لا تخوض الولايات المتحدة وحلفائها في أفغانستان حرباً واحدة وإنما هي، في حقيقة الأمر، تخوض حربين في آن واحد. فقوى التحالف تقود حربا للقضاء على تمرد طالبان والقاعدة ، وبنفس الوقت تخوض حربا أخرى ضد تجارة المخدرات ولا سيما الأفيون. هذه الجبهة الأخيرة لم تكن إلى وقت قريب تشكل أولوية على أجندة هذه القوات. إذ أن العسكريين لم يكونوا يستجيبوا لضغوط الإدارة السياسية في واشنطن باتجاه التركيز أكثر على مقاومة تجارة المخدرات ، وذلك لعلمهم بان هذه الحرب غير مجدية ولن تؤدي إلا لتشتيت جهود المهمة الأساسية في القضاء على حركة طالبان وتنظيم القاعدة.
لا بد لنا وعند الحديث عن عملية مكافحة تجارة الأفيون في أفغانستان، أن ندرك أبعاد هذه العملية. فبالنسبة للذين يكافحون ضد تجارة المخدرات، تشكل أفغانستان، دون أدنى شك، الجبهة الأولى في هذه المعركة. فأفغانستان تساهم بحوالي 90 % من عرض الهيروين والخشخاش في العالم. وعليه فتجارة المخدرات تشكل أهمية إستراتيجية لأفغانستان إذ تمثل على الأقل ثلث الناتج الإجمالي للبلاد.
أخر تقديرات الأمم المتحدة تقدر عدد العائلات الأفغانية العاملة في زراعة الخشخاش والأعمال الأخرى المتعلقة بتجارة المخدرات بـ 509000 عائلة. فإذا حصرنا مفهومنا للعائلة على المعنى الضيق، فان هذه العائلات تمثل ما يعادل 14 % من السكان. أما إذا آخذنا بعين الاعتبار طبيعة العائلة الأفغانية حيث تتعدى مفهوم الأسرة الضيق إلى مفهوم العائلة الكبيرة يمكننا التقدير بان ما يعادل 35% من الشعب الأفغاني يعمل بشكل مباشر أو غير مباشر بتجارة المخدرات.
في ضوء هذه الحقيقة، يصبح الطلب من حكومة كارازي خوض حرب ضد المخدرات والقضاء على تجارة الأفيون، أشبه إلى حد ما بالطلب من اليابان القضاء على صناعة السيارات والالكترونيات اليابانية. لا بد أن احتمال الاستجابة لهذا الطلب سواء من قبل الحكام السياسيين أو من قبل الشعب يبدو ضئيلا جدا.
يُحاججُ المدافعون عن موقف متشدد من تجارة المخدرات بالقول بان جزء من أموال هذه التجارة ينتهي به المطاف في جيوب طالبان والقاعدة. صحة هذا القول لا تلغي حقيقة أن الجزء الأعظم من هذه الأموال يذهب إلى جيوب أمراء الحرب المواليين لكرازاي و إلى المتنفذين في الأرياف الذين يعيشون على هذه التجارة، ولا يبدو أنهم ينظرون بعين الرضا إلى أي جهد يمكن أن يمس بمستوى حياتهم. كنتيجة منطقية لهذا الوضع، فان أي سياسة تسعى إلى مقاومة زراعة المخدرات أو الاتجار بها لن تخلو من المخاطر. في هذا السياق فان ضغوط واشنطن باتجاه القضاء على زراعة الخشخاش تظهر على أنها هجوم مباشر على العديد من العائلات الريفية الأفغانية.
إنها إستراتيجية محفوفة بالمخاطر، ويمكن رؤية نتائجها السيئة مسبقا. على ما يبدو فالسكان، على وجه الخصوص في أقاليم جنوب هلمند وقندهار، عادوا لدعم طالبان بسبب السياسات المناهضة للمخدرات. مع العلم بأن العديد من زعماء المناطق كانوا، حتى الغزو الأمريكي لأفغانستان خريف العام 2001، يدعمون حركة طالبان. وقتها وبعد دخول قوات التحالف أفغانستان بدل هؤلاء من ولاءاتهم متخليين عن دعم حركة طالبان، الأمر الذي أثار، على الدوام، الشكوك حول استقامتهم والتزامهم. ومعلوماتنا اليوم تفيد أن بعض هؤلاء الزعماء نقضوا تعهداتهم من جديد.
الحقيقة الصعبة تتمثل بأن التحالف الذي قادته الولايات المتحدة بحاجة إلى دعم أمراء الحرب من جهة والى تعاون الشعب الأفغاني للحصول على المعلومات من جهة أخرى. فأمراء الحرب يشكلون بحد ذاتهم تحالفا عسكريا ضد طالبان والقاعدة. في هذا المناخ، تبدو الحرب على المخدرات غير مجدية. فعلى قوات التحالف أن تحافظ على أولويتها بالقضاء على طالبان والقاعدة إذ انه لن يكون بإمكانها النجاح في منع عودة نظام قمعي كنظام طالبان، إذا أصرت على خوض حرب أخرى ضد المخدرات في نفس الوقت.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 5 ديسمبر 2008.