نبيل البكيري

peshwazarabic19 نوفمبر، 20101

لا يفوت المتأمل لمسار العلاقة الرابطة بين بعض الأنظمة الخليجية وتيارات إسلامية معروفة وكبيرة على الساحة الإسلامية مثل التيار الإخواني والتيار السلفي والجماعات الصوفية ؛ حرص هذه الأنظمة في غمرة التنافس السياسي فيما بينها على إضفاء شرعية دينية على سلطتها السياسية، فضلا عن سعي هذه الأنظمة في بلورة مشروعيتها السياسية، استنادا إلى بعد ديني مذهبي ما مرتكز على أي من هذه التيارات.
ففي غمرة هذا التنافس الذي يتجلي في أكثر من مجال واتجاه خاصة بين النظامين القطري والسعودي – ومؤخرا دخول النظام الإماراتي حلبة هذه المنافسة وإن بدرجة أخف واستحياء واضح- تبرز أهمية الشرعية الدينية في خضم هذه المعركة السياسية بين الأشقاء الأعداء، والتي يسعى كل طرف إلى كسبها من خلال صور وأشكال شتى لهذا العلاقة، من دعم وتبني وتأييد واستقطاب لهذا التيار أو ذاك، مدفوعين بالوفرة النفطية التي تدر على خزائن هذا الأنظمة مليارات الدولارات.
فكما لا يخفى على المراقب تلك العلاقة المصيرية، التي تربط بين النظام السعودي والتيار السلفي “الوهابي” تاريخيا، والتي تمتد لأكثر من قرنين من الزمان، مع بداية التأسيس للدولة السعودية الأولي بقيادة محمد بن سعود الذي ترافق بروزه السياسي مع بزوغ الدعوة الوهابية، التي تحالف معها منذ عام 1744م.
وفي المقابل لا يمكن أن تخفي كذلك، ملامح العلاقة التي بدأت تظهر للعلن بين النظام القطري والتيار الإخواني وخاصة في غضون العشر السنوات الأخيرة، والتي تتجلى بأكثر من شكل وعنوان ابتداء بالإقامة الدائمة للرمز الإسلامي الكبير الشيخ يوسف القرضاوي – المحسوب فكرا وتنظيما سابقاً على الأخوان المسلمون – والذي يحمل الجنسية القطرية أيضا، فضلا عن ما باتت تُتهم به الحكومة القطرية جراء قناة الجزيرة وتهمة “إخوانية الجزيرة” بفعل تواجد بعض كوادر الإخوان فيها.
وكما لا يمكن أن يفوتنا أيضا، المكانة التي بات يحظى بها الصوفيون في بلاط شيوخ نظام دولة الإمارات العربية المتحدة، والذين يأتي في مقدمتهم الداعية الصوفي الأشهر الحبيب على الجفري، الذي يقيم بشكل دائم على الأراضي الإماراتية بعد أن كان يقيم على الأراضي السعودية قبلها، عدا عن شيخه، الحبيب عمر بن حفيظ، الذي هو الآخر في سفر وترحال دائم، بين تريم، مسقط رأسه، وأبو ظبي.
النظام السعودي و التيار السلفي !!
فكما هو معروف تاريخيا و منذ نشأة الدولة السعودية الأولى في القرن الثامن عشر الميلادي، تلك العلاقة المصيرية والإستراتيجية، التي تربط بين نظام أسرة آل سعود في المملكة السعودية والدعوة السلفية ممثلة بأسرة آل الشيخ، التي أسسها محمد بن عبد الوهاب (1703-1791) والتي تعرف إعلاميا بالدعوة الوهابية، رغم ما أكتنف هذا العلاقة من تقلبات وانتكاسات كبرى على امتداد كل هذه الفترة من التحالف.
فقد شهدت هذه العلاقة انتكاسات خطيرة، كالتمرد الأول، الذي قاده زعيم الإخوان النجديون- أتباع محمد بن عبد الوهاب- سلطان بن بجاد العتيبي، ضد الملك عبد العزيز بن سعود، في عشرينات القرن الماضي، والذي كان بمثابة أول شرخ في جدار هذه العلاقة، الأقرب إلى الزواج الكاثوليكي منها إلى تحالف إستراتيجي، والذي انتهى بهزيمة المنشقين إثر معركة السبلة عام 1929م .
وكاستمرار لعقدة الشك من هذه العلاقة المريبة بين الديني والسياسي، فقد شكل التمرد الأول، قصة ثورية مغرية ومشبعة بروح الاستلهام للأجيال اللاحقة، كانت بلا شك هي البذرة التي أدت وصنعت ما عرف في نهاية سبعينات القرن الماضي، من خلال الإعلام السعودي “بفتنة جهيمان ” .
جهيمان بن محمد بن سيف العتيبي، ذاك الشاب السلفي الثوري المتحمس والطامح للملك، صاحب رسالة “الإمارة والبيعة والطاعة” الذي قاد هو الآخر حركة احتجاجية مسلحة ضد أسرة آل سعود، متخذا من المسجد الحرام منطلقا لحركته الاحتجاجية ومعقلا لأنصاره حينها، والتي انتهت هي الأخرى بالقضاء عليها وطمس معالمها تحت لافتة “الفئة الضالة” المصطلح الذي تطلقه سلطات المملكة حاليا على أتباع القاعدة، التي تمثل هي الأخرى، الانتكاسة الثالثة للعلاقة بين الأسرة السعودية الحاكمة والتيار السلفي.
صحيح أن النظام السعودي اعتمد كثيرا على تيار الإخوان المسلمون في صراعه المرير مع الأنظمة العربية القومية، وخاصة النظام المصري الناصري، في ستينات وسبعينات القرن الماضي – ذلك الصراع الذي يطلق عليه بالحرب العربية الباردة- حيث اتخذ النظام السعودي من الأيدلوجية الإخوانية متراس صد في وجه هذه الأنظمة وخاصة النظام الناصري الذي كان يدعم بقوة المعارضة السعودية القومية حينها.
لقد لعب العداء المرير بين الإخوان و عبد الناصر، دورا كبيرا، استفاد منه النظام السعودي في حربة الباردة مع عبد الناصر والتي دارت جل معاركها على الأرض اليمنية، التي كان من مفارقاتها – رغم أنه لا مفارقات في السياسية – أن النظام السعودي السلفي كان يدعم الجانب الملكي الزيدي الأقرب على شيعة طهران، في حين كان عبد الناصر يدعم، الجمهوريين الذين كان من ضمنهم الإخوان، الذين عمل لاحقا على إزاحتهم وتهميشهم لصالح أنصاره ووكلائه في الصف الجمهوري.
فضلا عن المصلحة السياسية التي جناها النظام السعودي من تحالفه مع الإخوان الذين عمل على استقطابهم وخاصة الإخوان المصريون والسوريون فقد استفاد منهم كثيرا من خلال الكوادر المؤهلة تأهيلا عاليا في كل المجالات التي تتطلبها النهضة السعودية حينها مواكبة للعائدات النفطية الهائله.
لكن الثابت في مسار العلاقة بين الأخوان والنظام السعودي، أنها لم تكن إستراتيجية بقدر ما كانت تكتيكية آنية يحتاجها النظام السعودي في حربه ضد خصومه من قوميين ناصريين وبعثيين على حد سواء، وأن علاقته الإستراتيجية التي يستمد منها شرعيته، فقد كانت تلك العلاقة التي يرتبط بها النظام أسرة ودولة مع التيار السلفي الذي لم يكن مؤهل و ليس لديه السلاح الفكري المناسب للمعركة مع خصوم أيدلوجيين كالقوميين الناصريين والبعثيين واليساريين، وإلا لما أعتمد النظام على الإخوان حينها بذلك الشكل الكبير.
أما وبعد أن استنفد النظام السعودي حاجته من الإخوان، بدأ ينتابه بعض القلق منهم، لذا سعى إلى شق هذا التيار من خلال إبراز منافسين أيدلوجيين للإخوان وذلك من خلال دعم تيار منافس لهم كالذي ظهر على الساحة السعودية و بات يعرف على استحياء بالتيار السروري الذي ينسب للقيادي الإخواني السوري السابق محمد بن سرور زين العابدين بن نايف، الذي أسس في بريطانيا، مركز برمنجهام للدراسات الإسلامية الذي كانت تصدر عنه مجلة السنة المتوقفة عن الصدور، والذي يقيم حاليا في الأردن.
إلا أن هذا الانشقاق الذي سعت شخصيات سعودية كبيرة في النظام على إحداثه وتشجيعه، كوزير الداخلية، الممسك بملف الجماعات الدينية، لم يأتي بنتائجه المرجوة منه إذ عاد بنتائج عكسية وخطيرة تهدد أمن واستقرار النظام السعودي، حيث عمل هذا التيار الجديد على إحداث عمل تنظيمي وحركي في الداخل السعودي، وهو ما كان محل اتفاق بين النظام والإخوان سابقا بعدم ممارسة هذا النشاط بين المواطنين السعوديين.
ولعلى هذا هو السبب الرئيسي، الذي دفع بالأمير نائف بن عبد الغزيز، وزير الداخلية السعودي عام 2002م بتصريحه ذاك الذي أتهم فيه الأخوان المسلمون، بأنهم سبب البلاء وفساد المجتمع السعودي وأنهم سبب الإرهاب وكأنه يحمل الإخوان كل مشاكل الداخل السعودي من القاعدة إلى المعارضة الإسلامية في الخارج والإصلاحيين في الداخل، رغم أن الإخوان مثلوا طوال كل تلك الفترة صمام أمان فكري، ومعادل موضوعي للتشدد المذهبي السلفي.
النظام القطري والتيار الإخواني !!
قصة العلاقة القطرية الإخوانية حديثة نسبيا إذا لا تتعدى فترة العشرين السنة الماضية وإن بدت مؤخرا بشكل واضح، من خلال التقارب الكبير بين قطر و تيارات إسلامية محسوبة على الإخوان بشكل عام كحماس مثلا المدعومة قطريا.
فضلا عن ما بات يلاحظ بوضح أيضا على السياسية القطرية في الآونة الأخيرة من قبيل دخول قطر بقوة فيما بات يعرف بمحور الممانعة أو المقاومة،- الذي يعد الإخوان المسلمون أحد دعائمه – هذا عدا عما أفرزته قمة غزة في الدوحة من واقع جديد لتيارين مختلفين في الشكل والمضمون على الساحة العربية.
وتمثل الإقامة الدائمة والمستمرة للشيخ يوسف القرضاوي في الدوحة والتي تمتد لأكثر من ثلاثين عاما والتي لجئ إليها القرضاوي من بطش نظام عبد الناصر بالإخوان، فضلا عن المكانة الكبيرة التي يحضى بها الشيخ لدى القطرين حكومة وشعبا، هي إحدى العلامات البارزة في قصة هذه العلاقة القطرية الإخوانية.
فقد عمل القطريون على بذل كل الجهود لإغراء الشيخ في الإقامة بالدوحة والتي عمل القرضاوي فيها على تأسيس العديد من المؤسسات الفكرية والثقافية المحسوبة على التيار الإخواني فكرا والتي يأتي في مقدمتها مركز بحوث ودراسة السنة التابع لكلية الشريعة في قطر والذي يرأسه الشيخ القرضاوي حتى الآن.
وتعد مجلة الآمة القطرية التي كانت تصدر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية في الدوحة خلال ثمانينات القرن الماضي والتي كان يرأس تحريرها القيادي الإخواني السوري عمرو عبيد حسنة، هي واحدة من إسرار هذه العلاقة الإخوانية القطرية.
فقد مثلت تلك المجلة ناطقا فكريا باسم الإخوان المسلمون طوال فترة الثمانينات وبداية التسعينات حتى توقفها عن الصدور للأسباب يقال أنها سياسية، والتي لا يزال كتابها الشهير، كتاب الأمة، مستمرا في الصدور حتى الآن والذي يمثل بدورة إحدى روافد الفكر الإخواني الواضح، عدا عن مؤسسة إسلام أون لاين حاليا، التي يشرف عليها الشيخ القرضاوي أيضا، ومكتبها الرئيس في الدوحة.
أما اليوم فتعد قناة الجزيرة القطرية، التي لا يكل ولا يمل حسادها وأعدائها على حدٍ سواء من اتهامها بالإخوانية، لما يمثل فيها الكادر الإخواني من حضور كبير، فضلا عن نهجها الموضوعي الذي لا يعجب الأنظمة العربية الحاكمة، عدا عن ما أحدثته هذه القناة من نقلة نوعية تعد بحق فاتحة لمرحلة جديدة في تأريخ المنطقة بكل ما تعني الكلمة من معنى.
ويأتي بعد هذا كله ما قيل عنه قبل قرابة عامين من الآن، والذي أثاره الكاتب والمفكر الإسلامي الكويتي عبد الله النفيسي حول قضية حل التنظيم الإخواني في قطر، والذي – إن صح – يضع الكثير من النقاط على الحروف في موضوع هذه العلاقة.
فمن جانب أنه حٌل للتنظيم الحركي، واستبداله، بحالة التيار الفكري التربوي، مما يعني بدورة احتمالية أن يكون هناك شبه اتفاق بين الطرفين القطريين النظام والتنظيم على حالة من التوافق والانسجام مقابل عدم ممارسة أي عمل حركي تنظمي ما دام وأنه سيسمح لهذا التيار بحرية العمل الفكري والدعوي والتربوي .
هذا الحال هو ربما ما يفسر لنا هذا الانسجام والتحول في السياسية القطرية، تجاه الحركات الإسلامية ودعمها- بغض النظر عن التنافس السعودي القطري في هذا الجانب- فضلا عما باتت تمثله اليوم قطر من مكانة إقليمية لا يستهان بها في ضوء الدور الكبير- يفوق حجمها كثيرا – الذي باتت تلعبه سياسيا وفكريا وإعلاميا في المنطقة.
عدا عن هذا كله، ما باتت تمثله قطر أيضا من محطة ضرورية، لبعض القيادات السياسية الإسلامية المنفية من بلدانها، كالزعيم والقيادي الإسلامي الجزائري عباسي مدني وخالد مشعل، بعد طرده من الأردن، وفي فترة لاحقة شريف شيخ أحمد قبل انتخابه رئيسا للصومال، وقبله القيادي الإسلامي الشيشاني، سليم خان بندربايف، الذي تمكنت المخابرات الروسية من اغتياله هناك في الدوحة.
النظام الإماراتي والجماعات الصوفية !!
أما النظام الإماراتي وعلاقته المتأخرة بالتيار الصوفي أو الجماعات الصوفية، فلا يعدو كونه جريا وراء المنافسة الحادة مع جارتيها قطر والسعودية من جانب، ومن جانب أخر بحثا عن شرعية دينية تضفيها على شرعيتها السياسية من خلال الهالة الدينية التي تعود عليها جراء الارتباط بهذه الجماعات التي لن تكلفها شيئا ذا بال، والذي لا يتعدى بعض الدعم لهؤلاء الشيوخ، فضلا عن محاولة ملئ الفراغ الذي تركه الإخوان بعد انسداد علاقتهم بالنظام.
بيد أن المتأمل للحالة الإسلامية الإماراتية وما اعتراها من سؤ فهم بين النظام وجماعة الإخوان المسلمون الإماراتيون منتصف التسعينات الماضية، والتي أدت إلى تحجيم نشاط هذه الأخيرة، من خلال تغيير مجلس إدارة جمعية الإصلاح الخيرية الإخوانية وتوقيف مجلتهم المجتمع التي اُتهمت حينها بالإساءة إلى الأسرة الحاكمة في دبي، على خلفية الخلاف بين وزير التعليم الإماراتي حينها الدكتور أحمد الطاير والإخوان.
ومهما قيل ويقال من تفسيرات حول تأزم هذه العلاقة بين النظام والإخوان، فإنها بالأخير لا تخرج عن بعدها السياسي الأمني، الذي بات يقلق هذه الأنظمة كثيرا جراء ما بات يعرف في الخليج عن معضلة الاختلال الديموغرافي الذي يهدد هذه المجتمعات.
لكن ما يهمنا هنا، هي تلك الهوة والفراغ الذي تركه انفراط هذه العلاقة بين النظام والإخوان، ومحاولة النظام الإماراتي ملئه من خلال، البحث عن بديل، لا يشكل أي خطر سياسي أو أمني يحتمل مستقبلا، وهو ما بدا من خلال التقارب الكبير مؤخرا، بين هذا النظام والجماعات الصوفية، وخاصة اليمنية منها، التي ترى من السياسة ترك السياسية.
ومن أبرز مظاهر هذا التقارب – وإن بدا على استحياء – الاستضافة الدائمة لشيوخ الصوفية على القنوات الفضائية في دبي وأبو ظبي، وإقامة الحبيب على الجفري الدائمة هناك، والذي بدأ مؤخرا بالظهور الرسمي جنبا إلى جنب مع كبار المسؤولين في الدولة، كنائب رئيس الدولة محمد بن راشد في بعض لقاءاته الرسمية، كالذي جمعه ذات مرة مع الرئيس على عبد الله صالح في زيارته الأخيرة إلى الإمارات.
فضلا عن ذلك، هناك نشاطات متعددة من دينية إلى ثقافية، للحبيب على الجفري في الإمارات، والذي يمتلك فيها عدد من المؤسسات كمؤسسة طابا ذات التوجه الفكري الثقافي، والتي تقول أن من صلب عملها هو تقديم الرؤى والأفكار لصانعي القرار.
وأمام كل هذه الدلالات والشواهد العديدة، فإن العديد من الاستفسارات قد تتبادر لأذهاننا، ربما قد ترسم لنا بعض الإجابات عليها صورة شبه مكتملة عن ظاهرة باتت تتشكل وتلقي بتأثيراتها وأبعادها على كاهل المنطقة مزيدا من التباين والانقسام، هي في غنى عنها اليوم، في ظل جملة المتغيرات الإقليمية والدولية الخطيرة، التي تجعل من هذه المنطقة مركز الدائرة في سياساتها وتوجهاتها.
© منبر الحرية، 27 يوليو/تموز 2009

peshwazarabic19 نوفمبر، 20100

ما الذي جرى ويجري في إيران ؟ سؤال يستثير إهتمام الكثير من المتابعين والكتاب والصحفيين والمحليلين و الباحثيين حول هذا الحدث الذي أربك الجميع في الخارج و الداخل الإيراني لتفسير حقيقة و ماهية الأزمة الإيرانية التي كادت تعصف بالبلاد وشرعية ثورتها الإسلامية، إذ تعد الأخطر والأكبر في عمر الثورة الإيرانية التي تتخطى عقدها الثالث بحذر شديد منذ نجاحها في 1979م.
فرغم كل ما طرح من تحليلات وتفسيرات في محاولة القراءة التحليلية الواعية لماهية الحدث، إلا أنها جميعها لم تقترب من التوصيف الدقيق له، بالدقة والتفسير المنطقي، إذ تبقى المقاربة الدقيقة لفهم الحدث لم تكتمل بعد، رغم اكتمال كل تفاصيل المشهد منذ فترة بعيدة، ظلت خلالها عوامل بزوغه تختمر وتنمو معبرة عن نفسها بين فينة وأخرى بشكل من أشكال الغضب والإحتجاج منذ أكثر من عقد من الزمن.
فالمتابع للمشهد الإيراني جيدا يدرك أو قادر على تعقب بعض خيوط ما جرى من أحداث مؤخرا في بحر إسبوعين من الزمن في موجة من الإحتجاجات الشبابية الصاخبة والعنيفة التي تعد الأعنف والأكبر حتى الآن.
تلك الأحداث التي أعقبت إعلان نتائج الفائز بالإنتخابات الرئاسية التي أبقت على الرئيس المحافظ والمدعوم من الولي الفقية، أحمدي نجاد في موقعه لفترة رئاسية ثانية وبفوز كاسح وبفارق كبير في الاصوات عن اقرب منافسيه الإصلاحي، مير حسين موسوي، والذي تعدى الفارق بينهما الــ 11 مليون صوت .
فالأزمة الإيرانية ليست وليدة اللحظة الراهنة والحرجة، بقدر ما هي تراكمات فترات متباعدة، يقترب عمرها من العمر الفعلي للثورة الإيرانية، لكن ما لا شك فيه، هو أن هذا الحدث ما هو الإ الصورة ربما ما قبل الأخيرة للمشهد الذي يبحث عنه شباب الجيل الثالث للثورة في إيران، وهو الإنتقال بإيران ولاية الفقية إلى إيران حرة لبرالية ديمقراطية تستعيد معها كل مكونات شعوب الدولة الإيرانية هويتها المختطفة في سرداب الإمام الغائب .
وبتالي ما حدث وسيحدث من قبل هؤلاء الشباب ليس هو إحتجاج على نتائج الانتخابات التي ويدركون بأنها لا تعبر عن إرادتهم وما يأملون، لانها لا تعبر فقط إلا عن إرادة الإمام الغايب في سرداب سامرى ممثلا بنائبه أية الله على خامنئي، الذي وجه جموع الشعب الإيراني بفتواه العملية لا اللفظية لإختيار أحمدي نجاد، طاعة وإمتثالا للإمام الزمان الغائب.
ومن هنا تتكشف لنا تفاصيل صورة المشهد الحقيقي للأزمة الإيرانية المعقدة والمتوارية تحت عمامة ولي الثورة الفقية ومرشدها الأعلى و بنادق الحرس الثوري حامي حمى ولاية الفقية السياسية التي إبتدعها ملهم الثورة وقائدها الأول الإمام الخميني ( 1900- 1989م ) كمخرج سياسي وفلسفي لحالة التيه والإرباك التي كانت تحاصر أتباع المذهب الإثنى عشري الجعفري على إمتداد قرون مضت .
فما جرى خلال الإسبوعين الماضيين في إيران لم يكن غير فعل احتجاجي متواصل منذ عقد من الزمان لأحداث مماثله قام بها شباب الجيل الثالث للثورة – القائمة على شرعية ولاية الفقية – التي يحاول هؤلاء الشباب الفكاك من ربقها الثيوقراطي الباوبوي الكهنوتي في صورة القائد الأعلى للثورة الرجل الأول في إيران وحاكمها الفعلي بنص السماء وإجتهاد نائب إمام الزمان ” لا عجل الله قدومه” كالسان حال هؤلاء الشباب التواقين إلى الحرية والإنعتاق.
فأحداث الأسابيع الماضية ما هي إلا امتداد لأحداث يوليو 1999م، التي شهدتها طهران وعدد من المدن الإيرانية الكبرى، والتي وصفت حينها بأنها الأعنف والأكبر منذ قيام الثورة، تلك المظاهرات التي خطط لها وفجرها حركة طلابية من شباب الجامعات والتي إستمرت حينها لأكثر من عشرة أيام، إنتهت بمقتل عدد من الطلاب وإعتقال العشرات منهم على يد الحرس الثوري.
إذ من المفارقات في تلك الأحداث أنها تفجرت في عهد رئيس يعد بمثابة المرشد الروحي للتيار الإصلاحي في إيران، الرئيس السابق محمد خاتمي الذي كان قد تم إنتخابه قبل سنتين من تلك الأحداث، وهو ما يفسر لنا حقيقة الأحداث الأخيرة في طهران.
و من مفارقات تلك الأحداث أيضا، أن الحركة الطلابية الشبابية التي فجرت الأحداث الأخيرة التي يحلو للبعض (إفتئاتاً) وصفها وكأنها إحتجاج على تزوير نتائج الانتخابات لصالح الرئيس المحافظ نجاد ضد خصمه الإصلاحي موسوى، مغفلين أنها قد تفجرت بدايتها في وجه رئيس إصلاحي بإمتياز، خذل هذه الحركة الطلابية حينها حينما وقف إلى جانب الحكومة في وجه مطالبهم.
ومما يعضد حقيقة ما نذهب إليه في تفسير أحداث الأزمة الأيرانية، في أنها محاولة لتوليد ثورة أخرى في وجه ثورة ملالي ولاية الفقية ومحاولة الخروج من تحت عبائتها وعمائمها، هو أن أحداث يوليو 1999م م كانت قد تفجرت مرة أخرى في الذكرى الرابعة لها في يوليو 2003م، في شكل أعمال شغب طلابية ومظاهرات قمعت بقوة وعنف بلا هوادة أو رحمة من قبل الحرس الثوري، فضلا عن أن جميعها تمت في حقبة رئيس إصلاحي.
فما جرى و يجري في إيران، هو صراع أجيال ورؤى وتوجهات متضاربة الأهداف، ومتداخلة الإتجاهات، لكن محركه الفاعل وعرابه الحقيقي، تظل هي إرادة جيل الثورة الثالث وشبابها الذين ضاقوا ذرعا بوصايا السرداب العبثية التي قيدت حريتهم وسفهت عقولهم و أفكارهم وحطمت طموحاتهم وأماني مستقبلهم الذي يحلمون به منذ ثلاثين عاما.
بل الأخطر هو أن هذه الثورة الخمينية حولت هذا الشعب الحضاري العظيم إلى مجرد أمة من الدراويش والخرافيين والدمى، طُلب منهم بل وأجبروا أن يعيشوا صراعا سياسيا دارت أحادث معاركه في القرن الهجري الأول بين يزيد بن معاوية الأموي والحسين بن على بن أبي طالب الهاشمي، وما يترتب على بعث جدلية هذا الصراع اليوم من فتح جبهات ومعارك، المسلمون في غنى عنها أصلا، لما وصلت إليه حالتهم من تخلف وتمزق لا يحسدون عليه.
فأي تفسير لما حدث إذن في إيران مؤخراً، بعيدا عن سياق تلك الأحداث المتتالية والأزمات المتفاقمة على أكثر من صعيد داخليا وخارجيا من أزمة الإقتصاد إلى أزمة العزلة الدولية التامه، المضروبة حول طهران، رغم تمدد نفوذها في المنطقة، فيه قفز فوق الكثير من الحقائق الواضحة التي لا يمكن تجاوزها.
© منبر الحرية، 27 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic19 نوفمبر، 20100

لا يفوت المراقب لشأن تنظيم القاعدة في اليمن حقيقة أن هذا التنظيم قد وجد في اليمن منذ فترة مبكرة سابقة لفترة تأسيس التنظيم بصيغته  العالمية الحالية التي  أعلن عنها  في فبراير  1998م أي قبل هذا التأريخ بأكثر من تسع سنوات إي إلى ما قبل  إعلان قيام الوحدة اليمنية، وذلك لأسباب عدة ومختلفة منها تبعية النظام الحاكم في عدن للمعسكر الروسي إيدلوجيا فضلا عن الجذور اليمنية للأسامة بن لادن الذي يعتبر اليمن أهم قاعدة إستراتيجية لهذا التنظيم.
ففي مقدمة هذه الأسباب و لا شك الأصول الحضرمية للمؤسس والممول الأول  لهذا التنظيم الشيخ أسامه بن محمد بن لادن، عدا عن الإرتباطات الإيدلوجية بين الحزب الإشتراكي اليمني الذي كان يحكم الجنوب قبل الوحدة مع المستعمر السوفيتي لأفغانستان الذي كان السبب الرئيس لنشؤ  ظاهرة الجهاد المعولم الممثل اليوم بتنظيم القاعدة.
ويعد الجهادي السوري أبو مصعب عمر عبد الحكيم صاحب كتاب ” مسؤولية أهل اليمن تجاه مقدسات المسلمين وثرواتهم ” أهم المنظرين السياسيين لتنظيم القاعدة وأهم المقربين من زعيم التنظيم الذي يكن هو الأخر رؤية خاصة تجاه اليمن ، ويعد هذا الكتاب بالنسبة للقاعدة بمثابة ” رؤيتها الجيوسياسية” تجاه اليمن، ومن هنا يتبين لنا قضية الإهتمام الزائد باليمن من قبل القاعدة.
ومن خلال قراءة أهم محاور كتاب أبي مصعب السوري التي بنا عليها استنتاجاته بأهمية اليمن بالنسبة للقاعدة، يأتي العامل الديني في مقدمة الأولويات والذي تمثل بعدد من الأحاديث والبشارات النبوية المتعلقة باليمن والتي تجعل من اليمن بمثابة المنطلق الرئيسي للجهاد فضلا عن الموقع الجغرافي الإستراتيجي لليمن وكذا العامل الديموغرافي الذي يميز اليمن بكثرة سكانها وخاصة في الفئة العمرية الشابة التي يتراوح أعمر شبابها بن الخامسة عشر والثلاثين عاما.
ومن خلال تتبع مراحل الإهتمام القاعدي باليمن يتضح لنا أنها أي المراحل تنقسم إلى ثلاث مراحل تبدأ الأولى منذ ما قبل الوحدة  ولكنها أجلت إلى فترة ما بعد تحقيق الوحدة اليمنية حتى عام 1994م الذي شهد حربا طاحنة بين الحزب الإشتراكي اليمني وحليفه في تحقيق الوحدة المؤتمر الشعبي العام.
أما الفترة الثانية فهي تمتد من عام 1994م حتى 2006م وخلال هذه المرحلة تم الإعلان عن تدشين مرحلة الجهاد العالمي تحت مسمى الجبهة العالمية لمقاتلة اليهود والصليبين في فبراير 1998م  وهي ما تعرف اليوم بالقاعدة والتي إعلن عنها من خلال إعلان إنضمام جماعة الجهاد المصرية بقيادة الدكتور المصري والرجل الثاني اليوم في القاعدة أيمن الظواهري مع مجاميع الجهاديين تحت إمرة الشيخ أسامة بن لادن الذين تم إعدادهم بعد إنتهاء الجهاد الأفغاني بإنسحاب السوفيت من أفغانستان.
المرحلة الأولي للقاعدة في اليمن
وتمتد هذه المرحلة كما اشرنا سابقا إلى ما قبل قيام الوحدة اليمنية ولكن ظرف وتحضيرات الإعلان عن قيام الوحدة بين الشطرين ساهما في تأخير مبادرة الشيخ أسامه وخطته بالسعي نحو إعلان الجهاد في الجنوب اليمني التي كان يعد لها العدة ولم يبق إلا مرحلة التنفيذ وهي التي تأجلت لا حقا إلى ما بعد إعلان قيام الوحدة.
وبحسب القيادي الجهادي والمنظر الفعلي للقاعدة السوري أو مصعب في كتابه الإلكتروني ” دعوة المقاومة الإسلامية العالمية الصادر في يناير 2004م ” فإن المشروع الجهادي للشيخ أسامة كان يقتضى إحداث حركة جهادية كبرى في جنوب اليمن وخاصة بعد ضعف وتضعضع جمهورية الرفاق الإشتراكية بعد صراعهم الدامي في يناير 1986م.
إلا أن هذه الخطة أو المشروع قد تم تأجيله بإنتظار إقناع قيادات الصحوة الإسلامية في اليمن من الإخوان والسلفيين للدخول في هذا المشروع إلا أنهم جميعا لم يصلوا إلى نتيجة في هذا الخصوص وخاصة مع الخطوات الإجرائية السريعة التي أدت إلى إعلان قيام الوحدة في مايو 1990م.
وقد مثلت فترة  ما بعد الوحدة والتي دخل فيها الإسلاميون في تجمع الإصلاح في صراع أيدلوجي مرير حول مسألة إسلامية الدستور اليمني فترة هامة بالنسبة للقاعدة التي كانت تبلور حينها فكرة كفرية الدستور وكفرية الدولة التي تعمل به ومن ثم وجوب مقاتلة هذه الدولة ورئيسها وهو ما يمكن تمييزه هنا بتحول المشروع الجهادي لدي بن لادين من إسقاط نظام عدن الماركسي إلى مشروع الإستيلاء على اليمن الموحدة كلها بفعل هذا الدافع الشرعي الذي توفر من خلال كفرية هذه الحكومة.
وقد سعى بن لادن إلى إستغلال هذه الفرصة التأريخية التي قادتها له الأقدار والظروف، حيث قدم إليه في هذه الفترة مجموعة من علماء اليمن والذين كان في مقدمتهم الشيخ المشهور في دعمه ونشاطه في الحرب الافغانية  عمر أحمد سيف والذي كان قد أضاف  إسمه إلى مجموعة أسماء المشائح الكبار من خلال كتاب أصدر حينها أثبتوا فيه بالدليل والبرهان كفرية دستور دولة الوحدة وبتالي كفرية الحكومة القائمة عليه ومن ثم شرعية الجهاد ضدها بحسب أبو مصعب السوري.
ويشير أبو مصعب السوري مصطفى ست مريم إسمه الحقيقي والذي تم إعتقاله من قبل المخابرات الباكستانية في 2005م ، يشير  قائلا أن الشيخ أسامة سعى خلال تلك الفترة أي بعد إعلان الوحدة اليمنية إلى كل مشايخ اليمن وكبار دعاتها من السلفيين وعلى رأسهم الشيخ مقبل من هادي الوادعي وكذا الإخوان وزعمائهم كا لشيخ الزنداني لتأليفهم وإستمالتهم للإلتفاف حول هذا المشروع ولكن كل هذه الجهود والأموال الطائلة التي بذلت وأنفقت  من قبل لادن في تأليف الشيوخ والقبائل اليمنية حول هذا المشروع الجهادي فشلت.
إلا أن إستراتيجية بن لادن حينها كانت قد تبلورت في إتجاه أخر يقتضي التحالف مع حزب المؤتمر الشعبي العام في صراعه المرير مع خصمه وشريكه في إعلان الوحدة وهو الحزب الإشتراكي اليمني الماركسي  والذي شهد خلال تلك الفترة عمليات تصفيات وإغتيالات واسعة طالت العديد من قياداته وأنصاره كالعقيد ماجد مرشد والوزير عبد الواسع سلام وغيرهم.
وكل هذه الإغتيالات كان يقف خلفها عناصر جهادية كانت موالية بل ومن المقربين من الشيخ أسامة بن لادن الذي كان قد دعا أنصاره فيما بعد إعلان الوحدة اليمنية وإنتهاء الحرب الإفغانية إلى التوجه إلى اليمن بعد أن تم تدريبهم وإعدادهم للحرب والجهاد في معسكرات خاصة أنشأت لهذا الهدف كمعسكر خوست في أفغانستان، وهو ما تمثل بدخول المجاميع الجهادية العائدة من أفغانستان في المعركة إلى جانب الجيش اليمني الشمالي في حرب صيف 1994م.
ويذكر أبو مصعب في مذكرات دعوة المقاومة الإسلامية العالمية أن الشيخ أسامة كان قد درب مجموعة من الشباب الجهاديين اليمنين لخوض الجهاد في اليمن من أمثال الشيخ طارق الفضلي وجمال النهدي لكن الرئيس اليمني كما يذكر أبو مصعب إستطاع إستمالتهم وكسبهم إلى صفه من خلال إعطائهم رتبا في الجيش اليمني لمن أراد السلك العسكر والوظائف المدنية فركبوا السيارات وتولوا المناصب.
ويعد أبو مهدي يسلم باراسين الذي قتل في ظروف غامضة بعد إندحار قوات الحزب الإشتراكي في معارك حضرموت صيف 1994م بمثابة  الذراع الرئيسي للشيخ أسامة بن لادن الذي حاول من خلال أبو مهدي إحداث إختراق في جنوب اليمن من خلال مده بالمال والسلاح وعمله على إنشاء معسكر للشباب في محافظة شبوة وتدريبهم وتزويدهم بالسلاح حينها.
المرحلة الثانية للقاعدة في اليمن
وتمتد هذه المرحلة من بعد حرب صيف 1994م أي من بداية 1995م وحتى عام 2006م وهي المرحلة التي تم خلالها الإعلان عن الشكل الرسمي للجهاد العالمي من خلال الإعلان عن تشكيل ما بات يعرف بالقاعدة أو قاعدة الجهاد التي تشكل كما اسلفنا في فبراير 1998م في إفغانستان تحت مسمى الجبهة العالمية لمقاتلة اليهود والصليبين.
وتعد هذه المرحلة حالة جديدة في شكل وأطر العمل الجهادي للجهاديين العائدين من أفغانستان والذين عرفوا بالإفغان العرب ومن ضمنها اليمنيون وفي هذه المرحلة نشط المشروع الجهادي في اليمن ولكنه من خلال إستراتيجية أخرى ومختلفة هذه المرة من خلال التركيز على محاربة رأس الأفعى كما يسميها  أسامة بن لادن أي أمريكا وفي هذه المرحلة كان يقتضي الجهاد ضد الأمريكان عدم الإنجرار في مواجهات مع عملاء الأمريكان وهم من ثقصد بهم  الحكومات العربية.
ويذكر أبو مصعب السوري أن في هذه المرحلة كان قد إشتد الصراع ضد الجهاديين من قبل الحكومة اليمنية التي بادرت فيما بعد حرب صيف 1994م إلى إعتقال العديد من الجهاديين الذين شاركوا الجيش اليمني في معاركة ضد الإشتراكيين إلا أن الرئيس اليمني أضطر إلى إطلاق سراحهم بعد أن تلقى رسالة تهديد شخصية من قبل أسامة بن لادن تذكره أن معركة القاعدة – التي لم تكن قد عرفت بهذا الإسم حينها – ليست مع الحكومة اليمنية وأنه بإمكانها أن تجعلها كذلك.
ويعد أبو الحسن المحضار مؤسس ما عرف بجيش عدن أبين الإسلامي أواخر عام 1997م أبرز رجال المرحلة الثانية للقاعدة في اليمن حيث سعى هذا الرجل الذي يقال أنه لم يتلقي قط بأسامة بن لادين إلا من خلال إتصال هاتفي سجل له مع بن لا دن.
وقد سعى أبو الحسن زين العابدين المحضار إلى تكوين جيش عدن أبين بتجنيد الشباب وتدريبهم على مختلف أنواع السلاح في منطقة المراقشة محافظتي شبوة وأبين حيث إنضم إليه في هذا المعسكر أكثر من مئتي شاب وبدأو أول عملياتهم بإختطاف 16 سائحا غربيا إلى منطقة المراقشة مطالبا الحكومة بإطلاق سراح عدد من الجهاديين المحتجزين لدى السلطة مقابل إطلاق سراح هؤلاء السياح.
الإ أن الحكومة لم تخضع له وأصرت على إطلاق سراحهم بالقوة وهو ما أدى إلى الإشتباك الذي خلف وراءه مقتل أربعة من السياح البريطانيين وإطلاق الباقين فيما تم إعتقال أبو الحسن المحضار الذي قدم للمحاكمة بعدها وتم إعدامه لا حقا عام 1999م.
وبعد إعدام أبو الحسن تم تعزيته بمناسبة إحتفائية في أفغانستان من قبل أسامة بن لا دن الذي لم يتلق مع أبي الحسن ولكنه اشاد به وبأعماله الجهادية حينها في اليمن وتم الإنتقام لأبي الحسن من خلال تدمير المدمرة الأمريكية يو إس إس كول قبالة سواحل عدن في أكتوبر 2000م.
وبإعدام أبو الحسن يكون العمل الجهادي في اليمن قد دخل مرحلة أخرى تماما تمثلت بنفيذ عمليات جهادية كبرى كاعملية المدمرة كول ولا مبرج الفرنسية بل إشتداد المواجهة مع الحكومة إلى ذروتها وخاصة مع العملية الكبرى للتنظيم الدولي للقاعدة المتمثلة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م التي أدت إلى دخول اليمن شريكا فاعلا في محاربة الإرهاب مع الولايات المتحدة الأميريكية.
إذ كان مرتب على إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر أن ينتقل بن لادن من أفغانستان إلى اليمن وبدأ هذا الترتيب من خلال دعوة بن لادن للمجاهدين العرب بالتوجه إلى اليمن للإستعداد للمرحلة القادمة من المواجهة من الأمريكان وحلفائهم ولكن بن لادن تأخر عن القدوم إلي اليمن حتى اليوم ليسبقه إليها  الكثير من أنصاره وأعضاء تنظيمه.
ومع إشتداد الصراع بين القاعدة وخصومها الذين غدا النظام اليمني أبرزهم في هذه المرحلة، بدأت أبروز الموجهات بمقتل أبو علي الحارثي الذي عرف حينها كالزعيم  الأول للقاعدة في اليمن والذي تم التخلص منه من قبل طائرة أمريكية قيل أنها بدون طيار في نوفمبر 2002م في صحراء مأرب وهي العملية التي ردت عليها القاعدة بإستهداف ناقلة النفط الفرنسية لامبرج .
لكن الملاحظ أن بعد عملية مقتل أبو علي الحارثي ، تمت  بعدها  العديد من العمليات الناجحه ضد أعضاء القاعدة من خلال إلقاء القبض عليهم واحد بعد الأخر كأبي عاصم الأهدل المسؤل المالي للتنظيم الذي إعتقل بعد ذلك في العاصمة صنعاء.
المرحلة الثالثه للقاعدة في اليمن
وهي المرحلة التي لا زالت مستمرة حتى الآن والتي بدأت من خلال عملية الفرار الكبرى من سجن الأمن السياسي في العاصمة صنعاء في فبراير 2006م لعدد من أعضاء القاعدة من خلال عملية الحفر للنفق الذي قيل حينها أنهم فروا من خلاله.
ويشير بعض المراقبين أن هذه العملية قد تمت بعد أن تمكن هؤلاء الشباب من إعادة هيكلة التنظيم وتشكيل قيادة جديدة له في خلال مدة بقائهم في السجن حيث أن هؤلاء الفارين بدءوا بتأسيس مرحلة جديدة من عمل التنظيم من خلال التدريب والتنظيم للأعضاء الجدد أو العائدين من جبهات المعارك في العراق والصومال وغيرهما من المناطق التي تتواجد فيها القاعدة.
وخلال هذه الفترة نشط التنظيم ووسع من عملياته التي بدأت تستهدف هذه المرة أهداف عسكرية يمنية ولم تقتصر على إستهداف المصالح الأجنبية فحسب بل تم ضرب حقول النفط ومعسكرات الأمن في مأرب وحضرموت وتنفيذ عدد من العمليات ضد السفارة الأمريكية ومجمع سكاني للخبراء والمهندسين الأجانب في العاصمة صنعاء.
ورغم كل هذا النجاح من قبل التنظيم في إستعادة ترتيب أوراقه إلا أن السلطات اليمنية استطاعت أن تلقي القبض على عدد منهم وقتلت قائدهم المدبر لعلمية الخروج الكبيرة من سجن الأمن وهو فواز الربيعي فضلا عن ملاحقة عدد منهم وتسليم عدد منهم أيضا لأنفسهم إلى الأجهزة الأمنية.
ألا أن أبرز نشاطات التنظيم في هذه المرحلة هي ما تم الإعلان عنه مطلع العام 2009م عن تشكيل قيادة إقليمية جديدة للتنظيم تحت مسمى ” تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ” تحت قيادة الشاب أبو بصير ناصر الوحيشي 30 عاما و  الذي ينتمي إلى محافظة أبين.
ومن خلال تتبع تطورات الأحداث بالنسبة للقاعدة في اليمن يلاحظ أنها تأخذ مسارا مختلفا ومتداخلا  ومتماهيا مع محيطها السياسي والاجتماعي الذي يأخذ  طابعا محافظا  يلتقي مع كثيرا  مما تطرحه القاعدة من أفكار راديكالية تستثير حماسة الشباب المدفوعين بالفراغ والبطالة والفقر الذي يسهل مهمة التجنيد عند القاعدة كثيرا أفضل من أي بيئة اجتماعية أخرى ، فضلا عن حالة انسداد أفق التغيير السياسي الذي يحطم طموحات وأمال هؤلاء الشباب بمستقبل أكثر استقرارا وازدهارا.
© منبر الحرية، 16 سبتمبر/أيلول 2009

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018