لأولئك أصحاب النزعة الحزبية، لديّ بعض الأخبار السيئة: تستطيع الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة الأمريكية أن تعمل بشكل أفضل (أو بالأحرى بدرجة أقل سوءاً) عندما يسيطر الحزب المعارض على أحد مجلسي الكونغرس على الأقل. فالحكومة المنقسمة تكون، وهو أمر مُستغرب، أقل تسببا في الخلاف. كما أنها أيضا أكثر اقتصادا. والسبب الرئيس لذلك بسيط وهو أنه عندما يقترح أحد الأحزاب تدابير جذرية أو حمقاء، فباستطاعة الحزب الآخر أن يعترض سبيله. تزدهر الولايات المتحدة بشكل أكثر عندما تُكبح التجاوزات؛ وإذا كانت الأرقام المأخوذة من الخمسين سنة الماضية تُعطي أية مؤشرات، فإن الحكومة المنقسمة هي التي تحدها.
لنطلع على بعض الإحصاءات. منذ فجر الحرب الباردة وحتى يومنا هذا، كان هناك فترتان فقط من ما يمكن تسميته قيوداً مالية: السنوات الست الأخيرة من إدارة آيزنهاور، والسنوات الست الأخيرة من إدارة كلينتون، والتي سيطرت خلالهما المعارضة على الكونغرس. فبلغ متوسط الزيادة السنوية في الإنفاق حوالي 1% تحت إدارة كلينتون، بينما كان متوسط الزيادة سالبا تحت إدارة آيزنهاور. وبالمقارنة، فُتنت الحكومات الموحدة بالإلتواءات المالية. فقام هاري ترومان، وبمساعدة الكونغرس الديمقراطي، بالإسراف في إنفاق المال، بزيادة في الإنفاق بلغت 10% بالسنة. وكان ليندون جونسون مسرفا مثله. واليوم، ولسوء الحظ، فإن جورج دبليو بوش وريثٌ لهما، في ظل الأغلبية للحزب الجمهوري. ولتوضيح هذا بالأرقام، فلقد ازداد الإنفاق الحكومي بمعدل 1.73% سنويا فقط خلال فترات الحكومة المنقسمة. ويزداد هذا الرقم لأكثر من ثلاثة أضعاف ليصل إلى 5.26% خلال فترات الحكومة الموحدة. وهذا ثمن ضخم مقابل قليلاً من الوحدة.
الأمر اللافت للنظر هو أن هذه الزيادة في الإنفاق قد وجدت عموما نفس المستفيد: البنتاغون. وهذا لا يعني أن الحكومات الموحدة تعشق شراء قاذفات القنابل، بل بالأحرى تميل إلى جرِّنا إلى الحروب. قد يبدو هذا أمرا غير محتمل للوهلة الأولى، ولكن، لنأخذ بعين الاعتبار الآتي: خلال 200 عام من تاريخ الولايات المتحدة، بدأت جميع النزاعات التي اشتملت على معارك ومواجهات أرضية تتجاوز مدتها الأسبوع من قبل حكومة موحدة. فلقد بدأت كل من المعارك الأربع الكبرى خلال القرن العشرين، مثل الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، والحرب الكورية، وحرب فيتنام بواسطة رئيس ديمقراطي بدعم من كونغرس ديمقراطي. إن الحرب الحالية في العراق، والتي بدأت بمبادرة من رئيس جمهوري ودعم من الكونغرس الجمهوري متفقة مع هذا النمط. كما أنها تُمثل الاستخدام الوحيد للقوة العسكرية في معارك أرضية لمدة تتجاوز الأسبوع والتي بدأ بها رئيس جمهوري في مدة تزيد عن قرن. يبدو أن الحكومة المنقسمة لها دور هام في كبح مشاركة الأمريكيين في الحرب. وغني عن القول، فإن هذا يقلل النفقات في كل من الدماء والأموال.
هناك ميّزة أخرى للتوتر والشدّ بين أفرع الحكومة: فمن الأرجح أن يدوم الإصلاح الرئيسي. وحيث أن إقرار أي إجراء في الحكومة المنقسمة يتطلب دعم الحزبين، فمن غير المحتمل أن يؤدي التحول في أحزاب الأغلبية إلى حدوث تغييرات جذرية أو غش. على سبيل المثال، تم إقرار قانوني الضرائب لعامي 1981 و1986 في عهد رئاسة ريغان من قبل مجلس النواب الذي كان يُسيطر عليه الديمقراطيون، ولقد بقي هذان القانونان حيّين على نطاق واسع. ولقد تم إقرار إصلاح الرعاية الاجتماعية لعام 1996 من قبل كلينتون والكونغرس الجمهوري، ولقد ثبت هذا أيضا. بالمقابل، فلقد تعثرت كافة الجهود خلال السنوات القليلة الماضية لإصلاح قوانين الضرائب الاتحادية والرعاية الطبية والضمان الاجتماعي، كما أنه من المؤكد أن يتم التخلص من أي تغيير كان قد تم إقراره من قبل الحزب الجمهوري فور عودة الديموقراطيين إلى السلطة. ستعتمد الإصلاحات ذات القيمة الحقيقية بالتأكيد على منع التطرف الأيديولوجي وضمان دعم الحزبين، ولا يبدو من المرجح وجود قليل من هذا في ظل حكومة يحكمها الحزب الجمهوري فقط.
يبدو أن الناخبين في أمريكا، وبالرغم من حكمتهم الجماعية غير الواضحة، يدركون منافع الحكومة المنقسمة، وكذلك كان تصويتهم على مدى أكثر من خمسين عاما. من المؤكد أن الحكومة المنقسمة ليست من الأمور التي تُصنع منها الأساطير السياسية، وفي الواقع، يرغب معظمنا في اتخاذ التشريعات الجيدة بدلا من الأساطير الجيدة. وبصفتي جمهوري على مدى العمر، وأحيانا موظف فيدرالي، فيجب أن أعترف بالحقيقة الصعبة التالية: لا يهمني كثيرا كيفية تحقيق الحكومة المنقسمة المقبلة. ولكن في عام 2006، هناك طريق واحد لحدوث هذا.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 1 تشرين الثاني 2006.