رودريك تي. لونغ

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

تعتبر المساواة فكرة مثالية تعتنقها العديد من الأيديولوجيات، لكنها نادرا ما يتم ربطها هذه الأيام مع الليبرتارية أو الليبرالية الكلاسيكية. وفي الحقيقة فإن كلا من الليبرتاريين ونقادهم يعتقدون نمطيا بأن المساواة كفكرة مثالية هي في حالة “تنافر” مع فكرة الحرية كما يفهمها الليبرتاريون.
لكن ما الذي تعنيه “المساواة”؟
يرسم بعض المفكرين فرقا بين المساواة التقليدية والمساواة الحقيقية، حيث تعني المساواة التقليدية شيئاً كالمساواة المجردة أمام القانون—أي بانطباق القوانين بشكل متساو على الجميع—بينما تتطلب المساواة الحقيقية إزالة، أو على الأقل التقليل لدرجة كبيرة، من الفروق في الثراء، والفرص، والنفوذ.
ومن الواضح أن هذا النوع الأخير من المساواة—والتي يمكن أن نطلق عليها المساواة الاجتماعية الاقتصادية—تعتبر غير متوافقة مع مفهوم الليبرتارية، وبالأخص إذا تم السعي لتحقيق تلك المساواة عن طريق بعض التشريعات القسرية.[1] وتعتبر التشريعات التي تهدف إلى تحقيق المساواة الاقتصادية الاجتماعية مرفوضة من قبل الليبرتاريين باعتبارها غير مقبولة وتشكل تدخلا اشتراكيا في حقوق الملكية للأفراد.
وبالمقارنة، يقبل الليبرتاريون المساواة أمام القانون بشكل عام. لكن لا يوجد شيء محدد بشأنها يمكن اعتباره ليبرتاريا. وقد أشار اناتولي فرانس مرة بدهاء أن القانون بجلالة قدره في المساواة يحرم على الفقير والغني على حد سواء النوم تحت الجسور، وهذه العبارة يستشهد بها دعاة المساواة الاجتماعية الاقتصادية المتهكمون على المساواة التقليدية المجردة. لكن يوجد لليبرتاريين أسباب مساوية للدعوة إلى أن هذا النوع من المساواة يعتبر غير مناسب. وكما أشار يوما الاقتصادي موري روثبارد: “إن عدالة المساواة في العلاج تعتمد أولا على عدالة العلاج نفسه.” لنفرض مثلا بأن [جونز] وحاشيته اقترحوا استعباد مجموعة من البشر. هل يمكننا القول بأن “العدالة” تقتضي استعباد كل واحد منهم بشكل مساو للآخر؟ ولنفرض بأن احدهم قد ساعده حظه الجيد على الفرار. هل يحق لنا إدانته بسبب محاولته تجنب المساواة بالعدالة المفروضة على رفقائه؟
وبما أن كلا من المساواة الحقيقية الاجتماعية الاقتصادية والمساواة التقليدية أمام القانون لم تنجحا في تحقيق ما يعتبره الليبرتاريون مهما في السياسة، فمن المغري الاستنتاج بأن المساواة لا تعتبر قيمة ليبرتارية مركزية البتة.
ومع ذلك فقد وضع مفكرو الليبرتارية أهمية أكبر على موضوع المساواة. فقد كتب ثوماس جيفرسون في إعلان الاستقلال المشهور: “كل البشر خلقوا متساويين.” وفي النسخة الأصلية استرسل قائلا: “ومن خَلْقهم متساويين استمدوا حقوقهم الموروثة التي لا يمكن سلبها منهم.” وبالتالي فقد قام بجعل المساواة أساسا وقاعدة لحقوقنا. ما نوع هذه المساواة التي يتكلم عنها جيفرسون؟
من المعروف عامة بأن كتاب جون لوك، الرسالة الثانية للحُكم، يعتبر من الكتب المشهورة الأولى “التي تعتبر كتبا أساسية في الحقوق العامة،” والتي اعتمد عليها جيفرسون في صياغة إعلان الاستقلال، ويعتبر مفهوم جيفرسون في المساواة مستمدا بشكل مباشر من لوك. ويعرِّف لوك “حالة… المساواة” كحالة “تُعتبَر فيها كل القوى والسلطات تبادلية؛ لا يملك أحد فيها أكثر من الآخر، ولا يوجد ما هو أكثر وضوحا من ذلك بين المخلوقات من نفس الجنس والرتبة، ويعتبر حقا مولودا للجميع، وللجميع نفس ميزات الطبيعة، وباستخدامهم لنفس القدرات، ويجب بالتالي أن يكونوا متساوين أيضا بين بعضهم البعض، بدون تمييز أو اخضاع…”
وباختصار، لا يقصد جيفرسون ولوك بالمساواة تلك المساواة بالأفضليات المادية بل إن جميع الرجال (وتعمم اليوم على الجميع بدون اعتبار للجنس) متساوون في السلطة. ويُعتبَر إخضاع شخص لشخص آخر وبالتالي معاملته كمرؤوس عملا غير شرعي، إذا كنّا نُعتبَر متساويين طبيعيا. وبالتالي يعتبر أي تدخل في حريات شخص آخر خرقا لمفهوم لوك للمساواة: “وكوننا جميعا متساوين ومستقلين، لا يحق لأي شخص إيذاء آخر سواء في حياته، أو صحته، أو حريته، أو ملكيته… وبما أننا جميعا مجهزون بنفس القدرات، ونتشارك جميعا في مجتمع ذي طبيعة واحدة، فلا يمكن اعتبار أي أمور تخولنا تدمير بعضنا البعض، وكوننا سُخِّرنا لاستخدام بعضنا البعض، كما سُخِّرت الأنواع الأدنى من المخلوقات لخدمتنا.”
فلا عجب أن يجد جيفرسون الأمر طبيعيا التمسك برأي، وبعد مرور قرن من الزمان، بأن المساواة الإنسانية هي أساس للحقوق بيننا.
أما لوك فقد قام بدوره وببساطة بتطوير الأفكار الأولى لمجموعة من الراديكاليين الإنجليز، وتحت الاسم “الليفيلرز” (ويعني دعاة المساواة). قام هؤلاء القادة ومن ضمنهم جون ليلبورن، وويليام ولوين، وريتشارد أوفرتون، والذين برزوا في أثناء الحرب الأهلية الانجليزية عام 1640 كأول حركة جماهيرية ليبرتارية. ولم يكن هذا الاسم “الليفيلرز” الاسم المفضل لديهم حيث قاموا بكتابة مقالات سياسية ذات عناوين مثل بيان الفرق بين دعاة المساواة العموميين (المطلق عليهم ذلك بدون وجه حق) ودعاة المساواة الحقيقيين (المزعومين). وينبع عدم ارتياحهم للمسمى الأول من خشيتهم من أن يتم فهمهم بأنهم يطالبون بالإنهاء الجبري لجميع أشكال اللامساواة في الثروة وهو هدف طالما أنكروه صراحة: “نعترف بأنه لم يخطر في بالنا أبدا مساواة البشر في ممتلكاتهم، ولم يكن من جملة أهدافنا تقليص الثراء العام لدرجة تؤثر على شعور الشخص بالأمن على قدرته على التصرف والتمتع بممتلكاته.”
ومع ذلك فقد كان اسم “الليفيلرز” يناسبهم تماما، ولفترة من الزمن، حيث لم يسعوا لتحقيق المساواة الاجتماعية الاقتصادية، فقد كانوا مشغوفين ومكرسين لتحقيق المساواة في السلطة. كان أوفرتون، على سبيل المثال، ينادي: “بأن جميع الرجال ولدوا متساويين ولديهم حب التملك، والاستقلالية، والحرية.” وبالتالي فإن “نافخي الكير، وعاملي النظافة، وعمال المناجم، ومنظفي المداخن” جميعهم “ولدوا أحرارا متساويين” مع “أعظم قرنائهم في البلاد.”
ولهذا فقد أشار أوفرتون إلى أنه “لا سلطة لأحد على الحقوق والحريات، ولا سلطة لي على أي رجل آخر.” وبأن كل رجل “هو ملك، وقسيس، ونبي في كينونته وبدائرته الطبيعية الخاصة وينبثق عنه بأنه لا يحق لأحد مشاطرته في ذلك إلا عن طريق التخويل أو التكليف وبموافقته الحرة التي هي حريته وحقه الطبيعي.”[2]
ويمتد هذا الشكل من المساواة إلى ابعد من كونه فقط مساواة مجردة أمام القانون. وإذا قام حكام بلد ما بفرض عبادة شيفا على الجميع ومن منطلق معاملتهم لجميع المواطنين بمساواة (وبافتراض أن الحكام أنفسهم يعبدون شيفا أيضا) فإنهم بالرغم من ذلك لا يحترمون مبدأ المساواة في السلطة، ذلك لأنهم يحللون لأنفسهم ويحرمون على الآخرين الحق في تحديد ما إذا كان شيفا يستحق العبادة أم لا. وبدلا من مجرد الطلب بالمساواة في تطبيق القوانين، فإن المساواة في المفهوم الليبرتاري تضع تحديدات على محتوى تلك القوانين أيضا، وتستبعد بالتالي أي إخضاع جبري من أي نوع كان. وتعتبر وجهة النظر هذه متوافقة بالكلية مع استخدام القوة للدفاع الشرعي عن النفس مع ما يتضمنه ذلك من معاملة الآخرين كما لو أنهم “مسخرون لبعضهم البعض” والذي يعتبر بالتالي محرما، كونه مخالفا للمساواة الإنسانية. ويُعتبَر أولئك الذين يرون في المساواة أنها على شكلين فقط—ألا وهي المساواة الحقيقية الاجتماعية الاقتصادية والمساواة التقليدية أمام القانون—أنهم قد أهملوا إمكانية المساواة الليبرتارية والتي تعتبر حقيقية لكنها غير اجتماعية أو اقتصادية.
المساواة الليبرتارية
ما هي المضامين السياسية لهذا النوع الثالث من المساواة؟ إن الجوهر الذي تستند إليه المساواة الليبرتارية هو المساواة في السلطة ويعني ذلك انه لا يمكن للحكومة أن تحوز على أية حقوق لا يملكها رعايا تلك الحكومة—إلا إذا قام أولئك الرعايا بالتنازل طوعا عن تلك الحقوق عن طريق “التخويل أو التفويض وبملء حريتهم.” وبما إنني لا امتلك أية حقوق على أي شخص آخر أو ملكيته فلا يمكنني تفويض الحكومة حقا على أي شخص آخر أو على ملكيته. وكما قال الاقتصادي الفرنسي فريدريك باستيا ببلاغة في القرن التاسع عشر:
“إذا كان لكل شخص الحق—ولو باستخدام القوة—في الدفاع عن نفسه، وحريته، وأملاكه، فإن ما يتبع ذلك هو انه يحق لمجموعة من الرجال تنظيم ودعم قوة عامة بهدف حماية تلك الحقوق. بالإضافة إلى ذلك فان مبدأ الحق الجماعي—والذي له حق شرعي في الوجود—مبني على الحقوق الفردية وبالتالي فإنه لا يحق للقوة العامة التي تقوم بحماية هذا الحق الجماعي أن يكون لها هدف أو غاية أخرى غير المهمة التي تستند في وجودها إليه، وبالتالي فكما انه لا يحق لأي شخص شرعيا استخدام القوة ضد الشخص وحريته وممتلكاته، فإن هذه القوة العامة—ولنفس الأسباب المذكورة—لا يمكن استخدامها شرعيا من اجل تدمير أي شخصيات، أو حريات، أو ممتلكات للأفراد أو الجماعات.”
وبينما يختلف الليبرتاريون فيما بينهم في القدر الملائم أو المناسب الذي يحتاج إليه الشخص التنازل عن حريته للحكومة، إلا أنهم جميعا يتفقون على السعي لتقليص عدم المساواة في السلطة بين الأفراد العاديين من جهة، وأولئك المميزين والعاملين في الدولة من جهة أخرى.
لا تستطيع المساواة الاجتماعية الاقتصادية ولا المساواة أمام القانون أن تصلا إلى مستوى المساواة الليبرتارية وذلك لأنهما لا يقدرا على مساءلة البنية القائمة للسلطة. ويطلب كلا النمطين من الحكام التأكد من أن المساواة (ذات الشكل المفضل) سائدة بين الحاكم والمحكوم (وحقيقة أن المحكومين مؤهلين لمنصب انتخابي لا يلغي هذه اللامساواة كون أولئك الذين يصلون إلى صفوف السلطة يشكلون أقلية صغيرة من بين الجماهير). وكما كتب الفيلسوف انتوني فلو، في ظل تنظيم حكومي: “إن ما تقرره الفئات النخبوية الحاكمة مناسباً… قد يتكشف عنه تحقيق المساواة أو عدمها بين أولئك المستقلين للغاية، لكن بالطبع لا توجد مساواة البتة بين أولئك الذين يصدرون الأوامر وأولئك الذين يتلقونها.”
وفي المقابل تتضمن المساواة الليبرتارية المساواة ليس فقط أمام أولئك الذين يديرون السلطة بل المساواة معهم.
يجب تكبيل الحكومة بروابط أخلاقية يمكن تطبيقها على المواطنين الخاصين. إذا كنت لا أستطيع نزع أملاكك منك بدون موافقتك، فان الحكومة لا تستطيع ذلك أيضا.
لهذا السبب تعتبر الليبرتارية—لا الاشتراكية الدولانية—ما يستحق لقب المساواة الراديكالية. الحرية هي الشكل الأكثر صدقا للمساواة.
ملاحظات:

[1] من المهم التذكر أن السعي للحصول على المساواة الاجتماعية الاقتصادية بالوسائل السلمية والطوعية هو أمر متوافق تماما مع الليبرتارية.
[2] هذه الفقرة هي من ما يُعتقَد انه امتع ما كتب من الرسائل السياسية: ريتشارد اوفرتون، سهم ضد جميع الطغاة والظلم، رصاصة من سجن نيوجيت الى امعاء المميزين في مجلس اللوردات الاستبدادي، وجميع المغتصبين الآخرين والظلمة مهما كانوا، في اي مكان، الاصليون، النهوض، المدى، ونهاية قوى الجلالة، الحقوق الطبيعية والوطنية، الحريات وممتلكات الانسانية المكتشفة وغير المنكرة، القمع الاخير وتعديات اللوردات على العامة (بالقانون الاساسي وقوانين هذه المملكة، وكذلك بواسطة السجلات التي لا تنسى لبرج لندن)، مدانة، آخر احكام المشيخة (المخترعة والمحاكة من قبل الالوهيين، وبتحركات السيد بيكون والسيد تيت ريد في مجلس العموم)، تفحصت، ودحضت، وفضحت، كجميع الطغاة، البربريين واللاانسانيين بواسطة ريتشارد اوفرتون، رامي الاسهم المميز على مجلس اللوردات المستبد، سجينهم في نيوجيت، لاسباب عادلة وقانونية، حقوق وحريات العموم في انجلترا (1646).
بالتنسيق مع مجلة فريمان (تشرين الأول، 2005).
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 26 كانون الأول 2006.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018