وولتر إي. وليامز

peshwazarabic5 نوفمبر، 20100

هناك أغنية شائعة تقول: “إذا أردت أن تكون سعيداً لبقية حياتك فإياك أن تتزوج من امرأة جميلة”!
لقد اتُّهم الميكانيكيون بفرض أسعار أعلى على النساء للقيام بإصلاح أعطال تقع على الطرق. شركات الطيران تفرض أسعاراً أعلى على رجال الأعمال من تلك التي تفرضها على السياح. شركات استئجار السيارات والفنادق كثيراً ما تفرض أسعاراً أقل في عطل نهاية الأسبوع. وكثيراً ما تفرض شركات النقل أسعاراً أقل على كبار السنّ والطلبة. وبائعات الهوى يفرضن أسعاراً أعلى على المجندين في الجيش من تلك التي تُفرض على زبائنهن المعتادين. محطات البنزين على الطرق ما بين الولايات تفرض أسعاراً أعلى عن تلك التي تُفرض في داخل الولايات. ما الذي نفهمه من كل هذا التمييز؟ هل يتوجب علينا إبلاغ النائب العام بما يجري؟
حقيقة أن البائعين يفرضون على الناس أسعاراً مختلفة لما يبدو أنها منتجات متماثلة، هو أمر يتصل بنظرية تعرف بـ”مرونة الطلب”، ولكننا لن ندخل هنا في مجمل التعابير الاقتصادية المختلفة.
دعنا نفكر بالبدائل. لنأخذ النصيحة التي تتضمنها الأغنية التي ذكرتها أعلاه حول عدم أخذ امرأة جميلة كزوجة. السيدات الجميلات مرغوبات، وهنّ محط الأنظار ويجري وراءهن رجال عديدون. المرأة الجميلة لها بدائل كثيرة عنك، وبالتالي فإنها تستطيع أن تفرض عليك متطلبات عديدة. المرأة البيتية لها بدائل قليلة جداً عنك، ولا تستطيع بسهولة استبدالك. لذا، فقد تكون أكثر لطفاً ودماثة معك بحيث تفعل ما يسميه علماء الاقتصاد بـ”التعويض عن الفروقات.”
الموضوع كله يتعلق بالبدائل للبضائع والخدمات المشار إليها واستعداد المشتري لدفع ثمن أعلى. رجال الأعمال المسافرون يملكون مرونة أقل في خياراتهم بالنسبة للنقل الجوي من تلك المتوفرة للسائحين. السيدات عموماً يجدن بدائل أقل للقيام بإصلاح سياراتهن المعطلة. الرجل في الغالب قد يكون أكثر قدرة على إصلاح العطب أو ربما يكون أكثر استعداداً للمخاطرة بالمشي في انتظار سيارة مارة تقبل بنقله. بائعة الهوى قد ترى بأن البحّار في فرصته الشاطئية يملك خيارات أقل. ناهيكم عن حاجته الجامحة لخدماتها من الشخص الذي يعيش في المنطقة. والسائقون المسافرون من مدينة إلى أخرى سوف يكون لديهم معلومات أقل حول أسعار بنزين أرخص من السكّان المحليين.
ويبدو أن رجال السياسة يتجاهلون فكرة البدائل، ونعني بذلك أنه عندما يتغير سعر مادة ما فإن الناس سوف يستجيبون لذلك بالسعي لشراء بدائل أرخص. مدينة نيويورك رفعت الرسوم على السجائر بحيث جعلت ثمن علبة السجائر سبع دولارات. ماذا كانت النتيجة؟ لقد نتج عن ذلك قيام سوق سوداء مزدهرة.
في عام 1990 عندما فرض الكونغرس ضريبة عالية على اقتناء اليُخوت والطائرات الخاصة والسيارات المرتفعة الثمن، صرح السيناتور تيد كينيدي ورئيس الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ يومئذ جورج ميتشل، كيف أن الأغنياء سوف يضطرون في النهاية إلى دفع حصتهم العادلة من الضرائب. بيد أن باعة اليخوت أوضحوا في تقاريرهم أنه قد جرى انخفاض في المبيعات بلغت 77 بالمائة كما أن صانعي اليخوت استغنوا عن 25000 عامل يعملون في منشآتهم. ماذا جرى؟ إن كينيدي وميتشل افترضا ببساطة بأن الأغنياء سوف يسلكون نفس السلوك بعد فرض الضريبة الباهظة مثلما كانوا يفعلون قبل ذلك، وأن الفرق الوحيد هو أن أموالاً أكثر سوف تدخل في صناديق الحكومة. لم يكونوا يملكون أية فكرة عن قانون المرونة في الطلب، أي أن الناس لا يستجيبون سلباً لتغير الأسعار. الحقيقة هي أن الناس يستجيبون والمسألة الوحيدة القابلة للنقاش هي كمية الاستجابة وعلى امتداد أية فترة.
إن نظرية المرونة ليست مقتصرة على ما يُعتبر عادة شأنا اقتصاديا؛ إنها تنطبق على جميع أطياف السلوك الإنساني. عندما يسأل والد طفله: “كم من العطايا يجب أن أسلب منك حتى تسلك سلوكاً سوياً؟” هذا سؤال يتعلق بالمرونة بالفعل. وبكلمات أخرى كم يجب أن تبلغ العقوبة حتى يقلل الطفل من سوء سلوكه؟ ومن السهل هنا أن نرى كيف أن نظرية المرونة تنطبق على إنفاذ القانون أيضاً: ماذا يجب أن نفعل لتأكيد المحاسبة والعقاب حتى نجعل المجرمين يرتكبون جرائم أقل؟
النظرية الاقتصادية تنطبق على ذلك بشكل عام. بيد أن كيان المجتمع فيما يتعلق بحقوق الملكية يؤثر في كيفية تطبيق تلك النظرية. الشيءُ ذاته صحيح بالنسبة لنظرية الجاذبية. فبينما أن القاعدة تنطبق عليها بشكل عام، إلا أن ربط مظلة هبوط إلى شيء سائر في الهبوط يُؤثر على كيفية انطباق قانون الجاذبية. مظلة الهبوط لا تلغي قانون الجاذبية، كما أن قوانين حقوق الملكية لا تلغي قوانين العرض والطلب.
حقوق الملكية تشير إلى من يملك السلطة الوحيدة لتقرير كيفية استخدام تلك الثروة. تسمى حقوق الملكية جماعية عندما تقرر الحكومة استخدامات هذه الثروة. وتكون فردية عندما يكون الفرد هو الذي يملكها وله وحده الحق في تقرير كيفية استخداماتها. إن حقوق الملكية الفردية تضفي كذلك على المالك حق الاحتفاظ بِـ وتملك وبيع ومنع الآخرين من استخدام ما يملك.
قد تكون حقوق الملكية محددة تحديداً دقيقاً أو غير دقيق. وقد يكون تطبيقها رخيصاً أو غالي الثمن. هذه وغيرها من العوامل تلعب دوراً مهما في النتائج التي نلاحظها. دعنا ننظر إلى بعض منها.
إن مالك منزل له مصلحة أكبر في مصير منزله من المستأجر. ومع أنه لن يكون موجوداً بعد خمسين إلى مئة سنة من الآن، فإن استخدامات بيته المستقبلية تؤخذ في الحسبان عند تقرير سعر البيع. وهكذا فإن ملاك المنازل يبدون اهتماماً أعظم في العناية وصيانة المنزل من المستأجر. إحدى الوسائل التي تمكن مالك المنزل من جعل المستأجر مشاركا في اهتمامات صاحب الملك هي أن يطلب منه دفع مبالغ تأمين.
وإليكم هنا سؤال تجريبي يتعلق بحقوق الملكية. أية وحدة اقتصادية يحتمل أن تعطي اهتماما أكبر لرغبات عملائها وتسعى لتحقيق أكثر وسائل الإنتاج كفاءة؟ هل هي الكيان الذي يسمح أصحاب القرار فيه بأن يحتفظوا لأنفسهم بالمكاسب المالية نتيجة إرضاء عملائهم والسعي لأساليب إنتاج أكثر كفاءة، أو هل هو الكيان الذي لا يستحق أصحاب القرار فيه المطالبة بأية مزايا مالية؟ فإذا أجبت بأنها الكيان الأول، أي الكيان الذي يتوخى الكسب، اذهب إلى عريف الصف.
وبينما توجد هنالك خلافات منهجية بين الكيانات القابلة للربح وتلك التي لا تتوخى ربحا، فإن أصحاب القرار في كليهما يحاولون تعظيم المداخيل. صاحب القرار في كيان لا يتوخى الربح سوف يسعى في الغالب لتحقيق مكاسب عينية، مثل سجاد فاخر وساعات عمل مريحة وإجازات طويلة ومحاباة للزبائن. لماذا؟ فعلى النقيض من نظيره الذي يتوخى الربح، فإن المكاسب المالية نتيجة السلوك الكفء لن تكون له. كذلك فإن صاحب القرار في كيان لا يقوم على الربح لا يستطيع أن يربح لنفسه المزايا كما لا يتكبد الخسائر، فهنالك ضغط أقل عليه لإرضاء عملائه وللسعي لانتهاج أقل وسائل الإنتاج كلفة.
تغييرات ضريبية
ربما تقول: “بروفيسور ويليامز، بالنسبة للكيانات التي تبغي الربح فإنها في بعض الأحيان تملك سجادا فاخرا كما يتوفر لديها حساب جار كبير، وتنتهج سلوكا مماثلا لأولئك الذين يعملون بالكيانات غير الربحية.” إنك على حق، ومرة أخرى القضية هي قضية حقوق ملكية. الضرائب تغير هيكلية الدخولات المتأتية عن حقوق الملكية. فإذا كانت هنالك ضريبة على الربح فإن أخذ المنافع نقدا يصبح أكثر كلفة. وتصبح أقل كلفة نسبيا أخذ بعض من تلك المكاسب بأشكال غير نقدية.
وليس المدراء وحدهم هم الذين ينتهجون مثل هذا السلوك. ولنفترض أنك في رحلة عمل. تحت أي من السيناريوهات يتوقع منك أن تنزل في فندق سعره 50 دولارا في الليلة وأن تأكل البيرغر كنج؟ السيناريو الأول هو عندما يعطيك رئيس عملك مبلغ 1000 دولارا ويقول لك احتفظ بما يتبقى لك من هذا المبلغ. السيناريو الثاني هو عندما يقول لك أن تقدم له قائمة محددة بالمصاريف التي تكلفتها وانه سوف يعيد إليك مبلغا يصل إلى 1000 دولارا كحد أعلى. بالحالة الأولى فإنك تأخذ لنفسك الربح في إيجاد أرخص وسيلة للقيام بالرحلة، وفي الحالة الثانية فإنك لا تفعل ذلك.
هذه الأمثلة هي مجرد لمحة عن التأثير الذي تمليه حقوق الملكية على تخصيص الموارد. إنها أحد أكثر المواضيع أهمية في مضمار الموضوع الجديد نسبيا في مجال القانون والاقتصاد.
هذا المقال بالتنسيق مع مجلة فريمان (نيسان 2006).
© معهد كيتو، منبر الحرية، 15 شباط 2007.

peshwazarabic5 نوفمبر، 20100

ربما أهداك أحدهم عدداً من مجلة فريمان. هل هذا يعني أن قراءة هذا المقال هو بلا كلفة؟ الجواب هو كلا ثم كلا. فلو لم تكن تقرأ ذلك المقال فلربما كنت تشاهد التلفاز أو تتحدث إلى زوجتك أو تعد واجباتك البيتية. إن ثمن ما تفعل مهما كان، يقاس بما سوف تضحي بعدم عمله. فبينما أنت تقرأ هذا المقال الذي قد يكون ثمنه صفراً، فإنه بكل تأكيد ليس صفراً من حيث الكلفة.
ومن أجل دعم فكرة أن الثمن هو ليس القياس الكامل للكلفة، تصور أنك تعيش في سانت لويس. الحلاق الذي يقص شعرك يحاسبك بـ20 دولاراً ثمناً للحلاقة. ولنفترض أنني أبلغتك بأن هنالك حلاقاً في مدينة شارلستون في جنوب كارولاينا وأنه يحاسبك بخمس دولارات لقصة مماثلة، فهل تعتبر بأن الحلقة في شارلستون أرخص؟ فبينما كلفة الحلقة أقل فإن الكلفة العامة سوف تكون أكثر كثيراً من ذلك من حيث الوقت والسفر وغير ذلك من النفقات التي سوف تتكبدها إذا قررت الحلاقة في مدينة شارلستون.
الناس يفكرون وهم على خطأ من أمرهم بأن الكلفة هي الكلفة المادية فقط، بيد أن ما يتم التضحية به عندما يتم عمل اختيار معين يمكن أن يشمل الهواء النظيف، أو الراحة، أو الأخلاق، أو السكينة، أو الراحة البيتية، أو الأمن، أو أي قيمة أخرى. وعلى سبيل المثال، فإن الكلفة المتوقعة للسهر في الخارج مع الأولاد قد يعني التضحية براحة منزلية.
الكلفة تؤثر على خياراتنا في العديد من الطرق، ومن أجل المضي في هذا البحث فإننا سوف نفترض بأن جميع الكلف المتعلقة بأي خيار معين سوف يتحملها صاحب الاختيار.
إن أحد أهم الاستخلاصات العامة التي يمكننا التوصل إليها فيما يتعلق بالسلوك البشري هي أنه كلما ارتفعت كلفة أي اختيار معين كلما قل احتمال اختياره، وأنه كلما قلت كلفته كلما زادت الرغبة في اختياره. هذا التعميم هو جوهر قانون الطلب. ومن أجل التبسيط دعونا نفترض أسعار نفقات الخطوة بينما نحتفظ بكل شيء آخر قد يؤثر على الاختيار ثابتاً. ويمكن التعبير عن قانون الطلب بوسائل عدة… فكلما قل سعر الشيء كلما زاد الطلب عليه؛ والعكس هو الصحيح بالنسبة للسعر الأعلى، ونستطيع أن نقول أيضاً بأنه يوجد سعر من شأنه أن يحفز على الشراء من منتج ما. وأخيراً هنالك علاقة عكسية بين سعر بضاعة والكمية التي يطلب منها.لماذا يسلك الناس مثل هذا السلوك؟ الجواب هو بكلمة أو اثنتين أن الناس يحاولون أن يكونوا بأكبر قدر ممكن من السعادة. وعلى سبيل المثال إذا ما وعندما يرتفع سعر البترول فإن الناس بكل بساطة يتجاهلون الارتفاع بالسعر وسوف يتوفر لديهم مال أقل للصرف على أغراض أخرى وأن يكونوا أقل سعادة. فإذا ما اختاروا بدائل لسعر البترول الأعلى فسوف يتوفر لديهم مال أكثر مما يجعلهم أكثر سعادة. ولهذا السبب فإن ارتفاع أسعار البترول تعطي الناس الدافع لشراء أدوات عزل أكثر، وشراء نوافذ أفضل، وارتداء ملابس أكثر دفءً، وربما حتى الانتقال إلى بلد طقسه أكثر دفءً. هذه الخيارات وكثير غيرها هي بدائل تتيح لك استهلاك كمية بترول أقل.
وعندما يقول أناسٌ بأن كمية معينة من شيء ما هي ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها، فإن مثل هذا القول قد يعني أن قانون الطلب غير موجود وانه لا توجد هنالك بدائل. إن هذا القول غير صحيح—ولننظر إلى حالة شخص يعاني من مرض السكري. هل يستطيع الاستمرار في العيش دون أخذ 50 وحدة من الإنسولين يومياً؟ قانون الطلب يقول أنه عندما يكون السعر في حد معين ولنقل 1000 دولاراً للوحدة فإنه يستطيع الاستغناء عنه. فهنالك دائماً بديل واحد على الأقل لأي منتج: أن يستغني المرء عن ذلك الشيء كلياً. وفي حالة مريض السكري فإن هذا يعني الاستغناء عن الإنسولين. ومع أن الاستغناء عن الإنسولين له نتائج غير محمودة فإنه بديل ممكن عندما تصل وحدة الإنسولين إلى 1000 دولاراً. ربما تقول: “وليامز، هذا النوع من التحليل الاقتصادي ينطوي على القساوة!” ولكنه ليس أكثر قساوة من قانون الجاذبية الذي يتنبأ بأنه إذا قفزت من ناطحة سحاب فإنك سوف تموت. النتيجتان كلاهما غير مشوقتين، ولكن هذه هي الحقيقة. وفي الحقيقة، فإن ملايين من البشر على امتداد العالم مضطرون إلى تحمل النتيجة المأساوية الناتجة عن عدم أخذ الإنسولين.
هنالك تعقيد فيما يتعلق بقانون الطلب إذ يقول: كلما انخفض السعر كلما ابتاع الناس أكثر من ذلك المنتج، وكلما ارتفع السعر كلما قل الطلب. إن من الأهمية بمكان إدراك أن الأسعار النسبية هي التي تقرر الخيارات وليس الأسعار الكلية. فالسعر النسبي هو سعر يقيَّم من حيث قياسه بسعر آخر. وإليكم هذا المثل على ذلك؛ الحقيقة أن ما سأقوله هي حيلة أداعب بها تلاميذ السنة الجامعية الأولى. لنفترض بأن شركتك قد عرضت عليك مضاعفة راتبك إذا قبلت بنقلك إلى فيربانكس في ولاية آلاسكا. هل ستعتبر مثل هذا العرض صفقة جيدة وتقبل بالعرض؟ بعض الطلبة بدون تفكير أجابوا بنعم. ثم أسأل ماذا إذا وجدت عند وصولك أن الإيجارات هي ضعف ما تدفع حالياً من إيجارات، وأن أسعار الأكل والملبس والبترول وغير ذلك من الحاجيات هي ثلاثة إلى أربعة أضعاف الكلفة التي تدفعها حالياً. النتيجة هي أنه في الوقت الذي قد تضاعف فيه راتبك بشكل كلي، فإن راتبك إذا ما قيس بالأسعار الأخرى قد هبط.
ومثال آخر محيرٌ بشكل أكبر، هو أن الأسعار النسبية وليس الأسعار الكلية التي تؤثر على السلوك هي ناتجة عن ملاحظة أن الأزواج الذين لديهم أطفال، والذين لا يمكن أن يتركوا وحدهم، يتجهون إلى اختيار سهرات أكثر كلفة من الزوجين الذين ليس لديهما أطفال. إن دخل الزوجين وأذواقهما ليس لهما سوى تأثير قليل على قرارهما؛ إن ما يقرر اختيارهما هو الأسعار النسبية. فبالاحتفاظ بالأعداد الصغيرة، ولنقل سهرة عالية الكلفة، العشاء مع حضور حفل موسيقي، فإن السعر هو 50 دولاراً والسعر الأقل، أي الذهاب إلى السينما هو 20 دولاراً. إن اختيار العشاء والحفل الموسيقي بكلفة 50 دولاراً يتطلب من الزوجين بدون أطفال التضحية بفيلمين ونصف الفيلم بنفس الكلفة.
الزوجان اللذان لديهما أطفال يدفعون 10 دولارات لجليسة الأطفال، سواء ذهبوا إلى سهرتهم الغالية أو السهر الأقل كلفة. فإذا ما أخذنا في الحسبان كلفة جليسة الأطفال فإن كلفة العشاء والحفل الموسيقي سوف تكلفهما 60 دولاراً وحضور السينما 30 دولاراً. وفي اختيارهما للعشاء مع الحفل الموسيقي فإنهما ضحيا بفيلمين فقط. لذا فإن هذه السهرة هي نسبياً أرخص للزوجين مع الأطفال. وما دام أنها أرخص، فإننا نتوقع من الزوجين الذين لديهما أطفال اختيار السهرة الأكثر كلفة. لا يحتاج الأمر إلى تحليل اقتصادي للوصول إلى هذه النتيجة.
قد يقترح الزوج “عزيزتي، دعينا نستأجر جليسة أطفال ونذهب إلى السينما”، وتجيب الزوجة قائلة “هذا ليس اختياراً جيداً. ذلك أن علينا أن ندفع 10 دولارات لجليسة الأطفال سواء ذهبنا إلى السهرة الرخيصة أو إلى السهرة الغالية، لذا فلماذا لا نأخذ أقسى ما يقابل المال الذي سننفقه فنذهب إلى العشاء ونحضر الحفل الموسيقي؟”
إرتفاع أسعار القهوة
وإليكم مثلاً آخر عن الارتفاع النسبي للأسعار؟ لنفترض أن سعر رطل من القهوة اليوم هو دولار واحد، وأنك بالمعتاد تشتري رطلين كل أسبوع. ثم تسمع أنباءً بأن الصقيع في البرازيل قد دمر معظم محصول القهوة وأنه يُتوقع أن ترتفع أسعار القهوة قريباً. ماذا سوف تفعل في هذه الحالة ولماذا؟ إنني أخمن بأنك ربما تشتري الآن كميات أكبر، ولكن لماذا؟ الشخص العادي سوف يجيب بأنه يفعل ذلك من أجل توفير المال. هذه إجابة مقبولة، بيد أنها لا تغطي الحقيقة كلها. مرة أخرى فإن قانون الطلب هو الذي يفعل فعله. فإذا كان من المتوقع أن ترتفع أسعار القهوة في الأسبوع القادم فإن هذا يعني بأن أسعار القهوة لهذا الأسبوع قد هبطت نسبة إلى ما ستكون عليه في الأسبوع القادم، وقانون الطلب يقول بأنه عندما ينخفض سعر سلعة ما فلسوف يشتري الناس كميات أكبر. إن هذا القانون يعمل بشكل عكسي أيضاً. فإذا كان من المتوقع أن تنخفض الأسعار في الأسبوع القادم، فإنك سوف تشتري كمية أقل من القهوة هذا الأسبوع. لماذا؟ لأن أسعار القهوة تكون قد ارتفعت هذا الأسبوع بالنسبة لما سوف تكون عليه في الأسبوع القادم.
قد يخطر ببالك أن تعتبر هذا التحليل للقهوة بأنه تبسيط للأمور، بيد أن هذا المثل هو خلف المبدأ الأساسي الذي يكوّن تعقيدات الأسواق المستقبلية مثل سوق تبادل السلع في شيكاغو حيث يصبح الناس كمضاربين أغنياء حيناً وفقراء حيناً آخر وهم يتنبئون بأسعار السلع في المستقبل.
محاضرتنا التالية سوف تبحث عما يقوله قانون الطلب فيما يتعلق بالتمييز السعري وغير ذلك من الخيارات التي نتخذها.
هذا المقال بالتنسيق مع مجلة فريمان (كانون الأول 2005).
© معهد كيتو، منبر الحرية، 15 كانون الثاني 2007.

peshwazarabic5 نوفمبر، 20100

هنالك أربعة أطياف من السلوك التي تقع تحت اسم السلوك الاقتصادي: الإنتاج، الاستهلاك، التبادل، والتخصص.
الإنتاج هو أي سلوك من شأنه خلق منفعة، أي أنه يرفع من القدرة على تلبية الرغبات، لشيء من الأشياء. عندما يقوم مصنع حديد بصهره، فإنه يرفع قدرته على تلبية الطلب له، عن طريق تغيير شكله. إن قدرته على تلبية مطلب تزداد ارتفاعاً عندما تتحول إلى فولاذ، والفولاذ إلى قضبان وزوايا ربط وغيرها. الإنتاج يشمل أيضاً تغيير المعالم المساحية للبضاعة. إن برتقالاً نافلاً ليس له خصائص جذب لسكان فيلادلفيا إذا كان البرتقال في كاليفورنيا. الشخص الذي يُسمى في بعض الأوقات “الوسيط،” أو “بائع الجملة،” يغير المعالم المساحية للبرتقال عن طريق نقله من كاليفورنيا إلى فيلادلفيا، وبالتالي رفع قدرته على تلبية الرغبات إلى سكان فيلادلفيا.
الاستهلاك سهل. إنه ببساطة تخفيض النفع، قدرة تلبية الرغبة لشيء ما. عندما آكل همبرغر، فإنني أنقص قدرته على تلبية الرغبة. وعندما أسوق سيارتي، فإنني أقلل قدرتها على تلبية المطلب. وبالمناسبة، إذا كان الإنتاج أكبر من الاستهلاك، فإن النتيجة تسمى الادخار، وإذا كان الأمر عكس ذلك، فإننا نسميه عدم الادخار.
التبادل هو أكثر تعقيداً بقليل؛ وإذا أسيء فهمه، فقد يؤدي إلى كثير من الفوضى وسوء التصرف. جوهر التبادل هو نقل حقوق الملكية. هذا ما يحدث عندما أشتري جالوناً من الحليب من البقّال. أقول له إنني أملك حقوق ملكية على الدولارات الثلاث التي بحوزتي، وهو يملك حقوق التملك لجالون الحليب. ومن ثم أقول له “إذا نقلت حقك في ملكية هذا الجالون من الحليب، فإنني سوف أنقل حقوق ملكيتي في تلك الدولارات الثلاث.”
كلما وقع تبادل طوعي، فإن الإستنتاج الواضح الوحيد الذي يمكن أن يتوصل إليه المراقب هو أن الفريقين في رأيهما—وليس في رأيك أو رأي أي إنسان آخر—هو أنهما كانا على قناعة بأن وضع كل منهما قد أصبح أفضل نتيجة التبادل، وإلا لما أقدما على التبادل. كنت حراً في الاحتفاظ بدولاراتي الثلاث، وكان البقّال حراً في الاحتفاظ بحليبه.
إذا كنت تفكر بأن من الواضح بأن الفريقين قد استفادا من التبادل الطوعي، فلماذا إذاً نسمع كلاماً عن استغلال العمال؟ لنقل بأنك تعرض عليَّ أجراً مقداره دولارين في الساعة. أنا حر بأن أقبل أو أرفض عرضك. لذا فماذا يمكن أن نستخلص إذا ما شاهدتني أعمل لك مقابل أجر الدولارين في الساعة؟
إحدى الاستخلاصات الواضحة هي أنني لا بد وأن أكون قد توقعت الاستفادة من عرضك بدلاً من قبول أي عرض يليه. لا بد أن أكون قد اقتنعت بأن جميع البدائل الأخرى كانت أقل فائدة لي، وإلا لما قبلت بعرض الدولارين في الساعة. هل هو مناسب القول بأنك قد استغلّيتني عندما قدّمتَ لي أحسن العروض؟ وبدلاً من استخدام كلمة استغلال، كان أنسب لو قلت بأنك تتمنى لو كان هنالك بدائل أفضل.
وبينما قد يصف الناس عرض دولارين في الساعة كاستغلال، فإنهم لن يقولوا الشيء ذاته إذا كان العرض 50 دولاراً في الساعة. لذا، وفي معظم الأحوال، عندما يستخدم الناس عبارة استغلال، بالإشارة إلى التبادل الطوعي، فإنهم في الحقيقة يعربون عن عدم رضاهم عن السعر. إذا ساوينا بين عدم الرضا عن السعر وبين الاستغلال، فإن الاستغلال في هذه الحالة منتشر. على سبيل المثال، فإنني لست غير راضٍ فقط عن راتبي، بل إنني، كذلك، غير راضٍ عن سعر طائرة الجلف ستريم النفاثة الخاصة.
إنني لا أدعو بأي حال من الأحوال بأن يفرغ المرء مفرداته اللغوية عن تعبير “استغلال.” إنه لفظ قيّمٌ لخداع الآخرين، ولكن وفي غضون ذلك، يجب أن لا يستخدم لخداع النفس. إنني أُذكّرُ نفسي باتهامات الاستغلال التي كانت توجهها لي زوجتي في مطلع زواجنا منذ 45 عاماً. كانت تقول: “وولتر، إنك تستغلني!”. وكنت أجيبها قائلاً: “عزيزتي، إنني أستغلك بكل تأكيد. ولو لم يكن لي استفادة منك لما تزوجتك في المقام الأول.” كم هم الناس الذين يتزوجون من شخص لا يجدون فيه أي نفع؟ وفي الحقيقة، فإن مشكلة القلوب المنعزلة بيننا هي أنها لا تجد أناساً تستخدمهم.
التخصص يحدث عندما ينتج الناس من بضاعة أكثر مما يستطيعون استهلاكها، أو يفكرون في استهلاكها. والتخصص يمكن أن يتم على أسس الفرد أو الإقليم أو الوطن. هاكم أمثلة على كل منها: عمال صناعة السيارات في ديترويت ينتجون من أجهزة الكرانك شافت (العامود المرفقي) أكثر مما يستهلكون أو يعتزموا الاستهلاك منها؛ مزارعو حمضيات كاليفورنيا ينتجون من برتقال نافل أكثر مما يستهلكون أو يعتزمون الاستهلاك منه؛ ومزارعو القهوة في البرازيل ينتجون من القهوة أكثر مما يستهلكون أو يعتزمون الاستهلاك منها.
وهنالك شرطان للتخصص: يجب أن تتوفر معطيات موارد غير متكافئة، وفرص التجارة. معطيات الموارد غير المتكافئة تعني أن الفرد يملك المهارة، أو أن الإقليم، أو الأمة، يملك الأرض والعمالة ورأس المال وقوة المبادرة، بحيث أنه يستطيع هو، أو هي، إنتاج أشياء معينة برخص أكثر من كلفة شخص آخر، أو منطقة أو أمة.
على سبيل المثال، ومع أنه بالإمكان زراعة الحنطة والقمح في اليابان، فإن ذلك سوف يكون غالي الثمن. لماذا؟ ذلك لأن زراعات مثل الحنطة والقمح تستخدم أراضٍ واسعة. واليابان بلد فقير نسبياً بالأراضي. هذا يعني أن الأراضي اليابانية غالية نسبياً. وعلى النقيض من ذلك فإن الولايات المتحدة غنية بالأراضي، لذا فإنها تستطيع إنتاج القمح بكلفة أقل نسبياً. ومن هنا يتبين أن من الفطنة وحسن الاختيار أن تعمد الولايات المتحدة إلى استغلال ما تستطيع أن تفعله بكلفة أقل—أي التخصص في إنتاج الحبوب—بينما يتعين على اليابان أن تتخصص فيما يمكن أن تنتجه بكلفة أقل—ولنقل، عدسات الكاميرا.
وحتى يمكن للتخصص أن يتم، يجب توفر فرص التجارة. فليس من الممكن أو المفيد للمزارعين الأمريكيين إنتاج حبوب أكثر مما يستطيعون استهلاكها أو يخططون لاستهلاكها إذا لم يكن باستطاعتهم الاتجار بذلك الفائض. كما أنه ليس من حسن الاختيار في شيء للمنتجين اليابانيين إنتاج عدسات كاميرات بكميات أكبر مما يستطيعون استهلاكها أو يخططون لاستهلاكها إذا لم يستطيعوا الاتجار بذلك الفائض.
ولننظر ماذا يحدث إذا ما فرضت الحكومة اليابانية قيوداً على استيراد القمح الأمريكي. المزارعون اليابانيون يستطيعون عندها فرض أسعار احتكارية واستيفاء مداخيل أعلى، بينما يدفع المستهلكون اليابانيون أسعاراً أعلى. فهل تعتبره استجابة ذكية أن تقدم حكومة الولايات المتحدة على اتخاذ إجراءات مضادة ضد اليابان عن طريق فرض قيود على استيراد عدسات الكاميرات اليابانية، بحيث تسمح لمنتجي تلك العدسات الأمريكيين بفرض أسعار احتكارية أعلى وفي الوقت ذاته أن يدفع المستهلكون الأمريكيون أسعاراً أعلى؟ أو لنضع الأمر بشكل آخر، هل من الحكمة أو الفطنة لحكومة الولايات المتحدة أن تلحق الضرر بالمستهلكين الأمريكيين بسبب أن اليابان قد ألحقت الضرر بمستهلكيها؟
جعل الناس معتمدين على بعضهم بعضاً
إن التخصص والتجارة يجعلان الناس معتمدين على بعضهم بعضاً لتلبية حاجاتهم ورغباتهم اليومية. كم هو عدد من ينتجون نظارات عيونهم أو ينتجون سياراتهم أو يبنون منازلهم أو يخيطون ملابسهم أو ينتجون أكلهم؟ إننا نستطيع الحصول على كل هذه البضائع والرغبات عن طريق التخصص فيما نستطيع التميز به والاتجار مع الآخرين فيما يتميز بإنتاجه وصنعه الآخرون. فمن خلال التخصص والتجارة يمكن أن نسمي ما يجري “الاستعانة بمصادر خارجية،” ذلك أننا سوف نتمتع بتلك المنتجات كما لو أننا قد أنتجناها بأنفسنا. وفي الحقيقة فإن التخصص هو الوسيلة البديلة للإنتاج. وبهذه المناسبة أود أن أذكر بأن كل من يطالب بالاستقلالية، سواء كان فرداً أو إقليماً أو وطناً، من شأنه أن يجعلنا أكثر فقراً. ولا يهم ماذا كان يطلبونه تحت شعار الاستقلالية: الاستقلالية في الطاقة، أو الاستقلالية في صنع الملابس، أو الاستقلالية في إنتاج القهوة.
ودعونا الآن ننظر إلى عدد قليل من البيانات المضللة فيما يتعلق بالتجارة الدولية. الولايات المتحدة تتاجر مع اليابان. هل يعتقد أي إنسان بأن الذي يتاجر هو الكونغرس الأمريكي مع أقرانه في البرلمان الياباني؟ إن من يتاجر هم الأفراد الأمريكيون مع الأفراد اليابانيين من خلال الوسطاء. وماذا عن “التجارة العادلة”؟ إذا اشتريت عدسات كاميرا من صناعة اليابان طوعاً ووفق شروط متفق عليها من الجانبين فإنك على الأغلب سوف تكون مقتنعاً بأنها كانت صفقة عادلة، وإلا لاحتفظت بمالك في جيبك. ربما يصف منتج عدسات كاميرا أمريكي تلك الصفقة بأنها “غير عادلة” لأنه لم يستطع أن يبيعك عدساته بسعر أعلى. النظرية الاقتصادية لا تستطيع الإجابة على أسئلة تقييمية مثل ما إذا كان من الأعدل لو دفعت ثمناً أعلى؛ إنها تستطيع أن تقول فقط بأن السعر الأعلى سوف يؤدي إلى إنقاص ما تملك من دولارات يمكن صرفها على أغراض أخرى.
البحث القادم في هذه السلسلة سوف يركز على أحد أهم النظريات الاقتصادية: الكلفة.
هذا المقال بالتنسيق مع مجلة فريمان (أيلول 2005).
© معهد كيتو، منبر الحرية، 2 كانون الثاني 2007.

peshwazarabic5 نوفمبر، 20100

لأول مرة منذ 37 سنة، لم أُعلِّمْ خلال فصل الخريف الماضي. لا، إنني لم أتقاعد. لقد مُنحتُ إجازة تقديراً لخدمتي لدورتين اثنتين كرئيس للدائرة في جامعة جورج ميسن. الإجازة مُستحقة بعد الرئاسة—وهي وظيفة شبيهة برعاية القطط.
خلال فصول الخريف، فإنني، كمُخطَّط مُتَّبعْ، أُدرِّسُ تلامذة السنة الأولى لدرجة الدكتوراة في موضوع الاقتصاد الجزئي. ومدفوعاً من محبتي للتعليم، فقد قررت أن لا أترك العمل كلياً، بل إعطاء بضع محاضرات حول مبادئ الاقتصاد الأساسية للقرّاء. ولنسمي هذه المجموعة من المحاضرات “علم الاقتصاد للمواطن”.
أول درس في النظرية الاقتصادية هي أننا نعيش في عالم شُحِّ الموارد. الشح هو الحالة التي تتجاوز فيها متطلبات الإنسان الوسائل لتوفيرها لمن يرغب فيها. الرغبات والمتطلبات للإنسان يُفترضُ أن لا تكون محدودة، أو على الأقل، فإنها في كثير من الأحيان، لا تكشف النقاب عن محدوديتها. الناس دائماً يرغبون في الحصول على المزيد من أي شيء، سواء كانت سيارات أكثر، أو أكلاً، أو حُباً أو سعادة، أو سِلماً أو عناية صحية، أو هواءً أنقى، أو عطاءً خيرياً أكبر. إن قدراتنا ومواردنا لتلبية جميع رغبات الإنسان هي محدودة بالفعل. هنالك فقط كميات محدودة من الأرض والحديد والعمال وسنوات العمر.
القلة (الندرة) تسبب عدة مشاكل اقتصادية: ماذا يجب أن يُنتَج، ومن الذي سيحصل على ما يُنتَج، وكيف السبيل للإنتاج، ومتى يجب أن يُنتَج؟ على سبيل المثال، كثير من الأمريكيين، والأجانب أيضاً، يحبون أن يكون لهم منزل للسكن أو للإجازات، على امتداد الألف ميل من سواحل كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن. وترغب شركات النقل البحري في استخدام جزءٍ من هذا الساحل كموانئ، ووزارة الدفاع الأمريكية تود استخدامها كمنشآت عسكرية. بكل بساطة، لا يوجد على الساحل ما يكفي لتلبية الرغبات والاستخدامات المنافسة. هذا يعني أنه يوجد نزاع حول ملكية الشواطئ واستخداماتها. لو كانت رغبات الإنسان محدودة، ولو كانت الموارد اللازمة لتلبيتها غير محدودة، لما كانت هنالك مشكلة اقتصادية، ولما نشأ نزاع.
وكلما كان هنالك نزاع، وَجَبَ إيجاد الوسائل اللازمة لحله. هنالك عدة طرائق لحل النزاع. أولاً، هنالك آلية السوق. وفي المثل الذي أوردته حول استخدامات الأراضي، فإن من يدفع السعر الأعلى هو الذي سوف يملك الأرض، ويقرر كيفية استخداماتها. ثم هنالك مراسيم الحكومة، التي تفرض من له الحق في استخدام الأرض، ولأي هدف. العطايا قد تكون الوسيلة، والتي يقرر بموجبها المالك عشوائياً لمن يعطي أرضه. وأخيراً، العنف، وهو وسيلة لحل مسألة من له حق استغلال السواحل—دعوا الناس يتسلحون ويقتتلون لتقرير ذلك.
في هذا المنعطف، قد يقول البعض، من منطلق إيماني أخلاقي: “العنف ليس الوسيلة لحل النزاع بأي شكل من الأشكال!”، وقد يكون ذلك مقبولاً. بيد أن القرار حول من له حق استعمال معظم سطح الأرض كان قد تقرر من خلال العنف (الحروب). حقي في الدخل الذي أكسبه يتقرر جزئياً من خلال التهديد بالعنف، وأعني بذلك حكومتنا، التي، ومن خلال القوانين الضرائبية، تقرر بأن المزارعين، والقطاعات الاقتصادية، والفقراء، لهم حقوق في دخلي. وفي الحقيقة، فإن العنف هو من الفعالية في حل النزاعات، بحيث أن معظم الحكومات ترغب في الاستئثار باستخدامه حصراً.
ما هي أفضل الطرق لحل النزاعات الناشئة عن مسألة ماذا يجب أن يُنتج، كيف ومتى ينتج، ومن هو الذي سيحصل عليه؟ هل هي آلية السوق، القوانين الحكومية، العطايا، أم العنف؟
الجواب هو أن النظرية الاقتصادية لا تستطيع الإجابة على مسألة تقييمية. المسائل التقييمية هي التي تتعامل مع ما هو أفضل وما هو أسوأ. لا توجد نظرية تستطيع الإجابة على مسائل تتعلق بما هو أفضل وما هو أسوأ. حاول أن تسأل أستاذ الفيزياء: ما هي الحالة الأفضل أو الأسوأ: الغاز المجمد، الغاز السائل أو حالة البلازما؟ إنه، على الأغلب، سوف ينظر إليك وكأنك معتوه؛ إنه سؤال سخيف لا معنى له. ومن ناحية أخرى، إذا سألت أستاذ الفيزياء ما هي أرخص وسيلة لدقِّ مسمار في لوحة، فإنه ربما يجيب بأنه الحالة الصلبة. إنها الحالة ذاتها بالنسبة للنظرية الاقتصادية. ونعني بذلك، أنه لو سألت معظم الاقتصاديين أية وسيلة لحل الخلافات ينتج عنها الخير والرخاء الأعظم، فإنهم، على الغالب سوف يجيبون بأن تلك الوسيلة هي آلية السوق.
جوهر الموضوع هو أن النظرية الاقتصادية موضوعية وغير تقييمية، ولا تستطيع أن تعطي أحكاماً تقييمية. النظرية الاقتصادية تعالج ما كان، وما هو الآن، وماذا سوف يصبح، وعلى النقيض من ذلك، فإن المسائل المتعلقة بالسياسة الاقتصادية هي تقييمية وغير موضوعية، وتعطي إجابات تقييمية—أسئلة مثل: هل يتوجب أن نحارب البطالة أم التضخم؟ هل يجب أن ننفق أموالاً أكثر على التعليم؟ وهل يجب أن تكون ضريبة الأرباح 15 أو 20%؟
قال أحدهم يوماً أنه لو جمعنا جميع علماء الاقتصاد في العالم وصففناهم جنباً إلى جنب، فإنهم لن يستطيعوا أبداً التوصل إلى نتيجة موحدة. علماء الاقتصاد هم مثل سائر الناس، وبالتالي فإن لهم آراء وقيم. وبذا، فإن معظم الخلافات بين رجال الاقتصاد تنبثق من الأحكام التقييمية. وخلافاً لذلك، هنالك اتفاق واسع حول جوهر النظرية.
الحقائق والمستويات
من المهم الفصل بين الأحكام غير التقييمية والأحكام التقييمية، لذا دعوني أتوسع. خذوا القول الآتي “إن أبعاد هذه الغرفة هي 30×40 قدماً”. هذا قول موضوعي. لماذا؟ لأنه لو كان هنالك أي اختلاف، فهناك حقائق تجريبية ومقاييس متفق عليها بشكل عام يمكن اللجوء إليهما لحل الخلاف، ونعني بذلك إخراج مسطرة قياس. قارن ذلك القول بالقول التالي: “كان يجب أن تكون مقاييس الغرفة 20×80 قدماً”. ولنقل أن شخصاً آخر اختلف وقال إن المقاييس يجب أن تكون 50×50 قدماً. ليست هنالك حقائق أو مقاييس متفق عليها لحل مثل هذا الخلاف. كذلك الحال، فلا توجد حقائق أو مقاييس يمكن اللجوء إليها لحل الخلاف حول ما إذا كان يتوجب أن تكون ضريبة الأرباح 15 إلى 20%، أو أن من الأفضل مكافحة التضخم أو البطالة.
الأهمية في معرفة ما إذا كان بياناً يعتبر موضوعياً أو تقييمياً هو أنه في الحالة الأولى هنالك حقائق لفض الخلاف، ولكن لا توجد مثل هذه الحقائق في الثانية، إنها مسألة رأي ليس إلا، ورأي إنسانٍ هو جيد مثل رأي إنسان آخر. وكإشارة لمعرفة ما إذا كان البيان تقييمياً هي لدى استخدام كلمات فيه مثل: “يجب” و”يتوجب”.
في مطلع كل فصل من فصول التعليم، فإنني أقول لتلامذتي بأن موضوع النظرية الاقتصادية سوف يعالج النظرية الاقتصادية الموضوعية وغير التقييمية. كما أنني أقول لهم بأنهم إذا سمعوني أتحدث عن بيان تقييمي دون أن أكون قد بدأت بالملاحظة بـ”أنه في رأيي”، فيجب عليهم في تلك الحالة أن يرفعوا أيديهم وأن يقولوا “بروفيسور وليامز: نحن لم نقرر أخذ هذا الدرس لكي تعبئ عقولنا بآرائك الشخصية وأن تُسمي تلك الآراء نظرية اقتصادية. مثل ذلك هو [تزييف أكاديمي]”. كما أنني أبلغهم بأنه في اللحظة التي يسمعونني أقول “في رأيي”، فإن عليهم التوقف عن كتابة الملاحظات لأن آرائي ليست ذات علاقة بموضوع الفصل ألا وهو—النظرية الاقتصادية.
وإنني أختم هذا الجزء من المحاضرة بإبلاغ تلامذتي بأنني لا أعني أن أطلب منهم تطهير مفردات لغتهم من الكلمات التقييمية الذاتية. مثل تلك الآراء أدوات مفيدة لخداع الآخرين، ولكن في عمل ذلك يجب أن لا يخدع الإنسان نفسه. تقول لوالدك بأنك في حاجة قصوى لاقتناء تلفون متنقل وأنه يجب أن يبتاعه لك. لا يوجد هنالك أي إثبات بأنك تحتاج بالفعل إلى تلفون متنقل. ذلك أن جورج واشنطن استطاع أن يقود أمتنا لهزيمة بريطانيا، أقوى قوة على الأرض في ذلك الزمان، دون أن يملك تلفوناً متنقلاً.
أنا شخصياً أعتقد بأن الاقتصاد موضوع مثير وذو قيمة. علم الاقتصاد، أكثر من أي شيء آخر، هو أسلوب في التفكير. الناس الذين وجدوا موضوع علم الاقتصاد في دراستهم الجامعية حلماً مزعجاً هم ببساطة لم يكن لهم أستاذ اقتصاد جيد. لقد أصبحت بروفيسوراً جيداً نتيجة وجود أساتذة مثابرين خلال دراستي المتقدمة في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجيلس. البروفسور آرمن ألكيان، وهو أستاذ اقتصاد متميز، كان يعطينا وقتاً صعباً في الصف. ولكن، في يوم من الأيام، كنا في حديث ودّي خلال اجتماعات دائرتنا الأسبوعية بين الطلبة والأساتذة، عندما قال لي: “وليامز، المقياس الصحيح لمعرفة ما إذا كان تلميذ قد استوعب موضوعه هو قدرته على شرحه لشخص آخر لا يعرف أي شيء عن الموضوع”.
هذا هو التحدي الذي أُحب: جعل درس الاقتصاد محبباً ومفهوماً.
البحث القادم في سلسلة “علم الاقتصاد للمواطن” سوف يكون أكثر إثارة. وسوف أتحدث عن أنواع السلوك التي يمكن تسميتها بالسلوك الاقتصادي.
هذا المقال بالتنسيق مع مجلة فريمان (أيار 2005).
© معهد كيتو، منبر الحرية، 14 كانون الأول 2006.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018