ماريان إل. توبي

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

بتاريخ 20 نيسان 2006، أصبح مارت لار، رئيس وزراء إستونيا السابق ثالث من ينال جائزة “ميلتون فريدمان لتقدم الحرية”، والتي تعطى كل سنتين للشخص الذي يكون قد ساهم مساهمة مهمة في تقدم الحرية الإنسانية. إنها تأتي مصحوبة بمبلغ 500 ألف دولار كجائزة مالية، ويقدم معهد كيتو—وهو مؤسسة غير ربحية تعنى بأبحاث السياسة العامة—ومقره الرئيسي في واشنطن العاصمة جائزة فريدمان.
يجري اختيار من يربح جائزة فريدمان من قبل لجنة تحكيم دولية، والتي تضمنت هذا العام آن أبلبوم من صحيفة الواشنطن بوست؛ وفريد زكريا من النيوزويك إنترناشونال؛ وفرانسيسكو فلوريس، رئيس السلفادور السابق؛ وفريد سميث، رئيس شركة الفيديرال إكسبرس؛ وروز فريدمان. وقد ربح الجائزة في السابق كل من بيتر بوير، عالم الاقتصاد البريطاني، لمساهمته الرائدة في التنمية الاقتصادية، وهيرناندو دي سوتو، عالم الاقتصاد البيروفي لمساهمته حول أهمية حقوق الملكية في مساعدة الفقراء على الحصول على رأس المال. إن هذين العالمين الاقتصاديين ساعدا في بلورة أُسس نظرية لتطبيق مبادئ السوق في محاربة الفقر. وقد أظهرا بأن السوق الحرة، التي تتسم بالتجارة الحرة، وتدخّل الدولة المحدود في الاقتصاد، والتركيز القوي على الملكية الفردية، وسيادة القانون، هي أفضل الآليات للحد من الفقر على امتداد العالم. وقد وضع مارت لار تلك المبادئ النظرية موضع التنفيذ في مصلحة أبناء وطنه.
ووفق التقرير السنوي “الحرية الاقتصادية في العالم لسنة 2005″، والذي يصدر عن معهد فريزر في كندا، فقد صُنِّفت إستونيا في المرتبة التاسعة من حيث الحرية الاقتصادية. كثير من الناس اليوم يجدون صعوبة في تذكر أيام الاتحاد السوفييتي، عندما كان اقتصاد إستونيا محكوماً كلياً من قبل الدولة، ويعاني من خطوط الانتظار الطويلة ونقص السلع والمواد. لقد استبدل مارت لار “يد الحكومة الميتة” بيد آدم سميث غير المرئية. فقد ألغت حكومته تعرفة الاستيراد (وهو قرار انعكس جزئياً نتيجة انضمام إستونيا للاتحاد الأوروبي)، وشرَّع ضريبة دخل ثابتة. وقد هبطت ضريبة الدخل على الأرباح التي يعاد استثمارها إلى الصفر، كما تم إتباع سياسة نقدية مستقرة أدت إلى مكافحة التضخم. كما حققت الحكومة أشواط بعيدة في خصخصة شركات الدولة.
ومع أن اقتصاد إستونيا عانى من أزمة اقتصادية حادة، ولكن قصيرة الأمد، وهو ما عانته جميع الاقتصاديات الانتقالية، إلا أنه وبحلول عام 1995 عاد اقتصاداً مدوياً في نشاطه. ووفق إحصاءات البنك المركزي، فقد نما معدل الناتج المحلي الإجمالي السنوي بمقدار 6.6%. وخلال ذلك العقد، نما دخل الفرد من المجموع الكلي، معدلاً بالقوة الشرائية 6847 دولاراً إلى 12773 دولاراً مرتبطاً بأسعار عام 2000، وهي زيادة تبلغ 86.5%. لقد كان النمو الذي حققته إستونيا نمواً مستداماً، ومن أعلى مستويات التقدم في المنطقة، بحيث وضع البلد على طريق الانضمام إلى بقية الدول المتقدمة.
كما أن رئاسة مارت لار شهدت عودة إستونيا إلى الحكم الديمقراطي، والذي تمتعت به خلال فترة قصيرة من استقلالها بين الحربين العالميتين. لم يكن ذلك أمراً حتمياً. ففي روسيا البيضاء شهد تسلم ألكسندر لوكاشنكو للحكم في عام 1994 عودة البلاد إلى الدكتاتورية الشيوعية. وكان على أوكرانيا أن تنتظر 13 عاماً بعد إعلان استقلالها في عام 1991، قبل أن تصبح ديموقراطية، وعادت روسيا إلى الأوتوقراطية تحت زعامة فلاديمير بوتين.
كان تأثير مارت لار أبعد من النفوذ الذي له على مواطني بلاده. فقد تعلمت بلاد أخرى كانت تحت الحكم الشيوعي من إصلاحات إستونيا وقلّدتها. فقد أدّى نجاح استونيا في تطبيق الضريبة الثابتة إلى انتقالها إلى روسيا وسلوفاكيا وأوكرانيا وغيرها. وشكل تحرير استونيا للتجارة من جانب واحد إلهاماً مستمراً للبلدان الأخرى، بما في ذلك جورجيا. كما أن هنالك من يشعرون بأن وجود إستونيا الليبرالية اقتصادياً في الاتحاد الأوروبي سوف يقود الاتحاد الأوروبي بعيداً عن سياسته الاشتراكية. ومع أنني غير مقتنع بأن إستونيا الليبرالية اقتصادياً في الاتحاد الأوروبي لن تكون بمأمن فيها، ناهيك عن أن إستونيا لن تكون قادرة على تغيير مناقشات السياسة العامة في بروكسل، فإنني آمل بكل تأكيد بأن يكون تفاؤل مارت لار حول مستقبل الاتحاد الأوروبي في محله.
كان مارت لار اختياراً رائعاً لجائزة فريدمان لعام 2006. وإنني في منتهى السعادة بأن المؤسسة التي أعمل بها—معهد كيتو—قد استطاعت أن تكرمه على النحو الذي كرمته فيه، كما آمل بأن شعلة الحرية التي أضاءها مارت لار وزملاؤه في إستونيا سوف تستمر في الانتشار إلى سائر أرجاء العالم.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 22 آب 2006.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

قبل عام مضى بدت أوروبا الوسطى كمثل يحتذي به الآخرون. أما اليوم فإنها منطقة تتسم بالتعصب المتنامي وعدم الاستقرار السياسي. البعض يلوم الإصلاحات الليبرالية، زاعمين بأن الرأسمالية ركزت أموالاً كثيرة وسلطاناً في أيادٍ قليلة.
أما الحقيقة فهي أن الإصلاحات لم تذهب إلى الأبعاد الكافية. فقطاع الأعمال ما زال يرزح تحت وطأة أنظمة مبالغ فيها والحكومات تنفق أموالاً كثيرة. هذا يشعل موجة الفساد وعدم الرضا الشعبي بالنسبة للعملية الديمقراطية.
وبشكل عام فإن أوروبا الشرقية تمثل قصة نجاح. جمهورية التشيك وسلوفاكيا وهنغاريا وبولندا تنتهج ديمقراطيات السوق الحرة. وبينما كانت تلك الدول سابقاً جزءاً من حلف وارسو، فإنهم الآن أصبحوا أعضاء في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. شعوب أوروبا الوسطى يحصلون الآن على مداخيل أعلى ويعيشون حياة أطول ويلتحقون بالمدارس أكثر من أي وقت مضى. ومع ذلك فإن الليبرالية، وهي فلسفة الحرية السياسية والمدنية والاقتصادية التي كانت الأداة في تحقيق تلك المكاسب، هي الآن في موقع الدفاع.
في سلوفاكيا هزم تحالف وطني اشتراكي حكومة ميكولاس تزوريندا الإصلاحية، وفي بولندا استطاع تحالف بين المحافظين والوطنيين من إبقاء دعاة الإصلاح المدني خارج الحكم. وفي جمهورية التشيك، نجح الحزب الليبرالي المدني الديمقراطي في الانتخابات، بيد أنه أضعف من أن يتمكن من تشكيل حكومة. وفي هنغاريا أُبعد الشعبيون من الحصول على السلطة ولكن بمجرد شعرة، وبسبب أن أصحاب السلطة من الاشتراكيين كذبوا حول حقيقة وضع الاقتصاد العام.
وقد رأى كثير من المعلقين في أداء الأحزاب الليبرالية الضعيفة في الانتخابات علامة على ضعف التأييد العام للسوق الحرة. بيد أن الحقيقة هو أن معظم الاستطلاعات التي أجريت في البلدان التي التحقت بالاتحاد الأوروبي والتي قام بها معهد غالوب في عام 2003، وجدت أن معظم سكان أوروبا الوسطى يؤيدون المنافسة الحرة كما يؤيدون تدخل حكومي أقل في حياتهم. وكذلك فإن الكثير من إصلاحات دزوريندا الراديكالية، بما في ذلك الضريبة المقطوعة، قد نالت تأييد غالبية الشعب السلوفاكي قبيل انتخابات 2006.
إن صعود الأحزاب الشعبية في أواسط أوروبا يعود جزئياً إلى وعودها بمحاربة الفساد. وعلى سبيل المثال فإن تصنيف بولندا في سلم قياس الفساد على المستوى الدولي من حيث الشفافية قد هبط إلى 3.4 في عام 2005 من 4.6 في عام 1998 وهبط تصنيف التشيك إلى 4.3 من 4.8 وهنغاريا ظلت في مستوى 5، أما في سلوفاكيا فقد ارتفع المؤشر إلى 4.3 من 3.9. وعلى النقيض من ذلك فإن آيسلندا، التي كانت تعتبر من أقل بلدان العالم فساداً، نالت 9.7 نقاط من مجموع 10.
لماذا يظل الفساد مشكلة كبيرة في أواسط أوروبا؟ على الرغم من الارتفاع الدراماتيكي في حرية الإقليم الاقتصادية منذ زوال الشيوعية، فما زالت معظم اقتصاديات أوروبا الوسطى مكبلة بالأنظمة. وقد وجد البنك الدولي أن سلوفاكيا وجمهورية التشيك وهنغاريا وبولندا مكبلة بأنظمة أكثر من معظم اقتصاديات البلدان المتقدمة بما في ذلك معظم الدول الأعضاء في المجموعة الأوروبية. هذا يعني أن هنالك جيوشاً من البيروقراطيين في تلك البلدان الأربع، التي يوجد لديها فرص عديدة لابتزاز الرشاوى من الشركات الخاصة.
يضاف إلى ذلك أن الشفافية الحكومية، والرقابة البرلمانية، واستقلال القضاء وقوة جهاز الخدمة المدنية تظل غير متطورة نسبياً في أواسط أوروبا. فالإنفاق العام قليلاً ما يكون شفافاً كما أن أنظمة العطاءات للعقود الحكومية كثيراً ما تخضع لأهواء الموظفين العامين شديدي الطمع. وهكذا فإن الأنظمة الكثيفة والعطاءات التي يلفها الغموض قد ساهمت في خلق طبقة كاملة من الناس تربطها علاقات سياسية والتي جمعت ثرواتها بوسائل غير مستقيمة. وقد انتقم الرأي العام الغاضب من الطبقة الحاكمة الفاسدة بسحب تأييده عن الأحزاب السياسية القائمة.
إن صعود الأحزاب الشعبية من شأنه أن يؤجل المزيد من الإصلاحات الاقتصادية. هذا أمر يُؤسف له، لأن حجم وآفاق الدولة في أوروبا الوسطى لا بد أن يخفَّضا من أجل تقرير مشكلة الفساد. ومن المفارقات أن تأجيل المزيد من اللبرلة وما يرافق ذلك من فشل في معالجة الأسباب الكامنة وراء الفساد قد ينال من أوضاع حكام أوروبا الوسطى الجدد وأن تمهد الطريق لتجددٍ ليبرالي.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 13 آذار 2007.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018