علي حسين باكير

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

قامت إيران بتاريخ 3/2/2009 بوضع أول قمر صناعي لها في الفضاء متزامنا مع الذكرى الثلاثين للثورة الإيرانية. وحمل الصاروخ الإيراني الصنع “سفير 2” القمر الصناعي الصغير المصنّع محليا “أوميد” إلى الفضاء ليضعه في مدار منخفض بحيث يقوم بـ15 دورة حول الأرض خلال 24 ساعة وتجري مراقبته مرتين عبر المحطة الأرضية في كل دورة، وفقا لما ذكرته وكالة الأنباء الإيرانية.
في الحالة الطبيعية ما كان لإطلاق إيران أولى أقمارها الصناعية أن يحتل هذا الحيّز المهم من الأخبار، وهذه المتابعة الدقيقة من قبل الأخصائيين والخبراء، خاصّة أن دولا عديدة في المنطقة كالعراق والسعودية ومصر كانت قد سبقت إيران في امتلاك وتصنيع تكنولوجيا الأقمار الصناعية، وهي تكنولوجية ليست بحديثة على الإطلاق.
بل أن عددا من الخبراء يعتقد أن الجهود السعودية في مجال الفضاء أكثر نضجا وتقدّما من نظيرتها الإيرانية خاصة في مجال صناعة الأقمار الصناعية وما أحرزته المملكة العربية السعودية من تقدم علمي في هذا الإطار، حيث توجت جهودها في هذا المجال بتصميم وإطلاق وتشغيل 12 قمرا اصطناعيا في الفضاء، وذلك عبر مساعي معهد بحوث الفضاء التابع لمدينة الملك فهد لإنتاج أقمار صناعية، والبرنامج الوطني لتقنية الأقمار الاصطناعية الذي يعمل على نقل وتوطين وتطوير التقنيات المتقدمة للأقمار الاصطناعية وتأسيس البنى التحتية اللازمة لتصميم وتصنيع وتشغيل هذه الأقمار محليا وتأهيل الكوادر الوطنية، منذ العام 1986.
وحتى في مجال الصواريخ المحلية الصنع التي تحمل الأقمار الصناعية إلى الفضاء، فقد كان العراق سبّاقا في هذا المجال، واستطاع قبل 20 سنة مما يقال انه انجاز إيراني اليوم، تصنيع صاروخ العابد (ويطلق عليه أيضا صاروخ تموز-1 أيضا)، الذي أعلن عن نجاح تجربته في ديسمبر من العام 1989 من قاعدة الانبار الجويّة، وهو صاروخ فضائي يصل مداه إلى حدود 1850 كلم وقادر على حمل أقمار صناعية.
ولا شك أن للاهتمام الإقليمي والدولي ببرنامج الفضاء الإيراني مبرراته، بغض النظر عن موقفنا منها، إلا أننا يجب أن لا نهمل ما يتعلق بالأمن القومي العربي، إذ لطالما كانت عين إيران تاريخيا على الخليج العربي، وهي تحاول مد وبسط نفوذها باتجاهه وباتجاه العراق، إذ تشكّل هذه المنطقة حيّزا حيويا وإستراتيجيا بالنسبة لها. ولم يتخل الإيرانيون عبر القرون عن هذه المقاربة على اختلاف حكّامهم وأنظمتهم بما فيه النظام الحالي الذي يقوده المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي الخامنئي. والنظرة إلى إيران بهذا المعنى لا تختلف عن النظرة إلى إسرائيل أو إلى أي دولة أخرى تحاول بسط سيطرتها ونفوذها بشكل عسكري وإيديولوجي خارج نطاق أراضيها وبشكل تخريبي.
وهذه المعطيات يعلمها الإيرانيون جيدا، إذ يقول -على سبيل المثال- الباحث الايراني “فرزاد بيزيشكبور” والخبير في السياسة الخارجية الإيرانية في هذا الإطار في مقال له بعنوان “ايران وميزان القوى الإقليمي”: “النظام العراقي بقيادة صدام حسين لم يعد موجودا اليوم، أمّا النظام الثاني المعادي لإيران أيضا والمتمثل بنظام الطالبان الأفغاني فقد تمّ التخلص منه، واليوم فان القادة الجدد للعراق وأفغانستان أكثر قربا لإيران من أي طرف آخر، وبدلا من صدام لدينا الآن رئيس عراقي غير عربي وفخور بمعرفته وإتقانه اللغة الفارسية، وعدد كبير من أعضاء الحكومة العراقية والبرلمان العراقي كانوا قد امضوا سنوات طويلة في إيران وأنجبوا أولادا لهم هناك ودخلوا مدارس طهران وتعلموا بها. ويحتل الشيعة اليوم أيضا في العراق ولبنان والبحرين موقعا مهما في النظام السياسي في بلدانهم مما يعطي إيران كنتيجة لذلك اليد العليا في المنطقة”!!
وفي هذا الإطار، هناك العديد من المؤشرات المتعلقة ببرنامج الفضاء الإيراني التي من شانها تعزيز المخاوف من توجهات إيران وبرنامجها الفضائي ومنها:
1-    تبني المشروع من قبل وزارة الدفاع: إذ تشير العديد من المعطيات إلى أن وزارة الدفاع الإيرانية تلعب دور المحتضن لبرنامج الفضاء الإيراني، إضافة إلى جهاز الحرس الثوري ، وهذا يعني أن الجهات الداعمة والممولة والمتحكمة هي جهات عسكرية وهو ما يلقي بشكوك كبيرة حول الطبيعة المدنية لبرنامج الفضاء كما الأمر بالنسبة إلى البرنامج النووي للبلاد.
2-    توقيت تسريع العمل بالبرنامج الفضائي: وذلك بالتوازي مع التقدم الحاصل في البرنامج النووي للبلاد، ومكن التخوف هنا أنه في حال صدقت الشكوك التي تذهب إلى القول بأن البرنامج النووي الإيراني قد يكون ذو طبيعة عسكرية لاحقا، فانه سيكون بحاجة في هذه الحالة إلى وسائل لحمل الرؤوس النووية، وبهذا يكون برنامج الفضاء الإيراني مربط الفرس. بمعنى آخر، إذا كان هدف إيران من البرنامج النووي تصنيع قنابل نووية، فإنها ستكون بحاجة إلى صواريخ بعيدة المدى قادرة على حمل هذه الرؤوس، وهنا يأتي دور البرنامج الفضائي الإيراني حيث يتم تطوير صواريخ بعيدة المدى بحجّة أن الهدف استخدامها يتم لنقل أقمار صناعية مدنية. إذ لطالما اعتمدت العديد من الدول على برنامج الفضاء لديها كغطاء لتطوير صواريخ بعيدة المدى، خاصّة أن التكنولوجيا المستعملة في الصواريخ التي من شانها أن تحمل الأقمار الصناعية إلى الفضاء الخارجي لتضعها في مدارها شبيهة إلى حد ما بالتكنولوجيا المستخدمة في الصواريخ البالستية البعيدة المدى القادرة على حمل رؤوس نووية.
3-    على الرغم من أن القمر الصناعي الذي أطلقته إيران يعتبر نموذجا بدائيا مقارنة بأقمار إسرائيل على سبيل المثال، إلا أن ربط طموح إيران الإقليمي، واختراقها جميع الساحات العربية عبر حلفاء عضويين ينتمون إليها مباشرة عقيدة ومذهبا وقيادة، أو عبر حلفاء غير عضويين من اليمن إلى فلسطين مرورا بالبحرين والعراق وسوريا ولبنان وصولا إلى السودان، بالجهود العسكرية التي تجتهد على تطويرها بشكل متسارع استغلالا للأحداث العالمية وانشغال القوى الدولية والإقليمية عنها، لا يلغي أنها تسعى للتجسس على دول الخليج العربي والدول الواقعة في دائرة نفوذها عبر تطوير أقمار صناعية تجسسية، وبالتالي فان الخطر الإيراني في هذه الحال لا يختلف بأي شكل من الأشكال عن الخطر الذي تفرضه إسرائيل على هذه الدول، خاصة أن إيران مازالت تحتل أراضي عربية وتهدد دول عربية أخرى بين الحين والآخر، وتعبث بالأمن الإقليمي بما يخدم مصلحتها.
وإذا ما استمر الوضع الإقليمي على تطوره الحالي، فأن هذا الواقع يهدد بالإطاحة بتوزان القوى الإقليمي القائم، لا بل الصحيح أنه يزيد من تعميق الهوّة الحاصلة به، لأن الإطاحة بالنظام الأفغاني السابق والعراق فتح المجال أمام إيران للصعود الإقليمي، صعود مشروع ومقبول شريطة أن لا يكون على حساب خراب البلدان العربية.
© منبر الحرية، 16 مارس 2009

peshwazarabic18 نوفمبر، 20100

في الوقت الذي تناشد فيه الدول الكبرى دول الخليج العربي المساهمة في حل الأزمة المالية العالمية وتوجيه استثمارات الصناديق السيادية إليها، تلوح في الأفق أزمة تكاد لا ترى حلّا ناجعا لها في ظل السياسات المتّبعة إلى الآن والتي أثبتت فشلها بواقع الأرقام والحقائق.
إنها أزمة البطالة في العالم العربي والتي جاءت الأزمة المالية العالمية لتعمّق من حجمها وتزيد من خطورتها ما يستوجب معها تحرّكا سريعا من الدول العربية وفق خطّة إستراتيجية ومنهجية مع ما يتطلّبه ذلك من تفعيل وتحرير التجارة البينية وتحقيق التكامل العربي الاقتصادي.
واقع صعب ومر
في الوقت الذي تشير فيه جميع التقديرات إلى أن معدلات النمو العربية ستنخفض إلى أدنى حد لها في السنة القادمة متأثرة بتداعيات الأزمة المالية العالمية مما من شأنه أن يخفّض الإنفاق في ظل انكماش العجلة الاقتصادية، يؤكّد تقرير حديث لمنظمة العمل العربية على أن الوضع الحالي للبطالة في المنطقة العربية يعدّ الأسوأ بين جميع مناطق العالم من دون منازع، وأنه في طريقه لتجاوز كل الخطوط الحمراء حيث تخطّت نسبة البطالة الـ 14%، وبلغ عدد العاطلين عن العمل أكثر من 17 مليون شخص، وينبّه تقرير لمنظمة العمل الدولية إلى إمكانية أن يصل عدد العاطلين عن العمل في البلدان العربية عام 2010 إلى 25 مليون عاطل، 60% تقريبا منهم دون سن الخامسة والعشرين، وتتوقع مصادر أخرى أن يقفز هذا الرقم إلى 80 مليون عاطل بحلول عام 2020، علما أن هناك بعض التقارير الاقتصادية ومنها تقرير الوحدة الاقتصادية في الجامعة العربية يقدّر معدّل البطالة الحالي في الوطن العربي بين 15% و20%.
وتشير دراسة اقتصادية حديثة في إطار “مبادرة شباب الشرق الأوسط” إلى أن كلفة البطالة في 11 دولة عربية تصل إلى 25 بليون دولار سنوياً، أي ما نسبته 2.3 % من إجمالي الناتج المحلي. واستنادا إلى تقديرات منظمة العمل العربية، فكل زيادة في معدل البطالة بنسبة 1% سنوياً تنجم عنها خسارة في الناتج الإجمالي المحلي العربي بمعدل 2.5%، أي نحو 115 مليار دولار، وهو ما يعني ارتفاع المعدل السنوي للبطالة إلى 1.5 وارتفاع فاتورة الخسائر السنوية إلى أكثر 170 مليار دولار، علما أن هذا المبلغ يمكن أن يوفر نحو 9 ملايين فرصة عمل وبالتالي تخفيض معدلات البطالة في الوطن العربي إلى ربع حجمها الحالي.
علما أن التقديرات تفيد إلى وجوب استثمار حوالي 70 مليار دولار إذا ما أردنا الحفاظ على المعدّل الحالي للبطالة، وتوفير فرص عمل جديدة تناسب الداخلين الجدد إلى سوق العمل والذين يقدر عددهم بحوالي 4 ملايين شخص سنويا.
مفارقات واقعية غريبة
وللمفارقة، ففي الوقت الذي يعاني فيه الوطن العربي من هذه الأرقام المخيفة في البطالة، نجد أن عدد الأجانب العاملين في الدول العربية يتزايد بشكل مستمر، ونسبة كبيرة من هؤلاء من غير المختصّين وحملة الشهادات، ما يعني أنها عمالة ذات مستوى منخفض، وقد بلغ عددها حوالي نصف مليون عامل عام 1975 ووصل إلى 8.8 ملايين عام 2000.
ورغم أن البعض يشير إلى تراجع هذه الأرقام في السنوات القليلة الماضية، إلاّ أنها عادت لترتفع مجددا، حيث تفيد التقديرات أن هناك ما لا يقل عن 9 ملايين عامل أجنبي، يتمركز معظمهم في دول الخليج، وتنقل بعض المراجع أن المملكة العربية السعودية التي تعد اكبر مصدّر للنفط في العالم أصدرت حوالي 1.7 مليون تأشيرة عمل العام 2007 (أرقام أخرى تشير إلى نحو 700 ألف) وهو رقم قياسي في الوقت الذي تعاني فيه من نسبة بطالة تبلغ حوالي 11% رغم الجهود الحثيثة للحد منها في.
المفارقة الثانية هي أن عدد العاطلين عن العمل بارتفاع مستمر على الرغم من أن الفترة السابقة لتداعيات الأزمة المالية العالمية شهد أعلى معدلات للنمو الاقتصادي في البلدان العربية على الإطلاق، مترافقة مع تدفق عائدات مالية ضخمة لدى الدول العربية المصدّرة للنفط، واستفادت الدول الأخرى الغير مصدّرة من هذه العائدات على شكل تدفقات استثمارية وصلتها إثر السيولة الضخمة التي تكونّت لدى الدول النفطية. إذ يذكر تقرير لصندوق النقد الدولي أن نمو اقتصادات دول المنطقة استمر في تخطي معدل النمو العالمي البالغ نحو 5% للسنة السادسة على التوالي خاصة دول الخليج العربي. وعلى الرغم من الأداء القوي هذا، واستمرار صعود الفائض المالي في المنطقة، فإن رقم البطالة تضاعف في معظم دول المنطقة عن تلك الفترة.
ولنا أن نتصوّر الوضع الآن في ظل الانعكاسات السلبية الضخمة للأزمة المالية العالمية ووضع الدول العربية بالنسبة لها. إذ تلفت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة ”أسكوا” إلى أن نصف سكان العالم العربي يعيشون بأقل من دولارين في اليوم، حيث جاء في دراسة صادرة عنها “أن صورة العرب الأثرياء هي الصورة الطاغية، إلا أن الواقع يظهر أن بين 40% إلى 50% من السكان يعيشون بأقل من دولارين يومياً”.
مسّببات متنوعة ومتعددة للبطالة
1- تدني المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات ومتطلبات سوق العمل من جهة، وعدم خلق وظائف جديدة من جهة أخرى، وهو الأمر الذي يؤدِّي إلى تراكم أعداد هائلة من خريجي الجامعات في صفوف الباحثين عن العمل، وبالتالي إلى زيادة نسبة البطالة لدى المتعلّمين وحملة الشهادات أكثر من أي فئة أخرى، وهو ما تؤكده التقديرات التي تقول أن معدلات البطالة بين الأميين هي الأدنى في غالبية البلدان العربية، في حين ترتفع هذه المعدلات في صفوف ذوي التعليم الثانوي والمتوسط والجامعي، لتبلغ عشرة أضعاف في مصر، وخمسة أضعاف في المغرب، وثلاثة أضعاف في الجزائر، مما يعني أن غير المتعلمين أكثر حظا في العمل من المتعلمين في البلدان العربية.
2- انتشار الفساد والمحسوبيات التي تحرم الشاب الكفوء والمتعلّم من الحصول على الوظيفة التي يستحقها عبر المباراة لصالح من هم اقل مستوى أو تعليم أو اختصاص منه.
3- ضعف الاستثمار الداخلي، وتوجيه الأموال العربية إلى الخارج بدلا من توظيفها في سبيل خلق اقتصاد إنتاجي يقوم على العلم والمعرفة ويوظّف القدرات والطاقات البشرية في سبيل خلق قيمة مضافة تؤدي إلى ضمان هيكلية اقتصادية مستقبلية بعيدا عن الاقتصاد الريعي والاستهلاكي الغير منتج الذي يساعد على تزايد معدلات البطالة لقدرته المحدودة على استيعاب وظائف جديدة، علما أن حجم الاستثمارات العربية الموظّفة خارجا يقدّر بـ 1400 مليار للعام 2005 أي قبل الطفرة وارتفاع أسعار النفط في الفترة السابقة التي زادت بالتأكيد من حجمها.
4 – استنزاف معظم الموارد العربية خاصة إبان فترة الازدهار الاقتصادي اثر الفوائض المالية الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط في الإنفاق على التسلح، وتمويل الحروب التي اندلعت في المنطقة، حيث يعدّ العالم العربي من اكبر دول العالم إنفاقا على التسّلح قياسا بالناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب الفساد و تراكم الديون وخدمة هذه الديون.
5- العزوف عن التوجه إلى العمل الحر لغياب الدعم المالي والمبادرة والتشجيع من قبل الدولة أو القطاع الخاص إلى جانب تفضيل الشباب عدم المغامرة بسبب المسؤوليات والمهام الملقاة على عاتقهم في تحمّل عبء العائلة التي ينتمون إليها.
6- الافتقار إلى قواعد بيانات وإحصاءات حول طبيعة وعدد ونوع الوظائف المتوافرة إلى جانب عدد واختصاص وتوجه الباحثين عن عمل، وهو الأمر الذي يضفي غموضاً على حجم سوق العمالة في الوطن العربي ويجعله يسير بشكل عشوائي بعيدا عن أية آليات أو ضوابط.
© منبر الحرية، 16 فبراير 2009

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

لا زالت تداعيات تعيين الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لأربعة من المقربين منه أواخر الشهر الماضي في منصب “المبعوث الخاص” لكل من الشرق الأوسط وآسيا وبحر قزوين وأفغانستان تتفاعل في الداخل الإيراني. ويختلف مراقبون حول تفسير تحرّكات نجاد الأخيرة سيما وأنّها تطرح شكوكا حول نوايا الرئيس والهدف من هذه الخطوة وخطوات أخرى مماثلة كان قد اتّخذها سابقا.
ففي الوقت الذي ترى فيه بعض الأوساط أنّ هناك محاولات مستمرة من الرئيس الإيراني ليثبت للمرشد الأعلى بأنه قادر على التحرّك باستقلالية، تشير أوساط أخرى أنّ هناك وجود متنامي لحالة “نجادية” في النظام الإيراني تتضمن زرع الرئيس لمؤدين مخلصين له ومن دائرته الخاصة، والقريبة جدا منه في مراكز حساسة ومتعددة في النظام الإيراني بما يسمح له بممارسة صلاحيات أوسع بكثير مما ينص عليه أو يسمح به النظام الإيراني، ويضمن أيضا بقاء نفوذ أحمدي نجاد حتى عند خروجه من منصبه حال انتهاء ولايته.
ففي 22 أغسطس الماضي، قام الرئيس الإيراني بتعيين مدير مكتبه والشخصية الأكثر جدلا “اسفنديار رحيم مشائي” في منصب مبعوث خاص للشرق الأوسط، كما قام نجاد بتعيين نائبه ورئيس منظمة التراث الثقافي والسياحة الإيرانية “حميد بقائي” مبعوثا خاصا له لآسيا، ونائب المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في الشؤون الإعلامية “أبو الفضل ظهرة واند” مبعوثا خاصا لأفغانستان، و”محمد أخوند زادة” لمنطقة بحر قزوين. ويحاول أحمدي نجاد استكمال حلقة المبعوثين من خلال تعيين اثنين في المنصب نفسه عن منطقة أفريقا وأمريكا الوسطى.
وعلى الرغم من أنّ نجاد يستند في تعيينه لهؤلاء الممثلين الخاصّين إلى المادة 127 من الدستور الإيراني التي تنص على أنّه: “في ظروف خاصة تخضع لموافقة مجلس الوزراء، يحق لرئيس الجمهورية أن يعيّن ممثلا خاصا عنه أو أكثر بسلطات محددة. وفي مثل هذه الحالات تعتبر قرارات هؤلاء الممثلين كقرارات رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء”، إلا أنّ خطوته هذه أثارت غضب العديد من مراكز القوى والنفوذ في النظام الإيراني، كما أشعلت نزاعا بين البرلمان والحكومة من جهة وبين الحكومة ووزارة الخارجية من جهة أخرى لتخطّيها الأصول القانونية.
المحافظون يهددون نجاد بتدابير تصعيديّة
فالمحافظون يصرون على ضرورة أن يتراجع أحمدي نجاد عن هذه الخطوة خاصّة أنّ الشخصيات التي قام بتعيينها مثيرة للجدل ولا تتمتع بالكفاءة المطلوبة. وقد وجّه 122 عضوا من أعضاء البرلمان المحافظين الأسبوع الماضي مذكرة إلى الرئيس الإيراني تتضمن رسالة تحذير، معتبرين أنّ ما قام به مخالف للقانون والدستور، وأنّه يجب عليه العودة عن قراره بتعيين الأربعة فضلا عن عزمه تعيين اثنين آخرين في منصب الممثل الخاص لرئيس الجمهورية، وإلا فإن تدابير أخرى ستتخذ لإجباره على العودة إلى القانون.
ويعتبر “مشائي” صهر الرئيس أحمدي نجاد والذي يوصف بمن قبل البعض بأنه “ليبرالي النزعة” ومن قبل آخرين بأنه “قومي الأيديولوجيا” هدفا محبّذا للمحافظين والمتشددين نظرا لمواقفه المستهجنة عادة. فقد سبق له وأن أعلن في العام 2008 عندما كان في منصب نائب الرئيس الإيراني لشئون السياحة والثقافة أنّ “إيران صديقة للشعب الإسرائيلي”، كما سمح بإقامة حفل حملت فيه اثنتا عشر فتاة إيرانية كن يرتدين اللباس التقليدي وهن يرقصن نسخة من المصحف على طبق، الأمر الذي أثار سخطا ضدّه خوفا من الاتهام بـ”اهانة القرآن الكريم”.
وأثار “مشائي” أيضا جدلا لموقفه المتراخي واللامبالي من الحجاب الإسلامي كما يتّهمه بذلك المحافظون. وقد أدّت مواقفه التي يصفها المحافظون بالـ”الاستفزازية والطائشة” إلى مطالبة أحمدي نجاد في يوليو 2009، بالتراجع عن قراره تعيين صهره في منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية.
وعلى الرغم من أنّ نجاد قاوم هذه الضغوط بداية ونفّذ قرار التعيين، إلا أنّه اضطر إلى التراجع بعد التدخل الشخصي للمرشد الأعلى الذي أصدر فتوى مكتوبة في هذا الشأن تفرض عليه التخلي عنه، فاستقال “مشائي” بعد ثلاثة أيام من تعيينه في منصبه آنذاك.
وزارة الخارجية تدخل على خط النزاع
ودخلت وزارة الخارجية متمثلة بوزير الخارجية “منوشهر متكي” على خط النزاع ، فرأت في خطوة احمدي نجاد تجاوزا لها وتهميشا لدورها بما يسمح بإنشاء سياسة خارجية مستقلة للرئيس موازية لسياسة وزارة الخارجية التي تمثّل الخط الرسمي للدولة، ويؤدي أيضا إلى تضارب في السلطات مع صلاحيات وزير الخارجية.
ويعتبر تعيين “بقائي” واحد من الأسباب الإضافية التي أثارت استياء وسخط وزير الخارجية. إذ أعلن الأول قبل أيام بأنّ رئيس الجمهورية أحمدي نجاد سيقوم قريبا بتعيين مبعوثين خاصّين لمنطقة أفريقا وأمريكا الوسطى، وهو الأمر الذي دفع وزير الخارجية إلى التصريح للإعلام بقوله “من غير الواضح ما هي الأسس أو الصلاحيات التي يتمتع بها “بقائي” أو الموقع الذي يخوّله الإدلاء بهكذا تصريحات”.
وسبق لـ”منوشهر متكي” وأن اضطر إلى الاعتذار علنا للمسؤولين الأتراك عن التصريحات التي أبداها نائب الرئيس “بقائي” الشهر الماضي عندما قال خلال مؤتمر عقد في العاصمة طهران بمناسبة الذكرى الـ 70 للغزو الذي تعرضت له إيران إبان الحرب العالمية الثانية، أنّ الأتراك ارتكبوا مذابح ضد الأرمن.
كما تسربت معلومات مؤخرا عن أنّ “متكي” سيستقيل إذا بقي الأمر على ما هو عليه بعدما حذّر في تصريح له في 7 أيلول/سبتمبر من أنّ إنشاء سياسات خارجية موازية سيؤدي إلى إضعاف الجهاز الدبلوماسي الإيراني. وعلى الرغم  من نفي الناطق باسم وزير الخارجية “رامين مهمان برست” هذه الأنباء، الاّ أنّ مصادر عديدة تؤكّد إمكانية أن يقوم أحمدي نجاد باستغلال الانشقاقات التي تحصل في الجسم الدبلوماسي وآخرها طلب ثلاثة دبلوماسيين إيرانيين في أوروبا اللجوء، وتوظيف ذلك على أنه دليل على فشل وزير الخارجية بما يمهّد لإبعاده واستبداله بمرشحين قريبين من دائرته الخاصة، قد يكون من بينهم الرئيس السابق لمركز الدراسات الإستراتيجية التابع للرئاسة ومحافظ مدينة أصفهان حاليا “علي رضا ذاكر أصفهاني” المعروف بقربه من “مشائي” ومن “محمد رضا رحيمي” النائب الأول لنجاد، و” مجتبی ثمرة هاشمي” أبرز مستشاري الرئيس الإيراني ونائب وزير الداخلية للشؤون السياسية.
ولا شك أنّ الصراع على السلطات في ظل سعي نجاد إلى توسيع دائرة أتباعه وخلق تياره الخاص داخل النظام بعيدا عن المؤسسة الدينية المتمثلة بطبقة آيات الله من دون أن يستغني عن المرشد الأعلى لما يملكه من نفوذ وقوة سيبقى مستمرا، خاصّة في ظل الحديث المتزايد عن طموح أحمدي نجاد لإيصال صهره في الانتخابات الرئاسية القادمة إلى سدّة الحكم على أمل أن يفتح ذلك بابا لعودته إلى الرئاسة مرة أخرى.
‎© منبر الحرية،16 نونبر/تشرين الثاني 2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

تشهد العلاقات الهنديّة- الأمريكية تجاذبا على خلفية البرنامج النووي الإيراني، ويعود السبب في ذلك إلى محاولات نيودلهي التهرّب من الالتزام بتطبيق العقوبات الحديثة المفروضة مؤخرا على طهران، وإيجاد المخارج المناسبة لها بما يساعد على إفراغها من مضمونها.
وعلى الرغم من أنّ نيودلهي صوّتت مرارا في الوكالة الدولية للطاقة الذرية لصالح القرارات التي تدين إيران، إلا أنّها شددت دوما منذ نقل الملف إلى مجلس الأمن على أنّ  المسار الدبلوماسي والحوار مع طهران يعتبران الطريق الأمثل للتعامل مع الأزمة النووية. وهي من هذا المنطلق تحاول دوما التوفيق بين متطلبات الالتزام تجاه قرارات المجتمع الدولي وبين مصالحها القوميّة التي تفرض عليها تطوير علاقات بنّاءة وايجابية مع طهران.
ومن المفارقات في هذا الموضوع أنّ العلاقات الهندية- الإيرانية شهدت قفزات نوعيّة خلال السنوات القليلة الماضية، لاسيما على المستوى الاقتصادي وذلك في الفترة نفسها التي كانت العلاقات الهندية- الأمريكية تشهد فيها تطورات ايجابية جدا، خاصة فيما يتعلق بالتعاون النووي والدعم الذي أبدته واشنطن لنيودلهي في هذا المجال.
الطاقة في صلب العلاقات الاقتصادية الهندية-الإيرانية
ووفقا للبيانات الصادرة عن الاجتماع الـ16 للجنة المشتركة الهندية-الإيرانية التي انعقدت أوائل الشهر الماضي في نيودلهي برئاسة وزير الشؤون الاقتصادية والمالية في إيران “شمس الدين حسيني” ووزير الخارجية الهندي “ساماناهالي كريشنا”، فقد ارتفع حجم التجارة بين البلدين خلال ثلاث سنوات من حوالي 9.3 مليار دولار إلى حوالي 15 مليار دولار العام 2010. ووقّع الطرفان خلال الاجتماع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتفاهمات التجارية مع توقعات بأن يرتفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى 30 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة.
ويشكّل قطاع الطاقة حجر الأساس في علاقة البلدين. إذ تحتل الهند مرتبة خامس أكبر مستهلك لمصادر الطاقة في العالم وتعتمد بشكل كبير على الواردات من الخارج، وفي المقابل تعتبر إيران ثاني أكبر منتج للنفط في أوبك وهي تمتلك ثاني أكبر احتياط من الغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا.
ومن هذا المنطلق، تولي طهران أهمية متزايدة في إستراتيجية أمن الطاقة الهندية، إذ تعتبر اليوم ثاني أكبر مصدّر للنفط الخام إلى الهند بعد المملكة العربية السعودية، وتبلغ قيمة واردات نيودلهي منها حوالي 11 مليار دولار سنويا من النفط الخام أو ما يشكّل قرابة الـ14% من مجموع فاتورة الواردات الهندية من النفط من الخارج وحوالي 85% من مجمل وارداتها من طهران.
الضغوط الأمريكية على نيودلهي
ومن الواضح أنّ إدارة الرئيس أوباما ترى أنّ البرنامج النووي الإيراني لا يمكن أن يتحول إلى مسألة تجارية اعتيادية بين الدول، فالموضوع ليس تجاريا، صحيح أنّ من حق الدول أن تسعى إلى تحقيق مصالحا ومصالح شعبها لكن يجب عليها في نفس الوقت أن تأخذ بعين الاعتبار احترام التزاماتها الدولية بشكل كامل وهو الأمر الذي عبّرت عنه وأكدت عليه الخارجية الأمريكية.
إذ وجّهت الولايات المتّحدة خلال الفترة الماضية تحذيرا للهند طالبتها فيه بالالتزام بالعقوبات المفروضة على طهران، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “فيليب كراولي” في رسالة تحذير إلى نيودلهي “الأمر يتعلق بمخاطر الانتشار النووي في العالم واندلاع سباق تسلّح نووي في الشرق الأوسط وهو ما سيؤثر بالضرورة أيضا على الدول المجاورة لهذه المنطقة بمن فيهم الهند”.
ولا شك أنّ الموقف الأمريكي إنما ينبع من محاولة واشنطن مراقبة مدى التزام جميع الأطراف الإقليمية والدولية بتطبيق العقوبات التي تمّ إقرارها مؤخرا في مجلس الأمن، على اعتبار أنّ نجاح هذه العقوبات يتطلب الالتزام الشامل والكامل من الجميع، لأن أي خرق من أي جهة كانت سيتسبب في فشل نظام العقوبات برمّته.
وتركّز واشنطن الآن على الهند بعدما تسربت العديد من التقارير التي تفيد بانّ الأخيرة تحاول التحايل على العقوبات التي فرضتها واشنطن، سيما وانّ هناك سوابق تشير إلى جهود حثيثة تبديها الشركات الهندية للاستثمار في قطاع الطاقة الإيراني للفرص الضخمة التي يتيحها من جهة، ولما يلعبه أيضا من دور بنّاء في الحفاظ على أمن الطاقة في الهند.
إذ سبق للتقرير الذي أصدره مكتب المحاسبة الحكومي في نيسان/ أبريل الماضي ويقع في 23 صفحة -وتمّ رفعه إلى رئيس لجنة الأمن القومي للإطلاع عليه-، وأن أشار إلى خرق العديد من الشركات الهندية العاملة في قطاع النفط والغاز العقوبات على إيران ومن بينها شركة النفط الهندية (IOC)، وشركة نفط الهند المحدودة (OIL)، وشركة النفط والغاز الطبيعي (ONGC) وشركة فايدش التابعة لها أيضا (ONGC Videsh Ltd)، وشركة بترونت للغاز الطبيعي المسال (Petronet LNG).
علما أن الإدارة الأمريكية كانت قد ضغطت على نيودلهي العام الماضي لوقف إعطاء أي ضمانات قروض لأكبر مجمع مصافي للنفط في العالم وتمتلكه الهند، ما لم توقف صادرات النفط المكرر إلى إيران، والتي كانت تشكّل حوالي 40% من استهلاك طهران من النفط المكرر. وقد أثمرت الضغوط فيما بعد عن قطع لهذه الصادرات مقابل منح المجمّع ضمانات قروض بقيمة 900 مليون دولار أمريكي.
تأثير العقوبات الأمريكية على المصالح الهندية
وتحاول الهند أمام هذه المعضلة أن تبرر موقفها من خلال تأكيد الأوساط الرسمية أن لا مشكلة لديها في التعامل مع العقوبات الصادرة عن مجلس الأمن بحق إيران، على عكس العقوبات الفردية التي أقرتها الولايات المتّحدة التي تسبب الكثير من المشاكل. فبعد يوم واحد من توقيع الرئيس الأمريكي اوباما على قانون العقوبات المشددة، والذي يستهدف بشكل أساسي الضغط على موردي البنزين والمستثمرين في قطاع الطاقة الإيراني، عبّرت وكيل وزارة الخارجية الهندية “نيروباما راو” عن قلق بلادها من “أن تترك العقوبات الأحادية المقرّة أخيرا من قبل بعض الدول بشكل فردي، أثرا مباشرا وسلبيا على الشركات الهنديّة العاملة في قطاع النفط والطاقة، والأهم من ذلك على أمن الطاقة الهندي”.
إذ من شأن العقوبات الأحادية التي أقرتها واشنطن كما تلك التي يعمل الاتحاد الأوروبي على إقرارها، أن تخلق الكثير من المشاكل للقطاع العام الهندي وللشركات الحكومية العاملة في مجال الطاقة كشركة النفط والغاز الهندية (ONGC)،  وغيرها من الشركات التي تبحث عن الاستثمار في قطاعي النفط والغاز في إيران.
صحيح أنّ الهند لا تصدّر الآن البنزين إلى إيران على اعتبار أنّ جميع الشركات الهندية الكبرى كانت قد أوقفت تعاملاتها مع طهران في هذا المجال في أيار/ مايو من العام 2009، ولذلك فان العقوبات لن يكون لها تأثير كبير على قطاع مصافي النفط، إلا أنّ القيود المفروضة على الاستثمار في تطوير قطاعي النفط والغاز في إيران قد يتداخل مع مشاريع هندية كان تمّ التخطيط لتنفيذها من قبل، وهو ما سيكون لها تأثيرات سلبية كبرى على نيودلهي، وآخرها مشروع لتطوير حقل للغاز تم التعاقد عليه في حزيران/ يونيو 2009 بقيمة 5 مليار دولار.
كما من المتوقّع أن تؤثّر العقوبات على مشروع خط الأنابيب المقترح منذ منتصف التسعينيات، والذي يمتد من إيران إلى باكستان والهند بطول حوالي 1615 ميل وبتكلفة تقديرية تبلغ قرابة الـ7.4 مليار دولار، حيث كانت الأخيرة قد جددت مؤخرا المباحثات حوله بشكل ثنائي مع طهران بعد أن كانت المحادثات الثلاثة الهندية الباكستانية الإيرانية بخصوصه قد توقفت سابقا لمشاكل تتعلق بالسعر الذي حدده المسؤولون الإيرانيون للغاز الذي سيتم نقله، فيما تشير بعض الأوساط إلى أنّ انسحاب الهند من المحادثات آنذاك جاء بعد الصفقة النووية التي تمت بينها وبين إدارة بوش الابن.
ومن المنتظر أن تزداد الضغوط الأمريكية على نيودلهي خلال الفترة القادمة وهو ما سيخلق تحديّا كبيرا لديها حول الكيفية التي ستقوم بها بالمواءمة بين الالتزامات الدولية والتزاماتها تجاه واشنطن من جهة، وبين مصالحها الاقتصادية وأمن الطاقة لديها المرتبط إلى حد كبير بثروات إيران من النفط والغاز الطبيعي من جهة أخرى، خاصّة أن نيودلهي قد تحتل على الأرجح مقعدا غير دائم في مجلس الأمن في العام 2011، وهو ما قد يدخلها في تعقيدات لعبة المصالح والشد والجذب بين واشنطن وطهران لا سيما أن أي تصويت جديد في مجلس الأمن سيكون له تأثير مباشر على طبيعة العلاقة مع كل منهما.
‎© منبر الحرية،27 غشت/آب 2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

يفتقد العرب للأسف للقدرة على تحويل التحديات إلى فرص والاستفادة منها لتحويلها أيضا إلى مغانم، على عكس كل من إسرائيل وإيران، اللتان تتقنان فن التملّص من الالتزامات والمراوغة، والاهم من ذلك تحويل التحديات إلى فرص ومكاسب بيّنة.
وربما يعود ذلك إلى عدم وجود دولة عربية قائدة، والى الافتقار لسياسة خارجية قوية وفعّالة تعرّف الصديق والعدوّ والحليف والخصم والمنافس والمهدد، والى غياب التصور الواضح لقدراتنا الذاتية من جهة ولطبيعة دورنا إضافة إلى افتقارنا الشديد لتصور موضوعي واضح عن مدى قدرات “الآخر” دون التهوين أو التضخيم من شأنه.
من الواضح أنّ إسرائيل تعاني مؤخرا وفي موقف حرج جدا على المستوى الدولي في مواجهة الدفع باتجاه تحقيق عملية سلام فعّالة. ونحتاج إلى أن نكمل الطوق عليها بما استطعنا من وسائل وأدوات ولا ندعها تفلت منها، وهي تعرف أنّها باتت في موقع لا يحتمل وتسعى للتفلّت من هذا الوضع إما بشن حرب ما وإمّا بخطوة تعيد خلط كل الأوراق. وللأسف في الوقت الذي ندعو فيه إلى تحقيق هذا، هناك بعض الأطراف التي توفّر بخطواتها الرعناء، لأجندات خارجية أو لخطأ في الحسابات -إذا أحسنّا الظن بها- المنفذ الذي تحتاجه إسرائيل للهروب إلى الأمام وآخرها قضية صواريخ “سكود” المستجدة في لبنان.
لا شك أنّ الملف النووي الإيراني بات يثير مخاوف العديد من القوى الدولية والإقليمية في ظل التطور الحاصل فيه من جهة، وفي ظل عدم الشفافية الإيرانية حول النوايا الحقيقة من الوصول به إلى هذا المستوى. وتعدّ العقوبات الوسيلة الوحيدة المتوافرة إلى الآن في وجه التصعيد الإيراني، وكما قال الرئيس أوباما في قمّة الأمن النووي، فالمأمول  أن تجعل العقوبات تكاليف الاستمرار في البرنامج النووي أكبر بكثير من الفوائد التي يمكن جنيها. لكنّ الملاحظ أنّ مسالة العقوبات تحتاج إلى جهد كبير والى إجماع دولي وإقليمي في التنفيذ حتى تحقق الفعاليّة المرجوّة منها، وهنا بالذات تتوافر عناصر دور عربي فاعل.
الولايات المتّحدة بحاجة إلى إقناع ثلاث جهات أساسية بضرورة تطبيق عقوبات قاسية (وذات أظافر) لمواجهة التصعيد الإيراني ولمعاقبتها على تجاهلها المجتمع الدولي وازدرائها لقرارات مجلس الأمن السابقة، وذلك بعد أن ضمنت الموقف الروسي عبر مساومات طويلة:
1- الصين: إذ تزوّد إيران الصين بحوالي 11%من وارداتها النفطية، كما تبلغ حجم التجارة الثنائية بينهم 23.3 مليار دولار، وهو الأمر الذي دفع الصين إلى أن تحتل صدارة قائمة شركاء إيران التجاريين في شهر آذار الماضي وتنتزعها من الإتحاد الأوروبي. إضافة إلى الاستثمارات الصينية الضخمة في قطاع الطاقة الإيراني وآخرها اتفاق بقيمة حوالي 5 مليارات دولار في نهاية العام 2009 لتطوير المنطقة 11 من حقل “جنوب فارس” الغازي. ومخاوف الصين في الملف الإيراني تتعلق بالأمن الاقتصادي للبلاد وبأمن الطاقة أكثر من كونه موقفا أيديولوجيا.
2- الدول المجاورة لإيران: وخصوصا تركيا العضو غير الدائم في مجلس الأمن حاليا، واللاعب الجديد العائد إلى الساحة الإقليمية. فتركيا خامس اكبر شريك تجاري لإيران بعد الصين والاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا. وقد تجاوز حجم المبادلات التجارية بينهما العائم الفائت الـ 10 مليار دولار، كما أنّ أنقرة تعتمد بشكل كبير على موارد الطاقة الإيرانية من النفط والغاز الذي يصل إلى تركيا بواسطة أنبوب يحمل يوميا ما بين 18 إلى 25 مليار م3 من الغاز. وتخاف تركيا من أن تؤدي العقوبات إلى تقويض الاستقرار الإقليمي والإضرار بالعلاقات الثنائية المباشرة في الوقت الذي يتم فيه تجاهل مصالحها كما حصل سابقا في الملف العراقي خلال الحروب السابقة.
3- الدول الفاعلة: الهند والبرازيل ولديها مصالح مشتركة أيضا.
المفتاح الأساسي لدى كل هذه الأطراف يكمن في النفط والمال. والجهة الوحيدة القادرة على لعب دور قوي وفاعل ومؤثر في هذا المجال هي الدول العربية ولا سيما الخليجية التي تتمتع بالنفط والمال، بشرط أن يتم اللعب في هذا الإطار بمبدأ توزيع الأدوار المدروس ووفق خطة موحدة.
فالصينيون ليسوا أيديولوجيين، وتديرهم عقلية الربح والخسارة، ولديهم هامش واسع من المناورة، وتمتلك المملكة السعودية وهي أكبر مصدّر للنفط إلى الصين القدرة على إقناع بكيّن بالموافقة على العقوبات القاسية عن طريق سياسة التطمين و/أو الإغواء، وذلك عبر ضمان تعويض أي نقص من الممكن أن يطرأ على الواردات النفطية الصينية بسبب العقوبات المفترضة على إيران، وأيضا عبر إمكانية بيعها النفط بسعر أقل من ذلك الذي تعرضه إيران.
وباستطاعة الإمارات أيضا المساهمة بشكل حقيقي وفعّال في تطبيق العقوبات من خلال الرقابة الصارمة على التجارة الثنائية مع إيران التي بلغ حجمها حوالي 12 مليار دولار العام 2008، سيما وان دبي تعدّ المصدر الأول لعبور المواد الممنوعة إلى طهران عبر تجارة الترانزيت إلى جانب جهات أخرى مثل ماليزيا واندونيسيا والصين وهونغ كونغ.
كما تستطيع قطر على سبيل المثال تعويض تركيا أو مدّها بما يكفي من الغاز فيما يتعلق بالمخاوف من أمن الطاقة، دون أن ننسى مقدرة دول الخليج مجتمعة على دعم هذه الدول المترددة أو التي تبحث عن مساومات مقابل الموافقة على دعم عقوبات قاسية على إيران، عبر الاستثمار المباشر فيها أو من خلال منحها الأولوية في المشاريع الضخمة الداخلية أو المشتركة، علما أنّ هذه الخطوات سيكون لها فوائد ضخمة على المستوى البعيد، منها على سبيل المثال:
أولا: تعزيز العلاقات العربية- الصينية والخليجية- الصينية مما من شانه أن يؤدي إلى التخلي تدريجيا عن سياسة الحليف الأوحد (أمريكا) باتجاه تعدد الحلفاء (أمريكا-روسيا- الصين- أوروبا)، بما لذلك من فوائد يمكن استغلاها على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو حتى العسكري.
ثانيا: بناء العلاقات العربية-التركية الصاعدة حاليا، على أسس متينة وثابتة من المصالح الراسخة والمشتركة عبر مشاريع اقتصادية بفوائد متبادلة بما يدعم مشروع السياسية الخارجية التركيّة لأحمد داوود اوغلو، ويمهّد لتحالف مع تركيا قائم على معطيات حقيقية وليس على مجرّد عواطف وأهواء وردود فعل آنيّة.
ثالثا: استعراض مدى فعالية القدرات العربية وحاجة الآخرين إليها، والمساهمة الفعّالة في تحقيق رغبة المجتمع الدولي بما يخدم المصالح العربية بطبيعة الحال.
ومن هنا، باستطاعة العرب مقايضة تحرّكهم هذا بمطالبة المجتمع الدولي والدول الكبرى وأمريكا تحديدا الضغط على إسرائيل في عدد من الجهات في هذا الوقت بالتحديد، ليس أقلّه في الملف النووي لتل أبيب حيث يمكن:
1- المطالبة بالضغط على إسرائيل للانضمام لمعاهدة الحد من انتشار السلاح النووي (NPT) والتي ستسمح عندها بالتمهيد لعمليات تفتيش، وهو ما يتوافق مع دعوة الرئيس الأمريكي في قمّة الأمن النووي في واشنطن بضرورة انضمام جميع الدول إلى هذه المعاهدة.
2- إعادة إحياء مشروع شرق أوسط خال من الأسلحة النووية عبر تحرّك دبلوماسي عربي متكامل.
وهو ما يتطلّب على الأقل، أن تنفض مصر عنها الصدأ الذي أصاب سياستها الخارجية التي لا تتناسب حاليا مع متطلبات المرحلة والتحديات الجسيمة التي تواجهها المنطقة، كما تتطلّب من المملكة العربية السعودية اعتماد سياسة خارجية شرسة وليس محافظة، ومن سوريا توظيف الأوراق المتوافرة لديها لهذا الغرض وليس لغرض خدمة مشاريع خارجية.
ويمكن للمشروع الدبلوماسي العربي عبر هذا المثلث مدعوما بجهود الدول الأخرى هنا أن يشرح الفوائد التي يجنيها المجتمع الدولي من هذه الخطوة التي من شأنها أن تعطي مصداقية للتحركّ الدولي على الجبهة الإيرانية، فيما يخص ازدواجية التعامل، كما من شأنها أن تضمن المصالح الأمريكية في شرق أوسط مستقر وآمن وتسهل مهمة الأمريكيين وتؤمن مصالح اللاعبين الدوليين بمن فيهم الروس والصينيين والأوربيين، وإلا فانّ الأمور قد تتطور باتجاه حرب مع إيران ليس من الواضح عمّا إذا كان هناك احد يريد أن يغامر بتحمّل تكاليفها الإقليمية والعالمية، أو باتجاه مواجهة سباق تسلّح نووي في أكثر منطقة متوترة في العالم، مع ما يحمله ذلك من مخاطر على مصالح الجميع.
© منبر الحرية ،26أبريل /نيسان2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

تمر الولايات المتّحدة بحالة تاريخية من الوهن والضعف نتيجة لقرارات إدارة بوش الابن السابقة الخاطئة، التي أغرقت القوة العظمى في وحول العراق وأفغانستان والعبء المالي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي الناتج عن هذه الحروب. ثم جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية لتعقّد وضع واشنطن في النظام العالمي، وكان نتيجة ذلك أن أتت إدارة جديدة بقيادة الرئيس أوباما تحت عنوان التغيير في محاولة لتدارك الأمر.
هذا التغيير يحمل ضمنا عدّة مفاهيم طارئة على الوضع دفعت الأمريكيين إلى إعادة النظر في عدد من الأمور التي كان ينظر إليها كمسلّمات. فالقوة العسكرية على سبيل المثال لم تعد الملجأ القادر على حل المشاكل، بل أصحبت مشكلة تعقّد الأوضاع وتضعف من مكانة الولايات المتّحدة العالمية. على الصعيد الديبلوماسي أيضا أصبح هناك شعور راسخ بأهمية التعاون مع القوى أخرى في المنظومة العالمية لانّ المشاكل والتحدّيات أكبر من أن تقوم دوما لوحدها بحلّها مهما بلغت من قوّة وعظمة.
ومن ضمن المواضيع التي شهدت إعادة نظر أيضا القضية الفلسطينية. فالأمريكيون بشكل عام والإدارة الأمريكية بشكل خاص، تدرك أنّ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والصراع العربي-الإسرائيلي أصبح يقوّض وضع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم. ولان أمريكا لم تعد بالقوّة التي كانت عليها من قبل، ولان مشاكلها تفاقمت، ولان القضية الفلسطينية أصبحت محرّكا لكل من يريد معاداة أمريكا، ولان الأمن القومي الأمريكي أصبح مهددا بسبب هذه الإشكالية قبل هذا وذاك، أصبح حل هذه المعضلة أمرا أساسيا.
نتانياهو يعلم الحقائق الضاغطة باتجاه إسرائيل، ولذلك هو منذ انتخابه عمد إلى اللجوء لعدد من التكتيكات الديبلوماسية المهمة التي تعطينا درسا في كيفية التملّص من الالتزامات والتهرّب من الضغوط:
1- الملف الإيراني: تذرّعت إسرائيل بداية بالخطر النووي الإيراني والتهديد الوجودي الذي يفرضه على إسرائيل في محاولة لاستعطاف أمريكا والغرب وتحويل الأنظار عن شرط الوقف الكامل للاستيطان كمقدمة لإجراء مفاوضات تفي إلى التوصل لتسوية ليست لصالح إسرائيل ولا تريدها. وكانت الولايات المتّحدة قد عبّرت سابقا عن حنقها من التصرفات الإسرائيلية عبر رفض استقبال رئيس الأركان الإسرائيلي غابي أشكنازي في زيارته في بداية العام إلى واشنطن، حيث تفادى أي مسؤول أمريكي رفيع المستوى مقابلته وشمل ذلك حتى نظيره الأمريكي مايكل مولن، واقتصر لقاؤه على مستشار الأمن القومي الجنرال جيمس جونس الذي رفض الخوض معه في الملف النووي ودعاه إلى التركيز على ضرورة التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين.
كما رفضت الإدارة  الأمريكية منح مبعوث نتنياهو إلى واشنطن مستشار مجلس الأمن القومي “عوزي أراد” تأشيرة دخول علما أن الأخير ممنوع أصلا من دخول الولايات المتّحدة لعلاقته بمسؤول البنتاغون لاري فرانكلين في فضيحة نقل خطط أمريكية حول إيران إلى إسرائيل عبر اللوبي اليهودي “ايباك”.
2- فخ التجميد المؤقت للمستوطنات: لجأت حكومة نتانياهو في مرحلة لاحقة إلى طرح فخ التجميد المؤقت للاستيطان (مدّة 6 أشهر)، للالتفاف على الضغوط الأمريكية وحشر الفلسطينيين، أي انّها تكون بذلك نفّذت شرط وقف الاستيطان “شكليا” وأرضت الأمريكيين، ثمّ أجبرت المفاوض الفلسطيني على التفاوض من دون الحصول على أية مكاسب حقيقية خاصةّ أنّ الاستيطان سيتواصل فيما بعد. وأمام التعنّت الإسرائيلي والتمسّك بهذا الطرح، قام الأمريكيون بنقل الضغط على الجانب الفلسطيني للقبول به، لكن الموقف السعودي أطاح بهذا الالتفاف عندما أعلن بشكل وزيرة الخارجية سعود الفيصل بشكل واضح وقوي وفي خطوة نادرة في نيويورك رفضه المماطلة والتسويف الإسرائيلي عبر تكتيك الوقف المؤقت للاستيطان، أو طرح التطبيع الشامل قبل الحصول على خطوات إسرائيلية جدّية.
3- التلاعب على الانقسام الفلسطيني وتعميقه: اعتمدت الديبلوماسية الإسرائيلية أيضا على التلاعب على مسالة الانقسام الفلسطيني، والمفارقة في الأمر أنّ الحكومة الإسرائيلية عملت على تعميق الانقسام من خلال تقويض السلطة الوطنية لصالح خصومها على اعتبار أنّ الأولى منخرطة في الجهد الأمريكي والعربي لانتزاع تنازل من إسرائيل في حين أنّ خصومها يعارضون العملية السلمية وهو ما يخدم إسرائيل حاليا، وذلك لان المصالح الإسرائيلية الحالية تتقاطع مع مبدأ هؤلاء من حيث رفض التفاوض. فلا إسرائيل تريد خوض مفاوضات من موقع المضغوط عليه، ولا خصوم السلطة يريدون مفاوضات من أساسه، ولذلك شهدنا تحركات باتجاه هذا التقاطع الذي يعزل السلطة وبالتالي يفشل الجهود الأمريكية من خلال تسريب الإسرائيليين لإمكانية عقد صفقة للأسرى وهو بالتأكيد ما سيعزز من وضع حماس في الداخل الفلسطيني، كما عبّر موفاز في محطات عديدة عن إمكانية استبدال السلطة بحماس عن طريق التفاوض مع الأخيرة.
4- التذرّع بعدم وجود شريك فلسطيني: بعد تعميق الانقسام الفلسطيني والتلاعب عليه، طرحت الحكومة الإسرائيلية موضوع عدم وجود شريك فلسطيني للسلام، على اعتبار أن حماس لا تفاوض وانّ الرئيس الفلسطيني لا يصلح لان يتم التفاوض معه، فهو ضعيف ولا يمثّل كل الفلسطينيين في ظل الانقسام الحاصل، وطلبت إسرائيل بالتالي تأجيل التفاوض إلى حين حل المشكلة الفلسطينية المتمثلة في الانقسام. وكأن الإسرائيليين يأبهون للوحدة الفلسطينية، بل إن هذا الانقسام يخدمهم في التهرب من مسؤولياتهم ومن الضغوط المفروضة عليهم ويحررهم من أي تنازل ممكن.
4- الاستفتاء الشعبي: آخر أسلحة الديبلوماسية الإسرائيلية كانت اللجوء منذ أيام إلى إقرار مشروع قانون يلزم الحكومة الإسرائيلية بإجراء استفتاء شعبي قبل أي انسحاب إسرائيلي من أراض محتلة. والمراد طبعا من إقرار هكذا المشروع، التحصّن ببعد شعبي يدعم التعنّت الحكومي بعدم الاستجابة للضغوط الأمريكية والمطالب العربية. ومن شأن هذا التشريع أن يفرغ أي مفاوضات مستقبلية أو أي قرار دولي أو حتى إسرائيلي بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، إذ سيتم التحجج بوجود أغلبية شعبية معارضة للانسحاب، وبالتالي نقل الضغط من الجانب الإسرائيلي إلى الجانب الفلسطيني والعربي باتجاه دفعه إلى تقديم المزيد من التنازلات والتراجعات.
يحسب للرئيس أوباما وعلى العكس من الرؤساء الأمريكيين السابقين انّه تحرّك منذ توليه لمنصبه، وان لم يكن قد توصل إلى أيّة نتائج تذكر بعد، ومن غير المعروف ما إذا قادرا أصلا على تحقيق أية نتائج في هذا الإطار. لكن الوضع الإسرائيلي يعطينا مؤشر بتعرّضه لضغوط كبيرة، لكن المطلوب أن تبقى هذه الضغوط الأمريكية موجهة إلى الجانب الإسرائيلي وان تزداد وان لا تتحول باتجاه الفلسطينيين أو أن يتم فقدان الأمل وبالتالي إعطاء الحرية لإسرائيل في غيّها ومماطلتها. هناك العديد من التجارب التاريخية التي تشير إلى أنّه وعند التضارب بين مصالح الأمن القومي الأمريكي وبين مصالح إسرائيل، فان واشنطن تدافع بشراسة وقوة عن أمنها القومي حتى وان تطلب ذلك إجبار إسرائيل الحليف الاستراتيجي على التراجع واتخاذ خطوات لا يحبّذها. في العدوان الثلاثي على مصر على سبيل المثال، أجبرت واشنطن الحكومة الإسرائيلية على الانسحاب والتراجع وقالت جولدامائير في حينه بما معناه بانّ القرار الأمريكي أذل إسرائيل وأجبرها على فعل ما لا تريد. وقد تكرر الأمر أيضا في عهد بوش الأب التي هدد إسرائيل بوقف المساعدات المالية والعسكرية المخصصة لها فما كان منها الاّ أن لبّت طلبه.
صحيح أن الإدارة الأمريكية لم تستعمل بعد كل الأوراق ولم تضغط بالشكل القاسي المفترض ، لكن المطلوب عربيا تزويد أوباما بالأدوات التي يحتاجها أيضا في الضغط على إسرائيل، لا التفرج على جهوده ومن ثمّ القول بأنه لم يغير شيئا. ويمكن الإشادة في هذا الإطار بالتحرّك الأوروبي الأخير سواء عبر المشروع السويدي الذي طرح مؤخرا أو عبر بيان المجلس الأوروبي حول عملية السلام والاعتراف بالقدس ورفض قيام إسرائيل بفرض أمر واقع عبر تغيير الوقائع على الأرض وتهجير الفلسطينيين وإقامة المستوطنات وتغيير التركيبة السكانية للقدس، والذي يصب أيضا في دعم المجهود الأمريكي خاصة أنّ العديد من التقارير البحثيّة الأمريكية الصادرة حديثا تعترف بضرورة حل القضية الفلسطينية وان لزم الأمر الضغط على إسرائيل، علما أن هذه التقارير تشير أيضا إلى إمكانية أن يتسبب هذا الضغط بمشاكل للرئيس اوباما في الداخل الأمريكي ويعرقل بالتالي مسيرته وتقدمه سواءا عبر اللوبي الصهيوني أو عبر أعضاء الكونجرس المواليين لتل أبيب.
© منبر الحرية، 14 يناير/كانون الثاني2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

إذا ما عدنا بالذاكرة قليلا إلى الوراء على وقع المفاوضات الجارية حاليا مع إيران للتوصّل إلى اتفاق حول الأزمة النووية وعدد من المشكلات المثارة، وتحديدا إلى تاريخ 14/6/2008، سنصاب بالذهول والحيرة.
فقد شهد ذلك التاريخ تقديم الاتحاد الأوروبي ما يسمى “عرض الحوافز” إلى إيران بموافقة وتوقيع كل القوى الكبرى ومن ضمنها الولايات المتّحدة والصين وروسيا وألمانيا وفرنسا. وقد تضمّن ذلك العرض لمن يريد مراجعته حوافز ذات سقف عالي جدا، وشملت الطاقة والسياسة والاقتصاد والزراعة والطيران والصناعة والتكنولوجيا، وشملت أيضا نفس الأفكار التي يتم التفاوض عليها حاليا، وقد رفضته إيران حينها.
وقد تضمّن الشق المتعلّق بالطاقة آنذاك اقتراحا يشير إلى النقاط التالية:
•    توفير المساعدات التقنية والمالية اللازمة لاستخدام إيران السلمي للطاقة النووية، ودعم استئناف مشاريع التعاون التقني في إيران من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
•    دعم إقامة مفاعلات الماء الخفيف استنادا لآخر ما توصلت إليه التكنولوجيا.
•    مساندة الأبحاث والتنمية في الطاقة النووية وذلك مع استعادة الثقة الدولية تدريجيا.
•    توفير ضمانات إمدادات الوقود النووي الملزمة قانونيا.
•    التعاون بخصوص معالجة الوقود المستنفد والفضلات الإشعاعية.
•     إقامة شراكة إستراتيجية طويلة الأجل وواسعة النطاق في مجال الطاقة بين إيران والإتحاد الأوروبي وغيره من شركاء على استعداد للتعاون، مع اتخاذ إجراءات وتطبيقات عملية.
بمعنى آخر، فانّ ما يتم التفاوض عليه الآن كان قد تم التفاوض عليها سابقا ولاسيما النقطتين الرابعة والخامسة أعلاه، وتم رفضه أيضا من قبل طهران، فلماذا يتم إعادة إحياؤه الآن؟ وما الذي تغيّر حتى نتوقع أن تقبل إيران به هذه المرّة؟ والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار وفي ظل سياسة كسب الوقت الإيرانية المعروفة، ماذا إن كانت إيرانتراوغ من جديد؟ وماذا إن لم تكن تريد التوصل إلى اتفاق أصلا؟
إذا كانت إيران تريد حقا القبول بذلك العرض ولكنها تنتظر الوقت المناسب الذي تكون فيه في موقع أكثر قوّة مما كانت عليه حينها، فقد فشلت في ذلك. فالوضع الإيراني الحالي وخاصة الداخلي أكثر صعوبة في ظل وجود انشقاق سياسي خطير من المنتظر له أن يستمر بل وينمو على وقع القمع الذي يتعرّض له.
وعلى الصعيد الاجتماعي، هناك تحرك أيضا لطوائف وقوميات مقموعة ومكبوتة ومحرومة للتعبير عن الاستياء من الوضع الذي وصلت اليه في ظل حكومة نجاد وسياساته، وعلى الرغم من أنها لا تطالب بالانفصال عن إيران ومنها مناطق مثل بلوشستان في الشرق وأذربيجان في الشمال والأحواز على الخليج العربي، الاّ أنّ لتحرّكاتها مفاعيل مدمّرة إذا ما تزامنت في وقت واحد، وقد رأينا إحدى تجلّياتها في التفجير الأخير الذي استهدف كبار قادة الحرس الثوري المفترض أنّه صمّام أمان النظام السلطوي في طهران.
على الصعيد الخارجي الدولي، استطاعت ديبلوماسية الرئيس أوباما تصحيح أخطاء بوش الابن في التعامل مع إيران وجمعت الصف الدولي إلى جانبها في محاولة منها للقول أننا نريد التوصل إلى اتفاق مع إيران لكن يبدو أنّ الأخيرة لا تريد ذلك وبالتالي فان جميع الخيارات عندها ستكون مطروحة في ظل التفاهم الدولي والإجماع.
وقد أكّدت الأحداث الأخيرة في إيران أنّ الهم الأوّل بالنسبة إلى رموز النظام هو التمسّك بالسلطة مهما كلّف الثمن، ولذلك يصبح من المستبعد القول بأنّ هذا النظام يعتمد سياسة الانتحار الجماعي في السياسة الخارجية، أو أنه يريد أن يستجلب حربا ضدّه قد تطيح به وبمنظومته التي عمل كثيرا للوصول اليها، وسيعمل ما بوسعه للحفاظ عليها ايضا، وهو ما يفترض منطقيا قيامه بكل ما من شأنه أن يجنّب الآخرين استعمال الخيار العسكري ضده.
ولكن وإذا ما نظرنا جيّدا في أسباب الرفض الإيراني المتكرر لرزمة الحوافز السخيّة جدا كما وصفت من قبل المسؤوليين الدوليين مرارا وتكرارا، فإننا قد نصل إلى استنتاج مفاده أن هذا النظام يخاف من الحوافز بقدر خوفه من الحرب، فالحوافز قد تساعد أيضا على الإطاحة به.
إذ من شان هذه الحوافز أن تفتح إيران والمجتمع الإيراني والاقتصاد الإيراني على الخارج، وقد يؤدي ذلك إلى انهيار تدريجي للنظام الذي يفضّل دائما أن يكون على الجانب الانعزالي الذي يمكنه السيطرة فيه على المجتمع وإحكام قبضته على النظام. بمعنى آخر قد تتحوّل هذه الحوافز بالنسبة إلى حلقة المرشد الأعلى علي خامنئي من الملالي دائرة السلطة  إلى حصان طروادة، وبذلك تكون مفاعيلها أخطر من القيام بشن هجوم عسكري على إيران.
ويوصلنا التحليل إذا ما كانت قراءتنا هذه واقعية وافتراضاتنا صحيحة، إلى انّ النظام الإيراني لن يتخلى عن الوصول إلى سلاح نووي مهما كلّف الأمر، وان اقتضى ذلك منه أن يظهر انّه مستعد للحرب تارة وللتفاوض تارة أخرى. وبطبيعة الحال، فان لم يتم التصرف بشكل سريع وحاسم في مواجهة هذا التلاعب الإيراني والمراوغة الدائمة فإننا سنكون أمام خيارات قاسية جدا خاصّة بالنسبة للمنطقة العربية.
© منبر الحرية، 02 دجنبر/كانون الأول2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

تتفاوت قدرة الدول المنتجة للنفط على تحمّل الأعباء الناجمة عن الانخفاض في أسعاره والتي فقدت حوالي 60% من حدّها الأقصى الذي بلغته في تموز/ يوليو الماضي وهو 147 دولار، لكن الأكيد أن إيران هي الدولة الأكثر تضررا في المنطقة والأقل قدرة على امتصاص الصدمة. وقد لا تمس تداعيات انخفاض سعر برميل النفط على وضعها الاقتصادي فحسب، وإنما تمتد لتهدد استقرار نظامها السياسي والاجتماعي. ومن المتوقع في ظل هذه المعطيات أن تزيد العقوبات المفروضة من قبل مجلس الأمن من شدّة الأزمة في طهران وأن يتراجع نفوذها في المنطقة نتيجة شح الإمدادات المالية التي لطالما أغدقتها على محازبيها ومناصريها في البلدان العربية للمساهمة في خلق الفتن والانشقاقات لما فيه مصلحتها ومصلحة مشروعها الإقليمي.
70 إلى 90 دولار السعر المناسب لإيران
تعتبر إيران رابع أكبر مصدّر للنفط في العالم وثاني اكبر مصدّر لنفط في مجموعة “أوبك”، وتعتمد على العائدات النفطية بنسبة 80% من إجمالي دخلها القومي ويشكل النفط حوالي 83% من صادراتها. استطاعت طهران إثر ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات تاريخية قياسية أن تراكم عائدات تساوي حوالي 200 مليار دولار خلال الثلاث سنوات الماضية، علما أن نفس الرقم استلزمها قبل هذه الفترة حوالي 10 سنوات لمراكمته. ويشير تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي إلى أن إيران ستعاني من عجز في الحساب الجاري على المدى المتوسط إذا استمر سعر برميل النفط تحت معدّل الـ75 دولار وذلك بسبب القيود والعقوبات المفروضة عليها. فيما يرى اقتصاديون أن إيران بحاجة إلى أن يكون معدّل سعر برميل النفط بين 75 و90 دولار حتى تتمكن من موازنة حساباتها وتحقيق فائض.
تداعيات اقتصادية كبيرة
ومن شأن هذا الهبوط أن يحد بالتأكيد من الإنفاق الحكومي مما ينعكس سلبا على الوضع الاجتماعي المتردي أصلا منذ مجيء أحمدي نجاد إلى الحكم، على الرغم من وصول الإيرادات الحكومية في عهده إلى ثلاث أضعاف مثيلاتها في عهد خاتمي وذلك لصعود برميل النفط إلى حدود 147 دولار في الفترة السابقة.
وسيكون على حكومة أحمدي نجاد في هذه الحالة إما تخفيض الإنفاق وبالتالي ازدياد الوضع الاجتماعي سوءا وإما طبع المزيد من العملات وهو ما يعني تدنّي قيمة العملة الوطنية وارتفاع نسب التضخم المرتفعة أصلا والتي تعدّت الـ27%، وإما الاستدانة التي ستشكّل أعباءا إضافية حيث يتجاوز مجموع ديون إيران الـ 40 مليار دولار أي ضعف المعدّل الذي كانت عليه في عهد خاتمي علما أن سعر النفط تضاعف ثلاث مرّات خلال عهد نجاد.
تفاقم المشاكل الاجتماعية
ويبدو أن الأزمة آخذة في التحوّل من البعد الاقتصادي إلى البعد الاجتماعي. فهناك شرائح واسعة من الشعب الإيراني اليوم تعاني وتتذمر من سياسة أحمدي نجاد الذي كان وعدهم في العام 2005 بأن يضع عوائد النفط على موائد طعامهم ويقضي على البطالة ويحسّن من الوضع الاقتصادي للطبقات الفقيرة.
هذا مع العلم أن وزير العمل والشؤون الاجتماعية في إيران “محمد جهرمي” كان قد كشف سابقا أن الحكومة تواجه وضعاً صعباً بشأن تأمين المستلزمات المالية اللازمة نظراً لتداعيات الأزمة المالية العالمية وأثرها المباشر على اقتصاد البلاد، وأنه وبسبب هذه الأزمة فقد قررت الحكومة طرد 253 الف عامل من عملهم خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، وان الوزارة بحاجة إلى مليارات الدولارات لتأمين الضمان الاجتماعي للعاطلين عن العمل، مع الإشارة إلى أن الحكومة ليست لديها أي ميزانية مالية تقدمها لهذه الوزارة في هذا المجال.
سخط سياسي على نهج نجاد
وعلى الصعيد السياسي نلاحظ اّن السخط من نهج الرئيس الايراني أحمدي نجاد كان قد سبق التذمر الاجتماعي، فقدّم عدد كبير من الوزراء استقالاتهم خلال السنة الماضية احتجاجا على هذه السياسية الفاشلة في إدارة البلاد واقتصادها. فحكومة أحمدي نجاد فشلت في ان تحتفظ بالمليارات التي جنتها خلال السنوات الماضية ولم يبق منها الاّ النذر اليسير الذي لا يكفي حتى لتغطية احتياجات إيران من الوقود المستورد لفترة قصيرة.
ولا شكّ أن السخط السياسي والاجتماعي قد ينعكس على ترشّح أحمدي نجاد في الفترة القادمة من العام الجديد، حيث من المتوقع أن يعطي الوضع السيء هذا، إذا ما استمر، دفعة للإصلاحيين خاصّة أنهم يركّزون على الوضع الاقتصادي حاليا الذي يعتبر من نقاط الضعف البيّنة لسياسة نجاد.
الانخفاض الكبير لمدخرات الصندوق الاحتياطي
وتشير بعض المصادر إلى أن صندوق الاحتياطي الإيراني لا يحتوي حاليا إلا على ما يتراوح بين 7 و 9 مليار دولار، لكنّ المصادر الرسمية لمّحت إلى وجود ما بين 20 إلى 25 مليار دولار في الصندوق، وهو ما دفع بعض الجهات إلى المطالبة بفتح تحقيق وتوجيه تهم إلى حكومة الرئيس نجاد لمساءلته عن إنفاق الحكومة 100 مليار دولار من رصيد الصندوق دون وجهة معلومة.
فساد حكومي ودعم لأذرع إيران الإقليمية
ولا يقف الأمر عند حدود الفساد وإنفاق حكومة نجاد أكثر من 75% من الموازنة الحكومية على شركات حكومية كبرى مفلسة تقدّم خدمات رديئة جدا للمواطنين (بحسب صحيفة نوروز الإيرانية)، إذ تشير مصادر أخرى إلى أن حكومة نجاد أنفقت مبالغ كبيرة من احتاطياتها على دعم وتعزيز مواقع أذرعها الإقليمية ومناصريها المنتشرين لاسيما في العالم العربي والذين يشكّلون رأس حربة لها في مشروعها الإقليمي ويعدّون خط الدفاع الأول عنها وعن خططها في المنطقة.
وتشير التقديرات إلى أن الدعم الإيراني لحزب الله اللبناني على سبيل المثال فقط يقارب الـ 1.2 مليار دولار سنويا، ولا شكّ أن هذا الدعم لسائر أذرع إيران سيتأثر بانخفاض عائدات النفط الإيرانية والأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد وهو ما سيؤدي بطبيعة الحال إلى انكماش أدوات إيران الإقليمية من أحزاب وميليشيات وهيئات وأفراد، حيث سينصب التركيز على معالجة الوضع الداخلي. ومن المؤكّد أن المشاريع الكبرى الداخلية سينالها جزء من الآثار السلبية حيث من المتوقع أن يطال الانكماش في الإنفاق مشروع البرنامج النووي الإيراني.
سقوط عنصر الردع الإيراني
على الصعيد الخارجي، فان من شان انخفاض سعر برميل النفط أن يعطي دفعا للقوى التي تريد توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووي الإيرانية، على اعتبار أن إيران فقدت عامل الردع المتمثّل بالأسعار المرتفعة التي كانت تحميها من أي هجوم كما قال بذلك صراحة اللواء محمد علي جعفري قائد قوات حرس الثورة الإيرانية في حزيران الماضي من أن “السعر المرتفع للنفط يشكّل عامل ردع في وجه الأعداء ويحمي البلاد”. أمّا اليوم، فتتعالى الأصوات في مطالبات شبه يومية بتخفيض الإنتاج في “اوبك” ورفع الأسعار.
ويبدو أن التخبّط الذي شهدته أسعار النفط العالمية خلال الفترة الأخيرة، وتهاويها إلى مستويات دنيا قد يقلب الطاولة ومعها الحسابات الإيرانية رأسا على عقب، فالنفط مازال يهوي ويهدد معه بجر إيران إلى الهاوية إذا ما استمر الأمر على ذلك.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20102

تلّقت الصناديق السيادية الخليجية كما العديد من الاستثمارات الخارجية العربية ضربة قوّية اثر انفجار الأزمة المالية العالمية، ومنيت هذه الصناديق الخليجية التي يقدّر حجمها بين 1.2 و1.5 تريليون دولار تشكّل قرابة الـ45 الى 50% من حجم الصناديق السيادية العالمية نتيجة لذلك بخسائر كبيرة قدرّتها بعض الأوساط بحوالي 450 مليار دولار في حين قدّرها البعض الآخر بنسبة بين 25 و40% من حجمها تقريبا حيث تتفاوت هذه النسبة بين صندوق وآخر تبعا لنوعية وأماكن الاستثمار.
ومن المعروف أنّ الإمارات تمتلك أكبر صندوق سيادي في العالم والمتمثّل بـ”جهاز أبوظبي للاستثمار” ويقدّر حجمه وفقا لمعهد بيتيرسون للاقتصاد الدولي وعدد من المؤسسات المالية والمصرفية العالمية بحوالي 875 مليار دولار كحد أقصى و 250 مليار دولار استنادا إلى صندوق النقد الدولي كحد أدنى. فيما تمتلك الكويت أكثر الصناديق السيادية شفافية مقارنة بغيرها، ويعتبر صندوقها “الهيئة العامة للاستثمار الكويتية” الأقدم عالميا ويقدّر حجمه بـ 213 مليار دولار مقارنة بـ50 مليار لصندوق قطر السيادي “الهيئة العامة للاستثمار القطرية”.
وتشير المعلومات المتوافرة إلى أنّ صناديق هذه الدول كانت الأكثر خسارة من غيرها وذلك نتيجة لاستثماراتها الخارجية ولاسيما في قطاع البنوك الذي مني بخسائر فادحة في الولايات المتّحدة الأمريكية وكذلك في الأسهم في الأسواق المالية. فجهاز أبو ظبي للاستثمار على سبيل المثال كان قد اشترى حصّة في “سيتي جروب” بنسبة 4.9% وقيمة حوالي 7.5 مليار دولار دون أن نذكر استثمارات الهيئة العامة الكويتية للاستثمار والتي استثمرت ايضا في “سيتي جروب” حوالي 3 مليارات وفي “ميريل لينش” حوالي مليارين والعديد من الاستثمارات الأخرى الكبرى.
ولا شك أنه سيكون على هذه الصناديق إعادة النظر باستراتيجياتها الاستثمارية، وتقييم الأداء الذي قامت به خلال الفترة الماضية. وتفرض المراجعة الذاتية لأداء هذه الصناديق التحوّل نحو الداخل العربي خاصة في هذه المرحلة الحرجة في ظل الانعكاسات القوية للأزمة المالية العالمية على الوضع الاقتصادي للبلدان العربية ومنها الخليجية بطبيعة الحال.
وقد بدأت هذه الصناديق بالفعل خلال المرحلة الماضية التحرك وان بخجل نحو الداخل، فقامت الهيئة العامة للاستثمار الكويتية بالتدخل في المرحلة الأولى للازمة، باتخاذ العديد من الإجراءات والخطوات لدعم آليات السوق المحلية في الكويت بما يكفل تحقيق الاستقرار وعودة الثقة، فعملت على زيادة حصتها في 8 من الصناديق الاستثمارية المحلية وتمّ تعديل بعض الشروط والضوابط بشأن مساهمة الهيئة في الصناديق الاستثمارية المحلية، وذلك لإعطاء مرونة لمديري الصناديق للمساهمة في استكشاف فرص استثمارية جديدة.
كما تدخّل جهاز قطر للاستثمار والذي يمثّل الصندوق السيادي لقطر بشكل نشط وملحوظ على الساحة المحليّة، وطرح خطّة بحجم 5.3 مليار دولار لشراء أسهم في البنوك المدرجة في البورصة القطرية لدعم ثقة المستثمرين في البنوك بلغت نسبتها حوالي 20%، وضخ الجهاز حوالي 20 مليار ريال في رأسمال البنوك القطرية، لتعزيز قدرة البنوك الوطنية على تمويل مشروعات التنمية في المرحلة القادمة بشكل أوسع، وتأكيداً للثقة الكبيرة في أوضاعها المالية، كما قام الجهاز بشراء أسهم في بنك قطر الإسلامي بنسبة 5% على أن يستحوذ على 10% من أسهم البنك بنهاية عام 2009.
ولم تكتف هذه الصناديق بالتحوّل نحو الداخل وان بشقّه الإنقاذي، بل قرر بعضها التوقف عن الاستثمار الخارجي في هذه الفترة الحرجة وإيقاف  العمليات الخارجية لمدة معينة كما فعلت “الهيئة العامة للاستثمار القطرية” التي قررت تأجيل عملياتها الخارجة لمدة 6 أشهر، فيما فضّل البعض الآخر التوجّه نحو شراء السلع بدلا من الأسهم التي كبّدتهم خسائر فادحة اثر انهيار الأسواق المالية العالمية.
هذه الخطوات وان كانت ايجابية لجهة دعم الاقتصاد المحلي والاستفادة من الأموال المتوافرة لتعزيز القدرة الذاتية وتخفيف أعباء وانعكاسات الأزمة المالية العالمية على الدول الخليجية، الا أنها تبقى غير كافية مقارنة بحجم الصناديق السيادية والدور الذي تلعبه على الصعيد العالمي. فحتى لو قدّر لهذه الصناديق أن تخسر في العالم العربي الـ450 مليار التي خسرتها على الصعيد العالمي لكان لهذه الخسارة منفعة على أكثر من صعيد بدلا من أن تذهب الأموال هباءً. إذ يشير بعض الاقتصاديين إلى أنّ هذا الرقم من الضخامة بمكان بحيث يمكنه حتى في في حال إنفاقه مباشرة دون استثماره تأمين الوظائف لجميع العاطلين عن العمل في العالم العربي لمدة حوالي 6 سنوات كاملة، أو سد الديون المترتبة على جميع الدول العربية، أو تأمين الغذاء المستورد للعالم العربي لمدّة 12 سنة، فما بالكم في حال تمّ استثماره في الداخل العربي وبشكل فعّال ومنتج.
من هذا المنطلق، فان المطلوب من هذه الصناديق التي من المفترض أن تحمي الاقتصادات الخليجية حال تراجع أسعار النفط، أن تعمل على تحقيق القيمة المضافة الحقيقية في الوطن العربي وعلى المستوى المحلي أولا. فليس المطلوب منها أن تكون مجرّد خزّان مالي يتم إنفاقه واستنفاذ مهامه حال تراجع أسعار النفط، ونعود بعدها إلى نقطة الصفر من جديد حال فراغه سواءا بسبب الخسائر التي تتكبدها هذه الصناديق في أصولها أو لتراجع أسعار النفط التي تعتبر فوائضها المموّل والمغذّي الأساسي لها.
يجب  الاستفادة من الدور الذي قامت به هذه الصناديق على المستوى العالمي، ونقل الخبرة والمعرفة والتكنولوجيا المكتسبة إلى بلدانها من خلال الاستثمارات الخارجية في الشركات والمؤسسات العالمية الكبرى ومن خلال تطوير الشراكات، والعمل على استيعاب هذه المعرفة المنقولة من خلال تهيئة البنية التحتية والبشرية واللازمة لتوظيفها والاستفادة منها. كما يجب على هذه الصناديق العمل على تحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي على المدى البعيد من خلال توجيه ايجابيات الاستثمار الخارجي إلى الداخل، وتحويل الأزمة إلى فرصة حقيقية خاصّة أنّ الأسواق المحليّة كما رأينا تحوّلت إلى ملاذ لهذه الصناديق بعد تضررها على الصعيد الخارجي، وهو ما يستدعي المواءمة بين ضرورة الاستثمار الخارجي لما فيه مصلحة المحلي وعدم إهمال الاستثمار المحلي ذو الفرص الحقيقية لصالح الخارجي دون تحقيق أي قيمة إستراتيجية فعلية للاقتصاديات الوطنية على المدى  البعيد
© منبر الحرية، 01 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

على الرغم من أنّ التداعيات المباشرة للازمة المالية العالمية على الدول العربية لم تكن ذات وقع كبير (إذا ما اعتمدنا على البيانات الرسمية الصادرة) قياسا بما حصل في الدول المتقدّمة، الاّ أنّ ذلك لا يعني أنّها تجنّبت الأسوأ، وأنها استطاعت أن تحيّد نفسها عن التداعيات المحتملة اللاحقة. فقد شهدت الدول العربية في المرحلة الأولى من الأزمة المالية العالمية خسائر مباشرة تمثّلت بـ:
أ- الدول النفطية: خسائر ضخمة ناجمة عن الانخفاض الكبير الذي شهدته أسواقها المالية، إضافة إلى تعرّض مصارفها لمشكلة الشح في السيولة مصحوبة ببعض الخسائر لدى بعض المؤسسات الكبرى التي تعاملت في المشتقات المالية والتي كانت سببا في اندلاع الأزمة المالية العالمية. وتشير التقديرات أيضا إلى انّ الصناديق السيادية لهذه الدول تعرّضت لخسائر بقيمة حوالي 400 إلى 450 مليار دولار.
ب- الدول الغير نفطية: وكانت التداعيات المباشرة للازمة المالية العالمية عليها أقل من الدول النفطية وذلك اعتمادا على درجة انفتاحها على الأسواق المالية وارتباطها بالاقتصاد العالمي، ولوحظ انّ المصارف في معظم هذه الدول تلافت نسبيا الوقوع في خسائر مالية نظرا للسياسة المتشددة التي كانت تتّبعها المصارف المركزية فيها، وابتعاد القطاع المصرفي ككل عن التعامل في المشتقات المالية ولعدم ارتباطه بشكل واسع بالخارج. وقد اقتصرت الخسائر المباشرة على الانخفاض الذي تعرّضت له الأسواق المالية فيها.
في المقابل، يبدو أننا بدأنا نشهد الآن معالم المرحلة الثانية من تداعيات الأزمة المالية العالمية والتي ستصبح جليّة في العام 2009. اذ يشير تقرير صندوق النقد الدولي الأخير إلى إن التباطؤ الذي تشهده البلدان النامية حالياً كبير للغاية نتيجة للأزمة المالية العالمية وللتأثير المباشر لأزمة الائتمان على الاستثمارات التي كانت ركيزة أساسية لمساندة الأداء القوي في بلدان العالم النامية على مدى السنوات الخمس الأخيرة.
ومع تضييق أوضاع الائتمان وانخفاض مستوى تقبل المخاطر، من المرجح أن يتقلص نمو الاستثمارات في بلدان العالم النامية ومنها بلداننا العربية بطبيعة الحال من 13 في المائة في عام 2007 إلى 3.5 في المائة في عام 2009، وهي نسبة كبيرة للغاية بالنظر إلى أن ثلث نمو إجمالي الناتج المحلي يُعزى إليها. كما من المتوقع تقلص حجم التجارة العالمية بنسبة 2.1 في المائة في عام 2009، وهي المرة الأولى منذ عام 1982، وان تشهد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انخفاضا في معدّل النمو من 5.8% إلى حوالي 3.9 في المائة في عام 2009.
ومع انخفاض أسعار النفط بالشكل الذي حصل فاقدة أكثر من 70% من قيمتها خلال 5 أشهر فقط على أبواب العام 2009، يبدو واضحا انّ العام الجديد سيُخضع الاقتصاد العربي لامتحان عصيب، حيث ستبدأ التداعيات الحقيقية والغير مباشرة بالظهور، وستبرز عندها قدرة أو عدم قدرة الدول على تحمّل هذه الأعباء. وقد تنقلب المعادلة في هذه المرحلة على الأرجح، حيث ستعاني الدول العربية غير النفطية كثيرا إذا لم تحسن إدارة اقتصادها، في الوقت الذي ستتعرض الدول نفطية لخسائر كبيرة ليس اقلّها نتيجة انخفاض أسعار النفط، وستنكشف قدرة وحجم العوائد على امتصاص الصدمة في حينه.
وعلى أية حال، فاّن المؤشرات الأولية تعطينها فكرة عن معالم التداعيات التي ستتعرض لها الدول العربية في المرحلة الثانية، وهي تتمثّل بـ:
أ- بالنسبة للدول النفطية:
1- تراجع حاد في العوائد النفطية: اذ عمّقت الأزمة المالية من الانخفاض الحاد في أسعار النفط، مما من شانه أن يؤدي إلى تراجع العوائد النفطية بشكل كبير، حيث تشير أرقام صندوق النقد الدولي، إلى أنّ خسارة كل دولار واحد من سعر برميل النفط تؤدي إلى أن تخسر السعودية مقابله حوالي 3.5 مليار دولار، والإمارات مليار دولار، والكويت 950 مليون وقطر 350 مليون.
2- تراجع معدلات النمو: ستضطر دول الخليج إذا استمر انخفاض أسعار النفط إلى ترشيد الإنفاق نظرا للضغط الذي سيتولّد على الميزانيات لديها التي ستدخل عجزا كما يبدو، وهو ما سينعكس سلبا على معدّل النمو الاقتصادي فيها وعلى المشاريع التنموية وتاليا على الوضع الاقتصادي ككل.
3- تراجع حجم التجارة الخارجية: اذ ستتراجع حجم الصادرات التي تتكون من النفط في معظمها وذلك بسبب انكماش اقتصاديات أكبر الدول المستهلكة للنفط في العالم وعلى رأسها الولايات المتّحدة الأمريكية، اليابان وأوروبا، كما سيتقلّص بالضرورة حجم الواردات حينها بسبب تباطؤ النشاط الاقتصادي والطلب في الدول الخليجية.
4- تراجع في حجم الاستثمارات الأجنبية: سواء المباشرة الواردة إلى هذه الدول أو المباشرة الصادرة منها، إذ سيتم التركيز على عودة الاستثمار الخارجي لهذه الدول في هذه المرحلة لتحصين الداخل، وللمساعدة على تلافي التداعيات الأسوأ الممكن حصولها لاحقا.
وتفرض كل هذه العوامل على الدول العربية النفطية تحديات تتمثل في ضرورة دفع العجلة الاقتصادية إلى الأمام كي لا تقع في فترة ركود، ولتحافظ على معدّلات نمو معقولة في ظل التقديرات بانخفاض نسبتها إلى النصف عن الفترة السابقة. إضافة إلى ضرورة مواكبة الصناديق الاستثمارية لاقتصادها بحيث تخفف من آثار وانعكاسات الأزمة المالية العالمية عليه.
ب- بالنسبة للدول العربية الغير النفطية:
1- على الرغم من أنّ وقع التأثيرات المباشرة للازمة المالية العالمية على هذه الدول كان أخف من غيرها في المرحلة السابقة، الاّ انّه من المنتظر أن تدخل في نفق التداعيات الغير مباشرة، وهذا يعني انّ الصورة قد لا تبقى وردية على المدى المتوسط والبعيد، اذ من المتوقع أن يطال تأثير الأزمة المالية العالمية اقتصاديات هذه الدول وتحديدا القطاعات المرتبطة بالطلب الخارجي مثل السياحة والعقار السياحي والصادرات، والتي من المفترض أن تشهد تراجعا في ظل الكساد الذي ضرب أكبر الاقتصاديات العالمية، وبما انّ اقتصاد معظم هذه البلدان خدمي ويقوم على مثل هذه القطاعات فمن المتوقع ان ينعكس التأثير السلبي لأدائها على الاقتصاد ككل وبالتالي على وضعها المالي وعلى نموها.
2- كما انّ هذه الدول ونتيجة اعتماد اقتصادياتها في جزء كبير منها على تدفقات الدول العربية النفطية المالية وعلى استثماراتها، فمن المتوقع أن تتضرر هي أيضا جراء انخفاض أسعار النفط إلى هذا الحد، وأن ينخفض حجم التحويلات القادمة إليها من دول الخليج أيضا.
لذلك فان التحدي الأكبر لهذه الدول سيتمثّل بالحفاظ على معدّل نمو اقتصادي ايجابي وعلى الاستمرار في مسيرة الإصلاح الاقتصادي، وعلى تأمين مناخ استثماري آمن وجاذب لتحويل أكبر قدر من الاستثمارات إليها في القطاعات المهمّة والمنتجة خاصّة، لتساعد على خلق فرص عمل وتنمية اقتصادية حقيقية وزيادة في الإنتاجية من شانها أن تحد من آثار أي انكماش قد يضرب حركة الاقتصاد الكليّ.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 4 يناير 2009.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018