في وصمة عار على جبين سلطتنا المصرية بعد رضوخها لمطالب سلطة الاحتلال الإسرائيلية من جهة، و الأصوات التي تشجع النزعة الفردية في حل أزمات الترسيم الحدودي المستعصية ، وفي إذعان لتحقيق الظلال التي يرمي إليها النصف الأول لأحد الأمثال الشعبية المصرية ” أنا و أخوي على ابن عمي و أنا و ابن عمي على الغريب ” و لأن هذا الغريب حتى الآن مازال في استطاعته تقليم أظافر الحكومة المصرية لتمثيل دور الساكت عن الحق ما دام لم يمسه أذى مباشر ملموس على اعتبار أن أهلنا في غزة أولاد عم و ليسوا أخوات أشقاء لنا .
أما أهلنا في سيناء فتعتبرهم الحكومة المصرية فيما يبدو أبناء سفاح لا تعترف بأدنى حقوقهم .
نزعت مصر لبناء الجدار الفولاذي ليكون بمثابة كماشة لأهل غزة بالداخل، فهو من جهة و قمع إسرائيل من جهة و لا مفر العدو أمامكم و البحر وراءكم وفي نفس الوقت كان دافعاً قوياً لاستثارة مشاعر غضب أهلنا في سيناء اللذين يعانون الأمرين من إهمال الحكومة لهم و كأنهم يعيشون في دولة خارج الدولة فلسان حالهم يقول ” “الصهاينة أيام احتلالهم سيناء كانوا أحن علينا من حكومة مصر ”
ليس هذا زعم أو افتراض متخيل بل و بكل أسف واقع تقره الحقائق و الشواهد تعالوا نستعرض معاً الآثار السلبية للجدار العازل على أهل سيناء .
كثير من التقارير الإخبارية قد أفادت بأن مصر ستضخ كميات كبيرة من المياه المالحة في المنطقة الحدودية أسفل الجدار الفولاذي لإحداث تصدعات في الأنفاق، خاصة أن المياه المالحة تتسبب في صدأ أي معادن مستخدمة في الأنفاق، وتؤثر على تماسك التربة، وتجعل من شق أنفاق جديدة أمرا شديد الصعوبة على الغزاويين المحاصرين منذ أن سيطرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على غزة في يونيو 2007.
كما هو معرف أن مناطق الشريط الحدودي على الجانب المصري من أجود مناطق الزراعة التي استصلحت خلال السنوات العشر الأخيرة، وتعتمد بشكل رئيسي في ريها على المياه الجوفية المستخرجة من الآبار؛ حيث يتميز الخزان الجوفي في تلك المنطقة بعذوبته؛ لذلك يعتمد عليه أيضا بقية أهالي قرى سيناء في نقل المياه منه إلى قراهم للشرب بواسطة الشاحنات .
فيما تسود حالة من الترقب والحذر أوساط المزارعين في مناطق الحدود المصرية مع قطاع غزة خوفا من تبعات اعتزام مصر ضخ مياه البحر المالحة في باطن الأرض بالمنطقة الحدودية، ضمن الإنشاءات التي تقوم بها لبناء “الجدار الفولاذي” تحت الأرض على طول الحدود مع القطاع المُحاصر. مما سيؤدي بدوره إلى شلل تام في حركة العمران الزراعي واستصلاح الأراضي، أما عن آثار المياه المالحة التي سيتم ضخها من أنابيب في باطن الجدار إلى الجانب الفلسطيني من الجدار الفولاذي لتنهار الأنفاق، والتي ستمتد آثارها إلى رفح والشيخ زويد والعريش، وهي مناطق زراعية خصبة، وكذلك إلى غزة، وسنصبح فيما بعد مطالبين بالبحث عن حل لهذه الكارثة البيئية إذا ما حلت بالمنطقة وإسرائيل هي المستفيد الوحيد من إحلال الخراب بتلك المناطق وتبويرها”.
في نفس الوقت كشف خبراء زراعيون في سيناء، أن تشبع الخزان الجوفي في تلك المناطق بالمياه المالحة سيؤدي إلى بوار الأرض الزراعية، وعودة مشهد التصحر، وهو ما يعني خسارة لا تقدر بثمن بعد كل هذه المراحل المتقدمة من استصلاح الأراضي الرملية، واستقرار الآلاف من العاملين فيها.
بالإضافة إلى تأكيد الخبراء الزراعيون على أن ملوحة طبيعية أصلا بدأت تواجه الخزان الجوفي في تلك المناطق منذ نحو عامين، وهو أمر متزايد بسبب النشع المتواصل للمياه كلما كثر حفر الآبار، وامتدت الرقعة الزراعية، ما يعني سرعة زيادة نسبة الملوحة إذا ما طغت مياه البحر بصورة كاملة على مياه باطن الأرض.
و كما هو معروف للجميع أن استثمارات ضخمة في مجال الزراعة تم ضخها في تلك المناطق خلال السنوات الأخيرة لجودة تربتها وعذوبة مياهها الجوفية، واستطاع المستثمرون استصلاح مئات الأفدنة في المنطقة الحدودية وامتدادها وزراعتها بأجود أنواع الموالح والخضار، ويصدر المنتج من هذه المحاصيل إلى الخارج لجودته”فترى ماذا سيكون عليه الحال بعد خلط ما تبقى من المياه الجوفية بماء البحر.
أما عن تمييز السلطات المصرية ضد أهل سيناء فيبدو هذا جلياً في تعاملها مع أحداث السيول الأخيرة فيما كان يموت أهلنا هناك لم ترسل إليهم طائرة واحدة لانتشالهم من الغرق أو حتى إلقاء الطعام إليهم بعد أن أصبحوا في جزر منعزلة، في حين أن طائراتنا الحربية خرجت لتأمين دخول مشجعي المنتخب المصري في السودان، فيما يعتبر هذا السيل بمثابة ضوء خافت يشير إلى حقيقة ربما أغفلها الكثيرون، و هي أنه لا فرق بين الموت هنا أو في غزة .هذا السيل لم يعترف بالحدود المصطنعة بيننا وبين فلسطين بأرضي 48, حيث المنطقة موحدة جغرافيا, فتأتي مياه السيول عبر الوادي المشترك مدمرة سدود العدو الإسرائيلي، وكأنها غاضبه, لتلتقي مع وديان سيناء لتصب بوادي العريش . لقد وزع هذا السيل شهادات وفاة مجانية على الجميع و جعل للموت بينهم طعم آخر ، طعم لا يعرفه إلا من تذوق رهبته. موت بمرارة مفاجأة جبروت الطبيعة، و إهمال السلطات المعنية بتطبيق سياسة إدارة الأزمات حيال هذه المشكلة التي كشفت عن عدم وجود مثل هذه السياسة ضمن أطر حكومتنا المصرية .
و بالرغم من كل هذه الانتقادات الموجهة لإقامة هذا الجدار تواصل مصر الأعمال الإنشائية لبناء “الجدار الفولاذي” تحت الأرض على طول حدودها مع غزة لسد الأنفاق التي حفرها الغزاويون الذين يعتبرون هذه الأنفاق متنفسهم الوحيد في ظل الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ ثلاث سنوات ؛ ما أثار غضب سكان القطاع (نحو 1.5 مليون فلسطيني) و غضب الآلاف من أهلنا في سيناء و العريش .
بناء مثل هذا الجدار الذي ألحق الضرر بأبنائنا و أولاد عمنا قد ربط مصائرهم بصورة تلقائية ليصبح هذا الجدار تطبيقاً مغلوطاُ لتقليد نابع من موروثنا الشعبي فيما يتنافى مع الأعراف الإنسانية .
* كاتبة صحافية مصرية
© منبر الحرية، 14 مارس/آذار 2010