يوسف تيبس

peshwazarabic21 نوفمبر، 20103

يدعي المتطرفون كونية الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان ويعتبره قسم واسع من الحقوقيين مناهضا للقيم الحقوقية المتعارف عليها كونيا. حجة المتطرفين اعتبارهم الإسلام “شرع الله” الوحيد الصالح لكل البشرية مهما اختلفت الثقافات. أما رد المناهضين فينطلق من أن الحق في الاختلاف ومناهضة التمييز والكراهية والعدل والمساواة شرائع، لا يمكن أن نجد لها في الإسلام نظيرا صالحا للتطبيق الكوني، بل هناك من يعتبر أن “شرع الله” مناهض لأهم ميزة في حقوق الإنسان، أي حق الاختلاف..
يشكل الاختلاف والاعتراف بالآخر قيمة سامية في المنظومة الحقوقية العالمية، فيما يشكل التطرف والكراهية ميزتان لا تنسجمان مع الحق الإنساني كما ناضلت من أجله الإنسانية. في العالم الإسلامي لا يكف المتطرفون عن ترديد شعار عدالة الإسلام. وبالمقابل يقوم ملايين الخطباء ورجال الدين من على منبر خطبة يوم الجمعة، بالتحريض على الكراهية والعنف ضد غير المسلمين.
ومابين المفارقتين سلوكيات متجذرة لدى بعض المسلمين من قبيل الموقف المتطرف اتجاه غير المسلم و”الكافر”. أما الكراهية التي تتضمنها العديد من أدبيات مختلف المذاهب الإسلامية، فنموذج آخر لتطاحن داخلي يخفي  سؤالا عميقا مفاده: ماهو نموذج الدين الصالح لكل زمان ومكان، إذا كان المسلمون أنفسهم غير متفقين على فهم واحد لهذا النموذج؟
بعيدا عن هذا السؤال الذي يحتاج وقفة مستقلة، وقريبا من واقع بلدان من قبيل المغرب ومصر وسوريا ولبنان حيث “يتعايش” مواطنون من مختلف الأديان. يستمع غير المسلمين(يهود ومسيحيون) كل يوم جمعة بالتحديد إلى الكثير من الأوصاف المشينة لهم والتي تدعو عليهم وتحرض على “الجهاد” ضدهم وعدم الثقة بهم…ولا يقتصر الأمر عند معاداة المختلف دينيا والدعاء عليه، بل يتجاوزه إلى عداء مستحكم بين المسلمين أنفسهم بفعل اختلافات مذهبية تذهب حد تكفير بعضهم البعض.
تقوم حقوق الإنسانية في المقام الأول على الديمقراطية بما هي قبول للاختلاف، وهي قيمة ذات مضمون إنساني قابل للتعديل والتطوير بما يخدم الإنسانية، لكن آيات الله الخميني، مؤسس إيران ولاية الفقيه، الجمهورية الإسلامية الأكثر نفوذا في العالم الإسلامي في الوقت الراهن، لا يرى في حقوق الإنسان سوى مجرد قوانين وضعها الصهاينة لهدم الديانات. وهكذا يدعو منشئ “الصحوة الشيعية المتطرفة” إلى ضرورة الرجوع إلى القرآن لتمييز الخطأ من الصواب.
تصبح حقوق الإنسان بهذا المنظور مؤامرة غربية، وتصير حقوق الإنسان مؤامرة ضد الدين، أما المرجع الوحيد لفهم العالم فهو القرآن. وهنا تصبح المتاهة أكبر، خصوصا و أن القرآن نفسه حمال أوجه… إنه مادة لغوية خامة قابلة لقراءات لا حد لها. بل إن تاريخ المسلمين والنزاعات الدموية التي خاضوها بين بعضهم البعض، لم تكن سوى محاولات يائسة لاحتكار شرعية قراءة النص الديني.
انطبع تاريخ المسلمين بالعنف والحروب التي خاضوها لاحتكار شرعية “قراءة وفهم القرآن”. لقد وجد في كل مرة من يعتبر هاته الحروب “جهادا” ولو في المسلم الذي يحرم القرآن نفسه “قتله بغير حق”. وبالمقابل طورت الإنسانية قوانين بشرية صنعتها المجتمعات أثناء تفاعلاتها المختلفة. قوانين وضعية قابلة للتعديل والتغيير، ولا يمكن أن نضفي عليها طابع القداسة المطلقة.
إن الحق الوحيد الذي يجب أن يظل مقدسا هو حق الإنسان في الوجود الحر والكريم، كحق كوني غير قابل للمساس. لكن لا شئ بالنسبة للمتطرفين يمكن أن يكون كونيا ما لم يكن مصدره “شرع الله”. وفرض هذا الشرع كما يفهمه المتطرفون على جميع المواطنين و بدون رضاهم مخالف للشرائع الحقوقية، بل مساس خطير بحرية الاعتقاد و بالحق في الاختلاف.
يستند المتطرفون للتستر على معاداة الفكر الحقوقي على: “خصوصية المجتمعات الإسلامية “و” اختلاف الثقافات” و”استحالة الحديث عن كونية حقوق الإنسان” وعلى “نسبية الأفكار”.غير أن هاته الأفكار ذاتها تلزمهم باحترام خصوصيات المختلفين معهم و عدم تطبيق “شرع الله” عنوة على غير المقتنعين به.
إن الهدف الرئيسي من دفوعات المتطرفين هو تبرير الخرق السافر لحقوق الإنسان الذي يروجون له. إن الإصرار على اعتبار شرع الله المصدر الوحيد للتشريع بعيدا عن كل اجتهاد يجعل الرجم و الجلد حتى الموت و قطع يد السارق أحكاما جائزة، رغم أن سياقات فرضها في الشريعة، خضعت للظروف الزمانية والمكانية لشبه الجزيرة العربية، الموطن الأول للإسلام، ولم تكن أبدا شرائع مطلقة.
تتوافق هاته النظرة المتزمتة للمتطرفين مع تصورات العديد من الأنظمة العربية الإسلامية الاستبدادية. إذ يشترك الطرفان في الوقوف في وجه إقرار حق الإنسان في الحرية والعيش الكريم والمساواة، فيحرم زواج المسلمة من غير المسلم وترتبط طهارة المرأة بالحجاب، ويتم إقرار التفاوت في الإرث بين الذكر والأنثى ويتم تحريم الاختلاط.
إن استغلال الأنظمة الاستبدادية والأصولية لأطروحات المتطرفين يجد نموذجه الواضح في رفض العديد منها المصادقة على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، فيما اضطرت أخرى للتوقيع عليها وبتحفظ شديد، خوفا من تحرر مجتمعاتها، ومطالبتهم بالمساواة والحرية والديمقراطية والعيش الكريم.
إن الغاية القصوى لكل الشرائع أرضية كانت أم سماوية هي تحقيق العدل على الأرض، والعدل في معناه السامي يتجه نحو حرية الإنسان وسعادته باعتباره قيمة كونية، لا يمكن لأي شريعة أن تناهضها. كثير من المفكرين المسلمين وعوا هاته الحقيقة وحاولوا جاهدين إعادة تأويل الدين الإسلامي ونصوصه، بحثا عن نقط مضيئة فيه تلائم مقتضيات العصر. نذكر هنا طارق رمضان، فاطمة المرنيسي،  أمينة ودود،  ورفعت حسن وغيرهم…اختلفت طبعا منطلقاتهم وتوجهاتهم غير أن محاولاتهم تصطدم بتعنت لا يزداد مع الزمن إلا تشددا لتبقى نجاحاتهم ضئيلة في انتظار الذي قد يأتي، لفتح كوة أمل في أفق مظلم. أما الأمل الحقيقي، ففي تنوير إسلامي أشد تطورا وأكثر نضجا.
© منبر الحرية، 26 فبراير 2009

peshwazarabic18 نوفمبر، 20101

تواجه الأنظمة العربية المستبدة أشكالا مختلفة من الاحتجاجات تتراوح بين الوقفات والمسيرات والتفجيرات والاغتيالات والانقلابات، مما يضع علامة الاستفهام حول مشروعية أساليب الاحتجاج ودورها في تحقيق التحرر والانعتاق والعيش الكريم، خاصة أنه كلما ازدادت درجة الاستبداد وخنق الحريات والظلم لكما زادت درجت عنف الاحتجاج.
عموما يتم ترسيخ القيمة بواسطة التربية التي ليست سوى نقل وتثبيت جدول من القيم والمبادئ في ثقافة مجتمع معين من قبيل المساواة والكرامة والحرية… مما يعني أن الحق يكتسب قيمته الحقيقية في مجتمع سياسي. يقول أرسطو:” الإنسان حيوان سياسي لا يسعد إلا في دولة منظمة تتكون من أفراد فضلاء” وحيث ليس لدينا معيارا لقياس الفضيلة، أستحسن القول” الإنسان حيوان اجتماعي لا يسعد إلا في دولة منظمة تتكون من أفراد يعلمون حقوقهم وواجباتهم”.
إن الوعي بالحق دافع إلى الاحتجاج من أجله، ومعرفة الواجبات مسؤولية والتزام اجتماعي. بعبارة أوضح، إن ترسيخ هذا الوعي لدى الفرد الاجتماعي هو الذي ينقله من كونه رعية (له واجبات فقط) إلى مواطن (له حقوق وواجبات)؛ ومن تم فالمواطنة تتلخص في الوعي بالقيمة الحقيقية للفرد والجماعة.
“من المستحيل أن يفلح شيء حسن تحت قهر السلطة وظلام الجهل”، إن هذه  الملاحظة يمكن أن تفسر فشل الأنظمة العربية في بلوغ الديمقراطية الحقيقية رغم أنها، ظاهريا على الأقل،  تمارس جميع السلوكات اللازمة لقيام دولة الحق والقانون. إن قهر السلطة يحيل تلك الممارسات إلى لعبة من المغالطات، كما أن ارتفاع منسوب الجهل يبخس من أهمية المطالبة بالتغيير، مما يدفع إلى اليأس والتطرف والتدمير.
تشكل هاته الصفات الأخيرة خصائص الإنسان المقهور الذي يشعر بالدونية والعجز واللاجدوى، ويمارس الاستبداد والاستغلال والتعذيب، والتدمير الذي ليس سوى هروبا من الشعور بالعجز إزاء العالم الخارجي؛ أو لنقل إنه رد فعل ضد القلق أي الشعور بالتهديد ضد المصالح الحيوية المادية والعاطفية (الأشياء والإنسان).
هكذا كلما ازداد الإحباط من الحياة ازداد الدافع نحو التدمير قوة، وكلما تحققت شروط الحياة قلَّت قوة التدمير ونموذج الحركات الدينية المتطرفة خير شاهد على ذلك.
إن الحق في الحياة أهم بند في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مما يجعل التربية على حقوق الإنسان ترسيخا لطبيعته وجودا وتفكيرا وممارسة؛ بعبارة أوجز إنها عملية التنوير بصيغة الفكر المعاصر، أي، بناء أسس عقلانية طبيعية للعيش الكريم في نظام سياسي عادل يسمح بممارسة الحرية الفردية والجماعية.
يجب التمييز أولا بين التربية على حقوق الإنسان، أي الوعي بالحقوق التي يجب المطالبة بها، والدفاع عن حقوق الإنسان أي رصد الخروقات. إن تحقيق الحق خارج المجتمع يكون حلما أو وهما، فإن المطالبة والإلحاح في الطلب من أجل تحقيق الطبيعة الإنسانية لابد أن يكون داخل المجتمع، وهو ما يعني أن الاحتجاج:”تحويل مطلب إلى سلوك فعلي في مكان عمومي”. إنه سلوك إنساني بكل أبعاده النفسية والاجتماعية والفكرية والثقافية… غير أن العاملين الفكري والنفسي هما اللذان يؤثران أيما تأثير في السلوك الاحتجاجي، لأن الاحتجاج قد يكون حلما مرضيا أو فكرة معقولة ناجمة عن ثقافة الاحتجاج، كما قد يكون مجرد رد فعل انفعالي أو مزاجي.
من هنا أهمية العلاقة بين الفكر الحقوقي والتربية على الاحتجاج التي يمكن أن تختصر في الأسئلة التالية: لماذا أحتج؟ ولأي غرض أحتج؟ ما الذي أحتج من أجله؟ هل يستحق فعلا الطلب؟ وكيف أحتج؟ هل ما يحقق بالاحتجاج يلبي فعلا المطلب أم يجانبه؟ مما يقتضي وجود أنواع مختلفة من القيم المطلوبة، أقصد، السياسية والاجتماعية والاقتصادية… بعبارة أخرى، يلزم عن تحديد المطالب تحديد المسؤولية وأسلوب الاحتجاج فنتساءل هل يكون الاحتجاج مؤطرا من قبل مؤسسة سياسية أو مدنية أم يكون عفويا؟ كما تحدد المطالب الفئات والمحتاجة المحتجة(العمال، المثقفون، المتسيسة، العامة، الباطرونا، المرضى، الشواذ…)
يسعى الإنسان جاهدا إلى تجاوز ماهو قائم، ويبحث باستمرار عن ما ينبغي أن يكون، وهذا ما يجعله طالبا للكمال، إنه بتعبير جون بول سارتر مشروع لم يكتمل بعد. هذا التناقض بين “ما هو كائن” و”ما يجب أن يكون”،يشكل أساس الوجود الإنساني.
إذا افترضنا أن جمعيات المجتمع المدني، ومن ضمنها الجمعيات الحقوقية، تقوم بدورها الحقيقي، فإنها تكون أمام مشكلة تتلخص في التساؤل: كيف يمكن التربية على الاحتجاج هل بتعليم بنود المواثيق الدولية أم بتعليم القيم الإنسانية؟ أيهما يؤدي إلى أسلوب احتجاج حضاري؟ إنه التعارض بين المبدأين:”الغاية تبرر الوسيلة” و”الغاية نافعة والوسيلة ناجعة”. بل إن السؤال الأخطر هو: “أي أسلوب احتجاج يصلح لأي نظام سياسي؟ قد يكون الجواب هو أن أعنف نظام حكم لا يبرر استعمال العنف المادي مثال غاندي والاستعمار البريطاني، لكن في المقابل توجد الحركات التحررية في جنوب أمريكا وإفريقيا، والحركات الإسلامية الجهادية المتطرفة التي تلجأ إلى العنف.
إن التربية على حقوق الإنسان تحويلا لهذه الحقوق إلى قيم توجه السلوك الأمر الذي يقوم على مسلمة مفادها أن الوعي بالمبادئ والقيم يؤدي بالضرورة إلى السلوك طبقا لها. من هنا دعوة سقراط “إعرف نفسك بنفسك”، لأنه يتصور أن الوعي بقيم سلوك الفرد تدفعه إلى تغييرها وبالتالي إلى تقويم سلوكاته من خلال ترسيخ قيم جديدة والوعي بها. بعبارة أخرى :إن الانحراف السلوكي ناجم عن الانحراف الفكري. وعليه لابد للفكر الحقوقي أن يقوم بتصحيح المفاهيم ليقوِّم السلوكات. غير أن الأمر فيه نظر لأن العلاقة بين معرفة حقيقة القيمة وسواء السلوك احتمالية فقط، ذلك لأن أغلبنا يعرف قيمة الصدق وأهمية الوقت ومضرة التدخين ومع ذلك نكذب ونتأخر عن المواعيد وندخن….
فالوعي بالحق دافع إلى الاحتجاج من أجله، ومعرفة الواجبات مسؤولية والتزام اجتماعي. بعبارة أوضح، إن ترسيخ هذا الوعي لدى الفرد الاجتماعي هو الذي ينقله من كونه رعية (له واجبات فقط) إلى مواطن (له حقوق وواجبات)؛ ومن تم فالمواطنة تتلخص في الوعي بالقيمة الحقيقية للفرد والجماعة. لذلك سيكون من المستحيل أن يفلح شيء حسن تحت قهر السلطة وظلام الجهل. إن هذه الملاحظة الأخيرة هي التي تفسر فشل الأنظمة العربية في بلوغ الديمقراطية الحقيقية رغم أنها تمارس جميع السلوكات اللازمة لقيام دولة الحق والقانون. فقهر السلطة يحيل تلك الممارسات إلى لعبة المغالطات والتغليط، ووجود الجهل يبخس من أهمية المطالبة بالتغيير، مما يدفع إلى اليأس والتطرف والتدمير، وهذه هي السمات النفسية للإنسان المقهور الذي يشعر بالدونية والعجز واللاجدوى، ويمارس الاستبداد والاستغلال والتعذيب، والتدمير الذي ليس سوى هروبا من الشعور بالعجز إزاء العالم الخارجي؛ أو لنقل إنه رد فعل ضد القلق أي الشعور بالتهديد ضد المصالح الحيوية المادية والعاطفية (الأشياء والإنسان). هكذا كلما ازداد الدافع نحو الحياة انجرافا ازداد الدافع نحو التدمير قوة، (الحركات الدينية المتطرفة)، وكلما تحققت الحياة قلَّت قوة التدمير. والحق في الحياة أهم بند في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مما يجعل التربية على حقوق الإنسان ترسيخا لطبيعته وجودا وتفكيرا وممارسة؛ بعبارة أوجز إنها عملية التنوير بصيغة الفكر المعاصر، أي، بناء أسس عقلانية طبيعية للعيش الكريم في نظام سياسي عادل يسمح بممارسة الحرية الفردية والجماعية. لذا ما أحوجنا إلى المفكر المربي من قبيل إيمانويل كانط.
© منبر الحرية، 12 يناير/كانون الثاني2010

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018