وسف بطرس غالي

peshwazarabic9 نوفمبر، 20100

معهد كيتو، واشنطن
الخميس، 12 نيسان، 2007
12:00 مساءً

الدكتور يوسف بطرس غالي، وزير المالية، مصر

تمهيد مقدم من قبل إيان فاسكيز

مرحبا بكم في معهد كيتو.

أنا المدعو إيان فاسكيز أقوم بإدارة مركزنا فيما يخص حرية وازدهار العالم من هنا في المعهد.

لقد كانت مصر منذ مدة طويلة تتمتع بعلاقة خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية وكانت تلعب دورا قياديا في الشرق الأوسط. ولهذا، عندما شرعت هذه الدولة (أي مصر) بإدخال بعض الأشكال من إصلاحات التحرير الاقتصادي، قام الكثيرون منا بالترحيب بتلك الإصلاحات لكونها دلالة إيجابية وخصوصا في منطقة متعثرة ومتخلفة من ناحية أي إصلاح اقتصادي يتم القيام به فيها. وإننا في معهد كيتو، حسبما يعرف البعض منكم، كنا قد نشرنا مع معهد فريزر الكندي ذلك التقرير الذي يحمل عنوان “الحرية الاقتصادية في العالم” والذي بموجبه احتلت مصر المرتبة الثمانين من بين الدول المائة والثلاثين في مجال الحرية الاقتصادية.

وإنه لمن دواعي سروري، وبشكل عفوي، أن أعلن عن أننا، بسبب العمل والجهد الذي بذله زميلاي توم بالمر وفادي حدادين، قمنا أيضا بنشر تقرير “الحرية الاقتصادية في العالم” باللغة العربية وقمنا بتوزيع ذلك التقرير في جميع أنحاء المنطقة. وطبعا، يقوم التقرير بإظهار العلاقة التجريبية المتينة جدا القائمة بين الحرية الاقتصادية ونمو الازدهار، وهي انه كلما كانت الدولة حرة بشكل أكبر من الناحية الاقتصادية كلما شهدت ازدهارا أكبر. إلا أن تقريرنا الأخير قد أظهر بان استخدام البيانات قد جرى لغاية العام 2004 وقد توقف عند ذلك العام.

وفي تلك السنة كان قد تولى المتحدث الذي سوف يتحدث إلينا هذا اليوم وزارة المالية في مصر ألا وهو يوسف بطرس غالي الذي أصبح وزيرا للمالية وتولى جزءا سابقا مما سماه هو باسم “الكتلة الحرجة” للإصلاحيين داخل الحكومة المصرية. ولقد كان حوالي ذلك الزمن عندما شرعت الحكومة المصرية بالبدء في دفع بعض الإصلاحات الجوهرية إلى الأمام بما في ذلك تعويم الجنيه المصري وخفض شديد في الضرائب المفروضة على الشركات والأشخاص بنسبة 50% وإجراء إصلاحات جمركية وأشياء أخرى أيضا. ومنذ ذلك الوقت، انتعش النمو الاقتصادي في مصر مرتفعا بنسبة وصلت إلى ما يقارب نسبة 5 في المائة أو نحوها، ثم إلى نسبة وصلت في الوقت الحالي إلى 7%.

أما في أيامنا هذه، فإننا سوف نسمع عن أشياء أكثر من ذلك حول إنجاز الإصلاحات في مصر وعن الأجندة المتبقية في هذا الصدد. كما أننا أيضا سوف نسمع عن مقدار ذلك النمو الاقتصادي الجاري الذي يمكن أن ينسب إلى الإصلاحات التي تمت مسبقا. ويشير يوسف بطرس غالي إلى أن هناك عناصر مكونة أخرى تعتبر ضرورية إذا كان على الإصلاحات الاقتصادية أن تحقق النجاح، وهي تشتمل على وجود صحافة حرة وعلى تحديدات يتم فرضها على السلطة. وكما ورد في كلماته، فان تحرير الاقتصاد سوف ينتقل بشكل حتمي إلى الدائرة السياسية، وإنني على ثقة بأننا كلنا مهتمون كي نسمع عن نشوء وتطور يتم في طبيعة المجتمع المصري وكيف أن بعض التغييرات قد أصبحت حقيقة بشكل دقيق بسبب العولمة.

وحسبما قمت بذكره آنفا، الدكتور يوسف بطرس غالي هو وزير المالية، وهو المنصب الذي تولاه منذ العام 2004 في الحكومة المصرية. ولكنه منذ وقت طويل قبل ذلك كان منهمكا في مراكز عليا في تلك الحكومة وهي مناصب لها تأثير على السياسة الاقتصادية. فقد كان وزيرا للتجارة الخارجية ووزيرا للاقتصاد وكان مستشارا اقتصاديا لرئيس الوزراء وكان محافظا للبنك المركزي المصري وكان كبيرا للاقتصاديين في صندوق النقد الدولي. كما انه يحمل درجة الدكتوراه في علم الاقتصاد من جامعة الـ(إم آي تي). وإنه لمن دواعي سروري أن أرحب بالدكتور يوسف بطرس غالي.

كلمة الدكتور يوسف بطرس غالي

سيداتي سادتي طاب مساؤكم.

إنه لشرف كبير لي أن تتم دعوتي لأتحدث أمام هذه المؤسسة المرموقة، ففي الوقت الذي كان يتم به تقديمي، تمت طمأنتي بأنه قد تم توفير كافة عناصر السلامة للتحدث علنا أمام الجمهور، وبالتحديد من ناحية جلوس الضيوف وعن وجود مسافة تبلغ المترين كحد أدنى تفصل بين هؤلاء الضيوف والمتحدثين وعن وجود مخرج سهل متوفر في حال عدم ميلهم وتأييدهم إلى ما سوف نقوله! ولكن، عند الأخذ بعين الاعتبار الجزء الأساسي من الفكر الذي تناصرونه أنتم وعند الأخذ بعين الاعتبار بوجهات نظر مثل هذه المؤسسة وكذلك، بشكل احتمالي، بوجهات نظر الحضور، فانني اعتقد بأنكم سوف تميلون وتؤيدون إلى ما سوف تسمعونه.

فقصة مصر الحديثة هي قصة بدأت منذ أواخر أعوام الثمانينات من القرن الماضي. فمصر كانت “دولة صناعية” وعلى وجه التحديد منذ أوائل 1800 ولغاية 1805، إلا أن وصولها إلى العصر الحديث المقرون بالفكر الحديث وبالرؤية التي تناصر كافة التغييرات التي طرأت على الفكر الاقتصادي كان قد تم في أواخر القرن العشرين، أي في أواخر الثمانينات من القرن العشرين عندما عملت أزمات ميزان المدفوعات على إجبارنا على أن ننظر ونلتفت إلى الطريقة التي يتم بها تسيير نظامنا الاقتصادي وأن ننظر ونلتفت إلى التوازنات الكلية وأن ننظر ونلتفت إلى الطريقة التي نقوم بها بإدارة الاقتصاد لدينا.

ولقد كان اقتصادنا وعلى مدى زمن طويل مغطى بقناع الحروب. ولغاية العام 1981 كان اقتصادنا اقتصاد حرب. وفي العام 1979 حيث تم توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” كان من الصعب أن يتم التركيز على أي شيء آخر غير اقتصاد الحرب. وبعد ذلك، ولكي يتم الخروج من وضعية اقتصاد الحرب، كان من المهم أن نقوم بالاستثمار في البنية التحتية التي كانت قد تهدمت ودمرت بالكامل بفعل سنوات من الحروب المستمرة التي امتدت إلى ما بين 30 إلى 40 عاما.

وبالنسبة للولايات المتحدة فقد قامت بلعب دور حاسم لم يتم إعطاؤه التقدير الذي يستحقه سواء في مصر أو هنا في الولايات المتحدة بخصوص مدى أهمية هذا الدور. فلم ينل هذا الدور ذلك الإعجاب الذي يستحقه في مصر بسبب ما يعلمه الجميع هنا، حيث أشاهد الكثير من الوجوه التي تحمل آثارا انتخابية متروكة على هذه الوجوه، ولكن، كما تعلمون فان جمهور العامة هو جمهور متقلب، يميل إلى النسيان بسرعة وبشكل خاص إذا كانت كل “الآثار” قد أضحت مدفونة تحت سطح الأرض. وعلى مدى سنوات طويلة، تم تمويل أنظمة معالجة المياه والصرف الصحي وشبكة الكهرباء لدينا، كل ذلك قد تم تمويله من قبل المساعدات الأمريكية، لكننا، إلى حد ما، لا نراها. وفي نهاية أعوام الثمانينات من القرن الماضي بدأت عملية الإصلاح.

وكما تم ذكره منذ دقائـق قليلة مضت، لم يكن لدينا وعلى مدى طويل من الزمن تلك الكتلة الحرجة من الاصلاحيين ليتم إنجاز ذلك الإصلاح بنجاح رغم المصاعب الموجودة. وقد قمنا فعلا بتحقيق مقدار كبير وجوهري من التغييرات، إلا أن تلك التغييرات لم تكن من ذلك النوع الذي يضمن لك حدوث “تفاعل نووي” وبأنه سوف يكون مخلدا بطريقة ذاتية.

وفي العام 1993 قمت بالانضمام إلى الحكومة المصرية وكنت على مدى زمن طويل الاصلاحي الوحيد في هذا النظام وكنت في بعض الأوقات مقبولا كمصدر من مصادر الأفكار “المسلية” وصاحب الاستطرادات المثيرة، وفي أحيان كثيرة ذلك المنحرف عن الموضوع بطريقة مثيرة، وإن لم يتم أخذ ذلك على محمل الجد! وفي مرات كثيرة جدا كانت الحكومة قد تبنت نصائحي وكان هناك أشياء جيدة قد حدثت. ولغاية العام 2004، عندما انتهى المطاف بالكثيرين من الاصلاحيين منا إلى الدخول في الحكومة، لم يكن قد تم تثبيت السببية التي تبين علاقة كل طرف بالآخر.

أما في الوقت الحالي، هناك الكثيرون الذين قد يسألون لماذا لم تحدث مثل تلك الأشياء قبل ذلك التاريخ. والسبب في عدم حدوث ذلك من قبل هو انه لم يكن بمقدورها أن تحدث، بما أن عملية النضوج وعملية تثبيت هذه الكتلة الحرجة من الاصلاحيين هما عملية طويلة المدى وتستغرق زمنا طويلا. فالأمر ليس مجرد أن تنهض من فراشك في أحد الأيام وبأن تقول “اسمحوا لنا بأن نضع عشرة اصلاحيين في الحكومة وبان ننظر ونرى ماذا سيحدث بعد ذلك.” يجب أن تنبت العملية من الأرض صعودا باتجاه الأعلى. وإن كان من الصحيح أن يقوم رئيس الجمهورية بتعيين رئيس الوزراء وان يقوم رئيس الوزراء بتعيين الوزراء، إلا أن عليه أن يشعر بالراحة والاطمئنان إلى أن الأساس الموجود في الاقتصاد، والتفكير في الاتجاه العقلاني في دولتنا، سوف يدعم مثل ذلك التغيير. وهذا ما حدث فعلا في العام 2004. فلم يعد يتم اعتباري بأن أكون الإصلاحي الوحيد في الدولة. وقد تعودت على أن يتم اعتباري “اليميني المتطرف” في الحكومة وإنني في الوقت الحالي أجد، وبطريقة مريحة، أن هناك أناساً وهم الذين يقفون إلى جانب يمينيتي يريدون أن يتم عمل الأشياء بشكل أسرع ويريدون أن يتم عمل الأشياء بشكل اعمق! وهم على علم بان ذلك سوف لن يحدث بالشكل السريع وبالشكل العميق حسبما يريدون هم منذ أن تبدأ الوهلة الأولى. ولكني سوف أدعهم يرتكبون أخطاءهم الشخصية وسيكون من الممتع أن تتم مشاهدتهم وهم يجربون ذلك فيما يخص الذهاب إلى اتجاه كنت في يوم ما قد دفعت باتجاهه ولمدى زمن طويل وأن لدي الرغبة في أن يمضوا قدما بشكل ابعد مما أظن بأنهم يستطيعون الذهاب إليه. وقد أكون أيضا مخطئا بشكل واضح، وبأنهم يستطيعون فعلا المضي قدما ابعد مما اعتقد بأنهم يستطيعون الذهاب إليه.

في الوقت الحالي، قمنا بتحقيق هذه الكتلة الحرجة. وقد أصبح لدينا نظام ذاتي الديمومة بالنسبة للإصلاحات. وإنني إذا نظرت إلى الموقع الذي نقف نحن عليه في الوقت الحالي فسوف يكون لدي اقتصاد ينمو بنسبة 7.1 % في النصف الأول من هذه السنة المالية [2007] التي ستبدأ في اليوم الأول من شهر تموز. وإننا نتطلع إلى نسبة 7% بخصوص الفترة المتبقية من هذا العام. وكان نمو اقتصادنا قد بلغ في السنوات الأربع الماضية بنسبة 3.5%، ثم انتقلنا من 3% إلى ما يقارب نسبة 4% ثم إلى نسبة تقارب 5% ثم إلى نسبة 6.8% في السنة الماضية، ونأمل أن تكون هذه السنة بنسبة 7%. ولم يعد النمو الاقتصادي ناجما عن مصدر وحيد منفرد؛ فالنمو ينجم عن تلك الاستثمارات المتزايدة وعن الاستهلاك المحلي المتزايد، وعن الصادرات المتزايدة وعن الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتصاعدة.

وبالنسبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة، فسوف اقدم لكم مثالا، ولن أقوم بالفيض عليكم بالأرقام الإحصائية، وهو أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة كانت قد وصلت منذ أربع سنوات إلى 452 مليون دولار. أما في الوقت الحالي فقد بلغت في النصف الأول من هذه السنة المالية 7.1 مليار دولار، أي أن هناك شيءً ما قد حدث. فعندما يشعر المستثمرون بالأمان بما يكفي لأن يقوموا بوضع مبلغ يصل إلى 7 مليارات دولار في مصر، فإن ذلك يدل على أن هناك شيءً ما يجب أن يكون قد تحقق، وأن هناك شيءً كبيرا يجب أن يكون قد حدث. وسوف أخبركم في الدقائق القليلة القادمة ماذا حدث بالضبط. فقد سبق وأن ذكرت ذلك من قبل لمرة واحدة أو لمرتين عما يقوم المستثمرون باكتشافه، وهو الذي يحدث في مصر. وبما أنني أقوم بالتركيز بشكل رئيسي على السياسة الاقتصادية إلا أن هناك أشياء هامة جدا، وبمستوى مساو، تحدث في الجانب السياسي. ولكننا لم نكن جيدين جدا في الترويج لذلك، ولم نكن جيدين جدا في عرض وإبراز ما نقوم بعمله على كلا المستويين، الاقتصادي والسياسي، وبناء على ذلك، لم تكن الصحافة التي لدينا داعمة لذلك تماما. ويشكل ذلك خطئا، إلا أنه أمر سنقوم بالإثبات على كونه خطأ. وبالنسبة لميزان المدفوعات، فإن صادراتنا تنمو بنسبة تتراوح ما بين 30% إلى 40%، وأنها قد نمت في النصف الأول من هذه السنة المالية بنسبة 46%، وأنا أتحدث عن الصادرات غير النفطية، وان الحساب الجاري هو في وضع فائض.

الآن، وبالنسبة للخبراء الاقتصاديين من بين الحضور، فان وجود حساب جارٍ فائض لدى دولة نامية كمصر يعتبر أمرا غير جيد، فهو يعني أننا نقوم بالإقراض إلى بقية دول العالم. ونحن لم نصل لغاية الآن إلى هذه الدرجة من الغنى. فنحن نحاول أن ندفع الاقتصاد قدما وإننا نأمل أنه عندما نصل بالمعدلات الإجمالية إلى نسبة 8% أو 9% فسوف نكون قادرين على أن يكون لدينا عجز حساب جارٍ، وهذا ما يجب أن يكون لدينا. ويجب علينا أن نكون مقترضين من باقي دول العالم لتمويل نمو اكبر ولتطلعات اعظم وأن لا نكون مقرضين لباقي أوروبا، ولكن لغاية الآن نحن غير قادرين على دفع الاقتصاد قدما بالشكل الأسرع كي يتم استيعاب ذلك الفائض. وطبعا، كان ميزان المدفوعات أيضا فائضا وإننا عملنا على تراكم احتياطيات وصلت إلى ما يزيد عن 32 مليار أو 34 مليار دولار. ومنذ أربع سنوات مضت، توقفت تلك الاحتياطيات عند مبلغ 7 مليارات دولار وان تلك المليارات السبعة لم تكن في افضل الحالات أموالا سائلة تماما. أما في الوقت الحالي، فيوجد لدى سعر الصرف لدينا بيان حسابي والذي يشير إلى تدفق رأس مال ضخم إلى الداخل، مبرزا بذلك كافة مشاكل النجاح الذي تحقق أولا. وهناك نسبة تبلغ 22% من أوراق الديون الحكومية التي يتم إصدارها كل أسبوع مملوكة لأجانب يقومون بالدفع بالدولارات لامتلاك أوراق ديون حكومية مصرية بآجال استحقاق تمتد ما بين 3 أشهر و10 سنوات. وإننا في حقيقة الأمر على وشك أن نقوم بإصدار سندات حكومية مصرية بفئة الجنيهات المصرية يتم طرحها في الأسواق العالمية، وان الاستطلاعات التي تمت لدينا قد أظهرت بان تلك الأسواق سوف تكون مهتمة بشكل كبير جدا في مثل تلك السندات. كما أن الموازنة القومية لا تزال تقوم أيضا بإبراز ظهور أعراض تأجيلية بمدد تتراوح بين أربع أو خمس سنوات قبل العام 2004 يتم بموجبها تأجيل ظهور سنوات ركود تمتد ما بين أربع إلى خمس سنوات. وقد كان عندي عجز في الموازنة والذي ما يزال عجزا ضخما. وهناك نسبة الديون إلى الناتج المحلي الاجمالي، والتي لا تبعث على القلق، سوف تكون بحاجة إلى مراقبة، وان هناك إجراءات يجب اتخاذها إذا أردنا أن لا نتعرض للمشاكل على المدى المتوسط. وفي الوقت الحالي، فان نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الاجمالي هي في أدنى مستوى لها منذ أعوام الستينيات من القرن الماضي، عندما كان قد تحقق القيام بكافة أنواع الضم والدمج المناسبة.

كل ما انتم بحاجة إليه، هو أن تعرفوا طريقكم من خلال المؤسسات المصرية كي تكونوا قادرين على الحصول على العمليات الحسابية بالطريقة الصحيحة. وبشكل يماثل الكثير من الأمور التي تجري في الشرق الأوسط، فان الأشياء لا تبدو على الإطلاق كما هي عليه حالها في الوهلة الأولى. وهذا ينطبق على المؤسسات الاقتصادية في مصر. فهناك الكثير من الأمور التي تبدو وكأنها مستقلة، إلا أنها كلها تكون في حقيقة الأمر موحدة ومدمجة مع الموازنة القومية، عند قيامكم بالدمج السليم، بحيث يكون الناتج المحلي الاجمالي في أدنى مستوى له كما في أعوام الستينيات من القرن الماضي، وهو يعتبر أمرا صحيحا يتطلب منا أن نكون عنده بالنسبة لمستوى تنمية دولة كدولة كمصر. ولكن عجز الموازنة لا يزال مرتفعا بعض الشيء.

وبسبب الإيرادات أو المقبوضات غير الاعتيادية، قمنا هذا العام ببيع رخصة ثالثة لهاتف محمول من المتوقع أن يجني من 700 إلى 800 مليون دولار، وقد تم بيع الرخصة بمبلغ 3 مليارات دولار. وهذا عبارة عن إيراد مفاجئ غير متوقع سيعمل بطريقة تآلفية على خفض عجز الموازنة لهذا العام، وإننا نتوقع أن يكون بنسبة تقارب خمسة ونصف في المائة من الناتج المحلي الاجمالي، وهو رقم لا يعتبر بعيدا جدا عن عجز موازنة الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة للناتج المحلي الاجمالي منذ عام مضى أو منذ عام ونصف. وسوف يكون من غير المرجح أن نكون بعيدين جدا عن العجز الذي جرى هنا (في الولايات المتحدة) قبل عامين من الآن. ومع ذلك، سنقوم في السنة القادمة بالتمسك قدر الإمكان—وبشكل وثيق—بذلك العجز غير المتوقع، وهو على سبيل الذكر نسبة تتراوح ما بين 5.5 % إلى 6 % سوف تترجم إلى زيادة تصل فقط إلى 6.5 % في السنة المقبلة، هابطة من النسبة البالغة 10 % منذ عامين مضيا. وهذا يعني بان التغييرات الهيكلية التي قمنا بترسيخها في الاقتصاد قد بدأت تأتي ثمارها. وكانت الإصلاحات التي تمت في مصر شيئا كبيرا بحيث غطت تأليل الموازنة (أي بوضع آلية لها). وقد نأخذ هذه الأمور مع التسليم بصحتها في دول تعتبر اكثر تطورا. فعملية تأليل المدفوعات وتثبيت حسابات الخزانة (أي وزارة المالية) في البنك المركزي بغرض جمع كافة أموال جميع المؤسسات تعتمد على الخزانة بالنسبة لتمويلها، وكان ذلك قد أسهم بنقاط ذات نسبة سليمة بدون كسور بلغت 6 في المائة في الناتج المحلي الاجمالي من أموال كانت مبعثرة في كل مكان في الجهاز المصرفي وكانت في الحقيقة مملوكة للخزانة القومية. وقد قمنا بجلب هذه الأموال إلى البنك المركزي وقمنا باستخدامها للتخلص من المديونية المحلية، منتظرين أن يتم الاستفادة منها، وهي ممارسة معيارية تتم في الدول الأكثر تطورا تعمل على زيادة الوضوح والشفافية في تصنيف الموازنة.

ولغاية عامين مضيا، كان لدينا تصنيف عثماني للموازنة، والذي قد يكون واضحا وشفافا بالنسبة لمنجم تركي من مناجم أواخر القرن التاسع عشر، إلا أنه في الوقت الحالي سوف يبدو وكأنه قد أضاع الوصايا الأساسية الخاصة بالشفافية وبتسهيل الوصول إليها… إلخ. وقد ذهبنا إلى تصنيف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وهو تصنيف عالمي تم تبنيه هنا في الولايات المتحدة الأمريكية وفي كل دولة أخرى. وقمنا بإجراء التغيير، كما ذُكر قبل دقيقة مضت، بحيث أجرينا تغييرا على ضريبة الدخل وقمنا بخفضها بمقدار النصف من 42 إلى 20%، وقمنا أيضا بالتخلص من كافة فترات الإعفاء الضريبي والإعفاءات الضريبية وأي إعفاء ضريبي آخر لأي شيء مهما كان. فكل من يشتغل ويعمل يجب عليه أن يدفع ضريبة. وكل من يحقق ويكسب مالا يجب عليه أن يدفع ضريبة. وكل من لا يحقق مالا فسوف يحصل على خصومات ضريبية مجزية في سبيل ترحيل خسائره… إلخ، ولكن يجب على كل فرد أن يقوم بدفع ضريبة. وقد اصبح نظامنا الضريبي في الوقت الحالي بسيطا، والذي كان تقريبا في السابق معقدا كتعقيد نظامكم! وأصبحت أشكال الضرائب اكثر بساطة وأصبحت العلاقة مع المكلفين بدفع الضرائب اكثر بساطة وقمنا بتغيير فلسفتنا حسبما سأقوم بإيجازه في الدقيقة القادمة. كما قمنا بتغيير الفلسفة القائمة بين المكلف بدفع الضريبة والخزانة. ويعتبر ما تم ذكره آنفا صحيحا بالنسبة إلى الجمارك. فقد اعتدنا على أن نتفاخر ونتباهى بان لدينا نظاما جمركيا هو الأكثر تعقيدا وغموضا في العالم! فهناك 27 شريحة جمركية وهناك 13.000 تصنيف جمركي. ومعظم الدول، بما في ذلك دولتكم لديها ما يقارب 6.000 إلى 7.000  تصنيف جمركي. وقد كان لدينا نظام تصنيف في منتهى الدقة اعتاد على أن يفقد الكثير من الموردين والمصدرين واعتاد على أن يكون أرضية تصلح لإنبات الفساد والغموض. ولقد ولى هذا كله وانتهى تماما وقد تخلصنا منه. وقمنا بخفض متوسط معدل الضريبة لدينا من متوسط يبلغ نسبة 14.9% في المقام الأول في شهر أيلول 2004 إلى متوسط معدل ضريبة بنسبة تبلغ 8.9%، وهو خفض بنسبة 40%، وقمنا بعد كذلك بخفض آخر على متوسط معدل الضريبة لدينا منذ 8 أشهر مضت من متوسط 8.9% إلى متوسط بنسبة 6.9%، وهو خفض بنسبة 25%. وإنني أتصور بأن هناك خفضا آخر سوف يتم في الأشهر العديدة القادمة التي قد تتراوح ما بين 12 إلى 18 شهرا وهو خفض يتم للمرة الأخرى لضمان ترسيخ انفتاح الاقتصاد المصري بشكل أبدي مقابل بقية دول العالم. ونحن نقوم بإصلاح الإعانات التي تتم في مجال الطاقة وبإصلاح النظام التقاعدي لدينا من خلال إصدار قانون تقاعد جديد. وسيكون ذلك مرة أخرى مستندا إلى المبدأ العصري الكامل الخاص بإدارة التقاعد وتشريعه. وسوف لن يكون هناك شيء غير اعتيادي في هذا الشأن، إلا أن في دولة كمصر سوف يكون ذلك غير اعتيادي نظرا لأنه سيعمل على ترسيخ حلقة واضحة وشفافة تربط بين قدرة المتقاعد على الادخار أثناء حياته الفعالة والنشطة ومكافأته التقاعدية، وهو مفهوم كان قد فقد صلاحيته في المجتمع المصري في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين.

والآن، ما هي المبادئ التي ستهيمن وستحكم كل ما تم ذكره؟ إنني على ثقة بأنكم قد نسيتم معظم الأرقام الإحصائية التي أبلغتكم بها قبل أن تغادروا هذا المكان! وإنني بحاجة إلى أن أترككم بحيث يكون لديكم تلك الأفكار التي تحكم وتهيمن على كل هذا والتي هي عبارة عن الجوهر الذي يعمل على دفعنا صباح كل يوم. وبشكل مخالف للقانون العام الشعبي، لا تقوم الأرقام الإحصائية بدفع معظم الاقتصاديين صباح كل يوم، بل يتوفر لديهم مفهوم معين، وهو عبارة عن فكرة يتمسكون بها ويقومون باتباعها ويتأكدون من قابليتها للتطبيق في كل مكان يذهبون إليه. ويوجد لدينا أربعة مبادئ هي التي تحكم العمل الاقتصادي والسياسة الاقتصادية في مصر هذه الأيام، وهي التي تقوم من الناحية الأساسية بإدارة التناقضات.

أولا، علينا أن نقوم بتوطيد وتثبيت عملية يتم بواسطتها إدارة التناقضات بغرض تحسين حاكمية نظامنا الذي يتطلب منا أن نوضح ما هي التناقضات، والتي تعتبر تناقضات بناءة وإيجابية بالنسبة لحياة اقتصادنا، وكيفية إدارتها من قبلنا. وثانيا، أن نحاول أن نبني نظاما للتوترات. وفي الوقت الحالي، قد يبدو كل هذا وكأنه غير اعتيادي وإنني قمت بصياغته وفق هذا الشكل في سبيل تذكره وعدم نسيانه من قبلكم وستكون هناك طريقة لكل ما سنقوم بعمله وتنفيذه بحيث تتجه إلى هذا النحو. وبناء على ذلك، سيكون علينا أن نحاول أن ننجز ذلك بطريقة قاطعة غير قابلة للتراجع. وهناك مبدأ الـ”أومليت” (أو عجة البيض): يجب عليك أن تتأكد من إدخال جميع البيض في خلطة “العجة” وإننا في حال حصولنا على تلك “العجة” فانك سوف تكون قد فقدت البيض كله ولن يكون بمقدورك أن تسترجع ذلك البيض. وهذا هو جوهر أي إصلاح يتم تنفيذه وهو جوهر الإصلاحات الأكثر نجاحا. وهناك أيضا مبدأ الاستدامة، حيث يوجد ارتباط بشكل واضح يربط فيما بينهما، حيث انه كلما كان لديك “عجات” اكثر في مجالات مختلفة في الاقتصاد كلما كان النظام اكثر استدامة. وبناء عليه، ستكون الحاكمية في الوقت الحالي مستندة إلى ثلاثة مبادئ أساسية هي: (1) أننا بحاجة إلى الحفاظ على النظام، وأننا بحاجة إلى توطيد وترسيخ عملية يتم بموجبها ضمان ذلك النظام، وأنا أتحدث عن النظام وفق مفهوم نظام الشرطة فقط حيث لا توجد هناك أعمال شغب ولا جرائم ولا قتل ولا سرقات… إلخ، وهو عنصر أساسي للحاكمية الرشيدة. ولكن بالنسبة لنظام وفق المفهوم الأوسع، وهو نظام وفق المفهوم الاقتصادي، فسوف يكون لديك آليات خاصة بتسوية المنازعات وآليات خاصة بتطبيق العقود وهي أشياء تسلمون بصحتها هنا، وهي أشياء تسلم الدول الأكثر تطورا بصحتها، ولكنها تعتبر أشياء أساسية بالنسبة لدولة مثل مصر لكي تكون قادرة على الازدهار بشكل دائم ومتواصل وقادرة على الازدهار وفق أسلوب قابل للاستدامة. ويجب أن يكون ذلك النظام وفق مفهوم يتمتع بتسجيل للملكية. وقد قمنا منذ فترة قصيرة بإصلاح قانون تسجيل الملكية، فقد كان تسجيل الملكية في السنوات العشرة أو العشرين أو الثلاثين الماضية يستخدم كوسيلة لفرض الضرائب. وكان من المعتاد أن تصل رسوم تسجيل الملكية لغاية 12% من قيمتها. أما النتيجة التي نجمت عن ذلك فهي عدم قيام أي فرد بتسجيل ملكية، وأن نقل الملكية والتفاعلات المتعددة—بالاضافة إلى تسوية المنازعات—التي تدور حوله قد أصبحت أمورا أكثر تعقيدا، وأن نظام تسجيل الملكية وفق المفهوم الاقتصادي للكلمة قد اختفى. فقمنا بخفض رسوم التسجيل من 12% من قيمة الملكية إلى 2.000 جنيه، وهو مبلغ أقل من 150 دولار بقليل. وبناء على ذلك، قمنا بترسيخ ذلك المبدأ الأساسي وهو أن تقوم كافة العناصر بضمان وجود نظام لديها—فيجب أن يكون هناك نظام للمعاملات ولتنفيذ الأنشطة الاقتصادية ولنقل المفاهيم من خلال سن التشريعات بشفافية، وأن يكون لديك سوق رأسمال واضح وموازنة مقروءة. وللمرة الثانية، حسبما قمت بذكره منذ دقيقة مضت، كان التصنيف العثماني للموازنة مبهما وغامضا بالكامل. وبالنسبة لي فقد واجهتني صعوبة فهم موازنتنا رغم كوني اقتصاديا محترفا، تدربت في جامعة ناجحة (نوعا ما!)، فكيف سيكون الأمر لذلك الشخص العادي الذي يمكن وصفه بأن لديه نوعا هامشيا من الاهتمام بالمسائل الاقتصادية! فالوضوح في الموازنة سوف يترجم إلى وضوح في التشريعات المصاحبة لها. وقد يقول الناس بأنني لا أفهم بمدى صلاحية هذا القانون لهذه الموازنة ولهذا السبب يجب علينا أن نقوم بتثبيت القانون. ويجب علينا أن لا نقوم بتغييرها بل أن نجعلها متاحة وقابلة للوصول فقط. وقد كانت إحدى المدائح الكبرى التي تلقيناها حول قانون الضريبة هو انه قانون واضح ومقروء. فالناس لديهم استيعاب وهم قابلون للفهم. وقد قمنا بجلب خبراء من صندوق النقد الدولي ومن البنك الدولي ومن الخزانة الأمريكية (وزارة المالية) بغرض سن مشروع قانون يمكن قراءته من قبل الناس العاديين ويمكن فهمه من قبل المكلف بدفع الضريبة العادي الذي يتوجب عليه أن يمتثل بالقانون وان لا يتطلب منه أن يوظف محاميا أو محاسبا خاصا بهذا المجال. ولحسن الحظ، وبمساعدة كافة أصدقائنا قمنا بإنجاز هذا كله.

ولكن كل ذلك ما هو إلا جانب من ترسيخ وتثبيت عملية النظام. إذ يجب علينا أن نتأكد بأننا نقوم ببناء حالة ووضعية بحيث تكون قوية ومؤهلة بما يكفي لتحقيق إنجاز ذلك النظام، الأمر الذي سينقلني إلى العنصر الثاني من عملية الإصلاحات الخاصة بنا. فهناك الفكرة الثانية التي تهيمن وتحكم إصلاحاتنا وهي التي تشكل جوهر التناقض الأول. وكعنصر ثاني، نحن بحاجة إلى أن نوقف افتراس الدولة. فالدول النامية التي تتم إدارتها بشكل مركزي تمتاز بوجود دولة قوية مفترسة قبل أن تقوم ببذل جهودها الخاصة بالإصلاح. فالدولة تعتاش بالافتراس بحيث تقوم بافتراس المكلفين بدفع الضرائب وتقوم بافتراس الإرباح وتقوم بافتراس الدخل وتقوم بافتراس الأنشطة الاقتصادية، وهي بشكل عام تقوم بافتراس كافة المجالات استنادا إلى الفرضية التي تقول بما أننا (أي الدولة المركزية) نقدم لك “كل شيء” فانك سوف لن تكون بحاجة إلى أن تعمل أي شيء خاص بك أنت، وبما “أننا سنقوم بعمل كل شيء لك” فإننا، بناء على ذلك، لنا الحق في الحصول على كل شيء لديك. وهذا المبدأ الذي قمنا بإبرازه والذي يخيف الناس في الوقت الحالي يتمثل في أنه في حال وجود دولة عندي بحيث تكون كبيرة بما يكفي لأن تقدم لك كل شيء أنت تريده فسوف يكون عندي أيضا دولة بحيث تكون كبيرة بما يكفي لأن تأخذ منك كل شيء لديك. وبناء عليه، سوف أكون بحاجة إلى تثبيت عملية التوازن الخاصة بذلك. فأن يكون لديك دولة بحيث تكون قوية بما يكفي لترسيخ النظام وللتجاوب مع متطلبات الشفافية والوضوح والتوافق والانسجام، لا يعني أن تكون قوية بما يكفي لأن تعتاش على افتراس الأعمال التجارية والأنشطة الاقتصادية، ولا أن تقوم بتثبيت معدلات ضريبية بنسبة 40%، ولا أن تسن قانونا يسمح بتطبيق أي نوع من أنواع تلك المعدلات، ولا حتى أن تفرض نظاما ضريبيا اكثر إزعاجا بحيث يستند إلى رسم الدمغة (أي الطوابع) على كل نشاط اقتصادي فردي يتم تحت الشمس. إن رسم الدمغة عبارة عن مفهوم ورثناه عن البريطانيين. ولقد نجحتم انتم هنا في التخلص منه بوقت مبكر تماما وكان قد استغرق وقتا أطول قليلا لدينا للقيام بمثل ذلك، وإننا في حقيقة الأمر لم نتخلص منه تماما بل قمنا بالتخلص من ثلثيه ولا يزال هناك ثلث متبقٍّ نعمل على جرجرته طيلة الوقت. ونأمل أن نكون قادرين على التخلص منه تماما في عقد السنوات المقبل. ولكن ذلك كله كان عبارة عن ضريبة افتراسية حيث انك إن أردت أن تتقدم بطلب زواج فسيكون عليك أن تقوم بالدفع، وإن أردت أن تتقدم بطلب طلاق فسيكون عليك أن تقوم بالدفع، وإن أردت أن تتقدم بتغيير عنوان معين لديك فسيكون عليك أن تقوم بالدفع! هذا هو جوهر الدولة الافتراسية.

لقد حان الوقت لإيقاف الافتراس، ليس فقط ضمن التشريع الذي يأخذ نسبة 40–50% من دخلك، أو ضمن رسم الدمغة، أو ضمن الضريبة على الملكية التي ما تزال تطبق لغاية هذا اليوم (وهناك مشروع قانون مطروح أمام مجلس النواب في الوقت الحالي) حيث تصل نسبة الضريبة لغاية هذا اليوم إلى 46% (ولقد دام ذلك بشكل مستمر وإلى الآن بحيث تجاوزت مدته 100 عام وقد تم قبولها كجزء من الحياة اليومية في مصر)، ففي الوقت الحاضر، لم يعد ذلك مقبولا، إذ يجب أن يتم تغييره، ليس لان النسبة البالغة 46% لم تعد تجدي أكثر، بل لان صورة الدولة المصرية يجب أن تتغير من دولة تعتاش بافتراس المواطنين إلى دولة تقوم بحمايتهم. ولقد تم اختراق هذا المفهوم في الجمارك وفي ضريبة الدخل وفي رسم الدمغة. إننا بحاجة إلى أن نتأكد بأنه قد تم اختراقه في كافة المجالات الأخرى.

يُعالَج النهج السلطوي البيروقراطي من خلال التخلص من افتراس المواطن أو المواطنة (في حياته أو في حياتها اليومية)، ومن افتراس الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية—كدمغة بيروقراطية أو طلب تقديم رخصة (أو سحبها). كل هذا يشكل نوعا من أنواع الافتراس، لا بل نوعا مكلفا لمعظم الاقتصادات. وبفعل تطوير قوى السوق وضمان أن يتم ردع أي نشاط افتراسي مباشرة من قبل السوق—بعد أن يتم رفع أسعاره وحشد التوريدات بشكل مكتظ… إلخ، فإننا سوف نضمن بان الدولة قد خرجت من موقفها الافتراسي ضد المجتمع.

الآن، هل مثل هذه الخصوصية هي التي تتناول الدولة المصرية؟ قد يكون صحيحا أننا نحمل معنا ممارسة مضى عليها 5000 سنة خاصة بالاقتصاد المركزي، إلا أنني أستطيع أن أؤكد لكم على أننا لم نكن أول من اخترع ذلك؛ فهو صفة من صفات الدول النامية وهو صفة من صفات الاقتصاد الموجه وهو صفة لا تتوافق مع نظام سوق حر ومفتوح وذاتي الاحوال.

وختاما، هناك عنصر ثالث من الإصلاح الذي قمنا به، وهو العنصر الذي يؤكد ويشدد على الكفاءة والأهلية. فإذا كان عندي دولة لا تقوم بافتراس مواطنيها، أي أنها لا يمكن أن تعتمد على عائدات افتراسية، فسيتطلب مني أن يكون عندي دولة ذات كفاءة وأهلية. وسيتوجب أن يكون عندي بيروقراطيون من ذوي الكفاءة والأهلية. والآن، قد يقول البعض بان من غير الممكن أن يتم ذكر الشخص المؤهل الكفؤ والشخص البيروقراطي في نفس الجملة! ولكني لا أتحدث عن الكفاءة العبقرية بل مجرد الكفاءة المعتدلة، أي الإدراك العام والقدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة. وهذا هو ما سيحدث، حيث نقوم بطريقة متصاعدة بحشد بيروقراطيتنا التي ما تزال، وبشكل معترف به، ضخمة جدا، من خلال قنوات ذات مسارات سريعة تضمن لك التحدث مع الشخص الكفؤ المؤهل، وتلقّي النصيحة المناسبة، والقيام في نهاية المطاف بحل مشكلتك.

وفي هذا الشأن، ننتقل إلى تناقضنا الرابع، وهو مجال جهدنا وتوترنا الرابع؛ التحدي الرابع الذي سيقوم بدفع إصلاحاتنا التي نقوم بتنظيمها ومأسستها، والذي هو بالتحديد عملية توزيع الدخل. فاقتصاد دولة كدولة مصر، لديها سكان يبلغ عددهم 72 مليون نسمة، والتي قام اقتصادها بالبدء بالقفز في غضون فترة تتراوح ما بين سنتين إلى ثلاث سنوات من معدل نمو يبلغ 3% إلى معدل نمو يبلغ 7%؛ اقتصاد يلتفت نحو تفاوتات وتباينات متصاعدة تتم في الدخل. وهذا أمر طبيعي. وهذا جزء لا يتجزأ من تلك العملية الانتقالية، والتي لا تكون على وجه الخصوص باتجاه مصر، بالرغم من أن لدينا عددا أقل من الحمايات والوقايات ضد هذا النوع من الظواهر، وبناء عليه، فهي سوف تحدث في مصر بطريق تكون أكثر تطرفا. ولكن توجه الفقراء سوف يكون إلى عدم انتقالهم إلى الفقر الأشد، لذا فإن دخل كافة الأفراد بموجب هذا المفهوم المطلق سوف يرتفع، إلا أن دخل الأغنياء سوف يزداد بشكل أسرع من دخل الفقراء، وبالتالي، سيكون الفقراء قد أصبحوا إلى حد ما أكثر فقرا، وبذلك سوف لن يكونوا مسرورين. وبموجب التعبيرات المطلقة، سوف يتم وبشكل أكثر فأكثر توفير المياه المعالَجة لتغطي الأسر في مصر، وسوف يتم تعزيز التأمين الصحي بحيث يغطي الناس أكثر فأكثر، وسوف يطرأ تحسن على مستوى المعيشة لديهم. ولكن، سوف تزداد مثل هذه الأشياء التي تتاح أمام الأفراد الذين تكون مستويات دخلهم مرتفعة وبشكل أسرع، الأمر الذي يعني أن الناس سيشعرون بالفقر بدرجة اكبر، أي أن التباينات والتفاوتات في الدخل سوف تزداد وتتصاعد. وبناء على ذلك، ونظرا لأن هذه الأطراف التي لديها القدرة الأكبر على الاستفادة من انفتاح السوق في اقتصادنا هي تلك الأطراف التي لديها القدرة الأكبر على استغلال قوى السوق في سبيل منفعتها الخاصة، ونظرا لان تلك الأطراف التي سوف تستهويها هذه التغييرات بدرجة أقل هي تلك الأطراف التي لديها القدرة بدرجة أقل على فهم قوى السوق أو على استغلالها لمنفعتها الخاصة. بناء على ذلك، سوف نكون بحاجة إلى التدخل—وهنا يكمن التناقض—بطريقة لا تلحق الضرر بقوى السوق التي تعتبر جوهر نمونا. وسوف يكون علينا أن نكون قادرين على التدخل وعلى إعادة توزيع الدخل دون أن يؤثر ذلك على قوى السوق نفسها التي عملت على خلق سوء توزيع الدخل، وسيكون مطلوبا مني، وللمرة الثانية، أن أعود إلى نقطتي الثالثة، وهي أننا سنكون بحاجة إلى أناس كفؤين ومؤهلين لديهم القدرة على القيام بذلك. كما سنكون بحاجة إلى أناس لديهم فهم بقوى السوق بالتدخل، ولديهم فهم بالتفاعل بين الجانبين، بحيث يتمكنون من التدخل دون أن يغامروا بذات العملية التي كانت السبب في نمونا.

والآن، قد يبدو لكم مثل ذلك وكأنه شيئا مجردا، لكني أستطيع أن أؤكد لكم وأطمئنكم على أنني أعيش ذلك كل يوم، وأنني أراه في كل قرار أقوم باتخاذه وفي بعض الأحيان في القرارات التي تكون غير واضحة، والتي تكون مطموسة غير بائنة. ولأنها تتناول تلك المسائل التي تكون دقيقة جدا، وغير جوهرية جدا، فهي تجعلني أتساءل قائلا: “ما الشيء الذي يتوجب مني أن أقوم به؟”. ولكي أجيب على هذا التساؤل، سوف أقوم بشكل غريب بما فيه الكفاية باللجوء إلى الأبعاد التالية: هل ذلك الشيء سوف يؤدي خدمة لأحد؟ وهل ذلك الشيء سوف يلحق الضرر بأحد؟ وإن كان ذلك الشيء سوف يلحق الضرر، فسوف لن أقوم بعمله.

والآن، فقد ذكرنا، أنتم وأنا، بان لدينا تلك الكتلة الحرجة من الاصلاحيين في نظامنا، ولكننا بحاجة إلى ترسيخ عملية تضمن بموجبها تلك الكتلة الحرجة المقدرة على إدامة التفاعل. فالتفاعل النووي يكون فقط ذاتي الاستدامة بموجب جاهزية وتوفر تلك الكتلة الحرجة. والآن، وقد قمنا بضمان تلك الكتلة الحرجة، وبما أننا قمنا أيضا بضمان استدامة التفاعل النووي، فنحن سنكون بحاجة إلى أن نتأكد ونطمئن إلى أن التفاعل سيتم الحفاظ عليه وإدامته على الدوام بحسب نفس التفاعل. وفي أحيان كثيرة، يكون حجم ومقدار المشكلة التي نتعامل معها سببا في جعلك تضل طريقك. وهذا ما يجري. وإذا لم يكن قد حدث ذلك فعلا في مصر، فسوف يحدث في أية دول إصلاحية، لأنك عندما تفتح بوابات الطوفان فسوف يكون هناك الكثير من الأشياء التي سوف تحدث في نفس الوقت، وفي حال عدم قيامك بتحقيق الحد الأدنى من مستوى الفني (الموظف) الكفؤ ليكون في متناول يدك فسوف يغمرك ذلك الطوفان.

ولقد تعودنا على أن يغمرنا الفيضان. فقبل أن نبني السد العالي تعودنا على أن يكون لدينا فيضان كل عام، وبالتالي، يوجد عندنا نوع معين من التقارب والألفة الطبيعيين من ناحية التعامل مع الفيضانات، لكنه لا يزال غير سهل وغير واضح—ولا يسير فوق خط مستقيم. وكما يعرف معظمكم، فأقصر مسافة تصل بين نقطتين في السياسة الاقتصادية لا تكون في معظم الأحيان خطا مستقيما. فهناك طريق منحنية قد تعتبر في معظم الأحيان أقصر الطرق. وبشكل يماثل معظم الدول النامية التي تقوم بتطبيق هذا النوع من الإصلاح، سوف تكون الدائرة الشعبية المخصصة لذلك دائرة صغيرة. وقد لا يعمل حشد السكان الواسع الانتشار على دعمنا. والسبب في ذلك ليس لأن هؤلاء السكان هم ضد الانفتاح ولا لأنهم ضد التحرر، بل ببساطة لأنهم ضد عدم اليقين. أنظر إلى روسيا، هل يود أي فرد فيها بحسب تفكيره وعقله الصحيحين أن يرجع إلى النظام الشيوعي؟ ومع ذلك، قد يكون لديك أناس سوف ينشدون العودة إلى يقين النظام الشيوعي وإلى يقين نظام يتواجد به مدير مركزي ولا يتواجد به قوى سوق غير قابلة للتنبؤ ولا أحداث عشوائية اعتباطية تصيب أعمالك التجارية. ولا يعتبر ذلك صفة من صفات اقتصاد السوق ولا يعتبر صفة مقبولة من قبل الناس بشكل عام، وبشكل خاص مجموعات الدخل المتدنية والمحرومين وهم لدينا بأعداد كبيرة. هؤلاء يفضلون اليقين. وفي مصر يوجد للإصلاح الاقتصادي دائرته الشعبية (الانتخابية) ولديه دائرة كبيرة بشكل يكفي للقيام بتخليد ذلك الإصلاح. ولكنك عندما تسأل فردا على مستوى الشارع وهو مستوى القطاع الجماهيري بحيث تقول له “ماذا تريد”، فسوف يقول لك “أريد اليقين” وأريد السلامة وأود أن أتخلى عن دخل قد يكون إلى حد ما مرتفعا مقابل دخل يكون أكثر أمنا وسلامة، ودخل يكون أكثر قابلية للتنبؤ.

هذه هي المشكلة التي نواجهها في معظم الاقتصادات التي تعتمد على السوق. فنحن ليس بمقدورنا أن نوفر اليقين. بمقدورنا أن نوفر نموا ومستقبلا أفضل، وتعليما ورعاية صحية أفضل لأطفالنا، ولكن ليس بمقدورنا أن نوفر اليقين. بمقدورنا أن نقلل من العشوائية في حياتنا إلى حدها الأدنى، ولكننا لا نستطيع أن نوفر اليقين. ولهذا السبب، لا يوجد لدينا دائرة شعبية واسعة النطاق بالنسبة للإصلاح على مستوى الشارع. فقد كنت منذ بضعة أشهر أتحدث مع عدد من الزملاء في الحكومة البريطانية وكان حديثي حول الإصلاحات التي كان توني بلير يتولاها في الأيام الأولى لحكومته الليبرالية، وحول مقدار الصعوبات التي واجهتها. وفي الوقت الذي كنا نتحدث به عن الإصلاحات القائمة في اقتصاد المملكة المتحدة واقتصادنا في مصر—وهما بمستويين مختلفين بشكل كبير جدا—فقد واجهتنا نفس المشاكل. ومن بين تلك المشاكل الرئيسية، هناك مشكلة الافتقار إلى الدائرة الشعبية. وانتم تذكرون كيف أن حزب العمال قد تولى الحكومة بتحقيق انتصار كاسح، وأنه في الانتخابات الثانية قد حقق للمرة الثانية انتصارا كاسحا. ومع ذلك، فان الإصلاحات التي تولاها، بغض النظر عن مقدار إيجابيتها وعن مقدار نفعها بخصوص فعالية الاقتصاد البريطاني، لم تكن إصلاحات ذات شعبية. وهذا هو نفسه ما حدث بالنسبة إلينا.

والآن، هل هذا سيعمل على إحباط همتنا؟ لا. وهل سيعمل على إقلاقنا؟ لا. فهو الذي سوف يسهم في حياة يومية أكثر حيوية، تشرح وتوضح ما نقوم بعمله، وتقدم العذر في بعض الأحيان عما نقوم بعمله، أو، في حالات أكثر ندرة، تعمل على إرباك وتشويش إجراءات معينة لم تكن واضحة بشكل مباشر، وهي التي سوف يستفيد المواطنون من ثمارها اعتبارا من بضعة أشهر أو من بضعة سنوات فصاعدا. ويجب النظر إلى الملاحظة الأخيرة بعين الحذر. فنحن غير جيدين جدا في إبراز ما نقوم بعمله لكم، وكيفية قيامنا بعمل ذلك. وأنا لا أتحدث عن خطابي هذا بل أتحدث بشكل عام، وبناء عليه، سوف تجدون الصحافة وقد تناولت الإصلاحات في مصر سواء كانت في المجال السياسي أو في المجال الاقتصادي على كونها في الغالب إصلاحات سلبية. وأنا لا أقوم بالتساؤل حول آراء المعلقين الذين سيكتبون عما نقوم بعمله، لكني أقوم فعلا بالتساؤل حول قدرتنا على إبراز ما نقوم نحن بعمله. أما بالنسبة للشيء الذي نقوم بعمله في مصر فهو شيء ثوري، سواء كان على الجبهة الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية. ولسوء الحظ، فان الشيء الذي لم نقم بعمله هو إقناع الناس بان ما نتخذه من إصلاحات هو حقا ثوري. وبما أن الزمن ينقضي ويمر وبما أن مواردنا تزداد فإننا سنكون قادرين على أن نقحم في الميدان أولئك الإصلاحيين الضروريين بما فيه كفاية السوق—كما هو الحال لدى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وجنوب شرق آسيا.

إن ما يحدث في مصر قد تم اختباره وتجربته بشكل مسبق—ومن ثم اعتماده—من قبل المستثمرين في جميع أنحاء العالم، وسيتم في وقت قريب جدا اعتماده والموافقة عليه من قبل الكثيرين من أصدقائنا في جميع أنحاء العالم.

الشكر لكم جزيلا.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 7 آذار 2008.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018