الخيارات النقدية الدولية

peshwazarabic10 نوفمبر، 20101

خمس ملاحظات على النظام النقدي الدولي
لم يتم التوصل إلى تطوير قانون النقد دون غموض، ومع ذلك فثمة بعض الملاحظات التي تبرز في مشهد البعد التاريخي.
1. أولها أن أنظمة النقد لا تتغير فجأة ودون سابق إنذار، فهناك عادة وقت كبير بين التفكير والتنفيذ. من هنا فإن انهيار النظام النقدي الدولي في تسعينات القرن الثامن عشر قد جاء بعد الثورة والتضخم السيني في فرنسا التي كانت عندئذ أقوى دولة في أوروبا. كانت إعادة العمل بنظام المعدنين (الذهب والفضة) في فرنسا عام 1803 أو العمل بنظام المعدن الواحد (الذهب) في بريطانيا عام 1820 متوقعتين. وقد أصبح التوجه نحو الذهب في القرن التاسع عشر واضحاً بعد فترة قصيرة من تسبب الاكتشافات الذهبية في كاليفورنيا وأستراليا في طرد الفضة من التداولات النقدية في فرنسا، وهي البلد الأساسي الذي كان يعتمد على ثنائية المعدنين في التعامل، كما أنه تم التخلص من الفضة كمعدن نقدي في الإمبراطورية الهنغارية النمساوية وفي الإمبراطورية الروسية في تسعينات القرن التاسع عشر. أما استخدام الجنيه الإسترليني كإضافة مُبالَغ في قيمتها للذهب بموجب المواصفات المتعارف عليها في التعامل بالذهب فقد كان موضع تحذيرات امتدت لعدة عقود من خلال العلاقات الإمبريالية والشعوب المرتبطة ببريطانيا؛ فقد تم طبع الكتاب الأول لكينز: النقد والمال في الهند، عام 1910 وكان موضوعه مواصفات التعامل بالذهب. كما أن بروز الدولار تم التنبؤ به بسهولة. كان بوسع جون ستيورات ميل في سنواته المتأخرة أن يتنبأ عام 1869 بهيمنة الولايات المتحدة وذلك قبل وقت طويل من خروج الجنيه الإسترليني كعملة رئيسية عالمية أمام تقدم عملة العملاق الجديد.
2. خرجت أمريكا من كلا الحربين العالميتين باعتبارها القوة المهيمنة عسكرياً وصناعياً ومالياً وأصبح الدولار هو العملة العالمية. إنها حقيقة تاريخية تقليدية وهي أن القوة الأكبر هي التي توفر العملة الأقوى. النقود ظاهرة سياسية تعكس—وتشكل إلى حد ما—الوضع السياسي في العالم. تبعاً لذلك فإن ملاحظتي الثانية هي: القوة السياسية الرئيسية كان لها عادة دور قيادي في إقرار أو رفض طبيعة النظام النقدي الدولي.
تلك الحقيقة هي ما يقلل من أهمية البدائل المبالغ في تخيلها أو المغرقة في النظرية أو القائمة على المراهنة ضد النظام الحالي. لقد نهض النظام النقدي الدولي الحالي على أنقاض بريتون وودز التي احترقت عام 1971. ولكن إنشاء بريتون وودز عام 1944 قدم فقط الغطاء القانوني للواقعية الأساسية للسوق فيما يتعلق بمستوى الدولار. أصبح الدولار عملة المدفوعات الأساسية والموجودات الاحتياطية ووحدة المحاسبة ووحدة العطاءات والتعاقدات ومرجع القيمة ووحدة الدفعات المؤجلة وأداة تسوية المنازعات ومقياس الأسعار العالمية ومؤشر التعاملات الدولية وحل محل الجنيه الإسترليني—تدريجياً وليس فوراً—بعد عام 1949. (كان يمكن للجنيه الإسترليني الحفاظ على وضعه الفعال لمدة أطول لو امتنعت المملكة المتحدة عن تخفيض عملتها في عامي 1949 و1967).
خفف تعليق الولايات المتحدة للتحويل عام 1971 من وهج الدولار، وكان سعر الذهب قد تم تعويمه فعلاً في الأسواق الحرة منذ عام 1968. بعد ذلك أخذ سعر الذهب بالصعود وشهد مزيداً من الارتفاع عند تعليق التحويل عام 1971 ثم ارتفع بشكل شاهق مع ارتفاع أسعار النفط عام 1974 ومرة أخرى عند انتهاء فترة حظر الذهب في الولايات المتحدة ومرة أخرى أيضاً عندما تجدد رفع أسعار النفط عام 1979 والسياسة النقدية المتهاونة للاحتياطي الفيدرالي عام 1980. أعطى سعر الذهب في سبعينات القرن الماضي مظهر عدم الاستقرار. وعبر القرون حافظ الذهب على قيمته بالنسبة للسلع الأخرى، ولكن الذهب غير مستقر بالنسبة للعملات نظراً لعدم التأكد من كيفية التصرف في مخزونات البنوك المركزية من الذهب البالغة بليون أونصة والتي تحتفظ الولايات المتحدة بحوالي ربعها.
3. ملاحظتي الثالثة—التي تكاد تكون بديهية—هي أن للسياسة النقدية للولايات المتحدة دور كبير في تقرير القيمة الدولارية للمعادن الثمينة. السياسة النقدية السهلة خلال الأعوام 1979-1980 رفعت سعر الذهب إلى أكثر من 850 دولاراً في كانون الثاني 1980. ولكن عندما تشدد الاحتياطي الفيدرالي تراجع سعر الذهب إلى 300 دولار، وعندما سلك الذهب نهجاً وسطياً مؤخراً استقر لفترة من الوقت على سعر يتراوح بين 400-500 دولار. سلطة التأثير على أسعار الذهب هي سلطة السيطرة على الحجم الفعال للاحتياطات النقدية الدولية. ولا يمكن إغفال أهمية النظام الاحتياطي الفيدرالي فهو أكثر أهمية اليوم مما كان عليه بنك إنجلترا في أوج فترة استخدام الذهب كمقياس عالمي. ربما كان إنشاء نظام الاحتياطي النقدي عام 1914 أهم حدث في القرن العشرين حيث لعب دوراً فعالاً في الحربين العالميتين وفي دورات التضخم والانكماش.
سياسة الاحتياطي الفيدرالي لها تأثير مهيب على البنوك المركزية الأخرى، فرغم محاولات إلغاء مرجعية الذهب أو تسفيه قيمته في سبعينات القرن الماضي ورغم اتفاقية صندوق النقد الدولي في جامايكا عام 1976 وتقليل التركيز على الذهب ورفع شأن حقوق السحب الخاصة فإن الذهب قد بقي كمستودع خاص “لقيمة النقد الطيار” وملاذاً شعبياً للقوة الشرائية وأهم موجودات احتياطيات البنوك المركزية. لهذه الأسباب يبقى الذهب متيقظاً لتوقعات التغييرات في التضخم. إذا زاد التضخم المتوقع بنسبة نقطة مئوية واحدة سنوياً فإن سعر الذهب قد يرتفع بما مقداره عشرة نقاط حيث يجري تغيير المحافظ لصالح الذهب. بليون الأونصات من السبائك الذهبية التي تحتفظ بها البنوك المركزية يمكن استخدامها كضمانات من قبل البنوك المركزية عند سعيها للحصول على قروض وهي بالتالي قابلة للتحويل نقداً بسيولة دولارية. تبعاً لذلك فإن الاحتياطي الفيدرالي لديه السلطة لتحديد، ليس فقط احتياطيات النقد الأجنبي في الخارج، ولكن قيمة الاحتياطيات من الذهب بالدولار. بمفهوم عملي، يعتبر النظام الاحتياطي الفيدرالي الملجأ الأخيرة للإقراض في النظام المصرفي الدولي والمقرر لقيمة الدولار في الاحتياطيات العالمية. بهذا المعنى يصبح منصب رئيس مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي مغتصباً لمنصب القائد العام للنقد في النظام المالي العالمي.
لا أريد إنكار أهمية ارتفاع سعر الين والمارك الألماني والأهمية المالية المستمرة للجنيه والفرنك—هذه العملات الأربع إضافة للدولار تشكل حقوق السحب الخاصة؛ وجود العملات الأربعة الأخرى يفرض بعض القيود على الدولار ويمنعه من الهيمنة الاحتكارية التامة. إذا كان للنظام النقدي الأمريكي أن يصبح غير مستقر تماماً فستظهر محاولات جديدة لمنعه من الهيمنة. حدث هذا فعلاً عام 1970 عندما أدى الركود في الاقتصاد الأمريكي وانهيار أسعار الفائدة الأمريكية—وهذه ظاهرة لمستويات التبادل بالذهب مقرونة باحتياطي فيدرالي متضخم—إلى إطلاق طوفان من السيولة الدولارية الزائدة التي فاضت إلى أوروبا وألهمت خططاً، كانت مجهضة قبل ذلك، بإيجاد عملة أوروبية؛ وحدث هذا ثانية عند إنشاء نظام النقد الأوروبي. بيد أن دمج النقد الأوروبي يبدو أنه يتفكك كلما انتقل الاحتياطي الفيدرالي أو تقاطع مع سياسة نقدية حصيفة. طالما بقي الدولار يوفر أداة دولية مرضية وبقي الاحتياطي الفيدرالي يوفر قيادة نقدية جيدة، مع الأخذ بالاعتبار النتائج الخارجية لأعماله بخصوص أسعار الصرف وسعر الذهب، فيبدو أن السلطات الأخرى تبقى قانعة بقبول القيادة النقدية للولايات المتحدة.
4. ملاحظتي الرابعة تتعلق بعدم اتساق سلطة الاحتياطي الفيدرالي إزاء الذهب عندما يتحدد سعر له. ففي حين يستطيع الاحتياطي الفيدرالي المبالغة في سعر الذهب فإنه لا يستطيع المبالغة في خفض سعره إلا على المدى القصير. إذا أعادت الولايات المتحدة العمل بنظام التحويل عند سعر مرتفع جداً للذهب وصاغت سياسة نقدية مواكبة لذلك فسيتعين عليها شراء الذهب الزائد المعروض عليها وبذلك تخلق احتياطيات مصرفية وأسعار فائدة منخفضة ومعدل أسعار أعلى مما قد يكون مرغوباً به. من ناحية أخرى إذا أعادت الولايات المتحدة قابلية التحويل بسعرٍ منخفض جداً للذهب فسيتعين عليها بيع الذهب وتخفيض احتياطيات المصارف وقبول سعر تعادلي أقل مما هو مرغوب به. وحيث أنه من ناحية عملية سيكون من المستحيل سياسياً دفع السعر في الولايات المتحدة إلى مستوى أقل من نقطة معينة (واقتصادياً غير مرغوب به القيام بذلك بسبب مشاكل الإفلاس والبطالة) فإن هناك حداً أدنى لسعر الذهب بالدولار لا يمكن تداول الذهب بسعر يقل عنه. من ناحية أخرى ليس هناك حدود عليا لسعر الذهب بالدولار ما عدا ما يفرضه استعداد الاحتياطي الفيدرالي أو الخزانة لقبول واردات من الذهب وتضخم. اللازمة المصاحبة للاقتراح القائل بأن الولايات المتحدة لا تستطيع تخفيض سعر الذهب لفترة طويلة (كما فعلت بين عامي 1968 و1971)، هي القول بأنها لا تستطيع لفترة طويلة المبالغة في سعر الدولار.
5. ملاحظتي الخامسة والأخيرة أن هناك ضرورة لاحتياطيات دولية بموجب أسعار مرنة بدلاً من أسعار ثابتة؛ وأن التدخل في أسواق الصرف الأجنبية هو أكثر في حالة أسعار الصرف المرنة منه في حالة أسعار الصرف الثابتة. وقد تنبأ السير روي هارود، بين آخرين، بهذه الحالة التي تبدو متناقضة ظاهرياً لنظام أسعار مرن في ستينات القرن الماضي. كان الاعتقاد أوسع انتشاراً في ستينات القرن الماضي بأن الانتقال إلى نظام من أسعار الصرف المرنة سيقضي على مشاكل موازين المدفوعات والحاجة إلى احتياطيات نقد أجنبي والتدخل في أسواق الصرف الأجنبية، ناهيك عن طرق مصطنعة على أساس إصلاح مالي لإيجاد سيولة جديدة. كل هذه الأفكار حول الطريقة التي قد تحدد سلوك عالم من العملات الوطنية المعوّمة كان ينبغي تبديدها بسرعة لأن التعويم العام قد بدأ عام 1973. لقد تم إيجاد سيولة دولية في شهر واحد عام 1982 أكثر مما تجمع سابقاً لدى شعوب الأرض كافة منذ بدء الخليقة حتى تعليق نظام التبادل بالذهب عام 1971!
أزمة الدَّين العالمي عام 1983 لم تظهر كقدر من الغيب. لقد استغرقت ديون البلدان الأقل تطوراً فترة طويلة للارتفاع إلى ما يزيد عن نصف تريليون دولار ولم تؤخذ العلاقة بنظام سعر الصرف على أنها مصادفة. بناءُ دين كهذا غير معقول في ظل أسعار صرف ثابتة. المقولة الملازمة، هي بالطبع، أن القيمة الحقيقية لهذه الديون يمكن تضخيمها عن طريق تضخم الدولار الأمريكي والدولار الأوروبي. لقد تمت مناقشة هذه المشكلة في مؤتمرات عدة في سبعينات القرن الماضي خصوصاً فيما يتعلق بالطريقة التي خلقت بها هذه الديون مشكلة التضخم المصحوب بانخفاض الإنتاج والبطالة والتأثير العكسي لذلك.
بموجب نظام أسعار الصرف المعوّمة العامة لم تكن هناك آلية للسيطرة الدولية على كمية الاحتياطيات الدولية. كان بوسع البلدان الحصول على الاحتياطيات التي تريدها ببساطة عن طريق شرائها. أصبحت السياسة النقدية في كل بلد تتسم “باللطف”، وانهارت موازين المدفوعات. كان توفير النقد مقيداً فقط بالخوف من تخفيض سعره و/أو الخوف من التضخم. ولكن بعد أن تم تعويم كل العملات مقابل الذهب، مثلما حصل بعد اتفاقية سميسثون، فقد اختفت مرساة الاستقرار التي كان يوفرها الذهب. لم ينجح الحاجز المضاد للتضخم الذي كان قد تم توفيره عن طريق معادلة أسعار الصرف طالما ظلت البلدان على قدم المساواة مع بعضها البعض في سياساتها التضخمية. كان النظام الجديد لا يزال محوره الدولار، ولكن الدولار لم يعد يتمتع بانضباطية قابلية تحويل الذهب التي كانت دائماً توفر نظرياً وعملياً كابحاً للسياسات التضخمية للاحتياطيات المركزية. منذ ذلك الحين أصبحت مسألة ما إذا كانت السياسة العالمية ستكون تضخمية أم لا تعتمد على ما إذا كانت سياسة الاحتياطي النقدي تمكنها من ذلك أم لا.
ما كانت الزيادات في أسعار النفط في السبعينات لتكون ممكنة لولا الزيادات المصاحبة في أسعار الذهب (ولهذا كانت احتياطيات الذهب) وموجودات أسواق الصرف. وفي الوقت الذي نجح فيه النظام في السبعينات، بعد رفع أسعار النفط، فقد واجهت البلدان الصناعية والبلدان الأقل تطوراً احتمالات العجز التي كانت ستعني الانكماش أو تخفيض عملاتها مقابل الدولار، لو لم توفر الولايات المتحدة الاحتياطيات التي يستطيع سوق الدولار في أوروبا التوسع على أساسها لتمويل العجز في موجة الإقراض الكبرى بين عامي 1973-1981. وعندما نفذت مخصصات الإقراض الخاصة للبلدان المقترضة تولت حكومات البلدان المقترضة تغذية سوق الإقراض بالدولار الأوروبي بأوراق نقدية ذات قيمة اسمية بالدولار لم تكن مدعومة غالباً بأكثر من توقيع حكومات غير دستورية أو غير ديمقراطية.
تبعاً لما تقدم لم يوفر نظام تعويم الأسعار ضبطاً ولا قيوداً نقدية، بل على العكس من ذلك فقد أوجد هذا النظام تضخماً وديوناً غير قابلة للسداد وإفلاساً فعلياً للعديد من البلدان. في النهاية تم استبدال مشاكل موازنة موازين المدفوعات—وهي المصدر الرئيسي للضبط في نظام أسعار صرف ثابتة (عند ربطها في نهاية المطاف بمركز احتياطي مرتبط بدوره بالذهب)—تم استبدال هذه المشاكل أخيراً بضبط مالي تم التوصل إليه بعد أن استنفذ تفجيرٌ إقراضي كبير أرصدة الحكومة. التوازن المالي هو الآن الوقاية الوحيدة ضد التضخم، ولكن ليس بالإمكان تحقيق التوازن المالي في ظل التزامات الديون المالية الحالية على معظم البلدان الأقل تطوراً. إن ضخ مزيد من الأموال إلى البلدان الأقل تطوراً قد يخفف من مشكلة التسديد الحالي للديون وفوائدها، ولكن فقط على حساب جعل المشاكل البعيدة المدى لإعادة التسديد أقل قدرة على الحل. الحلول تكمن في مكان آخر.
نستطيع أن نرى الآن أن التفاوت بين النتائج المتوقعة والحقيقية المرتبطة بالتحول من أسعار صرف ثابتة إلى أسعار صرف مرنة يكمن في فشل المدافعين النقديين عن أسعار صرف مرنة في فهم آلية التعديل التي كانت ترتبط، في أنظمةٍ صحية، بأسعار صرف ثابتة. إن بلداً لديه عجز في ميزان مدفوعاته يعاني من زيادة في عرض عملته مقابل عملات أخرى، ويتعين على السلطات، لمنع التضخم، عرض احتياطياتها من العملات الأجنبية (أو الذهب) وإخراج العملة الزائدة من التداول عن طريق خفض تلقائي للنقد المتداول لدى الجمهور أو القاعدة الاحتياطية للنظام المصرفي. من الواضح أن الحالة تصحح ذاتها حيث أن النقد المتداول لدى الجمهور سينخفض إلى الحد المطلوب. ولكن حكومات عديدة عملت، لسوء الحظ، على ممارسة عمليات “تعقيم” أو “تحييد” كان من شأنها تعطيل آلية التعديل، أحياناً بذريعة سخيفة تدعى “عمليات دفاعية”. مشاكل موازين المدفوعات بمعناها الدقيق لا تنشأ بين مناطق لها عُملة مشتركة واحدة لأنه ليس هناك فرصة لتعطيل عملية التعديل بواسطة عمليات تعقيم أو تحييد. إذا كان هناك بلدان، لكل منهما سلطات إصدار نقود خاصة به، يتدخلان فقط في أسواق الصرف، فإن التعديل سيكون سلساً كما لو كان الحال بين منطقتين في بلدٍ يستخدم عملةً مشتركة.
باستثناء بعض المبررات والحالات الخاصة، فالسبب في أن بلداناً مثل إيطاليا واليابان والمكسيك وكوستاريكا تستطيع المحافظة على أسعار صرف ثابتة لعقود عدة بموجب نظام بريتون وودز هو أن هذه البلدان قد سمحت عموماً للخسائر والمكاسب في الاحتياطيات بالتأثير على معدل النمو في عرض النقد، وكان التعقيم، في أسوأ الأحوال، جزئياً فقط، ولذلك تحققت فعالية آلية التعديل والضبط المالي. أما عندما تخلت هذه البلدان عن الأسعار الثابتة وتحولت لأسعار صرف مرنة—إيطاليا واليابان عام 1971 والمكسيك عام 1976 وكوستاريكا عام 1981—فقد خسرت فوراً مؤشر الخطر أو دفة التوجيه التي كانت سر سياساتها النقدية الثابتة السابقة. هذان مثالان فقط من أمثلة كثيرة تظهر بوضوح تام في سجلات الإحصاءات النقدية.
ينطبق المبدأ نفسه على الحالة التي يكون فيها سعر الذهب معقماً، والواقع أن الولايات المتحدة فقط هي التي ثبّتت سعر الذهب بموجب المادة 4-4-ب من المواد الأصلية في التعديل. خسارة الذهب تعكس نفسها في سياسة نقدية أكثر تشدداً ومكاسبه في سياسة نقدية أسهل. سيحدث هذا مرة أخرى بشكل تلقائي شريطة ألا يقوم البنك المركزي بتعقيم أو تحييد التأثير التلقائي لخسائر أو أرباح الذهب على النقد أو احتياطيات البنك (كما فعلت الولايات المتحدة وبريطانيا فعلاً). طالما كان الجمهور متيقظاً ويتوقع العلاقة بين الذهب أو تدفقات النقد الأجنبي وبين آلية تعديل عرض النقد فإن قوى المضاربة ستساعد، بدلاً من أن تحبط، التوصل إلى توازن جديد.
نجاح قاعدة الذهب عبر عقود طويلة كان متوقفاً على معرفة وتوقع عواقب آلية التوازن. وقد كانت التوقعات المحسوبة في مكانها لأن جميع الخبراء فهموا النموذج. الآلية، كما تم فهمها بشكل صحيح، لم تتطلب لتطبيقها سواء مستوىً سعرياً أو تغييرات في التوظيف لأن التعديل كان متوقفاً على التغيرات في الإنفاق المحلي في بلدٍ واحد في اتجاه معاكس لتغيير مماثل في بقية العالم.
خمسة خيارات للإصلاح النقدي الدولي

1. الخيار النقدي لأسعار صرف معوّمة حرة
الخيار الأول الذي يجب طرحه للدراسة هو الخيار النقدي في تعويم أسعار الصرف. هذا الخيار يسعى للسيطرة على الكتلة المالية الكلية بمعنى محاولة تثبيت معدل نمو مفهوم مالي محدد. عندما يقوم كل بلد بذلك فسيتعين أن تأخذ أسعار الصرف بالتذبذب مقابل بعضها البعض حيث أنه ليست هناك آلية للتأكد من أن الطلب على النقد سيكون مساوياً للعرض. الهدف الأساسي هو ضمان الاستقلال النقدي لكل بلد لمحاولة تحقيق معدل التضخم “المثالي” الخاص به أو نمو الناتج القومي الإجمالي النسبي. إذا تم تثبيت أسعار الصرف فسيحدث خلل في التوازن بين الطلب والعرض وسيخسر البنك المركزي أو يربح احتياطياتٍ مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى أزمة أسعار صرفٍ وتخفيضٍ إلزامي لسعر النقد (يتجاهل النقديون عادة التأثير التوازني للتغييرات الاحتياطية والإنفاق النقدي). لمنع خلل التوازن من التطور ينبغي السماح لسعر الصرف بالارتفاع أو الانخفاض حسب قوى العرض والطلب في السوق مع ضمان الاستقرار النقدي عن طريق تثبيت معدل نمو كتلة النقد. معدل النمو الحقيقي الذي يتم اختياره لعرض النقد سيختلف بين بلد وآخر، وسيعتمد على معدل التضخم المرغوب به ومرونة دخل الطلب للمفهوم المحدد للكتلة المالية المختارة للتثبيت. والوسائل المستخدمة في تحقيق السيطرة على كمية النقد ستكون من خلال معدل نمو متنوع مناسب للنقد الحكومي وتعليمات الحكومة للبنوك للاحتفاظ باحتياطي قانوني ثابت بين النقد الخاص بالبنك والنقد الحكومي؛ وقد تجري بعض التعديلات لتصحيح التذبذبات التضخمية والانكماشية بهدف الإبقاء على العملة خارج البنوك أو استبدال عملات حكومات أجنبية بالعملة الوطنية.
هذا الاقتراح قد يشمل حوالي 150 سعر صرف معوّم أو أكثر. التنويعات على الاقتراح تشمل أنواع مختلفة من “التعويم القذر” أو إدارة أسعار الصرف إلى تسهيل التذبذبات في التوجهات، أو منع الهجمات الاحتكارية على عملات بلدان صغيرة من قبل البنوك الكبيرة أو البنوك العملاقة متعددة الجنسيات، أو الوقاية من السياسات النقدية المسببة لعدم الاستقرار التي تنشأ أساساً خارج بلد التعويم.
تمت، إلى حد ما، تجربة اقتراح النقديين بعد عام 1971 ولكن بشكل خاص بعد عام 1973 عندما نفضت لجنة العشرين يدها من الإصلاح النقدي “حتى يتم حل مشكلة التضخم”. وقد حقق نظام “تعويمٍ قذر” وضع قانونٍ دولي في التعديل الثاني على مواد اتفاقية صندوق النقد الدولي الذي كان قد وافق في اجتماع جامايكا للجنة العشرين التابعة للصندوق عام 1976 على تبني نظام سعر صرف مرن تحت السيطرة. وقد تلقى الصندوق مزيداً من الدعم من هيئة الذهب الأمريكية (التي كان يسيطر عليها النقديون). وكانت تلك هي المقاربة التي سلكتها حكومة ريغان في رفضها للمقترحات الأوروبية عام 1982 للتدخل في سوق أسعار الصرف.
إن مقاربة النظرية النقدية تعتمد على استخدام سعر الصرف كأداة تعديل لتصحيح مشاكل ميزان المدفوعات. إذا كان هناك عجز لدى بلد في ميزان مدفوعاته فإن سعر الصرف سينخفض، طبقاً للجدلية النظرية، مما سيجعل سلع هذا البلد أقل سعراً والسلع الأجنبية أغلى سعراً ويحول الطلب العالمي باتجاه سلع البلد ذي العملة الأقل سعراً. لنفرض، على سبيل المثال، أن لدى الدول المصدرة للنفط فائضاً في موازين مدفوعاتها، فبموجب أسعار الصرف المعوّمة سترتفع أسعار عملات بلدان الأوبك—حسب هذه الجدلية—مما سيرفع أسعار النفط، ثم يتحول الطلب العالمي من النفط إلى السلع الأخرى ويحدث توازناً في موازين المدفوعات. أو لنفترض أن اليابان لديها فائض في ميزان مدفوعاتها مع الولايات المتحدة، عندها سيرتفع الين مقابل الدولار حتى ينتهي الفائض وبذلك يعود التوازن إلى الانسجام. وكمثال أخير، لنفرض أن بلداناً مثقلة بالديون مثل المكسيك والبرازيل والأرجنتين لديها عجز في موازين مدفوعاتها. الحل، طبقاً للنقديين، هو أن تسمح هذه الدول لعملاتها بالانخفاض مقابل الدولار حتى يتم الوصول إلى التوازن في حساباتها الخارجية، وتحافظ في الوقت ذاته على معدل توسع عملاتها ثابتاً طبقاً للمعادلة النقدية لتحقيق معدل التضخم المرغوب به (ربما صفراً أو حتى سالباً).
مقاربة هذه النظرية يدحضها نقادهم انطلاقاً من أسس نظرية وعملية وسياسية، على الرغم من أن أعداء أسعار الصرف المعوّمة—شأنهم في ذلك شأن كل من يتصدى لاقتراح آخر—لا يعترضون على ذلك انطلاقاً من نفس الأسباب. الاعتراض الأول نظري: حقيقة أن المملكة العربية السعودية لديها فائض في ميزان مدفوعاتها، وبموجب التعويم تسمح لريالها بالارتفاع مقابل الدولار—كما ستفعل لو لم يكن هناك تدخل—لا تعني أن أسعار سلع المملكة العربية السعودية مثل النفط ستصبح أغلى بالنسبة لبقية العالم. الأغلب أن سعر الدولار لن يتغير والنتيجة الوحيدة التي ستترتب على التغير في سعر الصرف هي أن جميع أسعار السلع التي يتم التعامل بها بالريال السعودي ستنخفض مما سيرفع القيمة بالدولار للأصول المالية المقيّمة بالريال، وبالتالي يرتفع، إلى حد ما، الإنفاق المحلي شريطة ألا تتم موازنة هذا التعديل بخفض مقابل في الإنفاق ناجم عن انخفاض قيمة الريال مقابل احتياطيات النقد الأجنبي التي تحتفظ بها الحكومة والسلطات النقدية. وتعتمد النظرية النقدية في التعديل، مثلها في ذلك مثل النظرية الكينزية، على أسعار وأجور ثابتة للسلع المنتجة في البلد الذي ارتفعت أسعار عملته. لهذه الأسباب وأسباب أخرى، قد لا تكون لتغيرات أسعار الصرف تأثير على ميزان المدفوعات، بل إنها ستعكس على الأغلب موافقة على تغير سابق في الأسعار الإجمالية أو، الأسوأ، تحرص على تغيير في مستويات النقد والأسعار على السواء. ليس هناك دليل يربط بين قيم أسعار صرف منخفضة بالميزان التجاري أو بميزان الحسابات الجارية، أو بميزان المدفوعات. وعندما أولى الاقتصاديون انتباهاً جدياً للقضية جاء الدليل غامضاً.
الاعتراض الثاني على أسعار صرف مرنة هو أنها تؤدي إلى فقدان الانضباط المالي، كما توحي بذلك التجارب في المكسيك وكوستاريكا والأرجنتين والبرازيل و—بعد عام 1982—الأوروغواي. خطر الإفلاس الناجم عن اندفاع على سحب النقد الأجنبي والمضاربة هو انضباط أسوأ بكثير من حالة خفيفة من تخفيض العملة أو التضخم بعد أن يكون الجمهور قد اعتاد على تخفيض سعر العملة. الأسعار المرنة للعملة تفسح المجال لسوء الإدارة لدرجة فقدان مصداقية الحكومة وبالتالي تمثل دعوة مفتوحة للفساد.
الاعتراض الثالث هو أن نظاماً عاماً لأسعار صرف معوّمة سيخلف فوضى معلوماتية في عالم يوجد فيه ما يزيد على 160 عملة. من الواضح أن فوائد نظام عملة مشتركة لن تظهر وسط الفوضى، ولحسن الحظ أن البلدان لم تصل لهذه الدرجة ولكنها ربطت نفسها في الواقع بمقاربة تعكس بدرجة أوضح نظام مناطق عملات مثلى. الحالة الوحيدة التي تم فيها تطبيق هذا النظام عملياً كانت خلال التشوش الذي واكب استخدام المعدنين (الذهب والفضة) في العصور الوسطى عندما قامت كل مدينة—دولة في إيطاليا وألمانيا بالادعاء باستخدام عملتها المعدنية الخاصة بها (بموجب الامتيازات الممنوحة حتى عام 1355 من قبل الامبراطور الروماني المقدس)، وحتى العملات الذهبية التي كانت سائدة حتى ذلك الوقت كالفلورين أو السيكوبين (مسكوكة ذهبية) قد تم تطويرها. اقتراح عملات منفصلة متذبذبة السعر لا يتعامل ببساطة مع العالم كما هو الآن أو كما سيكون عليه في المستقبل المنظور. إن الأخذ بأسعار صرف معوّمة بين عملات لبلدان متناهية الصغر مثل فانوواتو (الفاتو) والدولار والين لا يخدم غرضاً مفيداً والممارسة الفعلية لربط الفاتو بحقوق السحب الخاصة، على الأغلب بسعر متناقص، هي دعوة للتضخم. أهمية العملة المحلية تكمن بصورة أكبر في دورها السياسي كرمز وطني وسيادي وليس بقطع معدنية صغيرة تحمل رسوماً قد تختفي بفعل التوسع النقدي والتضخم.
ينبغي للإنصاف القول بأن العديد من الاقتصاديين الذين كانوا يعتقدون ذات يوم بالتعويم العالمي قد غيروا آراءهم الآن على مناطق إقليمية بأسعار صرف ثابتة. مع ذلك فالحقيقة هي أنه ما لم تربط جميع البلدان الأقل تطوراً عملاتها بالعملة القيادية نفسها فإنها جميعاً ستعوِّم بالنسبة لبعضها البعض. إلا أن من الممكن لسعر صرف ثابت في بلد أقل تضخماً أن يوفر انضباطاً نقدياً ما كان يمكن توفيره. إلا أن الحقيقة الأهم في واقعنا الحالي لا زالت هي الدور الإقراضي الذي يلعبه الدولار، والذي يجعل مقاربة النقديين عملياً غير واقعية. ربما كان الاعتراض الأكثر أهمية على الأسعار المعوّمة هو عدم وجود أسس لتوقع القيمة المستقبلية للنقد—وبالتالي أسس لدمج “فرق التضخم” الصحيح بأسعار الفائدة—وقد أظهرت الممارسة، في الولايات المتحدة على الأقل، أن الكتل النقدية لا توفر دليلاً فعالاً لتثبيت معدلات التضخم، وأيُّ محاولةٍ لتثبيت معدل مفهومٍ نقدي معين تفرض الحاجة إما لتغيير معدل نموه أو تغيير مكونات السلة النقدية مما يلغي الغرض الأساسي للعملية التي كان المقصود منها في المقام الأول إلغاء الحاجة للتحفظ من جانب البنك المركزي. اليوم، في عام 1983، ليس لدى الولايات المتحدة قاعدة ارتباط بالذهب أو قاعدة سلع “كينزية” أو قاعدة ورق “فريدمانية”. يوجد الآن قاعدة “فولكرية” (نسبة إلى محافظ الاحتياطي الفيدرالي [آنذاك] بول فولكر). ولكن من يستطيع التنبؤ بالقيمة المستقبلية للجنيه أو الدولار أو الين على أساس قاعدة “ثاتشرية” أو “فولكرية” أو “ناكاسونية” (نسبة إلى رئيس الوزراء الياباني [آنذاك] ياسوهيرو ناكاسون)؟ أياً كانت عيوب قاعدة الذهب أو قاعدة دولار قابل للتحويل فإنها ليست أكثر اعتباطية أو تقديرية من النظام الاعتباطي الذي ساقنا إليه موقف النقديين حول قاعدة العملات. وتفرض فروق عدم التأكد المتضمنة في هيكل أسعار الفائدة طويلة المدى تكاليف لا ضرورة لها على معاملات سوق رأس المال وهي أقصر طريق لتقويض النظام الرأسمالي—أو أي نظام آخر.
2. خيار قاعدة الذهب الجديدة
يكره أنصار قاعدة الذهب خيار النقديين حول أسعار صرف معوّمة لكل عملة في العالم، فالنقد ليس مجرد صنيعة اقتصادية، بل هو فكرة، ومعلمٌ أساسي من معالم الحضارة والذي يعتمد وضعه الصحي في مجتمع متحرر على إمكانية التنبؤ بقيمته واستقراره ليس اليوم فقط بل على المدى البعيد. النقد، كما يقول كينز، هو حلقة الوصل بين الماضي والحاضر والمستقبل، لكي يكون بالإمكان التوصل إلى عقود والتزامات وبقاءها ضمن أسعار فائدة تعبر عن الندرة الحقيقية لرأس المال وضغط عامل الزمن مع تقليل إمكانية حدوث خطأ بشري في التنبؤ إلى أدنى حد ممكن. إن وجود نقد مستقر مقبول على أوسع نطاق ممكن—ويفضل في العالم كله—هو الطريقة المؤكدة لإشراك كل فرد في إنتاجية منظومة عالمية واسعة النطاق وفي المعلومات المؤثرة على الاقتصاد وفي الالتزام بتخطيط طويل المدى وتحقيق التوقعات المعتدلة. إن التوسع في استخدام ومنافع النقد الوطني إلى المحيط الدولي يعادل التوسع في المكاسب من التجارة الحرة وتحقيق الذات إلى المجال العالمي. وفي الوقت الذي يتركز فيه اهتمام النقديين الوطنيين على السوق المحلي فإن الدوليين يركزون على المكاسب الناجمة عن الاستخدام المشترك لعملة مشتركة. وإذا لم يكن ممكناً حتى الآن إيجاد عملة عالمية واحدة لأسباب سياسية فإن أقرب تشبيه لها، يمكن بواسطته تشبيه خصائصها المفيدة، هو نظام عملات يمكن تحويل الواحدة منها للأخرى بسعر صرف ثابت أو معروف سلفاً. وبينما قد تكون قاعدة السلع عملياً سلة من السلع—طبقاً لاقتراحات إيرفين فيشر عام 1912 وجون مانيارد كينز عام 1930—فإن الحل العملي الوحيد اليوم هو استخدام المعادن الثمينة وخصوصاً الذهب. الذهب هو السلعة الوحيدة التي تحتفظ بها حكومات قادرة على القيام بدور نقدي فعال، وفي حين أن المرء قد لا يرغب في استبعاد بدائل أخرى للذهب مستقبلاً، في القرن القادم، فلن يكون من المجدي حالياً إيجاد معيار سلعي حول أي سلعة ما عدا الذهب.
المدافعون عن قاعدة الذهب يتناولون مشكلة نظام النقد الدولي من وجهة نظر مضادة لتلك التي يتبناها النقديون الوطنيون. إنهم يفضلون رؤية توسع في مزايا عملة مشتركة تستخدم في سائر أنحاء العالم، أو على الأقل بقدر ما تسمح به المؤثرات الاقتصادية السياسية الخارجية. بدءاً من ولايات متحدة تضم 48 ولاية و12 منطقة احتياطي فيدرالي كل منطقة منها تصدر “دولاراً” خاصاً بها وقابل للتحويل مع دولارات المناطق الأخرى بسعر صرف محدد، هل يتحقق قبول ولايتين أخريين في الاتحاد (مثلاً هاواي وألاسكا) بإصدار عملتين إضافيتين وترك دولار هاواي وألاسكا معوّمين؟ أم هل ينبغي إبقاء الأسعار ثابتة؟ المدافعون عن قاعدة الذهب يؤكدون على المزايا الكبيرة للأسعار الثابتة في هذه الحالة، وكذلك الحال في رأي الحكماء من خبراء النقد في مجلس الشيوخ الأمريكي.
ما ينطبق على هاواي وألاسكا يبدو أنه ينطبق بالمثل على ولاية بورتوريكو والعديد من الجزر الصغيرة التابعة وكذلك منطقة قناة بنما وبنما نفسها وليبيريا وبلدان عديدة أخرى. ما يميز (البالبوا) البنمي عن العملات المجاورة هو استقراره النقدي النسبي حيث يعكس معدلات التضخم في الولايات المتحدة. كلما اتسعت المنطقة الدولارية لتشمل فنزويللا والمكسيك وكندا والمملكة المتحدة إلخ، كلما أصبحت أكثر كفاءة كقاعدة للنقد في العالم. حتى مع أن الاستقرار النقدي في الولايات المتحدة ليس كبيراً كما كان عليه الحال تحت نظام بريتون وودز فإنه أكبر بكثير من الاستقرار في معظم البلدان الأخرى في الاقتصاد العالمي وأصبح الآن مرتبطاً بعملات ما يزيد على 60 بلداً آخر.
في عالم توجد فيه (س) من العملات، هناك (س-1) من أسعار الصرف. معظم البلدان الأخرى العاملة بنظام بريتون وودز حافظت على استقرار عملاتها، مباشرة أو عن طريق عملات أخرى، نسبة إلى الدولار، في حين حافظت الولايات المتحدة على استقرار عملتها نسبة إلى الذهب. الاستقرار نسبة إلى الذهب كان، تاريخياً، وسيلة لتحقيق مستوى مستقر للأسعار، وهو المرساة للنقد الورقي إزاء عالم السلع. إلا أن نظام بريتون وودز قد انهار بعد أن أدت تضخمات الإقراض لثلاث حروب إلى رفع أسعار الدولار إلى مستويات عالية وتركت الذهب عند سعر 35 دولاراً للأونصة وهو سعر أقل من قيمته الحقيقية. ورغم أن بعض الاقتصاديين يستخدمون حقيقة أن الذهب لم يضبط السياسة النقدية للولايات المتحدة بما فيه الكفاية في زمن الحروب ويستخدمون ذلك كحجة ضد الذهب فإن المدافعين عن قاعدة الذهب يحاججون بأنه ما كان لأي نظام نقدي آخر أن يفعل شيئاً أفضل من ذلك. لقد نجحت قاعدة الذهب في الإبقاء على أسعار الفائدة أقل من 7% لمدة تزيد على 35 عاماً، وهي تجربة لم يستطع أبداً نظام أسعار الصرف المرنة مجاراتها.
السؤال الذي يبرز هو ما إذا كان من المجدي لكل بلد أن يتبنى قاعدة الذهب. الجواب لا. إن اختيار عملة أو مادة رئيسية يرتبط بصورة وثيقة بإمكانية الوصول إلى أسواق رأس المال، فمعظم البلدان تحتاج إلى استقرار عملاتها نسبة إلى العملة التي يتعين عليها استخدامها لدفع التزاماتها أو الاقتراض أو الإقراض أو تسديد ديونها. ليس مصادفةً أن دولاً كالمكسيك والبرازيل والأرجنتين التي تواجه صعوبة ناجمة عن استحقاقات تسديد ديونها خلال فترة تعويم أسعار الصرف، يتعين عليها الآن لتسديد ديونها المتراكمة بدولارات تكلف بلايين إضافية بالنسبة للبيزو أو الكروزيرو. أسعار الصرف المرنة دمرت العادة التجارية وقد تجعل من الضروري تضخيم بعض الديون. في القرن التاسع عشر كان الجنيه الإسترليني عملة التداول العملية في التجارة الدولية وما يعادل الآن أوراق النقد أو الشهادات النقدية في سوق الدولار في أوروبا. اليوم الدولار هو العملة العالمية دون أن ننكر أهمية القيمة الإقليمية للمارك والجنيه والين والفرنك. ولكن الذهب ليس داخلاً في التنافس كعملة تبادل ليحل محل الدولار. المسألة بالنسبة للاقتصاد العالمي ستكون مثل محاولة استبدال اللغة الإنجليزية باللاتينية كلغة تجارية. كما أن حقوق السحب الخاصة ليست في مجال التنافس، فحقوق السحب الخاصة هي المكافئ العصري للغة الإسبرانتو. في ظل قاعدة الذهب، كما يراها مؤيدوها اليوم، لا يتوقع أحد أن يقوم تجار بتحميل قطع نقد ذهبي على دوابهم كما كانوا يفعلون وهم في طريقهم إلى معارض برايز (في بلجيكا اليوم) أو تشابين في العصور الوسطى. الدور الرئيسي للذهب في قاعدة الذهب الجديدة هو توفير وقاية ضد التضخم وضد الزيادة في التوسع مع الأخذ بعين الاعتبار بأن الذهب، مثله مثل النفط، هو مورد قابل للنفاذ. إذا التزمت بلدان أخرى بنظام تحويل لعملاتها إلى الدولار أو حقوق السحب الخاصة كما يتعين عليها أن تفعل لكي تحقق سعر صرف ثابت والاستفادة من عملة عالمية مشتركة، فعندئذ يتعين على الدولة التي تحررت من ضرورة التدخل في أسواق الصرف الأجنبية (أي الولايات المتحدة) أن تقبل بعض القيود على سيادة عملتها، وذلك على شكل التزام ببيع وشراء الذهب ضمن هوامش محددة لمعادلة مركزية.
إذا كان بالإمكان عقد اتفاقية حول استقرار أسعار الذهب فستنتهي التأرجحات الهائلة المؤدية إلى عدم الاستقرار في قيمة الاحتياطيات الدولية بالدولار وستبرز سياسة استقرار نقدي عالمية نتيجة لتجارب عدم الاستقرار في الفترة بين عامي 1971-1983. سيكون من المرغوب به التوصل إلى اتفاقية دولية حول سياسة الذهب لأن الولايات المتحدة تحتف الآن بأقل من 25% من الذهب النقدي في العالم. سيكون من الضروري الأخذ في الاعتبار النزعة لامتلاك الذهب في أوروبا الغربية واليابان والمنطقة العربية لأن الولايات المتحدة لا تريد أن تجد نفسها في وضع تبيع فيه كل موجوداتها من الذهب أو تشتري فيه الموجودات الذهبية العامة والخاصة في بقية أنحاء العالم.
قد يكون من الممكن دمج بعض معالم قاعدة الذهب هذه مع نشاطات بنك العالم المركزي (التي سنبحثها بعد قليل) باستخدام حقوق السحب الخاصة كأداة لمركزة أسعار الصرف (جعلها مركزية). إذا استقرت أسعار الين والمارك الألماني والجنيه والفرنك نسبة إلى حقوق السحب الخاصة فسيؤدي ذلك بالضرورة لاستقرار الدولار، حيث تستطيع الولايات المتحدة بعد ذلك أن تقصر تدخلها على عمليات السوق المفتوح في الذهب. بديلاً عن ذلك، إذا استقرت أسعار العملات الأربع الأخرى نسبة للدولار فسيكون الاستقرار نسبة لحقوق السحب الخاصة مضموناً. إن قاعدة حقوق السحب الخاصة ترقى عملياً، إن لم يكن بالاسم، إلى قاعدة الدولار في الوضع الحالي للقوى الاقتصادية.
ينبغي تحديد سعر الذهب بين 300-600 دولار، ومن المرغوب به أن يكون هناك بعض التذبذب في السعر لاستغلال المعلومات التي لا بأس بها الموجودة حتى في اختلافات صغيرة بين الحدود الخارجية حول المعادلة المركزية والتي يمكن بواسطتها إرسال إشارات حول التوجه المناسب للسياسة النقدية بين السلطات والأسواق. يمكن لوزير الخزانة أن يبدأ عمليات سوق مفتوح في الذهب دون أي التزامات ثابتة سابقة حول السعر الثابت النهائي للاستقرار، وفي هذا المجال يمكن للولايات المتحدة أن تستعيد، إلى حد ما، القيادة النقدية التي كانت قد تخلت عنها في آب 1971. ليس هناك حاجة اقتصادية لإطالة أمد الضيق الذي ساد الاقتصاد العالمي عندما تخلت الولايات المتحدة عن قيادة الاقتصاد.
في حالة شد الحبل التي قامت بين أوروبا وأمريكا منذ ستينات القرن الماضي، كان يمكن التعبير عن الصراع بتلقائية التكيف مقابل تلقائية التحويل. يتعين علينا أن نعرف الآن أن أسعار الصرف المرنة لا تعني التكيف بالضرورة. بقدر ما كان الدولار مقيّماً بسعر أعلى في ستينات القرن الماضي فإن تلك المبالغة في التقييم لم تكن مقابل العملات الأخرى، بل كانت زيادة في التقييم بالنسبة للذهب الذي كان مقيماً بأقل من قيمته نسبة لجميع العملات. وبالنظر إلى الوراء فإن الحل الأفضل في الستينات من القرن الماضي كان يمكن أن يكون تغييراً عالمياً في سعر التكافؤ للعملات، وهو الحل نفسه الذي كان يمكن له أن ينقذنا من عثرات الركود الكبير وعواقبه المريعة.
اعتاد الناس على القول بأن “الانتعاش وشيك جداً” ولكن استعادة الاقتصاد العالمي لعافيته يتطلب أسعار فائدة منخفضة وعجز نسبي اقل في الموازنات وانعكاساً إيجابياً على فرص العمل ونهاية للتوقعات بتسريع التضخم. خلطة السياسات المطلوبة لتحقيق تشكيلة من الأهداف تقتضي الثقة بالدولار وتخفيضات ضريبية محفزة، وأسعار صرف مستقرة، وقابلية تحويل الذهب. عجز الموازنة في الأربعينات، والذي بلغ 25% من الناتج القومي الإجمالي، لم يتسبب في أسعار فائدة مرتفعة بل إن سعر الذهب المرتفع (آنذاك) أدى إلى أسعار فائدة منخفضة وسيكون له نفس الأثر الآن. خلطة السياسات التي تمت الدعوة لها، ولكن لم تنفذ، عام 1981 لمواجهة التضخم وانخفاض النمو وازدياد نسبة البطالة تضمنت تشدداً نقدياً وتخفيضات ضريبية محفزة وأسعار صرف ثابتة وقابلية الذهب للتحويل—وهي المحركات الأربعة الضرورية لجعل الطائرة تحلق بكفاءة. اثنان من المحركات لم يجر تشغيلهما أبداً والتخفيضات الضريبية المحفزة تم تأجيلها وإضعافها وأخيراً إلغائها في صيف عام 1981، وهكذا بقي محرك واحد لإدامة تحليق الطائرة. يتعين على الاقتصاديين أن يتذكروا أن خفض الضرائب في فترة ركود يتبع من إملاءات نظرية كينزية ونظرية جانب العرض على السواء، ولكن المرء يأمل أن يكون الاقتصاديون على وعي أيضاً بأنه في عالم من حركة رأس المال وأسعار الصرف المرنة فإن نسبة المضاعف هي (تقريباً) صفر.[1] بقدر ما كانت تخفيضات الضرائب فعالة فإنها قد زادت في عجز الموازنة ورفعت نسبة الفائدة (إلى جانب التشدد النقدي) واجتذبت رؤوس أموال من الخارج ورفعت من سعر الدولار وجعلت الميزان التجاري أكثر سوءاً مما وازن الحوافز الكينزية وترك سياسة التشدد النقدي في حالة معزولة.
من حسن الحظ أن الجدل الذي ثار حول قاعدة الذهب في الولايات المتحدة قد أصبح مؤخراً أقل سخفاً ويعود ذلك جزئياً نتيجة لما توصلت إليه هيئة الذهب حيث لم يعد الاقتصاديون قانعين بالاقتباسات الكينزية واللينينية المشكوك في صحتها. هناك محاججات سياسية أحدها أن على الولايات المتحدة أن تبيع القمح أو الزبدة لشراء ذهب سوفييتي، وأخرى على أساس ميزان القوى، لمنع إنشاء كتلة تضخم الفرنك والمارك والروبل والذهب في القارة الأوروبية. هذه القضايا تقع خارج نطاق البحث الحالي، ولكن مسألة قيادة الولايات المتحدة للعالم الغربي ليست كذلك.
3. خيار النقد الخاص
طُرحت بإلحاح فكرة أن عصر النقد الحكومي لم يحقق نجاحاً في إيجاد نقد يتميز بالكفاءة وتبعاً لذلك فإن إحالة هذه المهمة إلى بنوك وطنية أو دولية وعملات وطنية قد يكون إحدى الوسائل لإيجاد نقد خاص، وهو بديل سيفتح الباب للدخول الحر في هذه الصناعة ويزيل الضرائب التمييزية على إنتاج وبيع النقد المعدني. ينبغي لي أن أقول منذ البدء بأني أدعم الأهداف التي يسعى لها نظام نقدٍ خاص ولكن لدي شكوك فيما إذا كان بالإمكان تحقيقها في العالم السياسي الذي نعيش فيه. أشك في أن حكوماتٍ كثيرة ستكون مستعدة للتخلي عن سلطاتها الهائلة التي يحققها لها هذا الامتياز.
لقد أصبح النقد، ولعل النقد الحكومي كان على الدوام، أداة للسلطة الوطنية ظلت محاطة دائماً بحماية شديدة من قبل أي حكومة تتولى السلطة. كان النقد دائماً مصدراً للعجز المالي، وبديلاً للضرائب، ومسكوكات رابحة، وضريبة على التضخم. وأصبح النقد مؤخراً وسيلة يمكن بواسطتها لسياسةِ نقدٍ توسعية، وفي ظل أسعار صرفٍ مرنة وضريبة دخلٍ تصاعدية، زيادة حصة الإنفاق الحكومي من الناتج القومي الإجمالي. كما أن النقد كان وسيلة تستطيع الحكومات استخدامها لسندات الدين بفائدة لتمويل العجز ثم تمحو، من خلال التضخم، القيمة الحقيقية لدين الحكومة، وهو أسلوب يمكن الاستمرار فيه حتى تدركه توقعات التضخم وتنهار إثر ذلك الثقة بديون الحكومة. سلطة النقد تعطي الحكومة القدرة على السيطرة على الموارد الحقيقية ثم تغيير، ومن طرف واحد، شروط أي التزام سابق بدفع قيمتها. كما أنه، ومن خلال استخدام الخيار النقدي، تستطيع الحكومة أيضاً تحقيق القدرة على دفع أي التزامات غير متوقعة كتلك التي تنشأ عند نشوب حرب. معظم الحروب لا يمكن خوضها إذا كان يتعين دفع تكاليفها من جبايات الضريبة المعتادة.
بعض البلدان، بالطبع، قامت بتغيير أنظمتها المالية للإقرار بالوجود الرسمي لنقد خاص، وجزء من النقد في جميع العواصم الرأسمالية هو نقد خاص. بطاقات الائتمان وودائع البنوك التجارية هي بدائل قريبة من النقد الخاص. ولكن نادراً ما تكون هناك حالات تم السماح بها للبنوك بإصدار أوراق نقدية.
ليس من الواقعي حالياً ولا في المستقبل المنظور طرح برنامجٍ لنظامٍ نقدي عام على مستوى العالم. إن تقاليد الديمقراطية الحقيقية تتراجع تاريخياً بدلاً من أن تزداد وليس هناك سوى قلة قليلة من الديمقراطيات الحقيقية حاليا. الأنظمة الشمولية والاستبدادية التي تسيطر على السلطة المركزية الآن تستخدم الأموال الحكومية كأداة للدولة أو أصحاب المصالح الخاصة فيها لتشديد قبضة السلطة المركزية على مواطنيها المقموعين أحياناً، ولكن غالباً لمجرد استخدام الضرائب لزيادة ثروات القائمين على النظام الحاكم. أياً كانت ميزات نظام استثمارات حرة لنقد منافس—وأنا أقر بأن هناك ميزات كثيرة في مجتمع حر حقيقي—فإني لا أرى ممراً سياسياً يمكن العبور من خلاله لتطبيق نظام كهذا ويتعين علي، تبعاً لذلك، أن أصرف النظر عن الفكرة باعتبارها ملهاة تليق بجنات عدن أكثر مما تليق بعالم من الواقعية السياسية حيث لا يساوي هذا الاقتراح شيئاً.
رغم أني أتعاطف فلسفياً مع فكرة النقد الخاص فإني لا أريد لها أن تكون ملهاة عن بدائل موجودة حالياً.
4. خيار المناطق النقدية المثلى

هناك خيار مهم آخر وهو نظام المناطق النقدية—مناطق نقدية “مثلى” إذا تم تصميمها لتعظيم معيار مصلحة عامة مقيدة. من المفيد أن نبدأ التفكير بكل دولة قطرية باعتبارها منطقة نقدية مشتركة. وقد تختار دولتان قطريتان أو أكثر ربط عملاتها ببعضها البعض والبدء بتعويم مشترك مقابل البلدان الأخرى. حالة كهذه تثير السؤال حول العملة المثلى. انطلاقاً من عملات وطنية فردية معوّمة، ما المعيار الذي قد يدفع بلداناً لربط عملاتها بترتيبات تعويم مشترك؟
على أحد طرفي التفكير في هذه المسألة هناك النموذج النقدي لعملة وطنية معوّمة تماماً لكل بلد، وعلى الطرف الآخر عملة عالمية كما قد يسود في ظل دمجٍ نقدي عالمي كما قد يفهم من العمل بقاعدة ذهب عالمية أو عملة عالمية. ما هي مكاسب دمج العملات أو استقلاليتها؟
حجم البلد مسألة ذات شأن، فبلد صغير يقع إلى جانب بلد كبير قد يجد أن تحولات بسيطة من عملة إلى أخرى قد تغير مستوى الأسعار في البلد الصغير بنسبة عكسية مع حجمه بالنسبة للبلد الكبير. يمكن للبلد الصغير تقليل الضرر الناجم عن هذه التحولات عن طريق تثبيت أسعار الصرف وترك تذبذبات الاحتياطيات تمتص الصدمات. والشيء ذاته ينطبق على الصدمات من خارج النظام، فبحيرة كبيرة تستطيع تفادي الصدمات العشوائية بطريقة أفضل من بحيرتين صغيرتين، أي أن مبدأ القاطرة يصح في هذا النظام. وما ينطبق على عملتين ينطبق حتى بصورة أفضل على ثلاث عملات وهكذا.
البلدان المؤلفة لأي منطقة عملة لديها أشياء مشتركة معينة. أولاً—والأهم على نحو ما لأنه أمرٌ لا بد منه—فأي بلدين لديهما أسعار صرف ثابتة يجب أن يكون لديهما مستويات أسعار متناسبة مع بعضهما البعض، بحيث يصبح لديهما خلال فترة من الزمن نسب تضخم متماثلة. إذا لم يكن الأمر كذلك فستكون أسعار السلع في أحد البلدين أرخص دائماً منها في البلد الآخر، وسيتبع ذلك ميزان مدفوعات غير متعادل مما يفرض تصحيحاً نقدياً أو انهيار المنطقة النقدية (خفض سعر العملة). أسعار الصرف الثابتة هي، في نهاية المطاف، وسيلة لبلدين للمشاركة في سياسة نقدية مشتركة سوءاً كانت هذه السياسة المشتركة غير متماثلة، كما في علاقات الهيمنة، أو سياسة مشتركة متكافئة كما في اتفاقيات التعاون أو الاتحادات النقدية. في القرية العالمية التي أوجدتها الاتصالات السريعة قد لا تكون هناك أهمية للعلاقة الجغرافية، فجغرافيا التضخم تُرسم على خارطة عالمية من المناطق النقدية.
كما تتشارك البلدان في “سلة” مشتركة مع السلع أو العملات التي ترتبط بها عملاتها. البلدان المعزولة كلياً عن بعضها البعض تبقى، مع ذلك، في نفس المنطقة النقدية ويكون لديها تقريباً نفس نسبة التضخم أو الانكماش إذا اختارت، مثلاً، سلة سلع واحدة كالذهب أو الفضة ربطت بها عملتها. منطقة الدولار هي مثال آخر، وكذلك منطقة الفرنك للمستعمرات الفرنسية الإفريقية. بلدان المنطقة النقدية الواحدة يسيرون على إيقاع طبل واحد.
ثالثاً، لقد كانت الإمبراطوريات تقليدياً هي مناطق نقدية منفردة تتشارك في سوق رأس المال نفسه في العاصمة وربما في نفس اللغة.
رابعاً، قد تتنقل عوامل الإنتاج بسهولة أكبر بين البلدان المشاركة في منطقة نقدية واحدة إما كشرط مسبق لاتفاقية المنطقة النقدية أو كنتيجة لذلك.
خامساً، قد تعكس المناطق النقدية ترتيبات سياسية مثل بلد أم ومستعمرة، منتصرة أو مهزومة، أو اتحاداً سياسياً أولياً. وغالباً ما تشكل الاتحادات النقدية كأداة أو خطوة أخرى نحو اتحاد سياسي كما في حالة السوق المشتركة أو دول الخليج.
سادساً، قد تعكس المناطق النقدية شراكات تجارية تكميلية كما قد يحدث بين بلدان صناعية وبلدان منتجة رئيسية، أو بين بلدان استوائية وبلدان معتدلة المناخ.
سابعاً، قد تعكس المناطق النقدية علاقات القوى حيث تتشكل اتحادات عملة لوضع الأسس لتحالفات دفاعية أو هجومية محتملة.
ثامناً، قد تعكس المناطق النقدية مناطق تخطيط. وقد تكون التغيرات في أسعار الصرف مفيدة لتحقيق التعديلات الأساسية في ميزان المدفوعات فقط عندما يكون هناك استقرار يمكن للأسعار أن تتصرف على أساسه لتغيير الأجور الحقيقية. مناطق التخطيط تتضمن درجة من الدمج ولذلك فإن هذا المعيار يتداخل مع الخيارات السياسية.
إنه مجرد هذا النوع من تأثير “القاطرة” الذي يجعل الدول تستخدم عملة التجارة أو العملة “الخارجية”. في منتصف القرن التاسع عشر، وخصوصاً بعد أن تخلت فرنسا عن دورها كالدولة المحورية في استخدام معدني الذهب والفضة، سارعت بلدانٌ للانضمام إلى جماعة الذهب مقتفية أثر بريطانيا، ثم فرنسا، ثم الامبراطورية الألمانية. وقد حدثت حالة مماثلة بعد انهيار التعويم الأوروبي المشترك عام 1973 عندما اختارت دول عديدة الانضمام إلى قاعدة الدولار. تضم منطقة الدولار اليوم حوالي 60 عملة لدول خارج العالم الشيوعي، وهي تمثل، بعد وقت طويل من بدء التعويم العام سنة 1973، كتلة العملة الرئيسية في الاقتصاد العالمي. نشأ عن الاتفاقية العامة للتعويم نظام مناطق عملات متذبذبة تدور حول الدولار.
النظام النقدي الأوروبي تمتد جذوره إلى محاولات أوروبا الغربية في ستينات القرن الماضي لتحرير نفسها من الارتباط باستقرار يمثله دولارٌ للتحويل للذهب. ومع وقف الارتباط بالذهب الناجم عن نظام “الطبقتين” بعد عام 1968، احتاجت الدول الأوروبية لمزيد من احتياطيات النقد الأجنبي وحصلت على دولارات لتحل محل الذهب عندما انخفضت أسعار الفائدة نتيجة للركود الاقتصادي عام 1970-1971. وبعد 15 آب 1971 لم يستطع الأوروبيون الاتفاق على تعويم مشترك ونتج عن ذلك التوصل إلى الترتيبات السميثسونية—في الواقع منطقة دولار عالمية، وما من بلد يقبل بيع الذهب بالسعر الرسمي الجديد البالغ 38 دولاراً للأونصة. لم يحقق تخفيض الدولار عام 1973 أي شيء ذي جدوى، وقد أسس لسعر رسمي أعلى لم تعد الولايات المتحدة بموجبه قبول بيع الذهب بسعر 42.20 دولاراً للأونصة وأعاد تخفيض الدولار تعريف الأسس التي يقوم عليها الدولار الأمريكي. كان ذلك إصلاحاً آخر لا جدوى منه. بعد ذلك حاولت البلدان الأوروبية مرة أخرى التوصل إلى اتفاقية تعويم مشترك ولكن بريطانيا لم تقبل بالمشاركة وانهارت منطقة العملة “المثلى” بحلول حزيران. وجاءت المحاولة الثالثة للتوصل إلى اتفاقية تعويم أوروبية مشتركة عام 1979 والتي وضعت الأساس للنظام النقدي الأوروبي، ولكن هذه المحاولة فشلت أيضاً. لا بد من التساؤل في هذه المرحلة، وبعد تكرر الفشل لثلاث مرات عما إذا كانت أوروبا الغربية، دون بريطانيا، تشكل منطقة عملة مثلى، أو ما إذا كانت أوروبا الغربية واليابان تتبعان لنظام دولاري ودولاري أوروبي أكبر. وسأترك جانباً الشبح الخطر لبروز مثلث “أورويللي” خاص بالفرنك والمارك والروبل.
الحل النقدي لمناطق عملات وطنية ذات أسعار معوّمة دون تدخل ليس حلاً راسخاً، فهو يميل إلى التداخل مع نظام مناطق عملات أكبر. لقد أثبتت منطقة العملة المثلى تاريخياً أنها أكبر من منطقة العملة الوطنية المعزولة. بيد أن العملة المثلى، في الطرف المقابل، لم تكن أبداً بحجم الاقتصاد العالمي، فقاعدة الذهب في الوقت الحاضر—على سبيل المثال—لا تستطيع أن تحوي الاقتصاد العالمي برمته.
قد تتطابق مناطق النقد القائمة حالياً، وخلال هذه الفترة، بصورة دقيقة إلى حد ما مع مناطق النقد المثلى المجدية. لم تبدر من جانب كتلة العملة الأوروبية الشرقية أية إشارة حول رغبتها في الانضمام لمنطقة الدولار، مع أن بعض البلدان الأوروبية الشرقية قد أبدت رغبتها في الانضمام إلى صندوق النقد الدولي عندما تم السماح لهم بذلك. أوروبا الغربية ليست متململة تحت المظلة المالية لمنطقة الدولار، وهناك إمكانية واعدة لمنطقة ين يابانية إضافة إلى منطقة يوان على أساس “عملة الشعب” أو الرينمنبي في المستقبل. وقد تتطور منطقة نقد خليجي ثم تمتد إلى منطقة عربية أوسع إذا برزت قوى تمركز كافية في البلدان العربية. وقد تستمر منطقة الفرنك المرتبطة بالفرنك الفرنسي حتى يتم التوصل إلى بديل أفضل لأوروبا الغربية.
خيار المناطق النقدية المثلى هو النتيجة الأكثر احتمالاً إذا لم يتم اتخاذ خطوات مدروسة لتأسيس نظام نقد عالمي جديد.
5. خيار بنك مركزي عالمي

أحد أغراض إنشاء بنك مركزي عالمي هو توفير نقد عالمي عندما لا يكون موجوداً وعندما يكون من المرغوب فيه إيجاد نقد من هذا النوع. أحد الأغراض الأخرى هو توفير مصدر للنقد الدولي عندما يكون نادراً دون مبرر وكبح نموه عندما يكون زائداً. هناك غرض ثالث وهو القيام بدور الوسيط المتحمل للخطر بين البلدان ذات الفائض والبلدان ذات العجز. والغرض الرابع هو خفض، إن لم يكن وقف، التذبذبات غير المرغوب بها في أسعار الصرف. وهناك غرض خامس، هو توفير وسيط بين البلدان الدائنة والبلدان المدينة لإعادة الجدولة أو تمويل الالتزامات المترتبة على فوائد الديون عندما لا تعود هناك جدوى من قنوات الاتصال العادية والحلول الثنائية. بعض نواحي هذه الأغراض تقوم به وبصورة جزئية المؤسسات القائمة حالياً مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التسويات الدولية إضافة لبنوك إقليمية متنوعة ووكالات وطنية وجماعات خاصة. إلا أن زيادة النمو في الاحتياطي الدولي العشوائي والنمو غير المنضبط للدين وعدم الإحساس بالطمأنينة في أوساط المجتمع المصرفي التجاري الدولي وغزو المجالات الخاصة من قبل مؤسسات دولية ناهيك عن أزمة الدين، تكشف بوضوح عن الفجوات في الهيكل الدولي. لقد تم تجنب أزمة كانت على وشك الحدوث عام 1982 ولكن ليس هناك ضمانة بأنه قد تم العثور على حل لبقية العقد وما بعده.
سأطرح بأدناه خطة لتأسيس بنك مركزي عالمي برأسمال تريليون دولار. ستعطى للبنك المركزي العالمي الصلاحية لأن يقبل بين موجوداته الذهب والعملات الأجنبية والتزامات الدين للدول الأعضاء. وسيكون بوسعه أيضاً قبول ودائع بالعملات الوطنية أو أدوات دين مختارة ويقوم بالمقابل بفتح حسابات للحكومات الأعضاء مقيّمةٍ بوحدة الاحتياطي الدولي وستقبل الشيكات المسحوبة على هذه الحسابات من قبل الأعضاء الآخرين لغاية نسبة مضاعفة من حصتها التي ستتقرر وفقاً للاتفاقية التأسيسية بين البلدان المشاركة. وسيقدم البنك المركزي العالمي قروضاً بسعر البنك تحت ظروف محددة تعكس أحوال السوق. وسيتم تنسيق نشاطات البنك المركزي العالمي مع نشاطات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، كما وسيساعدهما البنك المركزي العالمي في تنسيق نشاطاتهما.
يمكن للبنك الجديد أن يلعب دوراً في سوق الذهب في حالة عزم البلدان الكبرى على تأسيس قاعدة الذهب الجديدة أو إعادة تأسيس قاعدة الدولار القابل للتحويل إلى ذهب. قد يتم ذلك من خلال استخدام حقوق السحب الخاصة الموجودة حالياً كوحدة للعملة الجديدة أو وحدة عملة جديدة. لنفترض أن الوضع المبدئي للبنك المركزي العالمي كان على النحو التالي:

يمكن للبنك المركزي العالمي المبادرة في قبول الذهب من البنوك المركزية الوطنية التي ترغب في مزيد من السيولة فيها أو في بيع الذهب لتلك البنوك المركزية التي ترغب في تقليل حجم ودائعها من العملة الاحتياطية العالمية. ويمكن للمعاملات الفعلية أن تتم بين البنك المركزي العالمي وإحدى البلدان الأعضاء أو عن طريق أحد البنوك المركزية الوطنية العامل كوكيل للبنك المركزي العالمي.
بعدئذ يكون للبلد المعني خيار تثبيت نقده بالنسبة للنقد العالمي الذي سيكون قابلاً للتحويل لذهب أو يكون له خيار بيع وشراء الذهب مباشرة. وسيكون ربح خطوط القروض الجديدة التي سيفتحها البنك المركزي للبلدان بسعر فائدة مرتبط بالسوق (لنقل سعر الفائدة على الدولار الأوروبي أو ليبور) بينما تربح الودائع السائلة لدى البنك المركزي العالمي بنسبة فائدة أقل.
سيمتد تأثير وجود مؤسسة كهذه إلى تخفيف الصعوبات الحالية لأزمات السيولة وإعادة جدولة الديون. كما أنه سيخفف من التأرجح الكبير في أسعار صرف الدولار عندما يحدث التنويع (أو عكسه) وسيمنع التذبذب المسبب لعدم استقرار الاحتياطيات الدولية الناجم عن تذبذب أسعار الذهب.
ورغم أنه يمكن القيام بهذه المهام في غياب وجود بنك مركزي عالمي فلن يكون من الممكن القيام بها بنفس الكفاءة أو بقدر مساوٍ من توزيع متعدد للمخاطر. هناك صعوبات كبيرة تكتنف إنشاء بنك كهذا ولكنها ليست عصية على الحل أكثر من صعوبات إنشاء بنك إنجلترا المركزي أو نظام الاحتياطي الفيدرالي. لقد تم البدء في فتح الطريق بالنجاح النسبي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في بريتن وودز. مضى على إنشاء هذه المؤسسات أربعون عاماً حافلة بالازدهار الذي يزداد كلما تعمقت أزمة الدين. ولكن سرعة التطور المالي خلال هذه الأربعين عاما شكلت حالة استثنائية إلى الحد الذي أصبح من الضروري فيه الآن وجود إطار لمواجهة الصعوبات المنظورة خلال العقود القليلة الماضية. الذهب لوحده لا يمكن إن يشكل حلاً في ضوء احتمال أن تصبح أسعار الذهب موضع تفاوض. وفي نهاية المطاف أيضاً لا يمكن مواصلة التسارع على المطلوبات بالدولار دون أن يؤدي ذلك في النهاية إلى تقويض العملة الأمريكية. في نهاية المطاف ستكون المشكلة التي لا بد من مواجهتها هي الحاجة إلى بنك مركزي عالمي جماعي.
الاستنتاجات

بحثت في الصفحات الماضية في خمسة خيارات رئيسية لإصلاح النقد الدولي كان بعضها أكثر أهمية من غيره. وفي سبيل التوصل إلى قناعة بخصوص هذه الخيارات من الضروري أن نتذكر أنه ليس مما يفيد كثيراً أن نأمل في نظام لا يمكن وضعه موضع التنفيذ. فمن الضروري مناقشة مدى الحرية الفعلية للسلطات في تحديد النتيجة.
واقع الحال هو أن العالم سيحوي، على الأرجح، عناصر من الخيارات الخمسة. بعض البلدان سيكون لها أسعار صرف مرنة نظراً للحقيقة البسيطة المتمثلة في أنها لا تستطيع السيطرة على سياستها النقدية. ربما أمكن تخصيص قروض من البنك المركزي لتمويل عجز الموازنة وإذا حصل ذلك فلن يكون هناك في البلد المعني ضبط مالي قد يوفر فرص النجاح لنظام سعر صرف ثابت.
وصحيح بنفس الدرجة أيضاً أنه طالما كانت هناك أسعار صرف مرنة فستكون هناك مناطق عملات. بعض العملات لم تستطع البقاء في ظل نظام سعرٍ معوّم وتبعاً لذلك فهي لن تستطيع البقاء مستقبلاً في ظل مثل هذا النظام. ليس هناك مفر من التعويم المشترك، وطالما بقي هذا التعويم المشترك فستسعى البلدان لتكوين أفضل صورة للمجال الذي لها نفوذ فيه.
سيتواجد النقد الخاص في كل مكانٍ هو غيرُ محظورٍ فيه بإجراءات حكومية محددة. الحكومات لا تستطيع السيطرة على الأشياء المسماة نقوداً، ولكن الجمهور سيقرر ما الذي سيقبله تسديداً للدين، وإذا ما سعت الحكومة لتغيير ذلك الشيء المقبول فسيسعى الجمهور لتجنب تلك العقود التي يخضع تنفيذها لوسيلة دفعٍ غير مقبولة.
لدينا اليوم معالم بنك مركزي عالمي ولا زال لدينا ملامح بقية من قاعدة الذهب رغم أن البعض قد يدعوها ملامح جينات انقطع تأثيرها منذ أمد طويل. مع ذلك فإني أعتقد أن هذا هو أفضل مجال يمكن فيه إحراز أكبر درجة من التقدم. تثبيت أسعار الذهب سيكون خطوة عملاقة نحو تثبيت قيمة الاحتياطيات الدولية وسيكون إنشاء بنك مركزي عالمي مناسب، في المستقبل، أداة لا غنى عنها لحل أزمة الدَّين العالمي.
ملاحظات:

[1] بدقة أكثر يتم تصدير المضاعف إلى بقية العالم إلى درجة أن يصبح بنسبة معاكسة طردياً لحجم البلد في الاقتصاد العالمي.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 2 شباط 2007.

One comment

  • samy aly

    15 مارس، 2013 at 4:05 م

    hhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhhh

    Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018