ليس هناك نقص في الآراء عندما يتعلق الأمر بموضوع الحرب في العراق. لقد أشعل الوجود الأمريكي الذي طال أمده هناك نقاشا وطنيا ساخنا. فإلى جانب الاهتمامات الاقتصادية الملحة، إن حرب العراق هي أبرز وأهم جانب في حملة الانتخابات الرئاسية، بانقسام أوباما وماكين فكريا بشأن السياسات المقترحة، الذي يعكس موقف غالبية الأمة. ومع ذلك، يتفق الأكثرية على أن التكلفة تتكاثر بسرعة إلى مستوى لا يمكن السيطرة عليه. ويستحق الأمر تقييما جديدا لمعرفة مصير هذا الاستثمار. اليوم، بلغت تكلفة الورطة في العراق أكثر من نصف تريليون دولار، مع قليل، أو دون، عائدات لهذا الاستثمار.
لم تسفر هذه الحملة العسكرية الشاملة عن النتائج المرجوة لإدارة بوش. لقد كانت الفرضية الرئيسية للغزو هي إضفاء الطابع الديمقراطي على العراق الأمر الذي من شأنه في نهاية المطاف أن يسود العالم العربي. وبعد مضي خمس سنوات، لا يوجد أي أثر للديمقراطية الحقيقية سواء في العراق أو في أي مكان آخر في المنطقة. إن العراق الآن منقسم عرقياً ويقترب من حالة عدم الشرعية الخطيرة ويغامر بالخوض في حرب أهلية أكثر من أي وقت مع وجود الولايات المتحدة في وسط كل ذلك.
تقوم الإدارة الأمريكية الآن على تعزيز نهج جديد: الصبر. فهي تعتقد أنه لا مناص من حدوث تغييرات في نهاية المطاف في العراق. ربما ليس بنفس السرعة أو السلاسة التي نتأمل، ولكنها ستحدث. هذا افتراض زائف. وكما أظهرت السنوات الخمس الأخيرة، فإن من المرجح أن يفشل التغيير القسري الذي يعتمد على القوة الصارمة. بل على العكس، فإن وجود القوات الأمريكية قد ساعد على تنشيط وتنظيم المقاومة ضد الولايات المتحدة. أمريكا الآن في قتال ضد عدو محيّر، بعيد المنال وغير محدد. ولا يحتاج المرء سوى البحث في المجموعات التي شكلت حديثا والتي نشأت بعد غزو العراق والتي تهدف إلى محاربة الاحتلال الأمريكي.
يجب أن تَحدث التغييرات في العراق بطريقة طبيعية ومن الداخل. والإسراع في العملية وصفة خطيرة. ستتولى إدارة جديدة الحكم في واشنطن في كانون الثاني المقبل. وبغض النظر عن الرئيس المنتخب، فإنها فرصة لعرض وإدخال مفهوم القوة الليّنة في سياق السياسة الخارجية إلى العراق وحول العالم. إن الإبقاء على الوضع الراهن هو مثل إنفاق المال على مشروع فاشل.
القوة اللينة، التي تمت مناقشتها بشكل مستفيض من قبل البروفيسور جوزيف ناي من جامعة هارفارد، هي طريقة فعالة للتمييز بين الآثار الخفية للثقافة والقيم والأفكار وبين الإجراءات الأكثر قسرية مثل العمل العسكري. تاريخيا، لم تكن القوة اللينة للولايات المتحدة في أي مكان في الشرق الأوسط أكثر فعالية منها في لبنان.
لقد جرى تقاسم القيم والتقاليد الأمريكية تدريجيا وبشكل مستمر لما يقرب من قرن ونصف من خلال الجامعة الأمريكية في بيروت (AUB). لقد استفاد لبنان على وجه الخصوص، والمنطقة ككل، من وجود الجامعة الأمريكية في بيروت.
لقد أصبحت الجامعة الأمريكية في بيروت—والتي تأسست في عام 1866 من قبل المبشرين كجامعة خاصة غير طائفية للعلوم الحرة—منارة للتغيير في لبنان وأماكن أخرى في الشرق الأوسط. لقد كان، ولا يزال، الالتزام بالتفكير النقدي وبالتعليم المتكامل للعلوم الحرة جزءا لا يتجزأ من مهمتها. إن الدعم الأمريكي المتواضع للجامعة الأمريكية في بيروت ببضعة ملايين من الدولارات كل سنة (سريا أو علنيا) قد ساعد في تشكيل قادة ورياديي المنطقة وأسفر عن عائدات لا حد لها.
لقد كان الاهتمام الأمريكي في الجامعة الأمريكية في بيروت قويا دائما. وأصبحت الجامعة، والتي كانت تدار من قبل قيادة أمريكية بشكل مستمر، السفير الثقافي للولايات المتحدة. لقد استفادت المنطقة بمجملها من إنشاء الجامعة الأمريكية في بيروت. في هذا الصيف، سيصبح بيتر دورمان (Peter Dorman) من جامعة شيكاغو الرئيس الخامس عشر لهذه المؤسسة. إن تولي الدكتور دورمان منصبا في الجامعة الأمريكية في بيروت هو أمر شخصي مبني على تقاليد أسرية؛ فهو الحفيد الأكبر لإبن دانييل بلس، مؤسس الجامعة الأمريكية في بيروت.
وهناك حاجة لدعم المؤسسات الشبيهة بالجامعة الأمريكية في بيروت. إنها الطريقة الأكثر فعالية لإحداث التغيير من الداخل بالتزامن مع خلق النية الحسنة. وهذا هو جزء من تكلفة حرب العراق التي تبلغ 5.000 دولار في الثانية! ويمكن للمرء أن يتصور الفائدة إذا ما تم دعم مؤسسات مماثلة في جميع أنحاء العالم. كان من الممكن أن يشكل ذلك مساعدات خارجية هائلة.
سيستمر العراق في استنزاف الكثير من الموارد اللازمة التي يمكن أن تنفق بحكمة وفعالية في الداخل والخارج. إن الحرب في العراق ليست تجربة خاطئة فحسب، بل لقد أثبتت أن لها أيضا أثرا سلبيا على صورة الولايات المتحدة. وتؤكد استطلاعات الرأي العالمية تدني موقف الولايات المتحدة الذي تحتله الآن على الصعيد العالمي.
إن الاعتراف بفشل الولايات المتحدة في العراق هو خطوة في الاتجاه الصحيح. ويجري حاليا نقاش ما سيتم فعله في المستقبل. وآمل أن تكون القوة اللينة على القائمة. حيث لا يمكننا تحمل حرب عراقية أخرى.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 2 تموز 2008.