زارا ابراهيم صالح

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

إن التسليم بمقولة ( التاريخ يعيد نفسه ), قد لا يكون صائبا في أغلب الأحيان لكن الحالة التركية الراهنة تجعلنا نسلم ببعض الأدلة التاريخية التي تتكرر بصور مختلفة.
فعندما هرب (شاه سليمان) –جد السلطان عثمان- من بطش جنكيزخان من مناطق توران وخراسان إلى مناطق تركيا الحالية, لم يخطر لذلك الرجل بأن حفيده سيصبح سلطانا ذا شأن وعلى تلك المكانة والشهرة والنفوذ, لكنه تحقق بالفعل وحكم العثمانيون وأحفادهم المنطقة,بل ووسعوا في احتلالهم و حكمهم إلى قسم كبير من أوربا الشرقية( هذا عدا المناطق والدول العربية التي حكموها قرونا من الزمن),وكانت الخلافة الإسلامية عثمانية طيلة تلك الفترة إلى وصلت الحالة بهم إلى ( الرجل المريض) –بعد الحرب العالمية الأولى. كانت تركيا في ذلك الوقت مهددة بالانقسام ومستسلمة لشروط الدول الكبرى المنتصرة في الحرب, وأقرت بذلك في اتفاقية سيفر 1920 . لكن ظهور كمال أتاتورك غير في الموازين, فبفضل حنكته السياسية استطاع أن ينقذ تركيا ويتفق مع الفرنسيين والانكليز وكذلك مع الروس( السوفيت الجدد), ويلغي الاتفاقية السابقة ويخرج منتصرا في حربه مع اليونان ويعقد اتفاقية جديدة لصالحه في لوزان بسويسرا عام 1923 .
اليوم يبدو أن الأحفاد الجدد( ومنهم حزب اردوغان)  بدأوا  يشعرون بذلك الحنين إلى ارثهم التاريخي, خاصة بعد فشل مشروعهم السابق ( تركيا الكبرى) – بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق- وتغيير الموازنات والتحالفات الدولية بعد سقوط  نظام صدام.
فتركيا التي تقدم نفسها بوجوه متعددة مستفيدة من موقعها الجيوسياسي وعضويتها في الناتو, لا تقف عند حدود ( علمانيتها) التي تدعيها منذ كمال أتاتورك رغم غلبة الشعور والتعصب القومي على المجتمع التركي, وتحاول الانضمام إلى الاتحاد الأوربي رغم عدم التزامها بشروط الاتحاد( قضايا حقوق الإنسان, قبرص والقضية الكردية….), لهذا فهي تسعى جاهدة بأخذ العديد من المبادرات ومحاولة لعب دور محوري في منطقة الشرق الأوسط من خلال القضايا العربية والإسلامية وتساعدها في ذلك ظروف دول الجوار التي تتفق فيما بينها على القضية الكردية( وخطرها) المزعوم وتساهم دول عربية في إفساح المجال لتركيا رغم وجود إجماع عربي على التحفظ على دور إيران وتركيا في القضايا العربية.
ولعل الطموح التركي بدأ يأخذ حجما أكبر, فالسيطرة على منابع الثروات المائية( نهري دجلة والفرات) وإقامة أضخم السدود عليها, وإقامة أفضل العلاقات الإستراتيجية مع إسرائيل, عضويتها في حلف الناتو, لعب دور الوسيط والمصالحة في العديد من القضايا مثل المباحثات الغير المباشرة بين سوريا وإسرائيل, تدخلها المستمر في شؤون دول الجوار, بل وحتى احتلال( لواء اسكندر ون السورية), وأخيرا محاولاتها الحثيثة في تسلم الملف الفلسطيني وأخذ المبادرة من إيران التي تتحكم جيدا بهذه القضية من خلال أجندتها الإقليمية.
ترى هل تستطيع تركيا حمل هذه السلة من التناقضات ؟ كيف بمقدورها التوافق بين علاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل التي تحتل أرضا عربية وإسلامية وبين التزامها الديني في الدفاع عن الشعب الفلسطيني؟ كيف تبرر علمانيتها وإسلاميتها ودفاعها عن المظلومين, وهي لا تطبق ذلك في داخلها مثل( قضية أكثر من عشرون مليون كردي مسلم محرومين من كافة الحقوق, قضية قبرص, تهديداتها وتدخلها في العراق تحت ذريعة حماية التركمان….) . رغم ادعاء تركيا العلمانية, إلا أن الجزء الأكبر من المجتمع التركي ذو طبيعة إسلامية محافظة ومتعصبة قوميا وخير دليل على ذلك نتائج الانتخابات البرلمانية وسيطرة حزب العدالة والتنمية الإسلامي بالأغلبية عليها, وهذا ما يثير الدهشة والتناقض والشك في العديد من التوجهات التركية, وكذلك سوف تدفع تركيا فاتورة تناقضاتها في تعاملها مع قضايا المنطقة, ولن يكون سهلا أخذ مبادرة وملف هام من دولة أو ( إمبراطورية مذهبية) مثل إيران والتي تملك أوراقا أكثر حسما من تركيا (اللهم إذا غيرت تركيا في حلفائها مثل إسرائيل), لكن الحلم شيء والواقع العملي شيء آخر, فمهما ادعت تركيا حرصها وبكائها على الشعب الفلسطيني, لن تكون على حساب علاقاتها الإستراتيجية مع إسرائيل, والكلام لن يكون سوى في إطار الشعارات والمزايدات واللعب بالعاطفة وكذلك الدعاية الانتخابية لحزبها في الداخل. لكن الذي يثير الدهشة هو هذا التطبيل والتهويل من قبل البعض في الإعلام العربي وكيل المديح لأردوغان وموقفه في دافوس والذي كان انسحابه بسبب عدم السماح له بالكلام واختصار الوقت وليس بسبب حرب غزة, وإذا كان أردوغان بالفعل حريصا على الشعب الفلسطيني لماذا لا يقوم  بقطع علاقاته مع المحتل الإسرائيلي؟!
إن الحلم بسلطنة عثمانية جديدة على أنقاض هذا الكم من التناقضات في السياسة التركية يبدو مستحيلا وليس هذا فقط , بل سوف تكشف يوما بعد يوم الوجه الحقيقي لهذه الأقنعة المزيفة والتي تتفنن في وضعها دولا أخرى مثل إيران التي تقمع شعوبها( من عربية, كردية, أذرية..) وتنفق الملايين لدعم أجندتها الإقليمية لحساب مصالحها ورهاناتها واتفاقياتها على حساب دماء الآخرين, وتحتل جزرا عربية(الإمارات) وتهددهم دائما (دول الخليج العربي), وبالمقابل تقدم نفسها بصورة المخلص والحريص والصديق للعرب والمدافع عن قضاياهم المصيرية, فكيف يكون ذلك؟؟ اعتقد بأن سياسة النعامة لن تمر بهذه البساطة على شعوبنا التي تعلم كل شيء في هذا العصر المتطور من التكنولوجيا والإعلام وسرعة إيصال ومعرفة الخبر.
© منبر الحرية، 26 فبراير/شباط 2010

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

هل احتاج الشعب الإيراني إلى ثلاثة عقود من الزمن لتدرك حقيقة (ثورتها الإسلامية)، وبأنها لم تكن سوى انتقال بين أنظمة استبدادية بألوان مختلفة.
فثورة الخميني لم تكن إلا استمرارا وتكريسا لنظام دكتاتوري ولكن بصورة دينية-طائفية، توهم الشعب الإيراني بداية بمختلف أطيافه ( من فرس، كرد، عرب، آذريين، بلوش وغيرهم) بقدوم ساعة الخلاص والانفراج الديمقراطي وطي ملف القمع وكبح الحريات والانفتاح على كافة المكونات التي ساهمت مباشرة في اسقاط نظام الشاه، لكن زعيم الثورة انقلب مباشرة على كل الوعود والاتفاقيات المبرمة قبل الثورة وكشف بعجالة عن الوجه الاستبدادي (لثورته) وبدأ بحملة تصفيات واعتقالات للمعارضات السابقة وخاصة القوميات غير الفارسية، ثم عزز من آلياته القمعية ومؤسساته الحامية لها وغلفها بستار ديني على خلفية مذهبية (ولاية فقيهية) حالمة بامبراطورية ايرانية جديدة على اسس مذهبية بدأت تمتد في المنطقة وسخرت أجندتها ولوجستياتها في الملفات الحساسة والأكثر سخونة مثل( فلسطين،لبنان، العراق، افغانستان) ودعم الحركات الارهابية لمصلحتها والقيام بحملة تصفيات واغتيالات لخصومها السياسيين.
ولأن الانظمة المستبدة والقمعية تسعى دوما للتغطية على أوضاعها الداخلية المعلقة بكل تناقضاتها، فتقوم بخلق عدو ( خارجي) بل أعداء متربصين بالوطن ولذلك على الجميع التأهب والاستعداد للمعركة الكبرى وتعليق كل شيء وذلك لإلهاء الشعوب وهدر طاقاتها. وتقدم ذلك العدو في صورة الشيطان المهدد للوطن. وإضفاء صبغة دينية مقدسة على ( جهادها ) وتعبئة شعوبها لخدمة هذه الثقافة من خلال شعارات تحريمية براقة ( الجهاد في سبيل المقدسات الدينية خارج ايران، محاربة الشيطان الأكبر أميركا، القضاء على اليهود ورميهم في البحر ووووو)، الدخول في بازار المساومات الدولية للتطوير النووي من خلال أجندتها الاقليمية وعلى حساب دماء تلك الشعوب في سبيل الوصول لصفقات ومصالح ذاتية تدعم من نزعتها التوسعية وزيادة تدخلاتها الاقليمية.
هذا القناع والوجه الخارجي في صورة ( امبراطورية الخير) والمنقذ للمقدسات ومن خلال التصريحات النارية من حين لحين لأحمدي نجاد،كان يقابلها استبداد وقمع داخلي مع الارتفاع في مستوى البطالة والفقر بالاضافة للقمع الديني ذو اللون الواحد، فجاءت الانتخابات الاخيرة وعمليات التزوير التي حصلت والتشكيك في نزاهتها واعتراض ونشاطات التيار الاصلاحي، فكانت القشة بل الشرارة التي كشفت ذلك الكم من التناقضات والاحتقان داخل المجتمع الايراني التي حاولت المؤسسات الدينية والعسكرية للنظام تجميل وجهها واضفاء صبغة ( ديمقراطية دينية) عليها لامتصاص نقمة الشعب وكذلك التباهي بالنموذج الديمقراطي في الحكم. علما بان الصراع هو بين تلك المؤسسات ورموزها الدينية ضمن اطار ( مبادئ الثورة الاسلامية) و لا توجد بالاساس ديمقراطية دينية لأن الدولة كلها مختزلة في ولاية الفقيه وتوابعها،لأن جميع المرشحين ينتمون اليها ولكن صراع المصالح وزيادة حدة التناقضات بين تلك المؤسسات من دينية وعسكرية وأمنية وكان أخرها الانتخابات الاخيرة، التي عبرت بوضوح عن ما يعانيه المجتمع الايراني في الداخل وهذا ما لمسناه على شاشات التلفاز والمشاركة الكثيفة لكافة فئات الشعب الايراني في التظاهرات،وتلك الملايين التي خرجت الى الشوارع لتعبر عن غضبها ودعوتها الى التغيير ولم يكونوا فقط من انصار الموسوي الذي تفاجئ بهذا الغضب العارم والرغبة الجامحة لتغيير هذا النظام،فكانت ردود الفعل عنيفة من قبل النظام فرأينا كيف كان القمع والتعامل مع الشارع عنيفا ودمويا وكان هناك خوف من امتداد التظاهرات الى كافة ايران، فمنعت التغطية الاعلامية والتلفزيونية واوعزت للباسيج والحرس الثوري بالتدخل وقمع المتظاهرين وهي ثقافة (ثورية) للقمع تخرج أحمدي نجاد نفسه من لدنه بعد أن شارك في عمليات تصفية واغتيالات ومنها على سبيل المثال (اغتيال المعارض الكردي عبد الرحمن قاسملو في فيينا عام 1989 بعد وعد ايراني ببدء مفاوضات مباشرة،لكنها خانت الاتفاقية وكان نجاد من اللذين ساهموا في تلك الجريمة وهناك دعوى قضائية ضده في النمسا). إن العالم يترقب بكل اهتمام التطورات الاخيرة في ايران نظرا لتداخلات السياسة الايرانية وتفرعاتها في العالم وفي الشرق الاوسط خصوصا.
© منبر الحرية، 18 سبتمبر/أيلول 2009

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018