يقول ديفيد كاميرون (زعيم حزب المحافظين البريطاني): “آن الأوان لنعترف بأنه هناك أمور كثيرة أخرى للحياة غير المال، وآن الأوان للتركيز على الرفاه العام (والتي يعني بها السعادة) بدلا من التركيز على الناتج المحلي الإجمالي فحسب.” مع تصديق وتأييد كاميرون، أصبحت سياسات السعادة رسميا مسألة متعددة الحزبية، ولم تعد ملكا لنظير حزب العمل ريتشارد لايارد والاشتراكيين الديمقراطيين الآخرين. ولماذا لا يكون الأمر هكذا؟ بالتأكيد لا أحد يُجادل في أنه هناك أمور كثيرة هامة للحياة عدا عن المال، أو للسياسة عدا عن حجم الاقتصاد. مع ذلك، فإن مقارنة كاميرون تعني أن زيادة الرفاه العام قد تأتي على حساب نمو الناتج المحلي الإجمالي وتحرير الاقتصاد. علاوة على ذلك، إذا كنت حقا تُقرّ بالاهتمام بالسعادة، فيجب عندئذ أن تعني أيضا بالحرية الاقتصادية والنمو الاقتصادي. فإن سعادتنا تتوقف عليهما أكثر من أي شيء آخر تقريبا.
يُجرى في الغالب ما يُسمى بـ”أبحاث السعادة” مع المسوحات التي تسأل الناس ببساطة عن درجة سعادتهم، وتُربط هذه الإجابات بأخرى تتعلق بالدخل ووضع الأسرة والوظائف وأمور أخرى عديدة. وجاءت معظم النتائج التي تم تسجيلها من هذه المسوحات كالآتي: بالرغم من أن متوسط الدخل الحقيقي قد ازداد إلى أكثر من الضعف في البلدان المتقدمة منذ منتصف القرن، فإن متوسط الشعور بالسعادة لم يتزحزح ولم يتغير. ومع ذلك، وبالرغم من ثبات اتجاه السعادة خلال العقود، فإن الأغنياء هم الأكثر احتمالا من غيرهم في وصف أنفسهم بـ”سعيدين جدا” في أي وقت، الأمر الذي حمل عددا من الباحثين على الاستنتاج أن الناس يضعون قدرا كبيرا من الاهتمام بمركزهم النسبي في سُلّم الدخل يتجاوز اهتمامهم بالمستوى المطلق لثروتهم. وبما أن قوانين الرياضيات الجامدة تضمن أنه من غير الممكن ضغط أكثر من 20% من السكان ضمن الخُمس الأعلى لتوزيع الدخل—مهما كان حجم الاقتصاد كبيرا—فإن ذلك يدفع إلى الاعتقاد بأن حجم الاقتصاد والنمو الاقتصادي لا يهمان.
إن هذا النوع من التفكير تحديدا يدفع الاقتصاديين مثل آندرو أوزوالد من جامعة وارويك لكتابة مقالات بعنوان “كان الهيبّيون مُحقين بشأن السعادة”، والتي تُناقش أن “الأعمال الإحصائية الجديدة التي قام بها علماء النفس والاقتصاد” أثبتت أنه “حين تمتلىء مستودعات دولة ما بالطعام، فلا داعي لأن تصبح تلك الدولة أكثر ثراء”.
هل هذا حقا ما تُبيّنه الأعمال الإحصائية الجديدة؟ أظهرت دراسة حديثة حول السعادة الذاتية لحوالي 400000 شخص من دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية قام بها كل من رافائيل دي تيلا من جامعة هارفارد وروبرت ماكولوش من كلية إمبيريال أنه في حين لا يوجد تأثير إيجابي ضخم لأي متغير واحد على متوسط السعادة على مر الزمن، فإنه لا يوجد لأي منها تأثير أكبر من تأثير الناتج المحلي الإجمالي للشخص، باستثناء متوسط العمر المتوقع. وإذا لم يؤدِّ الثراء إلى زيادة السعادة، فعندها، وبالاستناد على الإحصاءات، لن يؤدي خفض البطالة أو زيادة المنافع الاجتماعية، أو أي أمر آخر، إلى زيادة السعادة أيضا.
بينت دراسة أخرى أكثر شمولا أجريت في عام 2006 من قبل كل من تومي أوفاسكا من جامعة ريجينا وريو تاكاشيما من جامعة غرب فيرجينيا ونُشرت في مجلة الاقتصاد الاجتماعي أن للناتج المحلي الإجمالي للفرد تأثيرا إيجابيا متواضعا نسبيا على السعادة، بينما نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي هو إلى حدّ ما هدية أكبر. لقد بيّن تاكاشيما وأوفاسكا بطريقة مدهشة أن الحرية الاقتصادية—وهي مقياس للاختيار الشخصي وحرية التنافس وحماية الملكية الخاصة وعناصرها الأساسية—تتفوق على جميع المتغيرات الأخرى. ومن جهة أخرى، ووفقا لأوفاسكا وتاكاشيما، فإن حجم الحكومة يرتبط سلبيا بالسعادة. وفي كل يوم، يزداد تشابه السياسة المبنية على السعادة مع السياسة المبنية على مبادىء وأسلوب ثاتشر.
إن الواقع المتعلق بعدم ارتفاع متوسط السعادة الذاتية مع ارتفاع متوسط الدخل لا يعني أنه لا فائدة من التحول إلى الثراء. إذ يعتبر وجود معدل نمو ثابت أمرا ضروريا للإبقاء على السعادة وأشياء أخرى جيدة ضمن مستوى عالٍ مستقر. (تصور هرّة مقيدة على مقصلة ومربوطة بدراجة وأنه يتوجب أن تدار دوّاسة الدراجة بسرعة كبيرة جدا لكي تبقى شفرة المقصلة عالية. الإبطاء يؤدي إلى قتل الهرة.)
في كتاب النتائج الأخلاقية للنمو الاقتصادي، قال عالم الاقتصاد من جامعة هارفارد، بنجامين فريدمان، أن النمو الاقتصادي المطّرد “يعزز فرصا أكبر واحتمالا للتنوع وقابلية للتحرك الاجتماعي والتزاما بالإنصاف وإخلاصا للديمقراطية”، وهذه قائمة أشك في أن يعارضها أي شخص يعمل في السياسة.
يجادل فريدمان بأنه عندما تتوسع الكعكة الاقتصادية ويشعر معظمنا بأننا أغنى مما كنا عليه في الماضي، عندئذ نولي اهتماما أقل لمُجاراة جيراننا ونكون أقل غيرة من موضعنا في التسلسل الهرمي الاقتصادي ونصبح رحبي الصدر نسبيا نحو القادمين الجدد في الاقتصاد، مثل المهاجرين. ولكن عندما يُشعرنا التباطؤ الاقتصادي بأننا قد توقفنا مكاننا، فمن المحتمل عندئذ أن نشعر بتهديد أولئك الصاعدين السلم الاقتصادي من الأسفل، فنغلق الباب بعنف ونوصده بالمزلاج. ويُعتبر الركود الاقتصادي وصفة للخوف من الأجانب وعدم الاستقرار السياسي ومبادىء الشعبية المتعصبة الكريهة، والتي أشك في أنها وصفة للسعادة. وبالتالي، فإن ثراء أمة ما له مغزى ومعنى.
المشكلة في أبحاث السعادة هي أنها في كثير من الأحيان مرآة: ننظر إلى البيانات فنرى انعكاسا لأيدولوجيتنا ومذهبنا الفكري. لا يخرج أحد من أدب السعادة وقد تحول سياسيا. سيجد الباحث الهادىء وغير المتحيز أن البيانات المتوفرة عن السعادة تُعطي قليلا جدا، وفي نفس الوقت، تعطي الكثير لبناء سياسات محددة على نحو مفيد. وسيجد الباحث في الأغلب أن ديمقراطيات السوق الحرة هي المكان الذي تنتعش فيه السعادة إلى حد بعيد. ولكننا عرفنا مسبقا أننا نريد إحدى هذه الديمقراطيات. وبالفعل لدينا واحدة منها. ومع ذلك، فإن بيانات السعادة لا تُخبرنا إذا كان ينبغي أن نُفضِّل نوع الليبرالية الديمقراطية السويدية أم الأمريكية، وهذا هو الجدل الرئيسي.
ربما أصابنا التعب من محاولة برهنة سياساتنا المفضلة على أسس من الحرية والمساواة والتفوق والكفاءة والعدالة، تلك الاعتبارات التي أدت بنا إلى قناعاتنا هذه في المقام الأول، ونرى أننا بحاجة إلى شيء مثل “السعادة المحلية الإجمالية” لإنعاش سياساتنا. ولكن ماذا يعني إعلان الولاء للسعادة المحلية الإجمالية عمليا عندما تكون بيانات السعادة المتوفرة رديئة وغير ملائمة لتحديد كيفية إصلاح نظام الرعاية الصحية، أو هل يجب أن نذهب لنحارب في العراق، أو لزيادة منافع دولة الرفاه الاجتماعي؟ لا شيء يذكر.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 6 تشرين الثاني 2006.