يمثل رئيس الوزراء الإسرائيلي نمط من الإسرائيليين ممن يسعون لاستيطان مزيد من الأرض لأنهم يشعرون بأن إسرائيل تقف على مساحات ضيقة وأراضي قليلة. ولا يختلف رئيس الوزراء نتنياهو عن غيره من الإسرائيليين الذين لا زالوا ينطلقون من مبدأ التوسع على حساب العرب. ليس هذا بالأمر الجديد، إذ يمثل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو استمرارا للعقيدة الصهيونية التي تؤمن بأن مشروعها مشروع اقتحام واستيطان. إن نتنياهو لا يرى فارقا بين الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بالقوة عام ١٩٤٨ وتلك التي تم الاستيلاء عليها بالقوة عام ١٩٦٧، وهو لا يرى أيضا فارقا بين القدس الشرقية التي احتلت عام ١٩٦٧ والقدس الغربية التي احتلت عام ١٩٤٨. فهذه العقلية هي أساس الفكرة الصهيونية منذ بداياتها ومنذ نشوء دولة إسرائيل في قلب فلسطين وعلى حساب الفلسطينيين سكان البلاد الأصليين. فالذي يبرر اخذ الأرض عام ١٩٤٨حيث لم يمتلك اليهود منها أكثر من ٦٪ يبرر اليوم قضم ما تبقى من فلسطين والقدس والجولان.
ولكن العقدة التي يواجهها الليكود على الأخص والأحزاب اليمينية في إسرائيل مرتبطة بحقيقة وجود شعب عربي صار له ألوف السنين يقطن تلك الأرض ويزرعها ويبني فيها ويدافع عنها. مشكلة الصهيونية كانت ولازالت في مقاومة سكان البلاد الأصليين لمشروعها، بالإضافة للتحديات القانونية والدولية التي حالت حتى الآن دون مقدرتها ابتلاع كل الأرض وطرد كل السكان. لازال الصراع مفتوحا حتى اليوم بين ملايين الفلسطينيين والعرب وبين ملايين الإسرائيليين من دعاة التوسع.
إن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي القبول بدولة فلسطينية ليس إعلانا صادقا. ففي أسلوب رئيس الوزراء الإسرائيلي الكثير من المناورة لتحقيق المكاسب، وفي أفكاره قناعة بأن السلام غير ممكن في الشرق الأوسط، فهو يؤمن بسلام مفروض أو هدنة طويلة تمهد لمزيد من الاستيطان.
إن سياسة نتنياهو تتلخص الآن في كسب الوقت لأطول مدة ممكنة بينما يقوم بفرض الوقائع الجديدة في القدس والضفة الغربية، انه ينتظر بلا مواربة الفرص التي قد تأتي مع تضييق حرية الحركة الداخلية والخارجية على الرئيس الأمريكي اوباما. ربما ينتظر نتنياهو حالة حرب جديدة ليحسم الأمر مع إيران وحزب الله وحماس وليسعى لطرد السكان من الضفة الغربية والقدس. لكن التاريخ يؤكد بأن هذه الحلول تنتج وقائع مشوهة غير متوقعة وان الاستفراد الإسرائيلي في الشرق الأوسط ولى عهده وان قدرات العرب بتنوعهم وإيران رغم اختلافها أصبحت اكبر من الخطط الإسرائيلية.
إن مشكلة الشعب الفلسطيني الأهم هي في التواجه مع جماعة تؤمن بأساطير دينية تقوم على ارض الميعاد لتحقيق مكاسب سياسية تقوم على اضطهاد من يختلفون عنها عرقيا أو دينيا أو قوميا. فإسرائيل قامت أساسا على أساطير دينية، ومعها جاءت حروب وانتهاكات وكوراث عمت العالم العربي كله. إن التمدد جزء من عقيدة الصهيونية، والعنصرية تجاه الغير جزء من تفكير الدولة الإسرائيلية حتى اليوم، كما وان البقاء في الأرض واستيطانها أساسي لنجاح الحركة الصهيونية.
إن العودة نحو طريق الحل السلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيكون من أصعب الاحتمالات، فكيف تتعامل إسرائيل مع وجود نصف مليون مستوطن في القدس والأراضي المحتلة في الضفة الغربية؟ فأي حل سلمي سينجح في سحب المستوطنين من الضفة الغربية والقدس؟ من الذي سيفرض على نتنياهو حلا يضمن انسحاب المستوطنات وتأمين انسحاب من القدس وفرض نهاية للمشروع الصهيوني بصورته العنصرية والتوسعية؟ لقد ابتلعت إسرائيل الأرض من خلال الاستيطان، وهي عاجزة في المدى المنظور عن الاعتراف للشعب الفلسطيني بالحقوق والمساواة والعدالة. لهذا فإن استمرار مقاومة الشعب الفلسطيني في ظل السعي لبناء موقف عربي ناضج يسعى لفرض تغير في المعادلات يمثل أمرا أساسيا لإنجاح آفاق الحل الشامل.
من جهة أخرى لن يقع تقدم باتجاه سلام حقيقي بلا وعي أمريكي بأن الصراع العربي الإسرائيلي والانحياز الأمريكي الحاسم تجاه إسرائيل هو احد أهم الأسباب التي تجعل العالم الإسلامي في صراع مفتوح مع الولايات المتحدة. إن التداخل الكبير بين السياسة الأمريكية والسياسة الإسرائيلية هو الذي يجب أن يتغير وهو الذي يجب أن يتحدد وإلا دخل الشرق والغرب في كوارث لا حدود لمخاطرها. إن الحرب على الإرهاب التي تسعى الولايات المتحدة لمواجهتها لن تهدأ بلا حل صائب وعادل للقضية الفلسطينية. إذا لم تعي الولايات المتحدة هذا في الزمن القريب، وإذا لم تعي أن إسرائيل تحولت لعبئ عليها، فستجد أنها في مستنقع أكثر صعوبة في أفغانستان والعراق واليمن وبؤر أخرى في العالم.
© منبر الحرية ، 4 ماي /أيار2010