كان يفترض أن يكون عام 2006 بالنسبة للبنان عاماً مميزاً فائقاً. كانت التوقعات من الناحية الاقتصادية بأن تسجَّل أرقامٌ قياسية بحضور مليوني سائح—وهي موارد يحتاجها لبنان لدعم الثقة في شعب مصدوم. لسوء الحظ لم يتحقق أي من تلك التوقعات. وبدلاً من ذلك فقد كان لبنان المسرح لحرب مكلفة استمرت شهراً كاملاً بين إسرائيل وحزب الله، كما أنها الآن ميدان لنزاع خطير واصطفاف خطرٍ شبيهٍ بالحرب الأهلية بين السنّة والشيعة التي تجري في العراق. شوارع بيروت تبدو على شفا كارثة. ولكن من المهم أن نتذكر بأن مشاكل لبنان ليست من صنع محلي. إنها عالمية في طبيعتها—سواء في نشأتها أو في حلولها.
جذور الصراع هي في جوهرها شخصية. لقد كانت الحرب في لبنان في شهر تموز الماضي كنوع من المبارزة الشخصية الذاتية بين أيهود أولمرت في إسرائيل وبين حسن نصر الله زعيم حزب الله. كان أولمرت تواقاً إلى إثبات أن انعدام خبرته العسكرية ليست مانعاً أمام قيادته، بينما أراد نصر الله أن يحرز العظمة والسمعة اللتين تتأتيان من مقارعة إسرائيل، وهي أقوى القوى في المنطقة. بيد أن هذه الحرب الشخصية الذاتية تجاوزت بكثير النزاع المباشر. إن النتائج المضطربة لتلك الحرب عرّضت أولمرت إلى التحقيق البرلماني في إسرائيل، كما أنها أعطت نصر الله القوة والحافز لاكتساب المزيد من النفوذ في لبنان، وإلى مزيد من اصطفاف الشعب. اليوم نصر الله يستغل تلك المكاسب استغلالاً تاماً. إنه وبمعونة مالية من طهران يحاول تغيير الديناميكية السياسية في لبنان لصالحه.
كانت الحرب الأهلية اللبنانية في عقد السبعينات حرباً في غالبيتها بين المسيحيين والمسلمين. أما اليوم فإن لبنان على ما يبدو هو منقسم نصفياً على الحكومة برئاسة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة والمعارضة التي يرأسها حسن نصر الله. ففي الداخل يحظى السنيورة بتأييد غالبية المسيحيين، والسنّة، والدروز. أما نصر الله فإنه يستند إلى تأييد الشيعة وبعض الجماعات المسيحية وغيرهما من الجماعات المؤيدة لسوريا والتي تتلهف لاسترجاع مواقعها السياسية التي خسرتها عندما أُرغمت سوريا على مغادرة لبنان في عام 2005.
هذه السياسات الداخلية المعقدة تزداد تعقيداً نتيجةً للعلاقات الدولية والتعاطف والمصالح الإقليمية. خارجياً فإن فؤاد السنيورة يحوز على تأييد الغرب—الولايات المتحدة وفرنسا في طليعتها—ومعظم الحكومات العربية السنية بما في ذلك المملكة العربية السعودية. أما المؤيد الرئيسي لحسن نصر الله فهو إيران ومعها سوريا وكيلتها.
لم يكن السنّة والشيعة في لبنان في يوم من الأيام أبعد عن بعضهم بعضاً مما هم عليه الآن. إنهم يتجهون نحو انقسام سياسي شبيه بذلك الذي كان يفصل بين البروتستانت والكاثوليك في إيرلندا الشمالية في أوج صراعهما في عقد السبعينات. ومع تسلح حزب الله هذا التسلح الشامل، فإن طموحات نصر الله للسيطرة تملك القدرة على تدمير لبنان. وقد أعطى قبل أيام بياناً أعلن فيه بأنه يملك القدرة على قلب حكومة السنيورة. لقد أصبحت دوافعه تتبلور شيئاً فشيئاً.
الحالة في لبنان أصبحت الآن يائسة إلى درجة تتطلب توجهات سياسية جديدة. التوترات المستمرة بين طهران وواشنطن تتفاعل على أرض لبنان. ونتيجة للمكاسب التي حققها شيعة العراق في أعقاب “تحرير العراق” فقد وجد الشيعة اللبنانيون الآن الفرصة للهيمنة على لبنان وإدخال إيران الثيوقراطية الدينية. لا يجب أن يسمح لذلك بأن يقع.
وكما هو الحال في العراق، فإن إيران الآن تستخدم حزب الله للنيل من استقرار لبنان كما هي مستمرة في السعي لزيادة نفوذها السياسي. لقد قاوم السنّة وحلفاؤهم المسيحيون في لبنان بنجاح تلك المحاولات حتى الآن. اللعبة التي تقوم بها طهران وحزب الله خطيرة جداً.
إن شعبية حزب الله التي اكتسبها بعد حرب الصيف ضد إسرائيل قد ذوت الآن في العالم العربي السنّي. السنّة في لبنان الآن يشككون في ولاء الشيعة: هل هم لبنانيون وتصادف كونهم شيعة، أم أنهم شيعة تُفرض عليهم السياسات من إيران؟ إذا ما أُرغمت الحكومة على الانهيار نتيجة جهود نصر الله ومؤيديه، فإن لدى لبنان الكثير من العناصر التي تهدد بجعله عراقاً آخر مع إمكانياتٍ قاتلة جداً بالنيل من استقرار شرقي البحر الأبيض المتوسط. كما أن إمكانيات وقوع الاضطرابات يمكن أن تجر بعض شعوب الخليج العربي إلى الاقتراب أكثر إلى إيران مع تواجد مجتمعات شيعية كبيرة.
إن تغيير النظام في العراق والمستنقع الذي حلّ محله منذ ذلك الحين قد أفاد إيران وحلفاءها الشيعة. حزب الله هو أحد أولئك المستفيدين. إن جهود نصر الله الأخيرة لقلب الحكومة اللبنانية إنما يخدم كمؤشر ومذكر للفشل الأمريكي في العراق وفي غضون ذلك فإن لبنان ينزف دماً بغير قدرة على وقفه. إن من الضرورة بمكان أن تطالب المجموعة الدولية بتجريد حزب الله من السلاح وأن تُنفِّذ قرار مجلس الأمن رقم 1701، والذي يزيل عملياً قدرة إيران وسوريا على إبقاء جنوب لبنان كساحة عسكرية مفتوحة لحرب استنزافٍ بالوكالة ضد إسرائيل. ولا يجب أن يُقبل أي شيء أقل من ذلك.
© معهد كيتو،منبر الحرية، 14 شباط 2007.