وليام إيه. نيسكانين

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

لأولئك أصحاب النزعة الحزبية، لديّ بعض الأخبار السيئة: تستطيع الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة الأمريكية أن تعمل بشكل أفضل (أو بالأحرى بدرجة أقل سوءاً) عندما يسيطر الحزب المعارض على أحد مجلسي الكونغرس على الأقل. فالحكومة المنقسمة تكون، وهو أمر مُستغرب، أقل تسببا في الخلاف. كما أنها أيضا أكثر اقتصادا. والسبب الرئيس لذلك بسيط وهو أنه عندما يقترح أحد الأحزاب تدابير جذرية أو حمقاء، فباستطاعة الحزب الآخر أن يعترض سبيله. تزدهر الولايات المتحدة بشكل أكثر عندما تُكبح التجاوزات؛ وإذا كانت الأرقام المأخوذة من الخمسين سنة الماضية تُعطي أية مؤشرات، فإن الحكومة المنقسمة هي التي تحدها.
لنطلع على بعض الإحصاءات. منذ فجر الحرب الباردة وحتى يومنا هذا، كان هناك فترتان فقط من ما يمكن تسميته قيوداً مالية: السنوات الست الأخيرة من إدارة آيزنهاور، والسنوات الست الأخيرة من إدارة كلينتون، والتي سيطرت خلالهما المعارضة على الكونغرس. فبلغ متوسط الزيادة السنوية في الإنفاق حوالي 1% تحت إدارة كلينتون، بينما كان متوسط الزيادة سالبا تحت إدارة آيزنهاور. وبالمقارنة، فُتنت الحكومات الموحدة بالإلتواءات المالية. فقام هاري ترومان، وبمساعدة الكونغرس الديمقراطي، بالإسراف في إنفاق المال، بزيادة في الإنفاق بلغت 10% بالسنة. وكان ليندون جونسون مسرفا مثله. واليوم، ولسوء الحظ، فإن جورج دبليو بوش وريثٌ لهما، في ظل الأغلبية للحزب الجمهوري. ولتوضيح هذا بالأرقام، فلقد ازداد الإنفاق الحكومي بمعدل 1.73% سنويا فقط خلال فترات الحكومة المنقسمة. ويزداد هذا الرقم لأكثر من ثلاثة أضعاف ليصل إلى 5.26% خلال فترات الحكومة الموحدة. وهذا ثمن ضخم مقابل قليلاً من الوحدة.
الأمر اللافت للنظر هو أن هذه الزيادة في الإنفاق قد وجدت عموما نفس المستفيد: البنتاغون. وهذا لا يعني أن الحكومات الموحدة تعشق شراء قاذفات القنابل، بل بالأحرى تميل إلى جرِّنا إلى الحروب. قد يبدو هذا أمرا غير محتمل للوهلة الأولى، ولكن، لنأخذ بعين الاعتبار الآتي: خلال 200 عام من تاريخ الولايات المتحدة، بدأت جميع النزاعات التي اشتملت على معارك ومواجهات أرضية تتجاوز مدتها الأسبوع من قبل حكومة موحدة. فلقد بدأت كل من المعارك الأربع الكبرى خلال القرن العشرين، مثل الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، والحرب الكورية، وحرب فيتنام بواسطة رئيس ديمقراطي بدعم من كونغرس ديمقراطي. إن الحرب الحالية في العراق، والتي بدأت بمبادرة من رئيس جمهوري ودعم من الكونغرس الجمهوري متفقة مع هذا النمط. كما أنها تُمثل الاستخدام الوحيد للقوة العسكرية في معارك أرضية لمدة تتجاوز الأسبوع والتي بدأ بها رئيس جمهوري في مدة تزيد عن قرن. يبدو أن الحكومة المنقسمة لها دور هام في كبح مشاركة الأمريكيين في الحرب. وغني عن القول، فإن هذا يقلل النفقات في كل من الدماء والأموال.
هناك ميّزة أخرى للتوتر والشدّ بين أفرع الحكومة: فمن الأرجح أن يدوم الإصلاح الرئيسي. وحيث أن إقرار أي إجراء في الحكومة المنقسمة يتطلب دعم الحزبين، فمن غير المحتمل أن يؤدي التحول في أحزاب الأغلبية إلى حدوث تغييرات جذرية أو غش. على سبيل المثال، تم إقرار قانوني الضرائب لعامي 1981 و1986 في عهد رئاسة ريغان من قبل مجلس النواب الذي كان يُسيطر عليه الديمقراطيون، ولقد بقي هذان القانونان حيّين على نطاق واسع. ولقد تم إقرار إصلاح الرعاية الاجتماعية لعام 1996 من قبل كلينتون والكونغرس الجمهوري، ولقد ثبت هذا أيضا. بالمقابل، فلقد تعثرت كافة الجهود خلال السنوات القليلة الماضية لإصلاح قوانين الضرائب الاتحادية والرعاية الطبية والضمان الاجتماعي، كما أنه من المؤكد أن يتم التخلص من أي تغيير كان قد تم إقراره من قبل الحزب الجمهوري فور عودة الديموقراطيين إلى السلطة. ستعتمد الإصلاحات ذات القيمة الحقيقية بالتأكيد على منع التطرف الأيديولوجي وضمان دعم الحزبين، ولا يبدو من المرجح وجود قليل من هذا في ظل حكومة يحكمها الحزب الجمهوري فقط.
يبدو أن الناخبين في أمريكا، وبالرغم من حكمتهم الجماعية غير الواضحة، يدركون منافع الحكومة المنقسمة، وكذلك كان تصويتهم على مدى أكثر من خمسين عاما. من المؤكد أن الحكومة المنقسمة ليست من الأمور التي تُصنع منها الأساطير السياسية، وفي الواقع، يرغب معظمنا في اتخاذ التشريعات الجيدة بدلا من الأساطير الجيدة. وبصفتي جمهوري على مدى العمر، وأحيانا موظف فيدرالي، فيجب أن أعترف بالحقيقة الصعبة التالية: لا يهمني كثيرا كيفية تحقيق الحكومة المنقسمة المقبلة. ولكن في عام 2006، هناك طريق واحد لحدوث هذا.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 1 تشرين الثاني 2006.

peshwazarabic5 نوفمبر، 20100

إن الزيارة الأولى للمختص بشؤون الاقتصاد الغربي إلى أمة اشتراكية لهي تجربة مدهشة حقاً. فالانطباعات الأولى التي يكوّنها الفرد أشبه بتلك التي تتكون من زيارة الأقاليم الأكثر فقراً في أنظمتنا الاقتصادية—أوطأ المستويات الممكنة من الراحة، والصحة، والظروف البيئية التي يمكن أن تعيش فيها المخلوقات. وعلى كل حال، سيكون من الخطأ أن نبيّن الفروقات بين اقتصاد السوق وبين الاقتصاد الاشتراكي من خلال الظروف التي تفسر الفروقات عبر الزمن أو الفروقات بين الأقاليم من حيث القدرة الإنتاجية ومعدل الدخل في ضوء نظام اقتصاد السوق.
على سبيل المثال، كثيراً ما يكون خبير الاقتصاد الذي يدرس نظام اقتصاد السوق ميالاً للتركيز على الفروقات في المهارات البشرية، والاستثمار الخاص والعام، والموارد الطبيعية، ومقدار التغير أو الفروقات الصغيرة في سياسة الحكومة. فقلما نميل إلى دراسة المؤسسات الأساسية لاقتصاد السوق، لأنها لا تتغير إلا بالتدريج عبر الزمن ولأنها واحدة ومعروفة في كافة أرجاء الأمة. والحق أن معايير تدريب خريجينا في علوم الاقتصاد نادراً ما تذكر هذه المؤسسات، وهناك القليل من علماء الاقتصاد ممن لديهم فهماً عميقاً لأهميتها.
إن الفروقات الأكثر أهمية بين نظام اقتصاد السوق والنظام الاشتراكي هي على أي حال الفروقات الأقل ظهوراً أو قابلية للقياس في هذه المؤسسات الأساسية. لست مختصاً بالنظم الاقتصادية الاشتراكية، لذا فإن فهمي للاقتصاد السوفييتي فهماً ثانوياً منقولاً. وعلى كل حال، فإن الصلاحيات المنقوصة في النظم الاشتراكية في السنوات العديدة الماضية قادتني إلى التفكير في المؤسسات الأساسية، أو “البنية التحتية الخفيفة” لنظام اقتصاد السوق والمقالة الحالية تمنحني فرصة إشراك الآخرين في أفكاري بطريقة منظمة.
النظام القانوني
النظام القانوني هو واحد من ثلاثة مؤسسات أساسية في نظام اقتصاد السوق. وعلى وجه التحديد، يعتمد اقتصاد السوق على منظومة تجارية شاملة ونظام من المحاكم التجارية للبت في النزاعات. وتتضمن المنظومة الحديثة قوانين لها علاقة بالمُلكية، والعقود، والأضرار، وتلك القوانين المختصة بالعديد من الأنواع الرئيسية للمشاريع التجارية. ولأجل أن يكون هذا النظام فاعلاً بشكل تام، يجب لحقوق الملكية أن تكون:
 حصرية: لتوفير عنوان واضح للصلاحية باستخدام أو بيع بعض الحقوق المحددة.
 منقولة أو قابلة للتحويل (يمكن بيعها): للسماح بتبادل السوق لبعض الحقوق المعينة.
 قابلة للتجزئة (يمكن تقسيمها): للسماح بفصل أحد الحقوق المعينة عن مجموعة الحقوق.
 واسعة (شاملة): للسماح للسوق بتبادل كافة الموارد القيِّمة، وهو شرط ضروري لتجنب إساءة استخدام “مجموعة الموارد العامة” وهي سمة مميزة للمشكلات البيئية.
في الواقع، إن الاقتصاد السياسي لأمة ما يعرّف من خلال طبيعة وتوزيع هذه الحقوق. إن المبدأ المميز لاقتصاد السوق هو أن أي تغيير في توزيع الحقوق لابد له من أن يحصل على موافقة جميع هؤلاء الذين يملكون الحقوق المتأثرة بذلك التغيير.
كثيراً ما يتردد عالم الاقتصاد الأمريكي أو يتحفظ على الاستنتاج بأن أية أمة قد تكتفي بالقليل من المحامين. إن جيش المحامين الذي لدينا يكاد يضاهي في حجمه حجم الجيش الأمريكي الحقيقي ويكاد يكون بخطورته. أما الأنظمة الاقتصادية الاشتراكية فتحتاج بوضوح إلى توسيع وتحسين منظوماتها التجارية. وربما يكون المثال التالي مفيداً في هذا الخصوص.
على الرغم من أن معظم المُلكية في الاقتصاد الاشتراكي مملوكة للدولة إسمياً، كثيراً ما لاتضح ما إذا كان العمال، أو المدير المحلي، أو بعض المسؤولين الحزبيين، أو الوزير ذو العلاقة، لديهم الصلاحية لبيع الملكية ومن هو الذي يستلم الأرباح أو العائدات. لقد خلق هذا الغموض بعض الحالات التي تكون فيها شركتين قد اشترتا نفس الملكية من مسؤولين مختلفين، دون عملية واضحة للبت في خلافات حق المُلكية. إن عملية الخصخصة المهمة، والمعقدة بالضرورة، ستتعرض إلى تقويض تام إذا ما كان عموم السكان ينظرون إلى التوزيع الأوّلي من المبيعات على أنه غير عادل. إن التأكيد القوي لحق المُلكية الواضح من قبل الدولة قد يكون الخطوة الضرورية الأولى، وربما الساخرة بعض الشيء، للوصول إلى خصخصة فاعلة.
في بعض الحالات، يمكن ان تُمنَح بعض الحقوق للمزارعين أو المساهمين لاستخدام مُلكية والانتفاع بها دون الحق في بيعها. كثيراً ما يقود هذا الموقف إلى إدامة غير كافية للمُلكية، ويتجلى ذلك بشكل واضح للغاية في التجربة اليوغسلافية. وفي الحالات الأخرى، تُمنح الحقوق بالجملة، كمجموعة، ولكن دون صلاحية لبيع بعض الحقوق للآخرين. ويقود هذا الموقف الى التقليل من فائدة هذه الحقوق المعينة التي لا يكون المالك مؤهلاً او مخوّلاً لاستخدامها. في كل الأمم، تكون شركات الدولة هي المتجاوز الأسوأ والأفظع على البيئة، وذلك لأن الحكومات قد قامت بإعفاء هذه الشركات من بعض القضايا القانونية أو من الإجراءات التي تنطبق على الشركات الأخرى.
كما أن التمعن في النظر للاقتصاد السوفييتي سيقدم أمثلة أكثر دون شك. إن نقطتي الأساسية هي أن العديد من المشكلات الظاهرة للعيان في النظم الاقتصادية الاشتراكية يمكن تقليلها من خلال توسيع وتحسين منظوماتها التجارية. على الاتحاد السوفييتي أن لا يحاول استنساخ المنظومات التجارية الغربية؛ إذ أن المنظومة الأمريكية على وجه الخصوص معقدة وتحتوي على الكثير الكثير من الدعاوى القضائية. رغم ذلك، هنالك فرصة نادرة للتعلم من نجاحاتنا ومشكلاتنا على حد سواء. لقد تعهد الرئيس غورباتشوف باستعادة حكم القانون في الاتحاد السوفييتي. لن تتم هذه المهمة أو يكتب لها النجاح حتى يجري توسيعها لتشمل كل النطاق الواسع للحقوق والعلاقات الاقتصادية.
نظام المحاسبة

أما المؤسسة الأساسية الثانية في اقتصاد السوق فهي نظام المحاسبة. إن اقتصاد السوق، على وجه الدقة، يعتمد على الاستخدام الواسع لمجموعة عامة من القواعد الحسابية المالية وعلى نظام مستقل من تقارير الكشوفات أو التدقيقات المالية. والتقريران العامّان هما ورقة الموازنة (وهي تصريح بقيمة موارد أو أصول الشركة المالية ومسؤوليتها القانونية عند نهاية الفترة السابقة)، وورقة تصريح بالأرباح أو العائدات المالية (وهي سجل بالإيصالات والنفقات المستهلكة خلال تلك الفترة). وهذان التقريران، إضافة إلى المعلومات الداخلية، يستخدمان من قبل مدراء ورؤساء أقسام الشركة لتحديد النفقات والفوائد لبعض المنتجات المحددة والأداء المالي للأقسام المكونة للشركة. والأكثر أهمية من ذلك، أن هذين التقريرين يتمتعان بأهمية ملحة للبنك أو الشركة الأخرى التي تفكر في منح قرض للشركة أو أن تستثمر فيها. لقد تطورت القواعد الحسابية والكشوفات أو التدقيقات المالية كثيراً خلال السنوات العديدة الماضية ولكنها ليست بدرجة الكمال، ولكن لا يستطيع المرء أن يتصور اقتصاد السوق دون نظام محاسبة من السجلات المالية.
وعلى كل حال، فقد كانت محاوراتي مع أصحاب المبادرات التجارية الغربيين الذين فكروا بالانضمام في مشاريع تجارية مع شركات اشتراكية تدل على أن حسابات تلك الشركات كانت عديمة القيمة تقريباً، إما بسبب الإدارة الداخلية أو المراقبة الخارجية. ففي معظم الأمم الاشتراكية، تكون جميع حسابات شركات الدولة مصممة ومستمرة لتوفير الطلبات البياناتية (المعلوماتية) لنظام الدولة التخطيطي التي لا يمكن إشباعها. إن معظم هذه البيانات مرتبط بالتدفقات أو المنتجات المادية وهي قليلة الفائدة في تقدير الكُلف والفوائد لبعض المنتجات المعينة، أو الوضع المالي للشركة، حتى وإن كانت أسعار المدخلات والمخرجات قريبة من معدلات السوق. في الواقع، لقد اخبروني أن أوراق الموازنات للعديد من شركات الدولة لا تحتوي على مقياس للقيمة الحقيقية. وفي زمن مبكر وأكثر براءة، كان يتوقع من الحواسيب الالكترونية (أجهزة الكومبيوتر) أن تحل مشكلات معالجة جمهرة البيانات للاقتصاد الاشتراكي. وعلى كل حال، فان مشكلات الاقتصاد الاشتراكي ليست نابعة من نقص في البيانات، بل إن النظم الاقتصادية الاشتراكية مغرقة في البيانات، المشكلة هي أن هذه البيانات تغطي أو توصل معلومات ذات علاقة قليلة جداً.
من أهم إيجابيات أو فوائد اقتصاد السوق هي أنه يقلل تدفق المعلومات الضرورية، طالما كانت الأسعار توصل أو تغطي معظم المعلومات الضرورية لتنسيق الفعالية الاقتصادية بين الشركات والمستهلكين. والنظام المحاسبي المالي بدوره يوفر المعلومات اللازمة لمديري الشركة ليستجيبوا بشكل صحيح لأسعار السوق للمدخلات والمخرجات. إن برنامجاً كبيراً في تدريب المحاسبين الماليين سيكون من بين الاستثمارات ذات أعلى العائدات في الاقتصاد السوفييتي.
المواقف الثقافية
أما المؤسسة الثالثة لاقتصاد السوق فهي منظومة المواقف الثقافية. مرة أخرى، هذه مؤسسة يتعامل معها الاقتصاديون الغربيون كما هي عليه، ونتيجة لذلك لم يفهموا أهميتها. ربما أحسن الليبرالي الألماني ويلهيلم روبكي التعبير عن أهمية المنظومة المحددة من المواقف الثقافية عند استنتاجه:
“طالما أن التبادل الاقتصادي المكثف والموسع لا يمكن أن يتواجد أو أن يبقى طويلاً دون حد أدنى من الثقة الطبيعية، والثقة باستقرار ومصداقية الهيكل القانوني-المؤسساتي (بما في ذلك النقود)، والالتزام التعاقدي، والنزاهة واللعب النظيف، والصدق المهني، وذلك الكبرياء الذي يجعلنا ندرك أن لاشيء يستحق أن يجعلنا نغش، أو نتعامل بالرشوة، او نسيء استخدام سلطة الدولة لأغراض خاصة.”
أما الشرط الوحيد الذي يميز اقتصاد السوق عن البازار الشرقي على أفضل ما يمكن فهو الرغبة المتبادلة للعلاقات المتواصلة. لقد تعلمت هذا الدرس متأخراً. وبصفتي رئيس الخبراء الاقتصاديين لشركة جنرال موتورز، استغربت لمعرفتي أن فورد استطاع أن يحقق مليارات الدولارات من المشتريات لمدة سنة كاملة من المجهّزين الاعتياديين عبر الهاتف بهياكل عقود فقط وبعض الجدالات التعاقدية. إن الرغبة المتبادلة في العلاقات المستمرة هي التي عززت أداء كافة الأطراف في كل عملية تداول أو تعامل تجاري. وفي أي وقت يتوقع فيه قيام أي طرف بإنهاء العلاقة، أو أنه يتوقع من الطرف الآخر أن ينهي العلاقة، فإن النظام الأوّلي المتبقي في التعامل الحالي هو قيمة سمعة الشركة أمام الأطراف الأخرى ، وليس حماية للعقد الرسمي. ولم يكن التعاقد موسعاً ومثيراً للجدل سوى عندما قامت فورد بمشتريات كبرى دون توقع أية علاقة مستقبلية. إن المواقف الثقافية التي تسهم في “تطور التعاون” هذا ثابتة وبسيطة: ألا وهي الالتزام بالتبادل (وليس التهديد) كوسيلة أساسية لتنسيق أي نشاط اقتصادي، والالتزام الذاتي بترك شيء ما على الطاولة للطرف الآخر في كل تعاقد أو تباحث تجاري، واللجوء الى سلطة الدولة فقط لتنظيم الخروقات الإجمالية أو المتكررة للعقد ليس إلا.
كان روبكي مدركاً تماماً للمواقف الثقافية اللازمة لاقتصاد السوق. إلا انه لم يسهب أو يتوسع في تلك المواقف التي من شأنها أن تدمر أو تمنع قيام اقتصاد السوق. من المواقف الأكثر تعارضاً مع اقتصاد السوق هي حالة الحسد العميقة والسائدة. يستطيع المجتمع أن ينجو من الروح الأنانية أو الفردانية الطاغية؛ والحق أن اقتصاد السوق يعتمد عليها، ولكنه، على أي حال، لا يستطيع ان ينجو من غريزة التساوي—أي القلق من أن جارك أو زميل دراستك السابق قد يكون أفضل منك على صعيد العمل. على المرء أن لا يستغرب من أن كافة التقاليد الدينية الرئيسية والأعراف تعتبر الحسد أو الجشع أو الكراهية إثماً كبيراً. الحسد حالة بشرية، ولكنها الأكثر ضرراً بالمنظومة الاجتماعية. فالحسد، إذا ما اقترن بتآكل القيود الدستورية على السلطات الحكومية، قد أضعف نظم اقتصاد السوق الغربية، وعلى نحو مطرّد. وقد يحول الحسد دون تطوير نظم أكثر استقراراً لاقتصاد السوق في بعض الأمم الاشتراكية الحالية. يزعجني أن أسمع في الحكايات الشعبية الروسية عن بعض الفلاحين الذين صلّوا لله ليس لأجل حصاد وفير مبارك، أو قطيع وفير، بل لأجل أن تحترق غلّة جيرانهم أو أن يموت قطيع ماعزهم. وكما لاحظ روبكي، فمن المهم جداً “عدم إساءة استخدام سلطة الدولة لأغراض خاصة.” كما لا يجوز إساءة استخدام سلطات الحكومة كأدوات للحسد.
الخلاصة
وباختصار، فالمؤسسات الثلاثة الرئيسية—اللازمة للبنية التحتية الخفيفة—في اقتصاد السوق هي النظام القانوني، ونظام المحاسبة، والمواقف الثقافية. وقد تجنبت عن قصد تصنيف اهمية هذه المؤسسات الثلاثة. إن هذه المؤسسات اذا ما اجتمعت سوية، فهي أشبه بكرسي بثلاثة أرجل، حيث أن أي ضعف أو قصر في إحداها، سيقلل من استقرار الكرسي الى حد كبير. إن الاستثمار الفردي أو استثمار الدولة في هذه المؤسسات الثلاثة أكثر أهمية من العناصر الأخرى للبيروسترويكا الراديكالية؛ في الحقيقة إن هذه المؤسسات الثلاثة ضرورية لنجاح الإجراءات أو التدابير الأخرى.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 2 كانون الثاني 2006.

peshwazarabic1 نوفمبر، 2010

رئيس مجلس إدارة معهد كيتو بواشنطن العاصمة. كان عضواً سابقاً ونائباً لرئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس ريغان. حاصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة هارفارد والدكتوراه في الاقتصاد من جامعة شيكاغو، والتي كرّمته مؤخراً بوسام الخدمة العامة

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018