يقول ليو تولستوي: “الملك هو عبد مملوك للتاريخ.”
أعلن الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، خلال حديثه أمام جمهور من المناصرين الموالين له في ولاية باريناس وهي ولاية مسقط رأسه في فنزويلا، في اليوم الثاني من شهر تشرين الأول، بان ثورته البوليفارية تقترب من نهاية سن مراهقتها.
وقال شافيز محذرا: “عليكم أن تقوموا بشد الأحزمة لأنكم على وشك أن تواجهوا وابل دفق أحمر اللون ونحن ندخل حقبة جديدة من الثورة…”
وفي اليوم الثالث من شهر كانون الأول سوف يتوجه الفنزويليون نحو صناديق الانتخابات لاختيار رئيسهم القادم، مع انه منذ هذه اللحظة، والتي هي قبل اقل من شهرين من أول تصويت يتم إدلائه في الانتخابات، تبدو إعادة انتخاب شافيز أمرا محتما. فاستطلاعات الرأي تقوم بإظهار الرئيس الفنزويلي على أن له الصدارة المهيمنة على مانويل روزاليس مرشح المعارضة، مع أن شافيز يقوم ببذل المزيد من الوقت في الأشهر الأخيرة في سبيل تسيير بعثات دبلوماسية خارج البلاد ومن بعدها يقوم بالحملة الانتخابية في الداخل.
عند انتخابه أول مرة في العام 1998، أظهر شافيز انحرافا جذريا عن المؤسسة السياسية القائمة في بلاده، فقد كانت فنزويلا، ومنذ أعوام الستينيات من القرن الماضي تحكم من قبل حزبين سياسيين رئيسيين قاما بالتعاون فيما بينهما بمحاولة نظامية تهدف إلى عدم تشجيع بروز أحزاب ثالثة. ووعد شافيز لدى اعتلائه سدة الرئاسة، الذي كان مستبعدا، بأنه سوف يعمل على تغيير النظام السياسي في فنزويلا بحيث ينهي الحكم السياسي الاوليغاركي الراسخ في البلاد وانه سوف يحكم باسم الفقراء والمهملين.
وقد وعد بان يقوم بالثورة، وبعد مضي 7 سنوات في منصبه، يقول مناصروه بأنه وفى بالوعد.
ولكن الحقيقة هي أن الثورة تعتبر أمرا معقدا وكذلك الحال بالنسبة للعملية السياسية التي تجري حاليا في فنزويلا. فبينما قام شافيز وبشكل مؤكد بإنهاء نظام حكم نخبة سياسية حكمت البلاد في السابق فان هناك الكثير من السياسة المحلية التي تنتهجها حكومته يبدو وكأنه دون نتاج تخطيط جذري وتجديدي لا يقل عن الحالة الأسوأ التي يكرر فيها التاريخ نفسه.
وفي كتابها البارع المسمى مفارقات الوفرة، قامت تيري لين كارل أخصائية العلوم السياسية في جامعة ستانفورد بدراسة تأثيرات الازدهار النفطي في أعوام السبعينيات من القرن الماضي على الدول المصدرة للنفط في جميع أنحاء العالم. ومن خلال إبدائها اهتمام خاص نحو فنزويلا، بل وأيضا بتناولها للاستراتيجيات التنموية للأمم الأخرى كإيران والجزائر، لاحظت لين كارل بأنه حتى وإن كانت هذه الدول متلقية لتحويلات ثروة ذات أرقام قياسية ضخمة لم تنشأ عن حروب، فان هذه الدول، في عقود السنوات اللاحقة، ما زالت مبتلية بالفقر وبالبنية التحتية البالية.
وفي النهاية، استنتجت لين كارل بان اعتماد الدول البترولية كفنزويلا على تصدير فردي قد أحدث تأثيرا وقام بصياغة نواحي عديدة في الدول بدءا من نوع نظام الحكم وانتهاء بمسار السياسة العامة، وانه في أحيان كثيرة عمل على إنهاك هذه الدول بوسائل تدميرية. وخلال أعوام السبعينيات من القرن الماضي حيث كانت فنزويلا مغمورة بالأموال النفطية، قام الرئيس كارلوس اندريه بيريز عندئذ بإشغال بلاده في برنامج شعبي طموح تم به تأميم الصناعة النفطية وإدانة وسطاء المال الدوليين والعولمة على انهم “عمال تطهير عرقي مأجورين لصالح النهج الشمولي.” وعندما قارب الازدهار النفطي في أعوام السبعينيات من القرن الماضي على الانتهاء، فان برامج الرفاه الاجتماعي الجماعية التي قام اندريه بيريز بتنفيذها قد ثبت بأنها غير منيعة بدرجة كبيرة وشهدت فنزويلا عقدين من الركود الاقتصادي والإحباط السياسي انتهت بانتخاب شافيز في العام 1998 رئيسا لها.
وفي مقابلة جرت حديثا مع لين كارل أبلغتني بقولها: “بكل تأكيد، إن ذلك كله سوف يحدث مرة ثانية، أليس كذلك؟ فالطريقة التي يتم بها بدء الأعمال في فنزويلا والطريقة التي يتم بها بدء الأعمال في معظم الدول النفطية هي أن الإيرادات النفطية تذهب بشكل مباشر إلى الفرع التنفيذي، وبهذا الشكل سوف تقع تحت سلطة الرئيس.”
وعندما يكون سعر النفط مرتفعا يستطيع زعماء الدول النفطية أن ينفقوا بكل حرية وبلا رقيب. فالعملية بكاملها تسهم في مركزية السلطة وفي تقويض المؤسسات الليبرالية التي تعتبر ضرورية بالنسبة للديمقراطية المرسخة. وفي الأوقات التي تكون بها أسعار النفط عالية بأرقام فلكية، يمكن للرئيس أن يمارس السلطة دون أن يقوم ببناء اجماع فيما بين لاعبين عديدين في الدولة.
ويقول فرانسيسكو رودريغز الذي ترأس مكتب المشورة الاقتصادية والمالية للجمعية الوطنية الفنزويلية من العام 2000 إلى العام 2004 والذي يقوم في الوقت الحالي بالتدريس في جامعة وسليان في ميدلتاون بولاية كينيتيكت، بان “ازدهار الدولة النفطية يعمل على تشجيع نهج الشعبية والمركزية نظرا لحصول الدولة على مزيد من الموارد ومزيد من السلطة، وتعتبر أسعار النفط المرتفعة شرطا مسبقا من شروط إمكانية تحقيق نهج الشعبية في الدولة النفطية وانه في ظل الأسعار المنخفضة سيكون من الصعب جدا إمكانية الحصول على الشعبية. أما الشيء الذي يقوم به الازدهار النفطي فهو الوصول إلى درجة بحيث لا تكون الدولة بحاجة إلى مجموعات أخرى. وعند قدوم شافيز إلى السلطة حيث توجب عليه أن يقوم بالتفاوض لان سعر النفط كان منخفضا، جاء متحدثا باعتباره سياسي معتدل إلى حد كبير جدا. فالدولة، عندما تنفذ مواردها، سوف تكون بحاجة إلى القطاع الخاص والى تلك المصادر البديلة للموارد التي توحي بأنها لا تستطيع أن تتخذ موقفا معارضا.”
والدول النفطية تناور من خلال قواعد مختلفة عن بقية دول العالم. ففي حين تبدو، حسب الرأي الخارجي، العملية السياسية الفنزويلية وكأنها منقطعة انقطاعا جذريا عن الماضي فان حقيقة الأمر هي عدم وجود شيء ثوري في تمويل برامج الرفاه الاجتماعي الجماعية من خلال الإيرادات النفطية. وبالنسبة لحالة الدولة النفطية، عندما يكون الكثير جدا مما تكون الدولة قادرة عليه معتمدا على سعر السوق المتواصل لأية سلعة منفردة، فان الحكومات لا تحدد الفرص المناسبة، بل الفرص هي التي تحدد الحكومة.
وعندما قامت لين كارل بالذهاب إلى فنزويلا أول مرة في أعوام السبعينيات من القرن الماضي، زارت المرحوم خوان بابلو بيريز ألفونسو، ذلك المحامي الفنزويلي الذي يتم ذكره في معظم الأحيان بكونه “مهندس منظمة الاوبك للدول المصدرة للنفط.” وفي وسط ازدهار النفط في أعوام السبعينيات من القرن الماضي عندما كانت الأموال النفطية تصب داخل البلاد وكانت الحكومات الفنزويلية تفاخر بأنها على وشك تحقيق تنمية حقيقية مستدامة في البلاد قام بيريز ألفونسو بتحذيرها بقوله بان الفرص الجيدة سوف لن تدوم.
وقد تنبأ قائلا: “سوف ترون، النفط سوف يجلب لنا الدمار، بعد عشر سنوات من الآن، بعد عشرين سنة من الآن.”
بالتنسيق مع مجلة ريزن أونلاين.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 17 تشرين الأول 2006.