قامت إيران بتاريخ 3/2/2009 بوضع أول قمر صناعي لها في الفضاء متزامنا مع الذكرى الثلاثين للثورة الإيرانية. وحمل الصاروخ الإيراني الصنع “سفير 2” القمر الصناعي الصغير المصنّع محليا “أوميد” إلى الفضاء ليضعه في مدار منخفض بحيث يقوم بـ15 دورة حول الأرض خلال 24 ساعة وتجري مراقبته مرتين عبر المحطة الأرضية في كل دورة، وفقا لما ذكرته وكالة الأنباء الإيرانية.
في الحالة الطبيعية ما كان لإطلاق إيران أولى أقمارها الصناعية أن يحتل هذا الحيّز المهم من الأخبار، وهذه المتابعة الدقيقة من قبل الأخصائيين والخبراء، خاصّة أن دولا عديدة في المنطقة كالعراق والسعودية ومصر كانت قد سبقت إيران في امتلاك وتصنيع تكنولوجيا الأقمار الصناعية، وهي تكنولوجية ليست بحديثة على الإطلاق.
بل أن عددا من الخبراء يعتقد أن الجهود السعودية في مجال الفضاء أكثر نضجا وتقدّما من نظيرتها الإيرانية خاصة في مجال صناعة الأقمار الصناعية وما أحرزته المملكة العربية السعودية من تقدم علمي في هذا الإطار، حيث توجت جهودها في هذا المجال بتصميم وإطلاق وتشغيل 12 قمرا اصطناعيا في الفضاء، وذلك عبر مساعي معهد بحوث الفضاء التابع لمدينة الملك فهد لإنتاج أقمار صناعية، والبرنامج الوطني لتقنية الأقمار الاصطناعية الذي يعمل على نقل وتوطين وتطوير التقنيات المتقدمة للأقمار الاصطناعية وتأسيس البنى التحتية اللازمة لتصميم وتصنيع وتشغيل هذه الأقمار محليا وتأهيل الكوادر الوطنية، منذ العام 1986.
وحتى في مجال الصواريخ المحلية الصنع التي تحمل الأقمار الصناعية إلى الفضاء، فقد كان العراق سبّاقا في هذا المجال، واستطاع قبل 20 سنة مما يقال انه انجاز إيراني اليوم، تصنيع صاروخ العابد (ويطلق عليه أيضا صاروخ تموز-1 أيضا)، الذي أعلن عن نجاح تجربته في ديسمبر من العام 1989 من قاعدة الانبار الجويّة، وهو صاروخ فضائي يصل مداه إلى حدود 1850 كلم وقادر على حمل أقمار صناعية.
ولا شك أن للاهتمام الإقليمي والدولي ببرنامج الفضاء الإيراني مبرراته، بغض النظر عن موقفنا منها، إلا أننا يجب أن لا نهمل ما يتعلق بالأمن القومي العربي، إذ لطالما كانت عين إيران تاريخيا على الخليج العربي، وهي تحاول مد وبسط نفوذها باتجاهه وباتجاه العراق، إذ تشكّل هذه المنطقة حيّزا حيويا وإستراتيجيا بالنسبة لها. ولم يتخل الإيرانيون عبر القرون عن هذه المقاربة على اختلاف حكّامهم وأنظمتهم بما فيه النظام الحالي الذي يقوده المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي الخامنئي. والنظرة إلى إيران بهذا المعنى لا تختلف عن النظرة إلى إسرائيل أو إلى أي دولة أخرى تحاول بسط سيطرتها ونفوذها بشكل عسكري وإيديولوجي خارج نطاق أراضيها وبشكل تخريبي.
وهذه المعطيات يعلمها الإيرانيون جيدا، إذ يقول -على سبيل المثال- الباحث الايراني “فرزاد بيزيشكبور” والخبير في السياسة الخارجية الإيرانية في هذا الإطار في مقال له بعنوان “ايران وميزان القوى الإقليمي”: “النظام العراقي بقيادة صدام حسين لم يعد موجودا اليوم، أمّا النظام الثاني المعادي لإيران أيضا والمتمثل بنظام الطالبان الأفغاني فقد تمّ التخلص منه، واليوم فان القادة الجدد للعراق وأفغانستان أكثر قربا لإيران من أي طرف آخر، وبدلا من صدام لدينا الآن رئيس عراقي غير عربي وفخور بمعرفته وإتقانه اللغة الفارسية، وعدد كبير من أعضاء الحكومة العراقية والبرلمان العراقي كانوا قد امضوا سنوات طويلة في إيران وأنجبوا أولادا لهم هناك ودخلوا مدارس طهران وتعلموا بها. ويحتل الشيعة اليوم أيضا في العراق ولبنان والبحرين موقعا مهما في النظام السياسي في بلدانهم مما يعطي إيران كنتيجة لذلك اليد العليا في المنطقة”!!
وفي هذا الإطار، هناك العديد من المؤشرات المتعلقة ببرنامج الفضاء الإيراني التي من شانها تعزيز المخاوف من توجهات إيران وبرنامجها الفضائي ومنها:
1- تبني المشروع من قبل وزارة الدفاع: إذ تشير العديد من المعطيات إلى أن وزارة الدفاع الإيرانية تلعب دور المحتضن لبرنامج الفضاء الإيراني، إضافة إلى جهاز الحرس الثوري ، وهذا يعني أن الجهات الداعمة والممولة والمتحكمة هي جهات عسكرية وهو ما يلقي بشكوك كبيرة حول الطبيعة المدنية لبرنامج الفضاء كما الأمر بالنسبة إلى البرنامج النووي للبلاد.
2- توقيت تسريع العمل بالبرنامج الفضائي: وذلك بالتوازي مع التقدم الحاصل في البرنامج النووي للبلاد، ومكن التخوف هنا أنه في حال صدقت الشكوك التي تذهب إلى القول بأن البرنامج النووي الإيراني قد يكون ذو طبيعة عسكرية لاحقا، فانه سيكون بحاجة في هذه الحالة إلى وسائل لحمل الرؤوس النووية، وبهذا يكون برنامج الفضاء الإيراني مربط الفرس. بمعنى آخر، إذا كان هدف إيران من البرنامج النووي تصنيع قنابل نووية، فإنها ستكون بحاجة إلى صواريخ بعيدة المدى قادرة على حمل هذه الرؤوس، وهنا يأتي دور البرنامج الفضائي الإيراني حيث يتم تطوير صواريخ بعيدة المدى بحجّة أن الهدف استخدامها يتم لنقل أقمار صناعية مدنية. إذ لطالما اعتمدت العديد من الدول على برنامج الفضاء لديها كغطاء لتطوير صواريخ بعيدة المدى، خاصّة أن التكنولوجيا المستعملة في الصواريخ التي من شانها أن تحمل الأقمار الصناعية إلى الفضاء الخارجي لتضعها في مدارها شبيهة إلى حد ما بالتكنولوجيا المستخدمة في الصواريخ البالستية البعيدة المدى القادرة على حمل رؤوس نووية.
3- على الرغم من أن القمر الصناعي الذي أطلقته إيران يعتبر نموذجا بدائيا مقارنة بأقمار إسرائيل على سبيل المثال، إلا أن ربط طموح إيران الإقليمي، واختراقها جميع الساحات العربية عبر حلفاء عضويين ينتمون إليها مباشرة عقيدة ومذهبا وقيادة، أو عبر حلفاء غير عضويين من اليمن إلى فلسطين مرورا بالبحرين والعراق وسوريا ولبنان وصولا إلى السودان، بالجهود العسكرية التي تجتهد على تطويرها بشكل متسارع استغلالا للأحداث العالمية وانشغال القوى الدولية والإقليمية عنها، لا يلغي أنها تسعى للتجسس على دول الخليج العربي والدول الواقعة في دائرة نفوذها عبر تطوير أقمار صناعية تجسسية، وبالتالي فان الخطر الإيراني في هذه الحال لا يختلف بأي شكل من الأشكال عن الخطر الذي تفرضه إسرائيل على هذه الدول، خاصة أن إيران مازالت تحتل أراضي عربية وتهدد دول عربية أخرى بين الحين والآخر، وتعبث بالأمن الإقليمي بما يخدم مصلحتها.
وإذا ما استمر الوضع الإقليمي على تطوره الحالي، فأن هذا الواقع يهدد بالإطاحة بتوزان القوى الإقليمي القائم، لا بل الصحيح أنه يزيد من تعميق الهوّة الحاصلة به، لأن الإطاحة بالنظام الأفغاني السابق والعراق فتح المجال أمام إيران للصعود الإقليمي، صعود مشروع ومقبول شريطة أن لا يكون على حساب خراب البلدان العربية.
© منبر الحرية، 16 مارس 2009