سياسات أسعار الصرف العالمية

peshwazarabic8 نوفمبر، 20101

برحيل عالم الاقتصاد ميلتون فريدمان في شهر تشرين الثاني الماضي، فقدنا بطلاً عظيماً من أبطال السوق الحر. وفي النعوات والتعليقات التي سجلت الأحداث التي تتعلق بحياة الفقيد من ناحية أعماله وتأثيره الهائل فقد تم التنويه وبشكل لم يتغير بمناصرته ودفاعه عن أسعار الصرف المرنة والتي تركت انطباعاً على أنه يستحسنها ويحبذها على الدوام. إلا أن ذلك ليس على هذا الحال.
بالنسبة لفريدمان هناك ثلاثة أنواع مميزة من أنظمة أسعار صرف العملات: سعر الصرف المرن، وسعر الصرف الثابت وسعر الصرف المرتبط (أنظر الجدول المرفق). ويوجد لكل نظام من هذه الأنظمة الثلاثة خصائص متباينة ونتائج مختلفة.

وبالرغم من كون سعر الصرف المرن وسعر الصرف الثابت يبدوان وكأنهما غير متماثلين، إلا أنهما عضوان في نفس أسرة السوق الحر. فكلاهما يعملان دون وجود قيود على النقد، كما أنهما آليتان من آليات السوق الحر الخاصة بتصحيحات ميزان المدفوعات.
بوجود سعر الصرف المرن، بإمكان البنك المركزي أن يضع السياسة النقدية، إلا أنه لن يملك سياسة سعر الصرف، إذ سيكون سعر الصرف وفقاً لأسلوب التوجيه التلقائي. وتبعا لذلك، سوف يتم تحديد القاعدة النقدية على المستوى المحلي من قبل البنك المركزي. أما بوجود سعر الصرف الثابت، فسيكون هناك احتمالان: إما أن يقوم مجلس العملة بتحديد سعر الصرف—إلا انه سوف لن يكون لدى البنك سياسة نقدية، حيث سيكون عرض النقد وفقاً لأسلوب التوجيه التلقائي—أو، أن يتم اتباع نظام “دولرة” الاقتصاد واستخدام عملة أجنبية كعملة خاصة به. وبناء عليه، وبموجب نظام سعر الصرف الثابت سوف يتم تحديد القاعدة النقدية للدولة من قبل ميزان المدفوعات والذي سوف يتحرك بمطابقة تتم حسب الطلب (من واحد لواحد) مع تغييرات تطرأ على الاحتياطيات من العملات الأجنبية. وبوجود هذين النظامين الخاصين بالسوق الحر وآليتي سعر الصرف فسوف لن يكون هناك تعارض بين السياسة النقدية وسياسة سعر الصرف، وسوف لن تتمكن أزمات ميزان المدفوعات من أن تقوم برفع رؤوسها البشعة. وبالفعل، ستقوم قوى السوق بالتصرف لإعادة توازن التدفقات المالية بشكل تلقائي ولتفادي وقوع أزمات ميزان المدفوعات بموجب نظامي سعر الصرف المرن وسعر الصرف الثابت.
ويبدو بأن سعر الصرف الثابت وسعر الصرف المرتبط وكأنهما شيء واحد. ومع ذلك، فهما من الناحية الأساسية مختلفان كالتالي: في معظم الأحيان تقوم أنظمة سعر الصرف المرتبط باستخدام تقييدات على النقد، وهي لا تعتبر من آليات السوق الحر بخصوص تصحيحات ميزان المدفوعات العالمية. كما تتطلب أسعار الصرف المرتبطة وجود بنك مركزي ليقوم بإدارة كل من سعر الصرف والسياسة النقدية. وكذلك، بوجود سعر صرف مرتبط، فسوف تتضمن القاعدة النقدية عناصر محلية وأجنبية كليهما. وبشكل لا يشبه سعري الصرف المرن والثابت، فإن أسعار الصرف المرتبطة ستؤدي بشكل لا يتغير إلى حدوث تعارضات بين السياسة النقدية وسياسة أسعار الصرف. فعلى سبيل المثال، عندما تصبح تدفقات رأس المال إلى الداخل “زائدة عن الحد الأدنى” بموجب نظام سعر صرف مرتبط فسوف يقوم البنك المركزي في معظم الأحيان بمحاولة تحييد تلك الزيادة الناشئة في عنصر القاعدة النقدية الأجنبي من خلال سندات البيع، بحيث تعمل على خفض عنصر القاعدة النقدية المحلي. وعندما تصبح تدفقات رأس المال إلى الخارج “زائدة عن الحد الأدنى” فسوف يقوم البنك المركزي بمحاولة تعويض ذلك النقص في عنصر القاعدة النقدية الأجنبي من خلال سندات الشراء، بحيث تعمل على زيادة عنصر القاعدة النقدية المحلي. ويتم نشوب أزمات ميزان المدفوعات عندما يبدأ البنك المركزي بالمقاصة بشكل متزايد بغرض خفض عنصر القاعدة النقدية الأجنبي مع أموال أساسية مستحدثة محلياً. وعندما يحدث مثل ذلك، فسيكون الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن يقوم مضاربو العملات بفرز التناقضات الموجودة بين سياسة سعر الصرف والسياسة النقدية (كما قاموا بعمله بالأزمة المالية الآسيوية التي حدثت بين عامي 1997-1998) وبفرض خفض في قيمة العملة أو بفرض قيود على سعر الصرف.
من حيث المبدأ، قام فريدمان بتفضيل واستحسان كل من أسعار الصرف المرنة والثابتة. وبموجب هذين النظامين من أنظمة السوق الحر، يتم تدفق رأس المال بشكل حر ودون أية قيود. وقد قام فريدمان، وعلى الدوام، برفض نظام سعر الصرف المرتبط.
لقد أثبتت الأعمال التي قام بها فريدمان—وهو رجل صاحب أعمال وليس أقوال—على أن مخزونه الفكري يحتوي على أكثر من أسعار الصرف المرنة. ففي العام 1992، قمت بالمشاركة في تأليف كتاب باسم “الإصلاح النقدي الخاص بجمهورية إستونية حرة” والذي يحمل تظهير تعزيزي من قبل فريدمان كالتالي: “يعتبر مجلس العملة، كالذي يقترحه (هانكي)، نظاماً ممتازاً ومناسباً لدولة في مركز إستونيا”. وخلال ستة شهور قامت إستونيا بإغراق الروبل الروسي (ببيعه برخص زهيد جداً) وكان مجلس عملتها يقوم بصرف “الكرون” الإستوني بسعر صرف ثابت مقداره ثمانية كرونات مقابل المارك الألماني الواحد (والذي اصبح في وقت لاحق 15.65 كروناً مقابل اليورو الواحد). ومنذ ذلك الوقت، ازداد الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد بمقدار عشرة أضعاف، وهو أداء يعتبر مثيراً للإعجاب.
وخلال الأزمة المالية الآسيوية التي حدثت بين عامي 1997-1998، قام فريدمان بالدخول في العراك. وبصفتي مستشاراً للرئيس الإندونيسي السابق (سوهارتو) فقد اقترحت بأن يتم تثبيت سعر صرف الروبية الإندونيسية بالنسبة للدولار من خلال مجلس عملة. وبعد ذلك بوقت قصير، قامت النشرة الاقتصادية للشرق الأقصى (فار إيسترن ايكونوميك ريفيو) بنشر مقالة بعنوان: “أقوال رئيس مجلس الإدارة ميلتون (فريدمان)”. لقد كانت أفكاره حول مجلس العملة بخصوص إندونيسيا كالتالي: “إذا أراد الإندونيسيين أن يمتثلوا بنظام معين، فسوف يكون ذلك شيئاً حسناً. وما الشيء الآخر الذي بمقدورهم أن يفعلوه؟” حسناً، قد يكون من الممكن أن يتم إجبارهم من قبل التكتل الرئيسي بين الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي كي يتخلوا عن فكرة مجلس العملة! وهو ما حدث بالضبط، والذي نجم عنه نتائج اقتصادية مدمرة.
أين يقف فريدمان فيما يتعلق باقتصاد السوق الحر؟ لقد قام فريدمان بالانحياز إلى سعر الصرف الثابت الذي تم في هونغ كونغ، بقوله: “تشير تجربة هونغ كونغ بكل وضوح إلى أن دولة معينة كهونغ كونغ سوف لن تكون بحاجة إلى بنك مركزي. فهي بالفعل دولة محظوظة جداً لأنها ليست لديها مثل ذلك. فنظام مجلس العملة الذي تم إدخاله في العام 1983 قد حقق نجاحاً جيداً جداً بالنسبة لهونغ كونغ، وإنني اعتقد بأن من المحبذ الاستمرار به”.
وبذلك، وبشكل مخالف للمعتقد الشائع، قام فريدمان باستحسان والانحياز إلى كل من نظامي سعر الصرف المرن والثابت.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 10 نيسان 2007.

One comment

  • lali virona

    26 نوفمبر، 2011 at 9:32 ص

    ارجو أن تعرضوا سياسات سعر الصرف

    Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018