تيد غالين كاربنتر

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

يخلق إعلان استقلال كوسوفو عن صربيا مشاكل خطيرة على جبهات متعددة. إن قرار واشنطن والبلدان الرئيسية في المجموعة الأوروبية تشجيع انفصال كوسوفو سوف يسجَّل كأحد الأخطاء الفادحة في السياسة الخارجية. فإعلان برشتينا الاستقلال من جانب واحد، يسجل سابقة مقلقة في نظام دولي مليء بالحركات الإقليمية الانفصالية العديدة. بلدانٌ كبيرة مثل روسيا والهند والصين تشعر بالقلق بسبب أقلياتها الإثنية والسياسية المتململة والتي يمكن أن تسعى إلى تقليد كوسوفو. روسيا قلقة بشكل خاص بالنسبة للشيشان؛ والهند قلقة بالنسبة لكشمير، والصين قلقة بشأن زينجيانغ والتبت وتايوان. إن شعور بكين بعدم الارتياح فيما يتعلق بسابقة كوسوفو وتأثيرها على تايوان لم تخففه التهنئة الفورية التي وجهتها تايبيه إلى سكان كوسوفو والتأكيد الذي صدر عنها بوجوب احترام الأمم المتحدة لمبدأ حق تقرير المصير، أي، مطالب تايوان للاستقلال والسيادة.

ولكن هنالك مطالب انفصالية ممكنة في قلب أوروبا نفسها. قبرص—وهو أمر مفهوم—تعارض حركة كوسوفو إذا أخذنا في الاعتبار ادعاءات الجمهورية التركية في شمال قبرص. تركيا التي أقامت الجمهورية التركية في شمال قبرص لها ما يقلقها من القضايا بالنظر إلى الانتفاضة المتواصلة التي يقوم بها الانفصاليون الأكراد. إسبانيا قد تصبح أقل انبهاراً بالنسبة لحركة برشتينا إذا كان من شأن ذلك أن يشجع انفصاليي إقليم الباسك على تشديد حملتهم العنيفة. ولندن التي تبارت مع واشنطن في حماسها لاستقلال كوسوفو، قد تجد من الأسباب ما يجعلها تشعر بالأسف إذا ما قررت اسكتلندا الحصول على الاستقلال.

وبإيجاز، فإن واشنطن ودول المجموعة الأوروبية الكبرى الثلاث—بريطانيا وفرنسا وألمانيا—قد خلقوا مشاكل دولية عديدة نتيجة سياستهم تجاه كوسوفو. الحكومات الثلاث جميعها تزعم بأن وضع كوسوفو هو وضع فريد ولا يشكل سابقة، بيد أن هذا القول ساذج إلى حد يفوق الوصف، وبلدان أخرى متنفذة لا تتفق مع ذلك القول بشكل واضح.

ومع أن الحكومات الحالية قد تقلق بالنسبة لمشاكل انفصالية، فإن هنالك إمكانيات هائلة بأن تستخدم بعض البلدان سابقة كوسوفو لخلق المتاعب. تستطيع موسكو في يوم من الأيام أن تشير إليها كسابقة لتمزيق وحدة أراضي جورجيا المجاورة عن طريق الاعتراف باستقلال أبخازيا المتصلة بجورجيا أو إقليم جنوب أوسيشيا. أو يمكن للكرملين أن يستخدمها كمبرر في يوم من الأيام لوضع يده على القرم التي يتحدث سكانها اللغة الروسية وأخذها من أوكرانيا الجارة.

السوابق الدولية ليست النتائج السلبية الوحيدة المحتملة من خطوة كوسوفو. فبتجاوز مجلس الأمن الدولي بطريقة خبيثة، وبالتالي تجاوز حق الفيتو الذي تتمتع به روسيا، وبتشجيع إعلان الاستقلال من جانب واحد، فقد ساهمت القوى الغربية في مزيد من تسميم علاقاتها المضطربة أصلاً مع موسكو. فما زال الروس يستشعرون وطأة إقدام دول الناتو على تجاوز مجلس الأمن في عام 1999 عندما هاجموا صربيا وفصلوا كوسوفو عن سيادة بلغراد. والآن، أظهرت الدول الغربية احتقارها مرة أخرى لوجهات نظر روسيا وأوضحت بأنها لا تحترم صلاحيات مجلس الأمن إلا إذا كان الأمر مناسباً لها.

وقد تكون المغامرة في مزيد من التوتر مع موسكو مبرراً لو كان الأمر يتعلق بقضية مهمة، ولكن أن تفعل الدول الغربية ذلك حول موضوع جانبي يتعلق بالوضع السياسي لكيانٍ بلقاني بالغ الصغر هو أمر أكثر حماقة.

أخيراً، فإن منح كوسوفو الاستقلال لن يجلب مزيداً من الاستقرار إلى البلقان كما تتوقع الولايات المتحدة وحلفاؤها. إنه بلا شك سيؤدي إلى نتيجة عكسية. من المحتمل أن يكون بداية لإساءات إضافية ضد سكان كوسوفو الباقين من غير الألبان. فإبان حرب 1999 وما تبعها، طُرد من الإقليم أكثر من 240000 شخص—معظمهم من الصرب، ولكن أيضاً من الغجر، والبلغار، واليهود وغيرهم من الجماعات. لقد تم ذلك التطهير العرقي على نطاق واسع تحت أنظار حلف الأطلسي ولم يفعل الحلف شيئاً لوقفه، أو إلى التخفيف من نتائجه. وبالإضافة إلى التطهير العرقي الأولي، فقد فشلت حكومة كوسوفو وحلف الناتو في وقف أعمال العنف الموجهة ضد البقية الباقية من غير الألبان، أو التدمير المنهجي للكنائس المسيحية وللمواقع الصربية التاريخية.

استقلال كوسوفو سوف يؤدي إلى مرحلة جديدة من الاضطراب. والحقيقة الواضحة هي أنها ستكون ببساطة مجرد وقت قبل أن يتم طرد جميع السكّان من غير الألبان من الإقليم. وإذا كان حلف الناتو غير راغب أو غير قادر على منع التطهير العرقي عندما كان يحتل كوسوفو بآلاف الجنود، فإنه بكل تأكيد سوف يكون عاجزاً عن منع فظائع أخرى عندما تكون تلك القوات قد انسحبت. إن الحديث حول احترام برشتينا لحقوق الأقليات الإثنية هو مجرد بلاغة دبلوماسية لحفظ ماء الوجه.

وليس ما ذكرنا يغطي المشاكل الكاملة التي سوف تتأتى عن استقلال كوسوفو، فليس هنالك من دلائل على أن سكّان كوسوفو وغيرهم من دُعاة ألبانيا الكبرى قد تخلوا عن طموحاتهم الإقليمية في البلقان. إن واضعي السياسة الغربيين الذين يعتقدون بأن تثبيت الوضع السياسي النهائي لكوسوفو سوف يُنهي الجهود الألبانية لاسترجاع ما يدّعون في مقدونيا ومونتينيغرو (الجبل الأسود) وغيرهما من الأراضي، سوف يصابون بخيبة أمل، ذلك لأن استقلال كوسوفو سوف يؤدي فقط إلى مرحلة جديدة من الاضطراب. إن السياسة التي انتهجتها واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون فيما يتعلق بقضية كوسوفو هي من السوء بحيث أننا سوف نعيش مع نتائجها السلبية في البلقان وما وراء البلقان لعقود قادمة. لقد فتحت القوى الغربية بذلك صندوق عجائب من المشاكل.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 15 نيسان 2008.

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

أطلقت واشنطن بالون اختبار حول وضع قوات من حلف شمال الأطلسي (الناتو) كقوة لحفظ السلام في الضفة الغربية. ونقلت صحيفة الجيروساليم بوست خبراً مفاده أن قائد حلف الناتو السابق، الجنرال جيمز جونز، وهو حالياً المبعوث الخاص لإدارة بوش إلى الشرق الأوسط، يتولى طرح هذه الفكرة على مختلف البلدان الأوروبية.

إنها فكرة رديئة بشكل صارخ. فإذا كان لمبادرة جونز خيط فضي، فهو أن واضعي السياسة الأمريكية على الأقل، لا يفكرون بضم قوات أمريكية ضمن تلك القوة. وعلى ما يبدو فإن واشنطن تعتقد بأن جلد الذات أقوى بين الشعوب الأوروبية مما هو عليه بين الشعب الأمريكي. ومع ذلك، فإن المرء يحتار فيما إذا كانت الولايات المتحدة سوف تستطيع مقاومة الدعوة التي لا مفر منها من سائر أعضاء الناتو، بوجوب تكافؤ التضحيات وبأن تمارس الولايات المتحدة قيادة الحلف.

وحتى إن استطاعت الولايات المتحدة تجنب الانغماس مباشرة في مغامرة مهمة حفظ السلام، فإن الاقتراح ينطوي على مشاكل خطيرة. إنه سوف يضع قوات الناتو في وسط ربما هو أكثر المناطق اضطراباً في شرق أوسط مفعم بالاضطرابات. أشار جونز، كما تقول الأنباء، بأن وضع قوات الناتو سوف يكون مؤقتاً، بحيث يعطي للقوات الإسرائيلية فرصة الانسحاب من الضفة الغربية، كمرحلة من مراحل اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. بيد أن إسرائيل والولايات المتحدة، قد تعلمتا من خلال تجارب مريرة، بأن الإجراءات العسكرية “المؤقتة” في الشرق الأوسط تصبح عادة التزامات بعيدة المدى.

الأسوأ من ذلك، أن القوات الأجنبية في الضفة الغربية سوف تشكل أهدافاً مثالية بالمعنى الحرفي والرمزي معاً بالنسبة للراديكاليين الإسلاميين. الراديكاليون سوف يصورون وضع تلك القوات، دون شك، كاحتلالٍ إمبريالي غربي آخر للأراضي الإسلامية، وسوف يستخدمون تلك المقولة لتجنيد المزيد من المقاتلين في صفوف المنظمات الإرهابية. وأسوأ من ذلك، فإن أفراد قوات حفظ السلام، سوف يصبحون أهدافاً لبنادق وقنابل الراديكاليين.

حتى لو سعوا لأن يكونوا محايدين كقوة حفظ سلام، فإنهم، كأمر حتمي، سوف يجدون أنفسهم وسط المنافسات والصراعات في الأراضي الفلسطينية. ماذا سوف يفعلون، على سبيل المثال، إذا تجدد العنف بين أتباع حماس ومؤيدي فتح؟ أو إذا شن مقاتلو حماس هجمات جديدة ضد المستوطنات الإسرائيلية؟ لا يوجد شيء يمكن أن يكون تدخلاً عسكرياً محايداً. إن مجرد وجود قوة حفظ سلام يعمل لصالح بعض الفرقاء على حساب فرقاء آخرين. والفرقاء الذين يتم التدخل لغير صالحهم يصبح لديهم حافز قوي لمهاجمة قوة حفظ السلام.

يبدو أن واشنطن تعتقد بالفعل بأن جلد الذات هو أقوى بين الشعوب الأوروبية مما هو عليه بين الشعب الأمريكي!

لقد اكتشفت الولايات المتحدة هذه الحقيقة بكل مرارتها في لبنان، إبان عقد 1980. تدخلت القوات الأمريكية بداية كجزء من اتفاق يمكن القوات الإسرائيلية من إنهاء حصارها لبيروت الغربية. لم يكن لدى الولايات المتحدة أية نية للانحياز لهذا الجانب أو ذاك، في الحرب الأهلية اللبنانية التي كانت قائمة. بيد أن القوات الأمريكية أصبحت في فترة وجيزة متحالفة مع حكومة البلاد المسيحية وضد الفئات الإسلامية. وسرعان ما بدأت بارجة أمريكية بقصف القرى المسلمة المعادية، واشتبكت القوات الأمريكية في مناوشات مع الميليشيات الإسلامية. أدى ذلك العمل إلى الانتقام ووصل ذروته في الهجوم الذي شنته شاحنة ملغومة على البراكيّات السكنية للبحرية الأمريكية في بيروت، والذي قتل فيه 241 من رجال البحرية.

الناتو تغامر بمأساة مماثلة، إذا كانت من الحماقة بحيث تقحم نفسها في الأراضي الفلسطينية. إن اقتراح وضع مثل هذه القوات ليس بالجديد. فمنذ أكثر من ست سنوات قدم المعلق في صحيفة النيويورك تايمز توماس فريدمان فكرة مماثلة، بيد أن واضعي السياسة الأمريكية، لحسن الحظ، أسقطوا ذلك الاقتراح. يجب على إدارة بوش دفنه مرة أخرى آملين أن يتم ذلك بشكل نهائي.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 25 آذار 2008.

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

لا تخوض الولايات المتحدة وحلفائها في أفغانستان حرباً واحدة وإنما هي، في حقيقة الأمر، تخوض حربين في آن واحد. فقوى التحالف تقود حربا للقضاء على تمرد طالبان والقاعدة ، وبنفس الوقت تخوض حربا أخرى ضد تجارة المخدرات ولا سيما الأفيون. هذه الجبهة الأخيرة لم تكن إلى وقت قريب تشكل أولوية على أجندة هذه القوات. إذ أن العسكريين لم يكونوا يستجيبوا لضغوط الإدارة السياسية في واشنطن باتجاه التركيز أكثر على مقاومة تجارة المخدرات ، وذلك لعلمهم بان هذه الحرب غير مجدية ولن تؤدي إلا لتشتيت جهود المهمة الأساسية في القضاء على حركة طالبان وتنظيم القاعدة.
لا بد لنا وعند الحديث عن عملية مكافحة تجارة الأفيون في أفغانستان، أن ندرك أبعاد هذه العملية. فبالنسبة للذين يكافحون ضد تجارة المخدرات، تشكل أفغانستان، دون أدنى شك، الجبهة الأولى في هذه المعركة. فأفغانستان تساهم بحوالي 90 % من عرض الهيروين والخشخاش في العالم. وعليه فتجارة المخدرات تشكل أهمية إستراتيجية لأفغانستان إذ تمثل على الأقل ثلث الناتج الإجمالي للبلاد.
أخر تقديرات الأمم المتحدة تقدر عدد العائلات الأفغانية العاملة في زراعة الخشخاش والأعمال الأخرى المتعلقة بتجارة المخدرات بـ 509000 عائلة. فإذا حصرنا مفهومنا للعائلة على المعنى الضيق، فان هذه العائلات تمثل ما يعادل 14 % من السكان. أما إذا آخذنا بعين الاعتبار طبيعة العائلة الأفغانية حيث تتعدى مفهوم الأسرة الضيق إلى مفهوم العائلة الكبيرة يمكننا التقدير بان ما يعادل 35% من الشعب الأفغاني يعمل بشكل مباشر أو غير مباشر بتجارة المخدرات.
في ضوء هذه الحقيقة، يصبح الطلب من حكومة كارازي خوض حرب ضد المخدرات والقضاء على تجارة الأفيون، أشبه إلى حد ما بالطلب من اليابان القضاء على صناعة السيارات والالكترونيات اليابانية. لا بد أن احتمال الاستجابة لهذا الطلب سواء من قبل الحكام السياسيين أو من قبل الشعب يبدو ضئيلا جدا.
يُحاججُ المدافعون عن موقف متشدد من تجارة المخدرات بالقول بان جزء من أموال هذه التجارة ينتهي به المطاف في جيوب طالبان والقاعدة. صحة هذا القول لا تلغي حقيقة أن الجزء الأعظم من هذه الأموال يذهب إلى جيوب أمراء الحرب المواليين لكرازاي و إلى المتنفذين في الأرياف الذين يعيشون على هذه التجارة، ولا يبدو أنهم ينظرون بعين الرضا إلى أي جهد يمكن أن يمس بمستوى حياتهم. كنتيجة منطقية لهذا الوضع، فان أي سياسة تسعى إلى مقاومة زراعة المخدرات أو الاتجار بها لن تخلو من المخاطر. في هذا السياق فان ضغوط واشنطن باتجاه القضاء على زراعة الخشخاش تظهر على أنها هجوم مباشر على العديد من العائلات الريفية الأفغانية.
إنها إستراتيجية محفوفة بالمخاطر، ويمكن رؤية نتائجها السيئة مسبقا. على ما يبدو فالسكان، على وجه الخصوص في أقاليم جنوب هلمند وقندهار، عادوا لدعم طالبان بسبب السياسات المناهضة للمخدرات. مع العلم بأن العديد من زعماء المناطق كانوا، حتى الغزو الأمريكي لأفغانستان خريف العام 2001، يدعمون حركة طالبان. وقتها وبعد دخول قوات التحالف أفغانستان بدل هؤلاء من ولاءاتهم متخليين عن دعم حركة طالبان، الأمر الذي أثار، على الدوام، الشكوك حول استقامتهم والتزامهم. ومعلوماتنا اليوم تفيد أن بعض هؤلاء الزعماء نقضوا تعهداتهم من جديد.
الحقيقة الصعبة تتمثل بأن التحالف الذي قادته الولايات المتحدة بحاجة إلى دعم أمراء الحرب من جهة والى تعاون الشعب الأفغاني للحصول على المعلومات من جهة أخرى. فأمراء الحرب يشكلون بحد ذاتهم تحالفا عسكريا ضد طالبان والقاعدة. في هذا المناخ، تبدو الحرب على المخدرات غير مجدية. فعلى قوات التحالف أن تحافظ على أولويتها بالقضاء على طالبان والقاعدة إذ انه لن يكون بإمكانها النجاح في منع عودة نظام قمعي كنظام طالبان، إذا أصرت على خوض حرب أخرى ضد المخدرات في نفس الوقت.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 5 ديسمبر 2008.

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

اعترف الجنرال جون أبي زيد، قائد القيادة المركزية أمام الكونغرس بأن “العراق يمكن أن يتوجه نحو حرب أهلية”. وأضاف أن تأمين بغداد هو الأولوية الرئيسية للولايات المتحدة، وأن العنف فيها هو من السوء أكثر من أي وقت مضى. وقد صرح السناتور كريستوفر دود وتشال هيجل، الأول ديمقراطي عن كنيتيكت، والثاني جمهوري عن نبراسكا، بأنهما يعتقدان بأن الحرب الأهلية قد بدأت بالفعل. وفي غمرة الإصابات المدنية المتصاعدة، قال قادة أمريكيون آخرون بأنه يتوجب بقاء القوات الأمريكية في العراق حتى عام 2016 على أقل تقدير. لماذا يريد أي أحدٍ أن يبقي القوات الأمريكية في مثل هذه الأجواء لعقد إضافي آخر، ليكون حَكَماً على ثأر دموي متصاعد بين السنة والشيعة؟
لنكن واضحين حول ماذا يعني البقاء في العراق حتى عام 2016. لقد توفي أكثر من 2550 جندياً أمريكياً في صراع العراق [حتى بداية آب المنصرم]—وهو معدل يزيد قليلاً عن 800 قتيل في السنة. فإذا لم يخفّ هذا المعدل—وليس هنالك أي دليل على أنه سوف ينقص—فسوف تكون النتيجة موت 8000 أمريكي آخر بحلول عام 2016. في تلك الآونة، تكون الوفيات الأمريكية في العراق قد فاقت عدد موتى الاتحاد السوفييتي في مغامرته الفاشلة في احتلال أفغانستان في عقد 1980.
الكلفة المالية سوف تكون صاعقة كذلك. فوفق دائرة خدمة الأبحاث التابعة للكونغرس، بلغت كلفة حملة العراق حتى منتصف حزيران المنصرم أكثر من 319 بليون دولار، والعدّاد الآن يجري بوتيرة 80 بليون دولار سنوياً. عقد آخر في العراق يعني 800 بليون إضافي من أموال دافعي الضرائب تذهب هدراً، وبالتالي ترفع مجموع كلفة واشنطن لتدخلها الخليجي إلى أكثر من تريليون.
حتى أولئك الذين يحاججون بأن تضحية هائلة يجب تحملها، لجعل العراق أمثولة للديمقراطية، وتحويل الشرق الأوسط إلى منطقة سلام واستقرار، عليهم أن يعيدوا النظر في آرائهم، في ضوء الحقائق البازغة. تقرير صدر مؤخراً عن الأمم المتحدة، يعطي الأنباء الكئيبة، بأن أكثر من 14000 ألف مدني عراقي قد ماتوا نتيجة العنف، في الأشهر الستة الأولى لعام 2006، معظمهم نتيجة هجمات التمرد أو الاقتتال الطائفي. والتوجه البادي هو أكثر مدعاة للقلق. كان عدد القتلى في كانون الثاني 1778؛ وفي حزيران 3149. وبعبارة أخرى، فإن المذابح تجري الآن بمعدل 100 ضحية كل يوم.
يجب أن نتذكر، بأن هذا يحدث في بلد عدد سكانه لا يتجاوز 27 مليون نسمة. معدل مواز بالنسبة للولايات المتحدة هو رقم مفزع يبلغ 1200 قتيل يومياً (438000 سنوياً). لو كان العنف السياسي يحصد ذلك العدد الكبير من الأرواح الأمريكية، فلن يكون هنالك أدنى نقاش حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تعاني من حرب أهلية.
لقد حان الوقت—بل فات الوقت كثيرا—لوضع استراتيجية خروج لجميع القوات الأمريكية من العراق. لا يوجد شخص عاقل يفكر بالاحتفاظ بوجود عسكري في العراق لعقد آخر.
إن معارضي الانسحاب يقولون بأن الانسحاب سوف يترك العراق في الفوضى. قد يحدث ذلك، بيد أن دعاة البقاء لا يفسرون لنا كيف يمكن للولايات المتحدة أن تمنع الأطراف المتصارعة في العراق من خوض حرب أهلية قد بدأوها على ما يبدو. وعلى الأقل، لم يشرح أحد، كيف يمكن للولايات المتحدة المحافظة على السلام هناك بكلفة معقولة نسبياً بالدم والمال. ففي الأيام الأولى للحرب، كان دعاتها يفترضون بأن الولايات المتحدة لن تخسر أكثر من بضع مئات القتلى، كما أكّد بول وولفويتز نائب وزير الدفاع أمام الكونغرس، بأن عائدات البترول العراقي سوف تتحمل معظم نفقات الحملة.
ومع ذلك، فإن دعاة البقاء والصمود يقولون بأنه مهما كانت العقبات العملية، فإننا نتحمل مسؤولية أدبية أمام الشعب العراقي بعدم الانسحاب، إلى أن يتم بناء ديمقراطية مستقرة في العراق. وإذا طرحنا جانباً الاحتمال الحقيقي جداً بأن الديمقراطية لن تتحقق أبداً، فإن ذلك القول يثير نقطة جوهرية هي: وماذا عن الالتزام الأدنى للحكومة الأمريكية تجاه جنودها أنفسهم، وتجاه الشعب الأمريكي؟ هنالك التزام واضح بعدم إضاعة المزيد من حياة الأمريكيين، أو ضرائبهم. إننا نفعل الإثنين معاً في العراق اليوم. البقاء على الخطة الحالية ليس استراتيجية أخلاقية؛ إنها تجسيد لاستراتيجية لا أخلاقية.
إبقاء جنودنا في مهاوي الخطر لعقد آخر، بينما ينزلق العراق أكثر فأكثر في حرب أهلية طائفية، هو سياسة لا يمكن أن تكون ذات جاذبية سوى للماسوشيين. نحن في حاجة إلى استراتيجية خروج تحسب بالأشهر لا بالسنوات.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 7 تشرين الأول 2006.

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

مقارنة مع المخاطر والتهديدات القاتلة في القرن العشرين، فإن التهديد الاستراتيجي الذي يشكله الإرهابيون ضئيل وثانوي. ففي الحادي عشر من أيلول عام 2001، قتل الإرهابيون حوالي 3000 شخص، كما قُتل مئات آخرون في الهجمات اللاحقة في كل من بالي ومدريد واسطــنبول ولندن ومومباي. وعلى رغم هذه الوفيات المفجعة، إلا أنها تصبح باهتة وضعيفة بالمقارنة مع وفاة ما يقرب من 100 مليون شخص في الحربين العالميتين. وكما هو صحيح من لقبهم، فإن الإرهابيين يثيرون الرعب ويمكنهم إلحاق أضرار خطيرة جداً أحياناً، ولكن، كان الإرهاب دائماً استراتيجية تتبعها الأطراف الضعيفة، وليس القوية.
ولا يمكن اعتبار الحربين العالميتين ولا الحرب الباردة أقرب الأحداث التاريخية تشابهاً مع تهديد الإرهابيين، فإن أقرب تشابه تاريخي هو أعمال العنف التي ارتكبتها قوات الثوار في الغرب خلال الثلث الأخير من القرن التاسع عشر. لقد ارتكب الثوار العديد من الاغتيالات البارزة، بما فيها قيصر روسيا، وعضو في العائلة الحاكمة للإمبراطورية النمسوية-الهنغارية، والرئيس وليام ماكينلي. كما أثاروا المؤامرات والاضطرابات العديدة وزرعوا القنابل، وقاموا بأعمال شغب هيماركيت المشهورة في الولايات المتحدة. وغالى أمثال نيوت غينغريتش في ذلك العصر في رد الفعل على الأحداث وحذروا من خطر رهيب يهدد الحضارة الغربية. ولكن، لم يكن الثوار قادرين إلا على التسبب بمضايقات طفيفة على أرض الواقع، واستمرت الحياة.
قوة الإرهابيين وفعاليتهم أكثر قليلاً من قوة الثوار، وتقدر الاستخبارات الأمريكية أنه لا يوجد أكثر من بضعة آلاف من عناصر “القاعدة”، وكثير منهم في براري أفغانستان وباكستان، ويجب أن نُبقي تهديدهم ضمن المنظور مهما كانوا مخيفين.
وحتى في أسوأ السيناريوات البعيدة الاحتمال، والتي يتوقع فيها حصول “القاعدة” على سلاح نووي وتمكنها من كيفية تفجيره (وهي مهمة صعبة)، فإن حجم الدمار المتوقع، وإن كان رهيباً، لن يضاهي أبداً أهوال القرن الماضي الدامية، ولا يمكن أن ينافس أبداً ما كان قد يحدث لو تحولت الحرب الباردة إلى حرب ساخنة. ولا يوجد أي احتمال واقعي لحصول “القاعدة” على آلاف الأسلحة النووية. وبالنظر إلى التهديد الذي شكلته ألمانيا النازية وحلفاؤها في الحرب العالمية الثانية، فقد كانت ألمانيا القوة الاقتصادية الثانية في العالم وتمتعت بقوة وقدرة عسكرية استثنائية، ربما كانت من الأفضل في العالم. وفي ذروة نجاحها، تمكنت قوات الفيهرماخت المسلحة من قهر معظم دول أوروبا، كما اجتاحت حليفتها القوات اليابانية معظم شرق آسيا. لقد تطلب الأمر تضافر الجهود العسكرية لعديد من الدول الكبرى لدحر محاولة الفاشيين للهيمنة على العالم. وبانتهاء المعارك، كان أكثر من 50 مليون شخص قد لقوا حتفهم.
كان الاتحاد السوفييتي القوة العسكرية الثانية في العالم خلال الحرب الباردة. وهيمنت موسكو على دول شرق أوروبا ووسطها، كما كان في استطاعة قواتها التقليدية اجتياح بقية القارة والحكم على ملايين أخرى من الشعوب بـ”عبودية” الشيوعية. وكانت قادرة بترسانتها المكونة من آلاف الأسلحة النووية على تدمير أو طمس معظم المدن الأمريكية وإنهاء الحضارة الحديثة في الولايات المتحدة. كان الاتحاد السوفييتي، ومن قبله ألمانيا النازية، يمثلان تهديداً استراتيجياً من الدرجة الأولى.
وأصبحت التصريحات السخيفة، المتعلقة بتحول نزاع أمريكا مع “القاعدة” وحلفائها الإسلاميين الراديكاليين إلى حرب عالمية مقبلة، صناعة تصعيد. إن نيوت غينغريتش هو آخر من قرع ناقوس الخطر، ولكن، قام كل من نورمان بودهوريتز، ناشر مجلة “كومينتاري”، وشون هانيتي، معلق “فوكس نيوز”، وغيرهما الكثير من السياسيين والخبراء بالإدلاء بالادعاءات نفسها. وفي الواقع، إن الأمر الوحيد الذي يختلف عليه هؤلاء “المنقذون الوطنيون” هو ما إذا كان الصراع الحالي حرباً عالمية رابعة أو خامسة. بدلاً من الحرب العالمية الثالثة.
مع ذلك، فإن معظم الإجراءات المضادة التي نفذتها الولايات المتحدة ودول أخرى كانت في مجال وسائل وتكتيكات إنفاذ القوانين بدلاً من الحرب الشاملة. لقد تم إحباط محاولة تفجير طائرة في بريطانيا السنة الماضية بهذه الطريقة، وكذلك تفكيك خلايا “القاعدة” في هامبورغ ومدريد. وهذه هي طبيعة الحرب ضد الإرهاب، باستثناء غزو الولايات المتحدة أفغانستان. وفي حين عمدنا فيما مضى إلى قصف خصومنا بالقنابل بشكل مكثف، نلجأ الآن إلى اتباع الأساليب غير العسكرية.
يجب أن ندرك أن الإرهاب يشكل تهديداً مخيفاً ومفجعاً للولايات المتحدة؛ مع ذلك، فهو تهديد يمكن ضبطه والتحكم فيه. إن أشخاصا من أمثال غينغريتش وبودهوريتز وغيرهما من الذين يشيعون أجواء الرعب، يسيؤون إلينا عبر تضخيم خطر الإرهاب. والطريقة الوحيدة التي يمكن أن يتحول فيها الصراع الحالي إلى حرب عالمية هي اتباع قادة أمريكا نصائح هؤلاء وتصاعد ردنا باتجاه حرب بين الغرب والإسلام.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 25 أيار 2007.

peshwazarabic1 نوفمبر، 2010

نائب الرئيس لشؤون دراسات السياسة الخارجية والدفاع في معهد كيتو بواشنطن العاصمة، وهو مؤلف 7 كتب ومحرر 10 كتب أخرى في الشؤون الدولية بما في ذلك: “حرب أمريكا المقبلة مع الصين”؛ “اللغز الكوري: علاقات أمريكا المضطربة مع كوريا الشمالية والجنوبية”؛ “سياسة الجار السيء: حرب واشنطن غير الجدية ضد المخدرات في أمريكا اللاتينية”؛ “الصحافة الأسيرة: أزمات السياسة الخارجية والتعديل الأول”؛ “ما بعد: البقاء بعيداً عن حروب أوروبا”؛ و”بحث عن أعداء: تحالفات أميركا بعد الحرب الباردة”.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018