peshwazarabic8 نوفمبر، 20100
تُصدر البنوك المركزية العملة وتمارس سلطة واسعة على تصرف السياسة النقدية. وبالرغم من انتشار هذه البنوك المركزية بشكل واسع في هذه الأيام، إلاّ أنها تُعتبر أنظمة مؤسسية جديدة نسبيا. ففي عام 1900، بلغ عدد البنوك المركزية في العالم 18 بنكا فقط. وبحلول عام 1940، أصبح لدى أربعون دولة بنوكا مركزية؛ أما اليوم فهناك 164.
قبل حدوث الزيادة في الصناعة المصرفية المركزية (القومية النقدية)، كانت مناطق أو كتل العملة الموحدة تهيمن على العالم، وكان أكبرها الكتلة الإسترلينية. لقد حذر كبير الاقتصاديين النمساوي فريدرك فون هايك منذ عام 1937، من أنه في حال استمرار نزعة الصناعة المصرفية المركزية، فإن ذلك سيؤدي إلى فوضى في العملة وانتشار الأزمات المصرفية. لقد كانت هواجسه مبررة. فلقد أحاطت أزمات العملة والأزمات المصرفية النظام المالي الدولي بقوة وتواتر متزايدين، على الرغم من عدم توقع حدوث ذلك في الوقت الراهن. والواقع أن حرية حركة رؤوس الأموال النسبية قد أنتجت، ولمعظم دول الأسواق الناشئة ذات البنوك المركزية، تدفقات الأموال الساخنة وأزمات متكررة لأسعار الصرف والأزمات المصرفية المحلية. فماذا يجب أن نفعل؟
إن الجواب الواضح لهذا هو تخلص دول الأسواق الناشئة الحساسة من بنوكها المركزية وعملاتها المحلية واستبدالها بعملة أجنبية متينة. ويمكن اعتبار بنما مثالا رئيسيا لمنافع استخدام هذا النوع من النظام النقدي. فلقد قامت بنما، ومنذ عام 1904، باستخدام الدولار كعملة رسمية لها. وبذلك، يكون اقتصاد بنما المبني على الدولار جزءا من أكبر كتلة عملة في العالم، وبشكل رسمي. وبهدف دمج نظامها المصرفي في أسواق العالم المالية القائمة على الدولار، قامت بنما بتغيير القوانين المصرفية في عام 1970. ونتيجة لذلك، كانت البنوك الدولية متلهفة للمشاركة في الثورة المالية الخارجية. ويشهد نمو النظام المصرفي في بنما على حقيقة أن الإصلاحات المصرفية التي حدثت في عام 1970 قد أتاحت لبنما الاستفادة من اتجاهات العولمة والتدفق الحر لرؤوس الأموال.
يلغي النظام النقدي المبني على الدولار في بنما مخاطر سعر الصرف واحتمال حدوث أزمة في العملة مقابل الدولار الأمريكي. كما أن إمكانية حدوث أزمات مصرفية قد خُففت إلى حد كبير بسبب اندماج نظام بنما المصرفي في النظام المالي الدولي. وتوفر طبيعة البنوك البنمية المفتاح لفهم كيفية عمل النظام ككل بشكل سلس. وعندما تكون محافظ هذه البنوك متوازنة، لا يهمها توزيع السيولة، بفتح أو سحب ائتمان، سواء في الأسواق المحلية أو في الأسواق الدولية. وبتغيّر إمكانات خلق الائتمان في هذه البنوك، يتم تقييم معدلات العائد المضمونة في الأسواق المحلية والدولية وتعديل محافظها المالية بناء على ذلك. حيث يتم توزيع السيولة محليا إذا كانت العوائد المحلية المعدلة حسب المخاطر تفوق تلك للأسواق الدولية، وتوزيعها دوليا إذا كانت العوائد الدولية المعدلة حسب المخاطر تفوق تلك للسوق المحلية. ويتم عكس هذه العملية عندما ينشأ عجز في السيولة.
إن تعديل محافظ البنوك هو الآلية التي تتيح انسياب السيولة والائتمان من وإلى النظام المصرفي والاقتصاد. ويتم التخلص من تجاوزات أو عجز السيولة في النظام بسرعة لأن البنوك لا تبالي فيما إذا كانت ستوزع السيولة في الأسواق المحلية أو الدولية. إن بنما بمثابة مجرد بركة صغيرة تتصل عبر نظامها المصرفي بمحيط دولي ضخم من السيولة. فعندما تتجاوز معدلات العوائد المعدلة حسب المخاطر في بنما تلك العوائد في الخارج، تقوم بنما بالسحب من محيط السيولة الدولي، وعندما تتجاوز العائدات في الخارج تلك في بنما، تقوم بنما بإضافة سيولة (ائتمان) إلى المحيط في الخارج. ولمواصلة التشبيه، يعمل نظام بنما المصرفي مثل قناة بنما في الإبقاء على توازن مستويات المياه على جانبي القناة. ولا غرابة في أن تكون مستويات الاعتماد والودائع غير مرتبطة بعلاقة متبادلة في بنما بالنظر إلى الدرجة العالية الموجودة من التكامل المالي.
لقد كانت نتائج نظام بنما المالي المبني على الدولار ونظامها المصرفي المندمج دوليا ممتازة بالمقارنة مع دول الأسواق الناشئة الأخرى (أنظر الجدول المرفق).
– كانت معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي لبنما مرتفعة نسبيا وكانت تقلباتها منخفضة نسبيا. وهذا أمر رائع وجدير بالملاحظة عندما يؤخذ بعين الاعتبار أن بنما نموذج تقليدي للاقتصاد المزدوج. فمن ناحية، يمتاز قطاع الخدمات المصرفية بأنه موجه نحو التصدير وذو كثافة رأسمالية ومرتفع الإنتاجية ويولد وظائف قليلة وخالٍ، إلى حد كبير، من تدخل الحكومة. ومن ناحية أخرى، فإن قطاعي الزراعة والتصنيع يمتازان بالركود والضبط الكبير والدعم المالي المرتفع وعدم الكفاءة والحاجة إلى أيدٍ عاملة كثيفة وعدم القدرة على التنافس.
– عكست أسعار الفائدة أسعار السوق العالمية، معدلة بالنسبة إلى تكاليف ومخاطر المعاملات.
– كانت معدلات التضخم أقل قليلا من تلك التي في الولايات المتحدة.
– كان سعر الصرف الحقيقي لبنما مستقرا للغاية ويسير باتجاه انخفاض طفيف قياسا بسعر الصرف للولايات المتحدة.
– أثبت نظام بنما المصرفي، الذي يعمل دون وجود بنك مركزي مقرض كملاذ أخير، على أنه شديد المرونة. والواقع أنه قد تعرض لأزمة سياسية رئيسية بين بنما والولايات المتحدة في عام 1988 وعاد عودة قوية في أوائل عام 2000.

وللتأمين ضد أزمات العملة والأزمات المصرفية، يتحتم على دول الأسواق الناشئة أن تتبع قيادة بنما وتحذو حذوها عن طريق: التخلي عن القومية النقدية عبر التخلص من البنوك المركزية والعملات المحلية، ودمج أنظمتها المصرفية مع أسواق رأس المال الدولية.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 2 حزيران 2007.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018