ريتشارد دبليو. ران

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

هنالك قول مأثور لعضو محكمة العدل العليا الأمريكية أوليفير هولمز قال فيه “الضرائب هي ما ندفعه لقيام مجتمع متمدن،” بينما قال سلفه على محكمة العدل العليا الأمريكية، رئيس المحكمة جون مارشال، وكان محقاً فيما قال، “السلطة على فرض الضريبة هي السلطة على التدمير.”

في أية نقطة تنتقل فيها الضريبة من كونها ضرورية لإدارة الحكومة بشكل مناسب إلى الاستبداد؟

الآباء (المؤسسون) الأمريكيون، اعتبروا، في إعلان الاستقلال الأمريكي، أن أحد تظلماتهم ضد الملك جورج الثالث أنه قد فرض “ضرائب علينا بدون موافقتنا.” “لا ضرائب بلا تمثيل” كان هو النداء الذي قامت على أساسه الثورة، ومنذ ذلك الحين كان هنالك توافق واسع بأن فرض أية ضريبة دون موافقة المحكوم هو نوع من الاستبداد الضريبي. هذا هو السبب الذي يجعل فرض الضرائب في الأنظمة الديمقراطية تحوز على شرعية أخلاقية أعظم من تلك الضرائب التي تُفرض من قبل الأنظمة غير الديمقراطية.

وبانتشار الديمقراطية على امتداد العالم، فإن أناساً أقل يتعرضون الآن لذلك النوع من الاستبداد الضريبي. ومع ذلك، وفي السنوات الأخيرة، فإن بعض البلدان وبشكل رئيسي ضمن الاتحاد الأوروبي قد حاولت تحت شعار “التنسيق الضريبي” و”الممارسات الضريبية غير المنصفة،” فرض توجّهاتهم لفرض ضرائب أعلى على الدول ذات الضرائب المُنخفضة. وقد حاولت بعض المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فرض ضرائب على الآخرين بدون موافقتهم.

شكل آخر من أشكال الاستبداد الضريبي يقع عندما تفرض الحكومات نسباً ضريبية أعلى من الحد الأعلى لجمع الأموال. لقد كان معروفاً على امتداد القرون بأن كل ضريبة لها نسبة عليا والتي إذا تم تجاوزها لن تجلب مداخيل أخرى لأن الناس سوف يتوقفون عن التعامل مع النشاطات الخاضعة لتلك الضريبة، سواء كانت العمل أو الادخار أو الاستثمار أو الاستهلاك للبضائع والخدمات الخاضعة للضرائب. مثل تلك النسب العالية من الضرائب تُشجع على انتشار الأسواق السوداء الخفيّة و/أو نزوح أنشطة معينة.

على سبيل المثال، فإن نسباً عالية من الضرائب على رأس المال تدفع الناس إلى الانتقال بأموالهم إلى مناطق تفرض نسب ضرائب أقل. نسب الضرائب العالية جداً على العمل يمكن أن تدفع بالناس إلى الانتقال حتى من بلد إلى بلد أو دولة أخرى. هنالك حالات كثيرة معروفة، حيث قام من يحصلون على مداخيل عالية مثل نجوم السينما والرياضة وغيرهم بالانتقال من بلدانهم الأصلية التي تفرض ضرائب عالية مُقعِدة، إلى أماكن أكثر وداً من الناحية الضريبية. ولكن لسوء الحظ، هنالك حكومات كثيرة، بما في ذلك حكومة الولايات المتحدة التي ما زالت تفرض ضرائب ونسب ضرائب أعلى من الحد الأعلى لجمع الموارد.

نوع آخر من الاستبداد الضريبي يتجلى عندما تُفرض ضرائب قصراً لتمويل برامج حكومية ذات مردودٍ قليل أو حتى بلا مردود، أو حيث تكون برامج الإنفاق متلبسة بالرشاوى وسوء الإدارة.

وقد أعلن الرئيس جروفر كليفلاند، في خطابه السنوي إلى الكونغرس عام 1886 قائلاً “عندما يُقتطع جزء أكبر من مداخيل الناس من خلال أنماط من الضريبة تفوق ما هو ضروري لمواجهة التزامات الحكومة ونفقاتها في إدارة الاقتصاد، فإن مثل تلك الضرائب تُصبح ابتزازاً بلا رحمة وانتهاكاً للمبادئ الأساسية لحكومة حرة.”

الحكومات من حيث طبيعتها ليست مؤهلة لأن تدار بمثل الكفاءة التي تدار بها النشاطات الكثيرة للقطاع الخاص، حيث يُنفق الناس من أموالهم الخاصة، ولكن هنالك قادة سياسيون كثيرون في كل بلد من بلدان العالم تقريباً الذين يتجاهلون إلى حد كبير مسؤوليتهم تجاه دافعي الضرائب بقبولهم لمستويات عالية من الفساد و/أو سوء الإدارة. وقد عبّر الرئيس كالفين كولدج بشكل واضح عندما قال “إن جمع ضرائب أعلى مما هو ضروري على نحو مطلق، هو نوع من أنواع النهب القانوني.”

الاستبداد الضريبي يمكن أن يوجد أيضاً عندما يتم اختيار أعضاء مجموعة من الناس لدفع نسبة تفوق النسبة المُقررة على أساس من دينهم أو عرقهم أو جندرهم أو غير ذلك من الظروف. في أيامنا هذه نرى ذلك كثيراً في الحكومات التي تُسيء إلى فكرة الضريبة المتصاعدة. على سبيل المثال، ففي الولايات المتحدة فإن واحدا بالمائة من أعلى فئة من دافعي الضرائب يدفعون 40 بالمائة من ضريبة الدخل، بينما هم لا يملكون سوى 21 بالمائة من الدخل. وفي الوقت ذاته فإن الـ50 بالمائة الأكثر انخفاضاً بين دافعي الضرائب يدفعون فقط 3 بالمائة من الضريبة بينما هم يحصلون على 12 بالمائة من الدخل.

عندما تُحوّل الأغلبية العبء الضريبي كله تقريباً إلى أقلية صغيرة يتوجب عليهم أن يدفعوا قسطاً غير متناسب إطلاقاً مع نسبة مداخيلهم، فإن ذلك يُمثّل شكلاً من أشكال الاستبداد الضريبي. بلدان كثيرة، ربما يبلغ عددها دزينتين، والذين عانى مواطنوها تحت حكم الشيوعية المستبد، قد فرضوا “ضريبة ثابتة” لتفادي هذا الشكل من أشكال الاستبداد الضريبي.

الاستبداد الضريبي يُخفّض من الفرص الاقتصادية ومن الوظائف ومن نمو الدخل ويؤدي إلى النيل من المجتمع المدني. الاستبداد الضريبي سوف يستمر ما دام أن السياسيين يستطيعون شراء أصوات مجموعة من المواطنين عن طريق إصدار الوعود لهم بتحويل عبء الحكومة إلى الآخرين، وإلى المدى الذي يواصل فيه القضاة السكوت على فرض ضرائب غير مناسبة وضرائب تنطوي على التمييز.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 25 حزيران 2008.

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

يعمل النفط المملوك من قبل الدولة على الدوام على زرع بذور فنائه بنفسه. إن معظم الناس لا يدركون بان ما نسبته 90 في المائة تقريبا من احتياطيات النفط السائل في العالم تتم إدارتها من قبل حكومات أو من قبل شركات مملوكة من قبل الدولة. فشركة “ايكزون موبيل” وهي اضخم شركة نفطية في العالم مملوكة للقطاع الخاص تمتلك فقط نسبة 1.08 في المائة من احتياطيات النفط العالمي، والشركات النفطية الخمس الأضخم في العالم المملوكة للقطاع الخاص تمتلك معا نسبة 4 في المائة فقط من الاحتياطيات النفطية في العالم.

هناك نفط سائل موجود في الأرض يكفي للاستمرار بحيث يمتد لأجيال قادمة وعند إدخال الرمال الزيتية والصخر الزيتي، فسوف يكون النفط كافيا للاستمرار على مدى قرون. فلو كان هناك سوق حرة حقيقية في مجال النفط، مع وجود الاحتياطي والإنتاج المملوكين والمُدارَين من قبل العديد من الشركات التنافسية، فان سعر النفط سوف يشكل جزءا من السعر السائد هذه الأيام.

إن السعر المرتفع للنفط هو نتيجة مباشرة نجمت عن قيود ومعوقات العرض المصطنعة التي تم فرضها من قبل دول عدة بما في ذلك الولايات المتحدة، بالإضافة إلى عدم كفاءة وسوء إدارة في معظم الشركات النفطية التي تتم إدارتها من قبل الدولة.

معظم هذه الدول—وكذلك منتجين رئيسيين آخرين للنفط يعتمدون بشكل رئيسي على شركات مملوكة للدولة مثل روسيا—قامت بالتقليل من الاستثمار في مجال استكشاف وتطوير منشآت إنتاج جديدة للنفط، كما أنها أساءت إدارة المنشآت الموجودة لديها.

وبالرغم من وجود سادس اضخم احتياطيات نفطية في فنزويلا على مستوى العالم، فقد هبط إنتاجها نظرا لسوء الإدارة التي تتم من قبل حكومة الرئيس شافيز. كما أن المكسيك أيضا تعاني من هبوط في إنتاجها النفطي لان الحكومة ترفض السماح للشركات الخاصة بالاستكشاف عن النفط وإنتاجه ولان شركة “بيمكس” النفطية المملوكة للدولة هي شركة غير كفوءة وغير مؤهلة. بمضي عقد أو عقدين من السنوات اعتبارا من الآن سوف يكون واقع الدول النفطية الاشتراكية في أسف بالغ بسبب سوء تصرفها الحالي.

عندما ترتفع أسعار أية سلعة فان الناس سيقومون بالبحث عن مصادر مغايرة وعن بدائل لتلك السلعة التي ارتفع سعرها. فعندما ارتفعت أسعار النفط إلى ما فوق 30 أو 40 دولارا أمريكيا للبرميل الواحد فقد اصبح استخراج النفط من الرمال الزيتية في كندا والصخر الزيتي في كولورادو اقتصاديا بشكل مفاجئ. وهذان الاحتياطيان هما الأضخم من تلك الاحتياطيات النفطية السائلة المعلومة.

تكمن المشكلة على المدى القصير في أن تطوير الرمال الزيتية والصخر الزيتي يستلزم القيام باستثمارات متقدمة هائلة وإلى قليل من السنوات قبل أن يحل إنتاجها محل معظم احتياجات أمريكا الشمالية من النفط المستورد من خارج القارة.

لقد أعلنت شركة “شل اويل” النفطية عن أن التكنولوجيا الجديدة لاستخراج النفط (“تكنولوجيا الموقع”) في كولورادو قد تكون تنافسية بأسعار تزيد عن 30 دولارا أمريكيا للبرميل. ومع ذلك، فان الوصول إلى إنتاج على نطاق واسع سوف يستغرق سنوات غير قليلة.

وبالرغم من الافتتان الجاري حاليا بالوقود الحيوي فانه من غير المرتقب أن ينتج في أي وقت مقادير تزيد عن حصة قليلة من سوق النفط نظرا لأنها ليست تنافسية السعر مع النفط السائل ومع الزيت الرملي والزيت الصخري عندما يتم الأخذ بالاعتبار جميع التكاليف الملازمة له، مثل أسعار المواد الغذائية العالية.

وفي الوقت الحالي، فإن السيارة الجديدة التي قمتم بشرائها منذ عقد من السنوات من الآن سيتم في الغالب وبكل تأكيد تشغيلها كهربائيا بالكامل. وهناك خطوات ضخمة تم تحقيقها في مجال تكنولوجيا البطاريات. فقد توصلت شركة “ميتسوبيشي” مؤخرا إلى اختراع سيارة تدار بالكهرباء بالكامل، وهي السيارة الرياضية “مييف”. وهناك شركتا “نيسان” و”رينو” كانتا قد أعلنتا عن انهما ستنتجان سيارات كهربائية على نطاق واسع بحلول عام 2012.

وبما أن الناس سوف يتحولون إلى السيارات الكهربائية، فان الحاجة إلى البنزين والنفط المستورد سوف تختفي بشكل سريع. ومن الواجب أن يتم التوسع في مجال المنشآت النووية والفحم النظيف بغرض إنتاج المزيد من الكهرباء، إلا أن إنتاجها من الطاقة سيكون جزءا على حساب تكلفة البترول. كما أن تكنولوجيا البطاريات الجديدة سوف تعمل على مد يد المساعدة كي تصبح الطاقة الشمسية وطاقة الرياح اكثر جدوى من الناحية الاقتصادية نظرا لأنها ستكون قادرة على تخزين تلك الطاقة. وحتى وان تم ذلك فان الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ستشكلان فقط جزءا صغيرا من الطاقة التي سنحتاجها مستقبلا وذلك بسبب القيود والتحديدات التي تلازم إنتاجهما.

وباختصار، العالم بحاجة إلى مواد الوقود السائل (النفط)، وبشكل رئيسي للمواصلات، ولكن عندما تتم الغلبة للكهرباء في معظم سوق الطاقة، فان أمريكا وأوروبا والصين واليابان سوف يكتشفون بان بإمكانهم إنتاج كل الكهرباء التي هم بحاجة إليها من مصادر نووية ومن الفحم ومن ماء السدود ومن الكتل الحيوية والحرارة الأرضية والشمس والرياح. كما أن أمريكا الشمالية ستكون أيضا مستقلة عن النفط الأجنبي بسبب التطويرات التي تتم على الرمال الزيتية وعلى الصخر الزيتي.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 4 آذار 2008.

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

إذا كان كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي محتفظين ببقائهما، فما الذي سيكون عليهما أن يعملاه إن كان حالهما كذلك؟ لقد احتدم الجدال بطريقة متزايدة حول هذا التساؤل من قبل بعض الخبراء، وحتى من قبل أفراد ينتمون إلى هاتين المؤسستين. كما أن هناك عددا متزايدا من النقاد من اليمين واليسار، كليهما على وشك أن يصلا إلى اتفاق بأن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قد تساهلا بدرجة كبيرة جدا مع فساد كان قد استشرى بين عملائهما، وأن الكثير من برامجهما لا تقوم بالوفاء باختبارات التكاليف والمنافع المعقولة.

يقول صندوق النقد الدولي بأن “غرضه الأساسي هو أن يضمن استقرار النظام النقدي العالمي”، ويقول البنك الدولي بان المهمة الموكولة إليه هي “أن يتم التخلص من الفقر العالمي”. هذه الأهداف هي أهداف جديرة بالثناء حتى وإن كانت غير قابلة للتحقيق، وعلى وجه الخصوص من قبل مؤسسات متعددة الأطراف تمت الهيمنة عليها على المستوى السياسي. كما أن صانعي القرارات في المؤسستين لا يتم انتخابهم بطريقة ديمقراطية. ويجب ألا ننسى بأن مدراء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قد سمحوا لمهماتهم أن تتداخل فيما بينهما، وفي أحيان كثيرة، تم تعريف “النجاح” على أنه عبارة عن أموال يتم دفعها وليس خدمات يتم تقديمها.

في صيف العام 1944، قام عدد كبير من الأشخاص المتنورين البارزين في عالم المال والاقتصاد، بما في ذلك “جون ماينارد كينز”، بالالتقاء في مؤتمر عقد في “بريتون وودز” في “نيو هامبشير” بغرض التخطيط للنظام المالي العالمي لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. قام الكثيرون من بين الحضور بإبداء عدم الثقة بنظام اقتصاد السوق الحر، واضعين اللوم عليه بالنسبة لحدوث “الكساد العظيم” وبالنسبة لصعود “النازية”. وبما أنهم كانوا جميعا نموذجيين جدا من بين طبقات أكاديمية وسياسية، فقد أخطأوا في تشخيص الأسباب التي أدت إلى حدوث “الكساد”، وهكذا فقد توصلوا إلى “حلول” غير عملية عملت على خلق مشاكل جديدة. (كانت الأسباب الفعلية لحدوث “الكساد العظيم” تتمثل في السياسات النقدية الصارمة التي تمت بطريقة غير مناسبة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي وبنوك مركزية أخرى، والتعرفات الجمركية المفرطة، والسياسات التجارية التقييدية. فتم وضع اللوم على السوق الحر، وبعد ذلك، استخدامه كعذر لتوسيع دور الحكومات بشكل كبير).

كانت الحكمة السائدة عندئذ تتمثل في اعتبار الاشتراكية موجة المستقبل وبأن البرامج الحكومية الضخمة هي وحدها التي سوف تتمكن من حل المشاكل الاقتصادية وأمراض المجتمع الأخرى. وهكذا، فقد أعقب ذلك من الناحية المنطقية أنه إذا كانت بعض المشاكل الاقتصادية المعينة عالمية، فسيكون بالإمكان حلها من خلال مؤسسات عالمية قوية متفوقة على الدولة القومية.

ومن بركان فلسفة المثالية هذه، والتي تم وضعها في غير محلها ومن الرغبة في التحكم والسيطرة من قبل أولئك “المفكرين المتنورين”، وُلد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وكان أحد القرارات الذي تم اتخاذه في المؤتمر هو أن يتم استحداث نظام أسعار صرف ثابتة بين الدول، وهو الذي كان يتطلب وجود آلية تقوم “بإدارة” نظام السعر الثابت، والتي، من هنا، ستكون صندوق النقد الدولي.

قام صندوق النقد الدولي بهذه المهمة بالكامل لغاية العام 1971 عندما قام الرئيس الأمريكي نيكسون “بإقفال نافذة الذهب” التي تتعلق بمجال تحويل النقود إلى ذهب، مؤشرا بذلك على النهاية الفعلية لنظام سعر الصرف الثابت.

وبحلول نهاية نظام سعر الصرف الثابت، كان من الواجب على صندوق النقد الدولي أن يخرج من العمل ليكون بلا وظيفة وأن يتم حله. ولكننا كما نعلم، كان في العالم الحقيقي مؤسسات مستحدثة من قبل الحكومات لديها ما دعاه الرئيس الأمريكي “رونالد ريغان” بـ”الشيء الوثيق الصلة والأقرب إلى الحياة الأبدية”. وبالرغم من كل هذا، كان لدى صندوق النقد الدولي بعض المباني الضخمة مقامة في مواقع رئيسية بمركز مدينة واشنطن، وهي عبارة عن كادر من الموظفين المدللين من ذوي الأجور المرتفعة زائدا مسؤولين بيروقراطيين حكوميين من ذوي النهج السلطوي من دول متعددة الذين أحبوا السفر بغرض حضور مؤتمرات تتم تحت رعاية الصندوق.

أدرك المسؤولون عن تطوير مهمة صندوق النقد الدولي بأن معظم زعماء حكومات الدول سوف يروق لهم أن ينفقوا أموال شعوب أخرى، ولكن فرض الضرائب بشكل مباشر على شعوبهم لا يمكن اعتباره تصرفا شعبيا. لذا، قام الصندوق بإلحاق “شروط” معينة بخصوص قروضه التي سيمنحها والتي يتم في معظم الأحيان إدخالها في خطة تخص موازنة موزونة مكونة من نوع من تقييد الإنفاق ومن زيادات ضريبية وخفض في قيمة العملة. وأصبح من الممكن أن يقوم الزعماء المحليون بإلقاء تبعة المشقة التي ستنجم عن ذلك على صندوق النقد الدولي وليس على سوء إدارتهم هم أنفسهم.

أما إمكانية الدفاع عن البنك الدولي فهي أقل بدرجة كبيرة! فقد تأسس البنك على أساس افتراض مزيف هو أن الدول الغنية في حال قيامها بإقراض الأموال إلى الدول الفقيرة فسوف تصبح الدول الفقيرة غنية وسوف يختفي الفقر على نطاق واسع. وفي حقيقة الأمر، ازدهرت الدول الغنية لأنها قامت باستحداث المؤسسات والسياسات التي أتاحت للأفراد الذين يسعون نحو الأرباح أن يبتكروا السلع والخدمات في سبيل زميلهم الإنسان. وتمتاز الدول الغنية بوجود حكم القانون لديها، وحماية الملكية الخاصة، وبتدخل حكومي قليل نسبيا مع وجود أسواق حرة. أما الدول الفقيرة، فيفتقر معظمها إلى وجود هذه الصفات المميزة، كما أنها تمتاز بتساهلها مع فساد مستشرٍ على نطاق واسع.

كان لدى البنك الدولي مهمة مستحيلة. فقد كان مطلوبا منه أن يقدم معظم أمواله إلى الحكومات، ولكن الحكومات التي لا تستطيع جذب رأس مال القطاع الخاص الضروري إليها، كانت إما فاسدة جدا أو غير مؤهلة لإدارة أية أموال تتلقاها. وهناك العديد من ديكتاتوريي دول العالم الثالث قد أصبحوا أغنياء من برامج البنك الدولي، كديكتاتور دولة الكونغو الرئيس الراحل “موبوتو” على سبيل المثال. ونظرا لأن البنك كان يقدم قروضا إلى وكالات حكومية في دول ذات سيادة، فقد كانت لديه فقط رقابة محدودة على المشاريع التي يقوم بتمويلها. كما أن الدول المتلقية والمانحة كلتيهما تقومان بالضغط على مديري البنك الدولي بغرض تقديم القروض، وحيث أن كل دولة مشاركة في هذا الشأن ستقوم بإنفاق أموال دولة أخرى، فإن الحوافز العديدة التي ستضمن إنفاق الأموال بطريقة سليمة سوف تكون مفقودة.

عندما كنت في الخدمة العامة بصفتي رئيسا للجنة الاقتصادية الانتقالية لبلغاريا عام 1991، شهدت كيف يقوم موظفو البنك الدولي بتقويض الإصلاحات المطلوبة في هذا المجال. ففي إحدى الحالات، حاولنا أن نقوم بالخصخصة وأن نزيل احتكار شركة هواتف مملوكة للدولة، وهي شركة “بول تيل”. وكانت شركات الاتصالات الدولية من القطاع الخاص على استعداد أن تقدم أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا في مجال الخدمات الهاتفية إلى بلغاريا. ومع ذلك، قام البنك الدولي بتقديم قرض إلى شركة الهواتف المملوكة للدولة بالإضافة إلى تقديم شرط صريح وهو أن لا تسمح الحكومة البلغارية بقيام منافسة من القطاع الخاص. وعندما قمت بمواجهة موظف البنك المسؤول، كان جوابه لي: “إن من الواجب علينا أن نتأكد بأن قرضنا سوف يسدَّد”!

بافتراض وجود عدد كبير من الأفراد من ذوي النفوذ والتأثير، والذين لديهم مصلحة كامنة في بقاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فأن إلغاء هاتين المؤسستين سوف لن يتم. وبناءا على ذلك، ما الذي يمكن أن يتم القيام بعمله؟

الحل الأفضل هو أن يتم خصخصتهما. فهاتان المؤسستان تقومان بتوليد دخل مكتسب يتم جنيه من إقراضهما للأموال، وهما تتلقيان بعض الأتعاب مقابل عملهما الاستشاري، كما يوجد لدى كل منهما أصول مالية وعقارية كبرى تعتبر في الوقت الحالي “مملوكة” من قبل الحكومات التي قدمت رأس المال لهما. وبالإمكان إعطاء الحكومات “المالكة” حصصا من الأسهم بحيث تساوي مساهماتها في كل مؤسسة منهما، وبعدئذ، يمكن لكل حكومة أن تختار إما أن تمتلك أو تبيع حصتها إلى أطراف من القطاع الخاص.

ومن الواجب أن يتم إجراء تغيير على بنية الإدارة وعلى مجلس الإدارة الحاليين ليكونا على شكل شركة عادية حيث يقوم المساهمون بانتخاب عدد قليل من أعضاء مجلس الإدارة للإشراف على الشركة. وبالإضافة إلى الدخل المكتسب والأتعاب التي تجنيها المؤسستان، فبإمكانهما أن تصبحا متعاقدتين مع حكومات أو مع مجموعة من الحكومات بغرض تقديم خدمات معينة، كإدارة المنح، وجمع البيانات ونشرها، أو حتى لتكونا بمثابة منقذين للحكومات التي تعاني من صعوبات مالية.

ومن خلال تحويلهما إلى شركتين عاديتين تسعيان إلى الربح، فسوف تقومان، على الأرجح، بإنجاز المهمة في مجال توزيع الموارد وضبط التكاليف. فقد تنمو الحوافز الخاصة بالدول المتقاعسة بحيث تُدفَع إلى تبني سياسات نمو اقتصادي عالٍ، كما ستنمو مؤسسات اقتصادية ناجحة قائمة في دول نامية في حال إزالة مساندة صندوق النقد الدولي/البنك الدولي. ومن المحتم أن يطور صندوق النقد الدولي خطا رئيسيا تماما للتأمين على مخاطر العملات بالنسبة للحكومات وللمستثمرين من القطاع الخاص، والذي قد يكون خطا مربحا جدا إذا ما تم تسعيره بالشكل المناسب والذي سيخدم بصفته حافزا قويا بالنسبة للسياسة المالية الحصيفة.

ومن المحتم كذلك أن تعمل الخصخصة على تمكين دافعي الضرائب الذين قاموا بدفع مبالغ السندات من أن يحصلوا على عائد جزئي على الأقل من استثماراتهم في تلك السندات. فالحكومات، بما في ذلك حكومة الولايات المتحدة، قامت باستحداث العديد من المؤسسات التي تمت خصخصتها بكل نجاح لتحقق المنفعة لكل فرد. وبناءا عليه، لماذا لا تشمل الخصخصة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؟

© معهد كيتو، مصباح الحرية، 22 شباط 2008.

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

أليس من المثير للعجب أن غير الأمريكيين يواصلون استثمار مدخراتهم في الولايات المتحدة في حين أن الحكمة التقليدية كانت تقول أن الدولار سيستمر في التراجع؟ فلماذا يستثمر الأشخاص العقلانيون في أصلٍ آخذ في الانهيار؟ هل يفهمون شيئا لا يفهمه السياسيون والمعلقون؟
لقد نشرت الولايات المتحدة الشهر الماضي تقريرا آخر بأن قيمة الأصول التي يمتلكها الأجانب في الولايات المتحدة تتجاوز قيمة الأصول الأجنبية التي تمتلكها الولايات المتحدة (بحوالي 2.5 تريليون دولار)، وقد تراجع الدولار ليسجل أدنى مستويات له أمام اليورو. وقد تعامل بعض السياسيين والإعلاميين مع هذه الأحداث الإخبارية على أنها كارثة قومية. وفي الواقع، لا يشكل الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة مشكلة ولا يعني أن الدولار سيتراجع أو يرتفع نسبة لأي عملة أخرى.
والأسباب التالية سوف تفسر كل هذا. إن السبب الذي يجعل الأفراد أو الشركات أو الحكومات “تدخر”—أي تُنفق أقل مما تجني في وقت ما—هو السماح بمعدل إنفاق أعلى في المستقبل. وعادة يدخر الأفراد المال خلال السنوات التي تكون فيها عائداتهم مرتفعة قبل التقاعد حتى يتمكنوا من الإنفاق أكثر بعده.
والآن فلنفترض أن شخصا نرويجيا غنيا (أو إن أردت بديلا ألمانيا أو يابانيا أو صينيا) يريد أيضا أن يدخر المال لحين تقاعده. إن النرويج بوصفها دولة صغيرة غنية بالنفط، لا تتمتع بكثير من فرص الاستثمار المحلي. لذا سيرغب النرويجي بتنويع مخاطرته بالاستثمار في بلدان أخرى. وتبدو الولايات المتحدة مغرية بالنسبة له لأنها تتمتع بأقوى اقتصاد في العالم، بالإضافة إلى حكم القانون وأنظمة حماية قوية للملكيات الخاصة، كما أنها لا تفرض على المستثمرين الأجانب دفع ضرائب على فوائدهم الناتجة من الاستثمار أو على أرباح الأسهم أو رأس المال.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للنرويجيين أيضا تأجيل أي التزام ضريبي نرويجي فوري بشكل قانوني وسليم عن طريق القيام باستثماراتهم من خلال جنات ضرائبية خارج البلاد، مثل جزر الشانيل أو برمودا أو جزر كايمان (لأن النرويج مثل معظم الدول وبعكس الولايات المتحدة لديها نظام ضريبة إقليمي).
وعلى المستثمر النرويجي أولا الحصول على الدولارات الأمريكية قبل البدء في الاستثمار، لذا يذهب إلى البنك ويبتاع الدولارات بالكرون النرويجي. وربما يكون البنك قد اشترى دولاراته من شركة نفط نرويجية تبيع النفط للولايات المتحدة. فلنفترض أن النرويجي اشترى بدولاراته سندات مالية حكومية أمريكية وأسهما في شركات أمريكية ومسكنا على شاطئ ميامي. فعندما تدفع الحكومة الأمريكية الفوائد على السندات المالية فهي تدفع بالدولار، كما هو الحال بالنسبة للشركات الأمريكية عندما تدفع أرباح الأسهم؛ ولا يهم من هي الجهة التي تتلقى الدولارات.
وفعليا يتخذ ملايين آخرون من المستثمرين الأجانب (بمن فيهم الأفراد والشركات والحكومات) قرارات مشابهة كل عام. وكل مستثمر لديه وضع محلي مختلف ورغبات مختلفة واختيارات مختلفة للوقت؛ بالتالي لن يبيعوا جميعهم أصولهم الأمريكية في الوقت ذاته. (وعلى الرغم من الاحتباس الحراري العالمي، سيستمر طقس شهر كانون الثاني في ميامي بالتحسن أكثر من طقس أوسلو في القرون القليلة المقبلة!).
وعندما يبيع المستثمرون الأجانب أصولهم، فهم يجنون الدولارات. والشيء الوحيد الذي يمكنهم (أو يمكن لأي أحد يشتري دولاراتهم) فعله بالدولارات هو شراء البضائع والخدمات الأمريكية أو إعادة الاستثمار في الولايات المتحدة؛ وفي كلتا الحالتين، فهو صافي الربح بالنسبة للولايات المتحدة.
إن تذبذب العملات تسببه التغيرات في أسعار الفائدة والتضخم ومعدلات الربح والسياسة الضرائبية والإنفاق والتغيرات المدركة في الخطر الناشئ بين البلدان. فإذا ارتفع الدولار أمام اليورو، سوف يشعر الأوروبيون برغبة أكبر في الاستثمار في العقارات الأمريكية وسوف يشترون بصورة متزايدة البضائع والخدمات الأمريكية، بينما سيواجهون صعوبة أكبر في بيع بضائعهم في الولايات المتحدة، وهو ما يؤدي في مرحلة ما إلى تراجع اليورو أمام الدولار.
لقد استثمر أهالي نيويورك في فلوريدا أكثر مما استثمر أهالي فلوريدا في نيويورك لمدة قرن، وكان هذا في مصلحة فلوريدا. هذا وقد استثمر الأوروبيون في أمريكا فيما يزيد عن السنوات الأربعمائة الماضية أكثر مما استثمر الأمريكيون في أوروبا، وهذا في مصلحة أمريكا.
ويحتمل على المدى البعيد أن تتمتع الولايات المتحدة بمعدلات نمو أعلى من أوروبا بسبب الديموغرافيات المستحبة بشكل اكبر، وإلى درجة ما العوائق الضرائبية والتنظيمية الأقل. كما يحتمل أن يتواصل استقرار الولايات المتحدة السياسي وأن تبلي بلاء حسنا في حماية حكم القانون وحقوق الملكية أكثر من معظم الدول الأخرى في العالم. وسوف ترتكب الولايات المتحدة في بعض الأعوام أخطاء تتعلق بالسياسة العامة—مثل زيادة الإنفاق الحكومي أو السماح بانتهاء صلاحية تخفيضات الضرائب التي أقرها بوش. ولكن على المدى الطويل، تبقى الولايات المتحدة الرهان الأضمن.
وأخيرا، فإن الولايات المتحدة بخلاف كثير من الدول الأخرى، تمتلك معظم أصولها والتزاماتها بعملتها. وتُوقع الدول نفسها في المتاعب عندما تشتري أصولها بعملتها وكثيرا من التزاماتها بعملات أخرى (مثل الدولار). لذا لا يشكل فرقا كبيرا ما إذا كان شخص من نيويورك أو لندن يمتلك شقة في ميامي، أو ما إذا كان شخص من تكساس أو فرانكفورت يمتلك أسهما في شركة عالية التقنية في فرجينيا—لأنها جميعها بالدولار.
ولا يجدر بـ”عجز” الولايات المتحدة التجاري أن “يصحح” نفسه أكثر مما يفعل “عجز” فلوريدا التجاري مع نيويورك—ويمكن أن يستمر ذلك لقرون.
وعلى فكرة، فإن رهاني هو أن الدولار سيرتفع أمام اليورو بعد سنة من الآن!
© معهد كيتو، منبر الحرية، 26 أيلول 2007.

peshwazarabic5 نوفمبر، 20100

سانتو دومينغو، جمهورية الدومينيكان – هذه الجزيرة الجميلة عانت أكثر من نصيبها العادل من الحكّام الفاسدين والعاجزين والذين أبقوا معظم شعبهم في أوضاع من الفقر. ولكن الآن وحيث أخذ اقتصاد الدومينيكان يقوى ويتحسن وارتفعت الأصوات داعية إلى تغييراتٍ إيجابية خلاقة، فإن هذا البلد (وغيره من الشعوب الفقيرة المماثلة) قد أصبحوا يخشون من بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي وبيروقراطيو الاتحاد الأوروبي والمسؤولون في المنظمات الدولية أكثر من خشيتهم من قادتهم.
إيرلندا وآيسلندا، وبيرمودا، وجزر كيمان وسنغافورة، جميعها جزر أصبح معظم سكانها أثرياء ومترفين خلال العقود الأخيرة. ومع ذلك فإن العديد من الجزر مثل جمايكا، وكوبا وجمهورية الدومينيكان والتي تملك موارد طبيعية أكثر من الأولى تعاني الفقر. إن ما يجمع الجزر الغنية ليس الطقس أو الانتماء العرقي للسكان وإنما حكم القانون، وحدٌ أدنى من الفساد وسياسات تنظيمية وضرائبية وتجارية تنافسية. أما الجزر الفقيرة فتعاني جميعها من فساد شديد، وأنظمة حكومية مكبلة وحريات اقتصادية ضئيلة.
كان يمكن أن نظن بأن الطبقات السياسية في الأمم الغنية سوف تحيي وتؤيد السياسات التي جلبت الرخاء والحرية إلى الجزر الغنية (وغيرها من الأمم)، وأن تنحى باللائمة على سياسات الأمم الفقيرة. ولكن للأسف، فإن هذا لا يحدث.
إن من الصعب لجزيرة فقيرة أو لبلد فقير أن ينمو وأن يحقق الثراء إذا لم يكن في مقدوره جذب رأس المال الأجنبي وفتح الأسواق الخارجية أمامه. ومع ذلك فإن البلدان الصغيرة والشعوب التي تتمتع برفاهية معقولة تتلقى الهجوم من العديد من قادة الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ومن بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي بسبب أن نسب الضرائب لديها متدنية، وبالأخص بالنسبة للعمالة ورأس المال.
هذه المعركة ظلت مستمرة على امتداد معظم العقد المنصرم ولكنها أخذت منحىً أكثر شدة مرة أخرى عندما اتخذت المجموعة الأوروبية استهدافاً مباشراً لسويسرا بسبب أن بعض القوانين السويسرية المحلية تتيح معاملةً ضرائبية مريحة إلى الشركات التي تنتقل إليها. عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي قدموا مشاريع قوانين تعاقب البلدان ذات الضرائب المتدنية والتي يتهمون حكامها بالاشتراك في “جريمة” السعي لتحسين أوضاع مواطنيها عن طريق جعل بلدانهم أكثر جذباً لرأس المال الأجنبي. (بطبيعة الحال، يستطيع أعضاء مجلس الشيوخ أن يعالجوا بشكل إيجابي هذه “المشكلة” الناشئة عن التنافس الضرائبي عن طريق استبدال نظام ضريبة الدخل الأمريكية المدمِّرة والمعقدة، بضريبة استهلاكٍ بسيطة مثل الضريبة العادلة، والتي من مزاياها الإضافية رفع النمو الاقتصادي الأمريكي).
إن نفاق بعض دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يبدو بغير حدود. الصلاحيات الصغيرة المحدودة المتعلقة بالضرائب والمحافظة على السرية تُهاجم، علماً بأن مثيلاتها من القوانين موجودة في الولايات المتحدة وفي المملكة المتحدة وفي غيرهما من أعضاء الاتحاد الأوروبي، مثل النمسا وبلجيكا وهولندا. إن المستثمرين الأجانب في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة معفون من كثير من ضرائب الدخل وضرائب ازدياد رأس المال على بعض من استثماراتهم، وكل واحدة من تلك الأمم لها مواقع أو أنواع من المعاملات تتسم بالسرية والحماية.
التجارة هي ميدان آخر، حيث يبدو أن النفاق قائم بلا حدود. المسؤولون في الاتحاد الأوروبي، بينما ينحون باللائمة على معاناة فقراء العالم ويطالبون بمزيد من الضرائب من أجل الإنفاق على المساعدات الخارجية، ثم ينقلبون في نفس اللحظة ويطالبون بوضع قيود شديدة على الاستيراد الزراعي من البلدان الإفريقية الفقيرة ومن شعوب الجزر. القيادة الديمقراطية في الكونغرس تدفع باتجاه إقرار إجراءات تحرم البلدان ذوات المداخيل المتدنية من الدخول إلى الأسواق الأمريكية. وفي الفترة الأخيرة أعلن السيناتور الديمقراطي ماكس بوكوس، عن ولاية مونتانا، بأنه يؤيد “التجارة الحرة” ولكنه تحول إلى القول بأن التجارة يجب أن تُقيد إذا لم يكن العمال الأجانب يتمتعون بنفس المزايا التي يتمتع بها عمال الولايات المتحدة وإذا لم تكن البلدان الأجنبية تلك تتمتع بنفس المستويات البيئية التي تتمتع بها الولايات المتحدة. هذا القول جعل من الواضح بأن السيناتور لا يعرف ما معنى “التجارة الحرة”!
لسنوات عديدة، دأب كثير من علماء الاقتصاد بيننا على القول للبلدان المتدنية المداخيل: خفضوا من نسبة ضرائبكم الهامشية العالية على العمالة ورأس المال لكي تصبح اقتصادياتكم في وضع تنافسي عالمي جيد، وخفّضوا من تعرفاتكم وحواجزكم التجارية ولسوف تبادلكم الأمم الكبيرة تلك الإجراءات بمثيلها. ولكن لسوء الحظ فإن العديد من السياسيين والإعلام في أماكن مثل جمهورية الدومينيكان هم يستمعون الآن للرسالة التالية من واشنطن وبروكسل وباريس: إذا وضعتم سياسات اقتصادية تدعم النمو فإننا سوف نعاقبكم بدلاً من مكافأتكم.
ومن المفارقات أن بعضاً من أكثر دعاة السياسات التي تؤدي إلى مزيد من الفقر في بلدانهم كما في البلدان الأجنبية، يلقون التعظيم والإجلال كدعاةٍ للإنسانية من قبل أعضاء وسائل الإعلام الذين لا يفكرون تفكيراً صافياً، والذين لا يعرفون الفرق بين التعاطف الكلامي وبين الأفعال التي تؤدي بالفعل إلى تحسين أو تراجع أوضاع فقراء العالم.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018