعترف الدبلوماسيون الأوروبيون في مجالسهم الخاصة بأن مثل هذا الارتباط هو واقع حقيقي من الناحية الأخلاقية.
وكانت الرئاسة الفنلندية للمجموعة الأوروبية تأمل في تجاوز هذه الحلقة المفرغة خلال المحادثات التي كانت مقررة في هلسنكي. كان اقتراح التسوية سيطلب التزاماً تركياً بتوسيع الاتفاقية الجمركية “في مرحلة من المراحل” بحيث تشمل جمهورية قبرص. وفي المقابل كان المقترح فتح ميناء فارماجوستا في شمال قبرص أمام سكان قبرص الأتراك بحيث يستطيعون التجارة تحت إشراف الأمم المتحدة. إن إلغاء الاجتماع الذي كان مقرراً في آخر لحظة قد زاد من سوء الموقف بالنسبة لإمكانيات انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي. وتدل الأنباء الصحفية التي تم تسريبها مؤخراً على أن التقرير الأخير الذي وضعته المفوضية الأوروبية حول تركيا والذي من المقرر نشره هذا الأسبوع، سوف يكون شديد النقد لتركيا. فبجانب النزاع حول قبرص يُتوقع أن تنحى بروكسل باللائمة على تركيا بسبب ما تعتبره عدم التقدم في ميدان حقوق الإنسان والحقوق المدنية.
كيف سوف تؤثر الأزمة بين تركيا والاتحاد الأوروبي على العلاقات اليونانية التركية، وبالتالي على استقرار المنطقة؟ عندما أجريت حديثا صحفياً مؤخراً مع وزيرة خارجية اليونان دورا باكويانس، أصرت على أن هذا الموضوع هو مسألة تخص تقيد تركيا بمطالب الاتحاد الأوروبي، ولما كان الأمر كذلك فإنه لا يجب أن تؤثر على العلاقات بين البلدين. وأضافت “وبجانب ذلك، فإن قبرص هي واحدة فقط من كثير من القضايا التي تؤثر سلباً على احتمالات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي”.
بعض المحللين يخالفون ذلك. ويقول البروفيسور أليكسس إراكليدس من جامعة بنتيون في أثينا “إذا ما فشلت المفاوضات مع تركيا بسبب موضوع قبرص، فإن تركيا سوف تعتبر اليونان مسؤولة مباشرة عن ذلك بسبب عدم رغبتها في مجابهة السياسات المتشددة للقيادات القبرصية اليونانية”.
مثل هذا التطور سوف يكون صعباً بشكل خاص على السيدة باكويانس. فمنذ تسلمها وزارة الخارجية في الربيع الماضي جعلت انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي قطب الرحى في سياستها الخارجية. وفي الوقت ذاته فإنها لم تتقدم بأية تغييرات على سياسة بلدها الخارجية في هذا الشأن. ويمكن تلخيص هذه السياسة بالقول “قبرص تقرر واليونان تتبع”.
وعلى النقيض من أنقرة المنهمكة بشكل فعال في رسم سياسة القبارصة الأتراك فإن أثينا تبدو بشكل متزايد قانعة بقبول ما يرتئيه رئيس قبرص اليونانية تاسوس بابادوبولوس. في شهر نيسان 2004، لعب رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان دوراً إيجابياً جداً في إقناع القبارصة الأتراك بتأييد مخطط الأمم المتحدة لإعادة توحيد الجزيرة أما كوستاس كارامانلس، رئيس وزراء اليونان، فقد ترك الأمور تجري في أعنتها، دون تدخل. وفي النهاية، صوّت القبارصة الأتراك بأغلبية ساحقة مؤيدين لمخطط الأمم المتحدة لتوحيد الجزيرة. أما القبارصة اليونان فقد اتبعوا مناشدة رئيسهم ورفضوا المشروع.
الفرق المهم الوحيد بين أثينا ونيقوسيا، وفق ما تقوله المصادر الدبلوماسية، يتعلق بموقفهما إزاء جهود الولايات المتحدة للوساطة. فاليونان ترحب بمثل تلك الجهود، بينما القبارصة اليونان يعتقدون بأن مثل هذه المحاولة هي مجرد حيلة لدعم المصالح التركية على حسابهم.
حتى يومنا هذا، قيادة قبرص اليونانية ترفض رفع القيود الاقتصادية والسياسية عن جيرانهم الأتراك، ووجهة نظرهم في ذلك بأن ذلك سوف يكون الخطوة الأولى للاعتراف الدولي بدولة قبرصية تركية ذات سيادة. ونتيجة لذلك فإن القبارصة الأتراك لا يستطيعون الدخول في تجارة مباشرة مع المجموعة الدولية، وليس لهم أي صوت في مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
معظم الدبلوماسيين يشعرون بالتشاؤم حول إمكانية التوصل إلى صفقة على الإطلاق. ولكن هناك استثناءات. فقد قال لي مساعد وزير الخارجية الأمريكي ماثيو بريزا الشهر الماضي: “إذا أرغمتني على التكهن، فإنني أرى أسباباً كثيرة للأمل. لا أحد يرغب في تدمير هذا القطار. لا الحكومة اليونانية ولا جمهورية قبرص ترغب في إفشال انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. إنهم جميعهم متفقون بأنه في نهاية المطاف فإن شرقي البحر الأبيض المتوسط سوف يكون منطقة أكثر استقراراً وأكثر رخاءً ما دامت تركيا تخوض معركة الإصلاح والتحديث وتلتزم بشروط العضوية في الاتحاد الأوروبي”.
قد يكون الأمر كذلك. ولكن في قضايا ما يسمى بـ”الأهمية الوطنية”، فإن السياسيين اليونانيين هم تماماً مثل أقرانهم السياسيين الأمريكيين أو الأتراك. ولسوء الحظ فإنهم يميلون إلى اتباع ما تفرضه استفتاءات الرأي العام بدلاً من انتهاج العقل.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 14 تشرين الثاني 2006.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

في اليونان، كما في أي بلد آخر، إذا قامت إدارة إحدى الشركات بتقديم أرقام مضللة حول وضعها المالي في البيانات الرسمية التي تُقدَّمها للحكومة، بهدف تعزيز سعر أسهمها أو دعم بيع الأوراق المالية، فإنها بذلك تصبح عرضة للمتابعة القضائية بتهم جنائية.هذا الأمر يعتبر في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك اليونان، تزويراً للأوراق المالية.  لكن في اليونان، على خلاف البلدان الأخرى، إذا كان المسؤولون عن النصب و الاحتيال هم أعضاء في حكومة(سابقة)، وإذا كان ضحايا عملية النصب هم “الأجانب” (أو زينوي xenoi في اللغة اليونانية)، فإنهم غير معرضين لأي تهديد من هذا القبيل.
أكثر عقوبة يمكن أن يتوقعونها هي سماع تقريع خفيف مع الرجاء “لا تفعلوها ثانية من فضلكم”.  هذا باختصار هو وصف الوضع المالي اليوناني.على الرغم أنه بات من المؤكد الآن أن حكومة “الديمقراطية الجديدة” السابقة تلاعبت بالإحصائيات لتعزيز صورة الاقتصاد اليوناني في أعين المستثمرين، إلا أنه لم توجَّه تهم قضائية ضد رئيس الوزراء السابق كوستاس كارامانليس أو ضد بطانته الاقتصادية.مع ذلك فإن التشويه المتعمد للأرقام الخاصة بالعجز في المالية العامة في اليونان يشكل بوضوح خداعاً للجهات التي يمكن أن تشتري السندات اليونانية.الامر الذي أدى بهؤلاء المشترين  إلى المطالبة بعلاوة متدنية تماماً للتأمين ضد المخاطر، تقل كثيراً عن العلاوة التي كانوا ستيطلبونها لو أنهم كانوا على علم بالوضع الحقيقي للمالية العامة في اليونان. ورغم أن رئيس الوزراء الحالي كان يمتلك الشجاعة الكافية – بالمقاييس اليونانية – للكشف عن مقدار وحجم عمليات التلاعب المالية للإدارة السابقة، إلا أنه مع ذلك تجنب إصدار أمر بإجراء تحقيق شامل بخصوص عملية الغش المذكورة.
إن عدم رغبة النظام القضائي والسياسي في اليونان، أو عدم قدرته، على السعي لمعاقبة القائمين على عملية التضليل المذكورة، خلق فراغاً أخلاقياً تزدهر فيه جميع الأنواع من نظريات المؤامرة.هذه النظريات تشترك جميعاً في أنها تلقي اللوم على الضحايا (أي على حاملي السندات اليونانية) بخصوص المأزق الحالي الذي تعاني منه اليونان.في كل يوم تمتلئ وسائل الإعلام اليونانية بحكايات عن جهات حقيرة تتألف من “المضاربين” و “المنتفعين” و “المصرفيين” و “الممولين” والذين يشبهون المرابي اليهودي شايلوك (أي الذي يريدون أن ينهشوا لحم اليونان)، الذين يلامون على الفوضى الاقتصادية التي تعاني منها اليونان الآن.  صدق أو لا تصدق، لكن وفقاً لنظرية المؤامرة المهيمنة في الوقت الحاضر، فإن اليونان عالقة حالياً في صراع هائل لإنقاذ شرف منطقة اليورو.بالتالي فإن “هجمات المضاربين الأجانب” تشكل من الناحية العملية هجوماً شرساً ضد اليورو تقوم به “قوى الظلام”(المقصود بذلك هم الأمريكيون) التي لا تريد لأوروبا أن تزدهر وتحتل مكانتها اللائقة على المسرح الدولي.
هذا الخطاب يناسب تماماً غالبية الشعب اليوناني.على مدى 30 سنة ظلت جميع الأحزاب السياسية اليونانية تغذي اليونانيين بوجبة لا تنقطع من الخطاب المليء “بمعاداة الإمبريالية”، وهو خطاب تُعتبر بموجبه جميع المشاكل التي تُرزأ بها اليونان هي دائماً من فعل الغرباء (زينوي) ومؤامرات “المنتفعين من اللبراليين الجدد”.لذلك ليس من قبيل المفاجأة أن النظريات التي من هذا القبيل واسعة الانتشار بين الناس. بل إنك حين تسمع اليوناني العادي وهو يقول “لن نستطيع أن نلوم إلا أنفسنا” بخصوص الأزمة، فإنه يقصد بذلك في العادة أن اليونانيين أضروا بأنفسهم حين كشفوا “للأجانب” الحجم الحقيقي للعجز في المالية العامة.لو أن الحكومة الحالية لم تكشف هذا الخداع للعالم فإن اليونان، وفقاً لهذه الحكاية، بإمكانها الاستمرار في استغلال هؤلاء “الفرنجة الأغبياء” لعدة سنوات مقبلة.بعبارة أخرى، المشكلة ليست في حجم العجز بحد ذاته، وإنما في حقيقة أن الحكومة اليونانية الحالية فضلت أن تكشف النقاب عنه أمام العالم.  بعبارة أخرى، مشكلة اليونان ليست اقتصادية فقط.إنما مشكلة أخلاقية كذلك.
يقول جورج بيتروس، الأستاذ في جامعة أثينا للاقتصاد والأعمال: “هناك تقليد طال عليه الأمد  من التلاعب بالبيانات الإحصائية في اليونان، وليس فقط بسبب التدخلات من جانب الحكومة.” ويضيف: “هذا خلل خطير في النظام تمتد جذوره إلى إخفاق النظام السياسي، وكذلك إلى هيكل وغياب الشفافية في القطاع العام.معنى ذلك أن السرطان ضرب بجذوره عميقاً في هيكل النظام، ومن شأنه تحويل حتى القديسين ليصبحوا على شاكلة راسبوتين.”   إن الإخفاق في معاقبة أولئك الذين يتحملون المسؤولية السياسية عن هذا الخداع الهائل لن يساعد اليونان على استعادة مصداقيتها بين المستثمرين الدوليين.من جانب آخر، فإن إقامة قضايا قانونية ضد أولئك المسؤولين ربما لا تعمل بالضرورة على تهدئة الأسواق، ولكنها ستبرهن للعالم بالتأكيد أن الخداع أمر لا يمكن السكوت عليه في اليونان، حتى ولو كان الضحايا هم الأجانب  “زينوي”.
© منبر الحرية، 11 مارس/آذار 2010

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018