موسى القلاب

peshwazarabic19 نوفمبر، 20100

كان للحرية الدينية في المجتمعات العربية والاسلامية ؛ اكبر الأثر الايجابي في تطور تلك المجتمعات خلال العصور الاسلامية المتلاحقة ، حيث شملت أوجه التطور والتحديث ؛ مختلف ميادين الحياة مثل علوم الطب والاقتصاد والفن و الفلك والفلسفة والترجمة والادب والرياضيات والكيمياء والملاحة البحرية وصناعة السفن ؛ وادوات التنمية الاساسية في قطاعات الزراعة والصناعة ولتجارة .
ولعل جُل ما طلبه المسلمون من اهل الكتاب وهم اليهود والنصارى؛ وكذلك الصابئة والمجوس والزرادشت ؛ اذا لم يرغبوا بدخول الاسلام ، دفع الجزية وعدم التعرض للاسلام والمسلمين بسؤ . واصبحوا يٌعرفون في بلاد المسلمين بأهل الذمة؛ سواء  في صدر الاسلام زمن الخلفاء الراشدين ، اوفي العصور الاسلامية اللاحقة ؛ الاموية والعباسية وما تبعهما من خلافات وسلطنات وامارات ؛كالفاطمية والايوبية والمملوكية ؛ ثم الامبراطورية العثمانية. وكان ذلك إمتثالاً لقول الله سبحانه و تعالى في القرآن الكريم : (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبرّوهم وتقسطوا إليهم ان الله يحب المقسطين) – سورة الممتحنة الآية 8 – . ولقول رسول الله (ص) : “من آذى ذميا فقد آذاني  “.
وقد امتدح الكتاب الاجانب مثل (آدم متز) ؛ مستوى الحرية الدينية في ظل الدولة الإسلامية، قائلاً : ” لم تكن الحكومة الإسلامية تتدخل في الشعائر الدينية لأهل الذمة، بل كان يبلغ من بعض الخلفاء أن يحضر مواكبهم وأعيادهم ويأمر بصيانتهم …” ،  ويـضيـف ( متز) : ”  قضت الضرورة أن يعيش اليهود والنصارى بجانب المسلمين، فأعان ذلك على خلق جو من التسامح لم تكن تعرفه أوروبا في القرون الوسطى …” . ويقول (غولد تسيهر) :” إن المؤمنين بمذاهب التوحيد أو الذين يستمدون شرائعهم من كتب منزلة كاليهود والنصارى والزرادشت، كان بوسعهم متى دفعوا ضريبة الرأس (الجزية) ؛أن يتمتعوا بحرية الشعائر وحماية الدولة الإسلامية …”.
وفي العصور الوسطى ؛ وصلت الحرية الدينية ذروتها ، وبلغ التطور والتقدم والرقي داخل المجتمعات العربية والاسلامية القمة . فكان ذلك فكراً وممارسةً ؛ أي منهجاً نظرياً وتطبيقاً عملياً . كما ساهمت الحرية الدينية في ظهور حضارة ثقافية مترابطة الابعاد ، ذلك لأن الحضارة الاسلامية استقطبت المثقفين المسلمين والمسيحيين واليهود ، الأمر الذي ساعد على وجود أكبر حقبة فلسفية إبداعية في العصور الوسطى ، وذلك  خلال فترة القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين .
ولعل من اهم جوانب تطور المجتمعات العربية والاسلامية والعالمية المعاصرة؛  التي تهتم بها  اليوم ، ما يعرف بدراسات علوم البيئة كالتلوث والتي كانت سائدةً آنذاك . ومن الأمثلة على تلك الدراسات ؛ ما كتبه الكندي والرازي وابن الجزار والتميمي وابن النفيس ؛ حيث غطت كتاباتهم عدداً من الموضوعات المرتبطة بالتلوث مثل : التلوث الجوي وتلوث المياه وتلوث التربة ، وسؤ التصرف بالمخلفات الصلبة وتقييم التأثير البيئي في اماكن معينة . فقد شهدت  قرطبة بالاندلس أول صندوق قمامة واول منشأة لجمع القمامة والتخلص منها . كما شٌيدت المؤسسات التعليمية المثيرة للدهشة في ذلك الحين ؛ كالمستشفيات العامة و المصحات النفسية و المكتبات العامة  و المراصد الفلكية والجامعات. وذكر كتاب جينيس للارقام القياسية ؛ أن جامعة القيروان في فاس بالمغرب ، كانت اقدم جامعة في العالم ؛ إذ جرى تأسيسها في عام 859 م ، وجامعة الازهر التي تأسست في القاهرة في القرن العاشر الميلادي ، كانتا تمنحان شهادات اكاديمية متنوعة ، من بينها  شهادت جامعية عليا .
وعند منتصف القرن الثاني للهجرة ؛ حينما بدأت حركة التدوين والتأليف لدى المسلمين بالنهوض ؛ اتجه بعض علمائهم للكتابة التخصصية في المقارنة بين الأديان، ومنهم النوبختي (202 هـ) الذي يعتبر أول من ألف في هذا المجال وكتب كتابه : (الآراء والديانات) ؛ وبعده كتب المسعودي (346 هـ) كتابين عن : (الديانات) ؛ ثم جاء المسبحي (420 هـ) فكتب كتابه : (درك البغية في وصف الأديان والعبادات) ، وهو كتاب مطوّل يقع في حوالي ثلاثة آلاف ورقة.
ثم نشطت حركة التأليف بصورة ملفتة للنظر ، وكان من أبرز الكتب المشهورة كتاب : (الملل والنحل) لأبي منصور البغدادي (439 هـ) ؛ وكتاب : (الفصل في الملل والأهواء والنحل) لابن حزم الأندلسي (456 هـ)؛  وكتاب : (الملل والنحل) للشهرستاني (548 هـ)؛  وهناك كتاب : (تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة)؛  لأبي الريحان البيروني .
وفي ميادين البناء والادب ؛ كان بحلول القرن العاشر الميلادي في قرطبة – على سبيل المثال لا الحصر – سبعماية مسجداً ، وستين الف قصراً، وسبعين مكتبةً حوت أكبرها ستماية ألف كتاب ؛ كما نُشر ما مجموعه ستين الف دراسة وقصيدة ومؤلفة كل عام ، في حين كان يوجد في مكتبة القاهرة نحو مليوني كتاب.
لقد نبغ بعض العلماء المحدثين بجهودهم الذاتية الخاصة مستفيدين من مؤلفات السابقين ، كالعلامة المرحوم الشيخ محمد جواد البلاغي النجفي (1282هـ ـ 1352 هـ) ؛الذي أتقن اللغة الإنكليزية والعبرية (بالإضافة إلى لغته العربية والفارسية)؛  فقرأ مصادر المسيحية واليهودية وناقشها بموضوعية وعمق في كتبه القيمة المتخصصة بذلك مثل كتابه : (الهدى إلى دين المصطفى) ؛ ويقع في سبعماية صفحة، وكتابه : (الرحلة المدرسية والمدرسة السيارة) ؛نحو ستماية صفحة ورسالته حول : (التوحيد والتثليث) ؛ وأخرى بعنوان : (أعاجيب الأكاذيب)؛  وكتاب : (أنوار الهدى) في الرد على الماديين؛  وكتاب:  (نصائح الهدى والدين) حول البهائية… ،  وكلها مطبوعة ومترجمة إلى مختلف اللغات العالمية.
وفي ايامنا هذه ؛ قال الفيلسوف الجزائري محمد أركون ، الحائز على جائزة ابن رشد  للفكر الحر عام 2003 : ” لقد أٌنشأت المكتبات والجامعات في البلاد الاسلامية، وعلماء المسلمين هم الذين حافظوا على التراث العقلاني الاغريقي والروماني القديم ، هذا التراث الذي  لم يكن غائباً عن عقول الغرب فحسب ؛ بل أٌهمل ذكره في العلوم الغربية على وجه الاجمال …” .
وفي الختام يمكن القول ان الحرية الدينية التي خيمت بسلام وأمن وطمأنينة على المجتمعات العربية والاسلامية خاصةً في العصور الوسطى ؛ كانت أحد العوامل الأساسية التي أظهرت ورعت ابداعات وعبقرية العلماء المسلمين الماثلة حتى اليوم ؛ مثل البيروني والجاهز والكندي والرازي وابن سينا والادريسي وابن باجه وعمر الخيام وابن زهر وابن طفيل وابن رشد وعلي بن حزم الاندلسي وغيرهم . وكان ذلك هو واقع الوضع العام  للحضارة العربية الإسلامية؛ فكان عدد العلماء الذين تواجدوا في الحقب الذهبية للعصور الوسطى ملفتاً للنظر؛ وانتاجاتهم وانجازاتهم كانت مدهشة للعالم المتحضر حتى اليوم .

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

إسم المؤلف: د. كريستوفر أ. بريبل
إسم الناشر: كورنيل يونيفيرستي بريس
في كتابه الذي صدَرَ حديثا تحت عنوان (مشكلة القوّة: كيف تجعلنا الهيمنة الأمريكية أقل أمنا وأقل إزدهارا وأقل حرية ً) يقدّم الدكتور كريستوفر أ. بريبل طرحا جريئا حول مشكلة القوة العسكرية الأمريكية التي هيمنت على العالم. ولكنها جعلت من الأمريكيين أقل أمنا وأقل إزدهارا وأقل حرية ً.
وفي المقدِّمة يمهد الكاتب للتعريف بالكتاب بأنه يتناول تحديدا ً القوة العسكرية الأمريكية من حيث ماهيّتها وكيفية قياسها واستخداماتها بإلاضافة إلى اعتبارات أخرى تتعلق بتكاليفها والفوائد التي يجنيها الأمريكيون من وراء وجود هذه القوة الهائلة. ويبيّن المؤلف كيف أن القوة الأمريكية العسكرية الضخمة لم تردع أو تخيف المهاجمين في الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولم تجعل صدام حسين يرضخ للشروط الأمريكية، واستمرت كوريا الشمالية بتجاهل التحذيرات الأمريكية، ولم تكن التهديدات الأمريكية ضد إيران ذات جدوى. ويقول الكاتب في هذا الصدد: “إن مقارباتي من السياسة الخارجية الأمريكية مختلفة ولا تروق لصنّاع السياسات في واشنطن من جمهوريين وديمقراطيين مع علمي أن التغيير ليس سهلا ً.”
ويبيّن المؤلف أن الأمريكيين نسوا في بعض الأحيان أن القوة الوطنية في الولايات المتحدة تشمل أكثر مما هو متعارف عليه بالقوة العسكرية. وبذلك فقدوا رؤية الغرض الذي وجدت لأجله القوة العسكرية وأصبحت القوة العسكرية الأمريكية بعدة طرق مشكلة حقيقية. وشكّلت هذه المشكلة الأساس الذي ارتكز عليه هذا الكتاب لإثارة النقاش والجدل بهدف الوصول إلى حقيقة مفادها وجوب تخفيض القوة العسكرية الأمريكية ليصبح الأمريكيون أكثر أمنا. ويمكن حلّ المشكلة بالعودة إلى الدستور الأمريكي وإلى قرون التاريخ لاستنباط أن مهمة القوة العسكرية الأمريكية هي تأمين الحرية الإقتصادية  والاجتماعية والثقافية الأمريكية لجميع الأمريكيين داخل الولايات المتحدة الأمريكية وليس لحماية شركاء في الخارج والتعهد بنشر الديمقراطية في بلدانهم.
ويستطرد الكاتب بالقول: “مع أن إدارة كل من بوش الأب وكلينتون كانتا قد ساهمتا في خفض نفقات الأفراد والمعدات لكنهما بنفس الوقت أرسلتا القوات الأمريكية إلى عدد من المهام الخطيرة والتي لم تكن ضرورية للأمن الوطني الأمريكي.”
ويحاول الكاتب إثبات وجهة نظره هذه بأن القوة الحقيقية للأمة الأمريكية لا تكمن في القوة العسكرية لوحدها. واستشهد على ذلك بأن من الدروس الأولى المهمة لحقبة الحرب الباردة أن الولايات المتحدة ربحتها ليس عن طريق القوة العسكرية، بل بسبب عوامل قوة كثيرة إجتماعية واقتصادية وثقافية. في حين خسرها الإتحاد السوفيتي الذي بنى ترسانة هائلة من الأسلحة النووية والتقليدية على حساب قوت الشعوب السوفييتية لكنه لم يوفّر للناس في الأسواق أحيانا ما يشترونه من المواد الغذائية الأساسية. وعلى الرغم من ذلك، نسي بعض الأمريكيين دروس الحري الباردة خلال العقدين التاليين لسقوط الإتحاد السوفييتي واعتقدوا أن القوة العسكرية الأمريكية هي نهاية المطاف. ثم يتساءل الكاتب قائلا: “لقد قدمنا مساعدات لمسلمي البوسنا والهرسك ولكن لماذا لم نساعد المسلمين في الشيشان؟”
وفي الفصل الأول يؤكد الكاتب حقيقة “أن القوة العسكرية هي قوة هيمنة إلا أنها ليست قادرة على كل شيء.” وحتى يتم فهم ذلك لا بد من معرفة ما هي مكونان القوة العسكرية برّا وبحرا وجوّا وأين تتوزع تلك التشكيلات العسكرية داخل الولايات المتحدة وخارجها لا بل وماذا تعمل تلك القوات على وجه التحديد. ويركّز الكتاب على أن القوى البشرية العاملة والمعدات والأسلحة المستخدمة في الصنوف الأربعة التي تمثل التنظيم العسكري الأمريكي للقوات المسلحة وهي الجيش الأمريكي (القوات البرية) والبحرية ومشاة البحرية والقوات الجوية الأمريكية. حيث ينتشر ما مجموعه 267000 جندي أمريكي في أكثر من 100 دولة حول العالم. وذلك من خلال عدد من الاتفاقيات السرّية حول تنظيم تواجد القوات العسكرية الأمريكية والتي تتراوح ما بين 80 إلى 115 اتفاقية مع دول متعددة على الساحة العالمية، والأهم من ذلك كله أن هذا الانتشار الهائل للقوات العسكرية الأمريكية لم يحدث بين عشيّة وضحاها، لا بل أنه تفاقم بعد عقدين من أفول نجم الحرب الباردة. ويعود الكاتب بشكل موجز إلى الجذور التاريخية لإنشاء القوة العسكرية الأمريكية منذ القرن الثامن عشر ويبيّن كيف تطورّت تلك القوة نسبيا وتدريجيا ما بين الحربين عام 1812 مع البريطانيين والحرب العالمية الثانية عام 1939. ويبيّن المؤلف ماهيّة الدور الفعلي للقوة العسكرية من خلال رؤى واضعي نصوص الدستور الأمريكي والرؤساء الأمريكيين المؤسسين ومجالس الكونغرس المتعاقبة. وذلك بهدف معرفة كيفية الوصول القوات العسكرية الأمريكية إلى ما وصلت إليه اليوم من حجم هائل وقدرات كبيرة وانتشار واسع النطاق حول العالم، والتي لم تكن بالحسبان عبر مراحل التأسيس الأولى. ومع ذلك، كان الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت آيزنهاور قد حذّر قبل مغادرته البيت الأبيض في الستينيات من مغبّة تحكّم المجمع الصناعي الأمريكي للأسلحة والمعدّات العسكرية بمجريات الأمور المتعلقة بالقوات المسلحة وقرارات الحرب. إلا أنه على الرغم من تلك التحذيرات وقبل الوصول إلى نهاية حقبة الحرب الباردة، كانت قد بدأت مرحلة التدخلات العسكرية الأمريكية في الخارج، ابتداءً من الجوار الأمريكي، حيث الدومنيكان عام 1965، وغرينادا عام 1983 وبنما عام 1989، ثم الانتقال إلى العراق عام 1991 والصومال عام 1992. وبعد ذلك في البلقان ثم أفغانستان عام 2001، والعراق مرة أخرى عام 2003. ما زال الوجود العسكري الأمريكي في البلقان وأفغانستان والعراق ماثلا حتى اليوم.
ويوضّح الفصل الثاني من الكتاب كيفية حساب ومطابقة تكاليف القوة العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية من خلال طرح التساؤل عن مقدار الإنفاق على القوة العسكرية ومعرفة أين تذهب تلك النقود لا سيما وإن التكاليف المباشرة لإنشاء وإدامة وتوسيع القوة العسكرية مع الميزانية الأساسية لوزارة الدفاع “البتناغون” يسهل حسابها نسبيا. ويبيّن الكاتب : “أنه عند إضافة تكلفة الحرب في أفغانستان والعراق والتي وصلت إلى 4.5 في المائة من مجمل الإقتصاد الأمريكي أو ما يعادل 622 مليار دولار أمريكي كإنفاق عسكري عام 2007، وعندما يجري توزيع هذا المبلغ على مستوى الفرد في الولايات المتحدة تبلغ حصة كل رجل وأمراة وطفل أمريكي نحو 2065 دولار.” أي ما يزيد عن ضعف ما يدفعه المواطن البريطاني والفرنسي وأكثر من ثلاثة أضعاف ما يدفعه الشخص الياباني والألماني. علما بأن الفجوة في الأنفاق قد زادت في عام 2008 عن العام السابق ثم وصل المجموع الكلي المطلوب للأنفاق العسكري في عام 2009 حوالي 800 مليار دولار.
ويبيّن المؤلف في الفصل الثالث أن القوة العسكرية لأمريكا تُكلّف كثيرا ومع ذلك يعتقد كثير من الأمريكيين خطأ أن تخفيض الميزانية العسكرية وإجراء تغييرات شاملة على الإستراتيجية الأمريكية الحالية يمكن أن ينتج عنها حالة قد تكون “أقل أمنا”  بالنسبة للشعب الأمريكي. ويستدلّون على ذلك من تقديرات تقول أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر قد كلّفت الإقتصاد الأمريكي 250 مليار دولار. ثم يستشهد الكاتب على ذلك بالقول: “طالبَ مرشحو الرئاسة الأمريكية عام 2008 بما فيهم الرئيس الحالي باراك أوباما بزيادة عدد الأفراد العاملين في الجيش ومشاة البحرية، وحسب وجهة نظر السناتور جون مكين فإن تلك القوات يمكن زيادتها بنسبة 40 بالمائة عمّا كانت عليه قبل هجمات 11 سبتمبر 2001.” ومع ذلك يتجاهل الكثير من الأمريكيين أن زيادة النفقات على القوات التقليدية لها تأثير محدود ضد أعداء مجهولين كتنظيم القاعدة.
وفي الفصل الرابع يعتبر الكاتب : “أن القوة العسكرية الأمريكية بحد ذاتها مشكلة لأنها تكلف كثيرا جدا. وتكلّف كثيرا جدا لأنها كبيرة جدا.” وهي بحق أكبر بكثير من حاجة الولايات المتحدة للدفاع عن نفسها ومصالحها الحيوية. ومع ذلك، فإن صنّاع القرار في الولايات المتحدة يستخدمون تلك القوة العسكرية كثيرا بسبب الأعتقاد الخاطئ بأن الأمن الأمريكي يعتمد على الإستقرار العالمي الذي لا أحد يستطيع الحفاظ عليه سوى الولايات المتحدة. ولكن إذا ما جرى التركيز بصورة دقيقة على الأمن الغذائي الأمريكي يتبين أن الولايات المتحدة تحتاج إلى حجم أقل واستخدام أقل للقوة العسكرية الأمريكية.
وحول مأزق السيطرة على القوة العسكرية يشرح المؤلف في الفصل الخامس هذا المفهوم من منطلق مقنع إلى حد كبير وهو: “أن إستراتيجية الولايات المتحدة باستخدام القوة العسكرية الأمريكية نيابةً عن الآخرين لا تشجعهم بالدفاع عن أنفسهم لا بل وتجر الولايات المتحدة إلى حروب خارجية” بسبب فرضية إعتبار أن الهجوم عليهم هو هجوم على الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. ومن هنا فإن الولايات المتحدة لا تعتمد على تلك الدول في مسألة الدفاع عن أنفسهم من الأخطار الخارجية، وهذا الأمر يظهر للعالم أن الولايات المتحدة أمة أكثر من عادية لتحمل عبئا أكبر من أمنها الداخلي. وبنفس الوقت أن الأمم الأخرى هي أقل من عادية وغير معنية بأمنها الداخلي.
وفي الفصل السادس يرى الكاتب أن تطويع مشكلة القوة أمر لا بد منه ولا يكون ذلك التطويع من وجهة نظره بتخفيض نفقات القوة العسكرية الحالية إلى النصف بين عشية وضحاها، ويستطرد قائلا: “عندما يتم بناء قوة عسكرية هائلة وتستمر الولايات المتحدة بالمحافظة عليها بهذا الحجم ثم يقوم أصحاب القرار السياسي بالبحث عن أدوار لها بهدف استخدامها، فإن ذلك يعني أن الحصان أمام العربة.” وقد يكون من الأفضل أن يركز النهج المتّخذ على العكس تماما فيما لو حددّت الولايات المتحدة أولوياتها من حيث الأهم والمهم. على أن تتناسب الخيارات العسكرية الأمريكية مع القوة العسكرية المتوفرة من حيث الحجم الإجمالي للقوات بما فيها الأسلحة والمعدات المشتركة مثل الطائرات والأفراد والسفن والغواصات وغير ذلك.
وفي خلاصة الكتاب يبيّن المؤلف أنه: “من الممكن أن تحافظ الولايات المتحدة على موقعها في قمة النظام العالمي وحدها لمدّة طويلة جدا. مع أن التاريخ يقول غير ذلك. “ومن حيث أن الولايات المتحدة ستبقى تكافح من أجل البقاء متقدّمة على الآخرين فإن هذا الوضع يجعلها تعيش في حالة مستمرة من الخوف، وعليه لن يتوقف الحديث عن عدم الشعور بالأمن. ومن هذا المنطلق ستستمر الولايات المتحدة بالإنفاق أكثر فأكثر نتيجة لقناعة ذاتية بهدف البقاء من دون منافسة أحد لها.
يتبين من خلال قراءة كتاب ” مشكلة القوة ” قراءة دقيقة ومتأنية أن طروحات المؤلف قوية جدا ومنطقية للغاية، وتمس شعور ورغبات وتطلعات المواطن الأمريكي، من حيث أن هنالك أولويات وبرامج مطلوبة داخليا أكثر من تجارة الحروب في الخارج (نيابة عن الآخرين) بقوات عسكرية تضخّمت لدرجة أصبحت عبئا ثقيلا على المواطنين ودافعي الضرائب الأمريكيين، من دون مردود اقتصادي داخلي. كما أن استنتاجات المؤلف مقنعة بدرجة كبيرة وتتوافق مع ما يعتقده كثيرون من الأمريكيين أنفسهم، ومع كثير من الشعوب على الساحة العالمية – مع أنها قد لا تروق لأنظمة سياسية خارجية – ممن يرون أن الجندي الأمريكي مكلّف بحراستهم وحماية كراسيهم و مكتسباتهم الشخصية. يُذكر أن المؤلف اعتمد على مراجع عالمية دفاعية معروفة وموثوقة، ومصادر بحثية وأكاديمية أمريكية متعمدة. بالإضافة إلى وثائق وأرقام وإحصائيات متعددة في كافة مقارباته وتناوله للحقائق والأحداث والأقوال والتصريحات.
أعيد نشره نقلا عن مجلة الدراسات الإستراتيجية، المجلد الخامس، العدد 15 ، صيف 2009، بموافقة من السيد رئيس تحرير المجلة وبالتنسيق والتعاون  مع مركز البحرين للدراسات والبحوث، وتجدر الإشارة إلى أن مجلة الدراسات الإستراتيجية هي مجلة متخصصة محكّمة تصدر دوريا عن مركز البحرين للدراسات والبحوث وتعنى بالدراسات والبحوث والمقالات ذات البعد الإستراتيجي.
© منبر الحرية، 21 نوفمبر/تشرين الثاني2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

يعتبر الانفاق العسكري احد اهم جوانب الاقتصادات الدفاعية في العالم، وقد تراوحت نسب النفقات الدفاعية لدول الشرق الاوسط وشمال افريقيا ما بين 5.26 % و 7.73 % من اجمالي الناتج المحلي خلال السنوات العشرة الممتدة ما بين عام 1997 حتى عام 2006 ؛ وذلك حسب الاحصائيات المنشورة في عدد من المراجع الدفاعية العالمية المعتمدة في هذا المجال. وقد كان أقصى ارتفاع للنفقات الدفاعية لتلك الدول قد تحقق خلال عام 1997 في حين وصلت الى ادنى مستوى لها في عام 2006.
ومن الجدير بالذكر أن منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ؛ تشمل – حسب تصنيفات المراجع الدفاعية العالمية بالاضافة الى الدول العربية ؛ كلاً من اسرائيل وايران.
وقد كان لارتفاع اسعار النفط خلال عامي 2007 و 2008 بعض التأثيرات المباشرة على اقتصادات الدفاع ؛ حيث وفرت الزيادات في اجمالي الناتج المحلي مساحةً من الحرية الحكومية لبعض الدول للتوسع النسبي في الشؤون الدفاعية و مشاريع تطوير القوات المسلحة من حيث التسليح والتجهيز والاعداد والتدريب، ما زاد من وتيرة النفقات الدفاعية وتعزيز الميزانيات الدفاعية السنوية المخصصة للقوات المسلحة والاجهزة الامنية ؛ ومن بينها بطبيعة الحال القوات شبه العسكرية، والتي يُطلق عليها أحياناً قوات الشرطة والامن العام والدرك ؛ والاجهزة الامنية وكل ما يتبع لوزارات الدفاع والداخلية من وحدات وتشكيلات مسلحة.في حين بقيت بعض الدول غير النفطية تعاني من وطأة المديونية، او تلقي برامج المساعدات العسكرية الاجنبية، من اجل تعزيز قدراتها الدفاعية والعسكرية والامنية، سواءً للمحافظة على امنها الوطني من اية اخطار خارجية لاسيما في ظل وجود بؤر توتر اقليمية ؛ خاصةً مع دول الجوار والإقليم، أو ضد الاخطار الامنية الداخلية التي اخذت بالتفاقم خلال السنوات العشرة الاخيرة، بوجود نسب بطالة عالية داخل القوى العاملة ممن هم في سن الشباب، مع تزايد كبير في اعداد السكان، وما يرافق ذلك من تحديات خطرة على الساحة الداخلية.
وتُعد نسب الانفاق العسكري مرتفعة في بعض الدول غير النفطية كون ناتجها الاجمالي المحلي يعاني من صعوبات جمة ؛ في حين تكون النسب منخفضة في بعض الدول النفطية لأن ناتجها الاجمالي مرتفع؛ خاصة مع الطفرة التي حصلت على اسعار النفط خلال السنوات الماضية، وعلى وجه التحديد السنوات الخمسة الاخيرة، مع ان الانفاق الدفاعي الفعلي يكون مرتفعاً بسبب صفقات السلاح ومشاريع التسليح وبرامج التطوير الكبيرة ؛ التي غالباً ما تغطى من موازنات خاصة. وعلى الرغم من أن بعض الدول اكدت على ان نفقاتها الدفاعية تتناسب و سياسة الانفاق العام الداخلي للدولة ؛ ولا تؤثر سلبياً على مشاريع البنى التحتية التي تهدف الى تحسين مستويات المعيشة لمواطنيها وتطوير التعليم والخدمات الصحية والاسكانية ؛ وغيرها من برامج التنمية الوطنية؛ وفي مقدمتها تخفيض مستوى البطالة وتوفير فرص العمل؛ نسبةً الى تزايد عدد السكان ومؤشرات التضخم المالي السنوي العالية، الا ان تأثير الانفاق الدفاعي يبقى سلبياً في عموم الاحوال ؛ على مختلف برامج التنمية الوطنية كالصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، كونه يستنزف مبالغ ضخمة من موارد الدول ؛ سواءً كانت نفطية ام غير نفطية.
الجدير بالذكر ان هنالك فارقاً كبيراً في المفهوم بين ما يسمى بالنفقات الدفاعية؛ وبين ما يسمى بالميزانيات الدفاعية السنوية، ويكثر الخلط بينهما من قبل الكثير ممن يتناولون هذين الموضوعين بالبحث والتحليل.اذْ ان النفقات العسكرية تحسب بناء على ما دفعته الدولة ثمناً لكل ما يتعلق بشؤون الدفاع ؛ كصفقات السلاح والتصنيع العسكري ومشاريع التطوير والتحديث العسكرية ؛ على مدى عدة سنوات قد تتراوح من 3-5 سنوات، ثم يجري حساب المعدل العام للانفاق الدفاعي السنوي. بينما تعني ميزانية الدفاع السنوية المبالغ المالية المرصودة سنوياً بصورة مسبقة، بحيث تغطي متطلبات القوات المسلحة السنوية لأغراض العمليات والتدريب والشؤون الادارية والصحية واللوجستية، بما في ذلك قطع الغيار اللازمة للأسلحة والمعدات والآليات والوقود والذخائر، وكذلك الرواتب واللوازم كاللباس والطعام وغيرها. ولا تشمل ميزانيات الدفاع السنوية بطبيعة الحال مشتريات الأسلحة الجديدة وبرامج تطويرها وتصنيعها.
وإزاء المبالغة بالنفقات والميزانيات الدفاعية ؛بوجود مصاعب وتحديدات مالية مؤثرة على مختلف انواع برامج التنمية ؛ تكمن اهمية دور المواطن في دول منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ؛ للتعبير عن رأيه بحرية ؛ من خلال المؤسسات الدستورية والديمقراطية والمنابر الاعلامية المسؤولة؛ حول مدى استنزاف الموارد الوطنية في مشاريع تسليحية كبرى ؛ قد لا تفيد في نهاية المطاف سوى بعض اللوبيات ومراكز الضغط المحلية شركات تصنيع السلاح العالمية الكبرى في الولايات المتحدة واوروبا وروسيا والصين؛ وبعض الدول الاخرى الموردة للسلاح على الساحة العالمية. وما يزيد الأمر سوءاً ان الانفاقات الدفاعية الكبيرة؛ تجري معظم الأحيان بعيداً عن الرقابة والسيطرة المدنية على شؤون الدفاع في معظم الدول العربية ؛ مقارنة بالرقابة والسيطرة المدنية على شؤون الدفاع التي يجري ممارستها في معظم الدول ذات المؤسسات المدنية الديمقراطية.
© منبر الحرية، 21 مارس 2009

منبر الحرية3 نوفمبر، 2010

ضابط سابق في سلاح الجو الملكي الأردني، برتبة عميد. يعمل حالياً مديراً لبرنامج أبحاث الدفاع في مركز الخليج للأبحاث، دبي.

للسيد القلاب خبرات عملية عدة: عمل مديراً للأنظمة الدفاعية والعسكرية المثالية، وكخبير دراسات في مجال الطيران لخصخصة أكاديمية الطيران الملكية؛ ومراسلاً لمجلة “الاقتصاد والأعمال”، بيروت، حيث غطى لعدة سنوات ملفات عسكرية واقتصادية؛ ومنسقاً عاماً للإعلام وناطقاً إعلامياً لمعرض ومؤتمر سوفكس/الأردن، 2002؛ وكاتباً صحفياً في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية لصحيفة “العرب اليوم” الأردنية من عام 1998 ولغاية 2003.

نشرت مقالاته ودراساته العسكرية في صحف عربية يومية ومجلات عسكرية متخصصة، مثل “الوطن” العمانية، “جند عمان”، “الدفاع الخليجي”، “الأقصى” الأردنية، و”درع الوطن” الإماراتية. كما عمل عضو هيئة تحرير لمجلة “الدفاعية”، بيروت. ومديراً للأبحاث والدراسات في مركز الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري، دبي، مدينة دبي الإعلامية.

قام السيد القلاب بإعطاء تحليلات عسكرية للفضائيات العربية مثل “العربية”، “إم. بي. سي.”،”المجد”، و”الشروق”.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018