مرح البقاعي

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

هل عاد “فعل” الخطابة السياسية ليستقطب الوهج الإعلامي والالتفاف الجماهيري حول المنابر، المحلية منها، والعالمية، في آن؟ وهل تقدُّمُ الرئيس الأميركي باراك أوباما كخطيب استثنائيّ في تاريخ الزعامات الدولية عامة، والأميركية على وجه الخصوص، من شأنه أن يشجّع على  الدور الاستيتكي – اللغوي لبلاغة “النص” وفصاحة “السياسيّ” في إشاعة مناخات السلام والحوار والتوافق بين شعوب الأرض قاطبة؟
الجواب قد يأتي إيجابا ـ في نظر بعض المحلّلين والمراقبين السياسيين ـ  وذلك في مشهدين متباعدين ـ في تقديري على الأقل ـ أولهما حدث دوليّ بامتياز، وهو الخطاب التاريخي الذي ألقاه أوباما  تحت قبة جامعة القاهرة العريقة في الرابع من شهر حزيران/يونيو الجاري، حيث اختار الرئيس الأميركي منبرا معرفيا وثقافيا ليكون موقعا رمزا للحوار مع العالم الإسلامي؛ وذلك  في مسعى حثيث من الإدارة الأميركية الجديدة لترويج أجواء الشراكة والتآلف مكان نوازع الانفصال والصدام بين العالمين الأميركي من جهة، والإسلاميّ/ العربيّ، من أخرى.
الإضافة “الثقافية” التي برزت في خطاب أوباما ـ الحدث، والتي تُسجّل له ولمستشاريه الثقافيين، استشهاده بالتسامح الديني بين الأديان السماوية الثلاثة، الذي كان قائما في دولة الأندلس، دولة الجذب والانتشار الثقافيين التي تشكّل المفرق التنويري في التاريخ الإسلامي، والتي عمرت 8 قرون، بين ما يقارب 750 و1550 ميلادية، وقامت على فتوحات ترفعّت عن أعمال استهداف العُزْل، أونهب الخيرات، أواقتراف التطهير العرقي والاضطهاد الدينيّ؛ في رقعة جغرافية هي في العمق من طريق الحرير، الذي وصل الشرق والغرب، وشكل محجّأ لثقافات عالمية قاطبة، ومرجلا لتلاقحها مع الثقافة الإسلامية.
أما المشهد الثاني الذي يؤكّد على فعل “سلاح” الكلمة الحرّة في مقاومة قوى الظلام والانكفاء والتطرّف، فقد كان مسرحه مناطق القبائل الباكستانية الحدوديّة مع أفغانستان، وأبطاله أدباء وشعراء ومغنّون أقاموا حفلا في مدينتهم باره جنار ـ والاسم يعود إلى شجرة تتميّز بها المنطقة ـ وذلك لإحياء جهود السلام وإشاعة روح الأمن في المدينة إثرمجموعة من العمليات الإرهابيّة تعرّضت لها المنطقة، كان آخرها تفجير انتحاريّ في العام 2008؛ الأمر الذي أثار الفرقة والانقسام والتوجّس بين أبناء البلد الواحد، وأدّى إلى تراجع ملحوظ في دخولهم التي كانت تزدهر في المواسم السياحية، ما قبل انتقال موجات العنف والتطرّف الدينيّ إلى مناطقهم.
هكذا خرج شعراء باره جنارعن صمتهم، واتّخذوا من جمال الشعر ولغة الفن سلاحا لمقاومة الظلاميّات ومطبّات الجاهليين والسلفيين. أحدهم استعاد في أبياته السلام الذي اندثر مع تقدم نوازع التعصّب والكره والترهيب بين أبناء البلد الواحد، ونعى في قصائده غناء الطيور الذي تحوّل في نظر الأصوليين إلى جريمة ينكرها الإسلام؛ والشجر الذي يُنحر واقفا ويتحول إلى حطب في موقد أمراء الحرب.
وهكذا توجّه أوباما، من معقل الاعتدال الإسلاميّ الأزهريّ، بخطاب مستجدّ اللغة والمصادر، بما لم نعهده في التاريخ السياسي الأميركي بخاصة، والغربي بشكل عام؛ في لغة تصالحيّة تستعيد استضاءات التاريخ الإسلاميّ في عصره التنويريّ، وتنبذ مظاهر العنف والتشدّد في الماضي والحاضر، في آن.
شعراء باكستان، وسيّد البيت الأبيض، يجتمعون ـ على تواضع الحراك السياسي في سهول باره جنار مقارنة بالمكتب البيضاوي ـ على أن إغناء الحوار والتقارب الثقافيين بين الشعوب هوالطريق الأمثل لرأب الهوّات، واستعادة الثقة، ودحر العنف، وإشاعة أجواء السلام، محليّا كان أم كونيّا! فهل من مستجيب؟!
© منبر الحرية، 09 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic11 نوفمبر، 20100

تنكشف لك حين تعتلي سدة التدريس في إحدى الجامعات الأميركية، وتكون على اتصال مباشر مع الطلاب، تنكشف على الفور حالة من الرغبة الغريزية المفرطة لدى الطالب الأميركي في تحصيل أسباب المعرفة لتخصصه المختار، واهتمامه بأدق تفاصيله العلمية، ومتابعته الاستقرائية والبحثية والفقهية لكل ما يتعلق بالمادة الدرسية، التي تراه ينكبّ عليها بانحياز الفاتح الغالب.
ففي إحدى قاعات جامعة ميريلاند في العاصمة الأميركية واشنطن حيث أقوم بتدريس مادة اللغة العربية، كنت أتابع على مدار النيف وشهر من تاريخ كتابة هذه السطور، أي منذ بدء الفصل الدراسي الشتوي للعام 2007، أتابع لهفة الطلاب العلمية ـ الذين لم تكن في البدء معرفتهم باللغة العربية لتتعدّى معرفتي أنا باللغة الصينية ـ ، وأحاول سبر تلك الحالة السائدة في قاعة الصف والتي ترسم مسار الطلاب مجتمعين، وبلا استثناء، رغم اختلاف اختصاصاتهم الجامعية، كون اللغة العربية هي مادة من المواد التي اختاروها لتكون مادة مكملة لاختصاصهم الأساسي في الجامعة.
أما القاسم المشترك بينهم فهو ذاك الخط الصارم من الإصرار على تعلم اللغة  الجديدة بكل ما تفرضه عليهم من تحد أبجدي ولفظي ولغوي. كانوا ” يجاهدون” – والجهاد هنا هو جهاد تحصيل العلم – تماما كما أراده الإسلام الحنيف قبل أن يتم اختطافه على أيدي أصحاب الأجندات السياسية والعقد السلطوية، يجاهدون لغزو أرضية لغة الضاد العنيدة، وتلفظ أحرفها الجذلة التي تنفرد بها دون اللغات، حتى أن أحدهم، وهو الطالب الذي كان يلطّف الجو المشدود أثناء تناول المادة بنكاته الطرية، كان كثيرا ما يقول لي إن حرفي الحاء والقاف أصاباه بأشكال البحة والنزلات الصوتية في الحنجرة!
نعم، إنها العقائدية ـ عقائدية المعرفة التي ينفرد بها الطالب الغربي، وأخص هنا الأميركي، حين يختار راغبا، وبمحض إرادته مادته العلمية التي ستكون حجر الأساس لمستقبله المهني! عقائدية المعرفة التي دفعت بالغرب إلى صفوف المقدّمة من الركب الحضاري المعاصر، على نقيض ذلك الضباب الغامض من الغيبيات التي يلف حاضر شعوب بعينها في شرق غارق في أوهامه، شرق بدأ يستدعي أسباب جهالته المذهبية وينبش في رماد عقده التفريقية،  ليقع  خيرة شبابه بيد حفنة من صيادي المنابر ومهووسي الترويج الأصولي والانحراف الطائفي، ويُزجّوا كالأضاحي في طابور التشدد والهذيان الديني التجهيلي والحقن الماضوي العنفي في مداورة  مفضوحة على  تعاليم الإسلام الحنيف ومقايضة سياسية على تعاليمه الأصيلة.
حين كنت أشرح للطلاب الدور اللغوي لتاء التأنيث المربوطة، وكيف تغيّر من معنى المفردة حين إضافتها إليها، ضربت لهم مثالا لمفردتين هما: جامع وجامعة!  ولأني ” لحرمة المكان الأكاديمية” ولـ “مهنية” في تركيبتي الشخصية، أتحاشى أن أخوض في غرفة الصف أي حوار يخرج بنا عن سياق البحث العلمي، ولأني أقرّ أن الوقت الذي يصرفونه معي هو وقت للمعرفة والعلم وليس للتوجيه السياسي والتجييش الغيبي، لهذه الأسباب مجتمعة لم أذهب بهم إلى الفارق الفقهي بين المفردتين كيف اتسعت هوّته في يومنا هذا، وكيف كان الجامع في العهد الإسلامي الأول تماما كالجامعة، بالحكم الوضعي، حيث عرف الجامع في حينها مكانا للعبادة والحوار وتبادل الرأي والمعرفة أيضا، بينما تحوّل اليوم إلى منبر للتهييج الطائفي، والاصطفاف الديني، والتشهير الاجتهادي الذي يتجلى في رشق الفتاوى العجاف باستهتار بليغ بتعاليم بالدين الإسلامي أولا، وبالعقل العربي المغلوب على أمره تاليا. وكلنا شهد تلك الذلة التي تشدّق بها واحد من أصحاب العمامات الجزاف، والتي  أطلق عليها “فتوى إرضاع الكبير”، وما أدراك ما إرضاع الكبير!
نعم، أستعيدها تلك الهوة، وأنا أقرأ أوراق الامتحان النصفي لطلبة لم يمض على ولوجهم باب اللغة العربية الأسابيع الستة، وأجدهم يتعاملون مع هذه اللغة، رغما عن أجنبيتها، بيسر العارف ومرونة المحب. أستعيد تلك الهوة العلمية والثقافية التي تفصل بين هؤلاء الشباب الذين يتعلمون العربية وبين أصحاب اللغة الأصليين وما يعاني شبابهم من تغييب وحجر على المعرفة ابتداء بما يتلقونه من مواد درسية في المناهج التعليمية ” العثمانلية” التي هي أشبه بالكتاتيب المعرفية في أفضل الأحوال، أو أداة لنفخ بوق العصبية وبث الفرقة والعنصرية والفوقية المذهبية، في أسوئها، وصولا بهؤلاء الشباب إلى مطبّ الدعوات الأصولية الموتورة بلهجة العنف الطائفي البغيض؛ والتي مجتمعة تتضافرمع جهود الأنظمة الاستبدادية في كم الأفواه وحجر الحريات وحجب السيالات المعلوماتية وفي مقدمتها شبكة الآنترنت الدولية على حساب ترويج الغيبيات، مذهبية كانت أم سياسية أم اجتماعية، والتي يتناوب على إشاعتها كل من الأنظمة القهرية والجماعات الدينية التكفيرية في حلف شيطاني بينهما غير معلن!
نعم، أشعر بالفخر بإرادة هؤلاء الشباب على لوي ذراع الجهل، وبفخر مواز بقدرة اللغة العربية النافذة على اختراق حاجز الثقافات، اللغة الحيّة التي دوّن بها القرآن العربي والمعلقات الشعرية من قبله. وفي الوقت عينه ينتابني حزن منيع لأن في أرض لغة الضاد جيل من الشباب العربي يُجَرّ قسرا إلى سراديب الغيبيات التي يفرزها ذهن مريض لفئة تمرست في التفريغ الفكري المبرمج والتعتيم الدنيوي الأجوف لصالح كل ما هو غيبي غابر ومقيت، فئة من فصّلوا لغة الله عصا من جهنم يهشّون بها قطيع الواهمين بأن الجواب على أسئلة الهوية والحرية والسيادة يكمن في إلغاء الآخر، ورفضه، وحتى تصفيته، بعيدا عن إعمال الفكر لنبذ الجهل وتحقيق التقارب الإنساني بين الشعوب كافة كما أراد الله لخلقه في ذكره الحكيم: “وسخّر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون”، آية 13 من سورة الجاثية.
نعم، أنا على يقين أن هذا الجيل من الشباب العربي سيستعيد عنفوانه المعرفي ويركل أسباب انكفائه ويصنع مصائره بإرادته الخاصة واختياره المحض، ما يلحقه بمسيرة أترابه من شباب العالم ، مسيرة من يكافئونه في القدرات الذهنية  ولكن يتفوقون عليه في إرادة الاختيار!
© معهد كيتو، منبر الحرية، 25 ديسمبر 2008.

peshwazarabic1 نوفمبر، 2010

شاعرة وباحثة أميركية من أصل سوري تعمل حالياً أستاذة لمادة الإسلام المعاصر في جامعة جورجتاون (قسم الدراسات المستمرة)، إلى جانب عملها كمستشارة ثقافية وإعلامية في مؤسسة “رابطة سيدات الأعمال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”. طوّرت البقاعي برنامجاً لتعليم اللغة العربية في جامعة ميريلاند بواسطة الثقافة والفنون والسياسة في المنطقة العربية، وهي مؤسس ورئيس معهد “الوارف” (Al Waref) لدراسات وبحوث “التنويريون” (Enlightenists)، والذي مقرّه العاصمة الأميركية واشنطن. تمّ اختيار مرح البقاعي ضمن قائمة أفضل أساتذة مادة الشرق الأوسط في الجامعات الأميركية حسب منظمة كامبس واتش (Campus Watch).

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018