إن احتكام الولايات المتحدة الأمريكية للمصالح الإسرائيلية أصبح مع الوقت احد أهم مسببات العنف الإسلامي /العربي الأمريكي. وقد أصبح من الضروري بل من الحتمي أن تناقش هذه المسألة بوضوح من قبل أصدقاء الولايات المتحدة قبل أعداءها ومن قبل حلفاءها قبل خصومها. إن العلاقة الأمريكية الإسرائيلية في العشر السنوات الأخيرة أصبحت تهدد بمزيد من التوتر في العلاقة بين العالم الإسلامي والعربي من جهة و الولايات المتحدة من جهة أخرى. والسبب واضح في هذا، فالسلاح الذي يقتل به العرب في الأراضي المحتلة هو سلاح أمريكي، والمتفجرات التي تلقى فوق مناطق عربية وفلسطينية هي أمريكية، والمستوطنات التي تبنى في المناطق العربية وفي القدس تتم بأموال أمريكية تصل لعشرات المليارات، كما أن الولايات المتحدة ساهمت بحماية إسرائيل سياسيا على الصعيد الدولي من خلال حق النقض الفيتو. إن مجموع الفيتو الذي مارسته الولايات المتحدة منذ السبعينات حتى اليوم لحماية إسرائيل في مجلس الأمن يساوي مجموع ما استخدم من حق النقض الفيتو من قبل بقية الدول من الأعضاء الدائمين. و يصعب على العالم العربي التظاهر بأن كل هذا لم يقع.
إن هذا الوضع يثير تساؤلات كبرى حول حيادية الدولة الكبرى الأولى في العالم، كما يثير التساؤلات عن مدى مقدرتها اتخاذ خط سير مستقل عن إسرائيل. والمشكلة الأخطر في الموقف أن الولايات المتحدة لا تساعد إسرائيل الآن للدفاع عن وجودها أو حماية أمنها الوطني أو استقلالها بل تساعد إسرائيل أساسا( بوعي أم بغير وعي) في قمع الفلسطينيين وتمكين إسرائيل من البقاء في الضفة وفي القدس والجولان.
حتى الآن يصعب أن نشرح لشاب تحت الاحتلال أو للشعوب العربية التي تشاهد كيف تستباح القدس انه يوجد فارق كبير بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. بينما يعي أفراد مثلي الفارق في أمور كثيرة وعديدة، إلا أن الصورة العامة للولايات المتحدة بين العرب والمسلمين ترى في الولايات المتحدة منفذا لرغبات إسرائيل. ألا تذهب الأموال الأمريكية بصورة أو بأخرى إلى المستوطنات في القدس والضفة الغربية كما تذهب الأموال العربية والمسلمة إلى المقاتلين في القاعدة؟ وهل هناك فارق حقيقي بين الاثنين. فهذا يقتل المدنيين ويعتدي عليهم وذاك يفعل نفس الشيء بحق الشعب الفلسطيني ومقدسات المسلمين؟.
وبينما توجد قوانين واضحة لمنع وصول الأموال العربية الإسلامية إلى القاعدة وإلى الطالبان ، إلا انه لا يوجد جهد دولي قانوني عالمي لمنع وصول أموال الولايات المتحدة إلى المستوطنين في القدس وحولها وفي الضفة الغربية والجولان. أليس صحيحا أن الكثير من الجمعيات الخيرية الأمريكية أكانت مسيحية أم يهودية تقوم بأعمال تبرعات كبرى تنتهي بمستوطنات القدس والخليل ونابلس؟
ثم نتساءل عن إيران والنووي الإيراني ثم النووي الإسرائيلي. أليس صحيحا أن الرئيس الأمريكي جونسون عندما علم عام ١٩٦٩ بالبرنامج الإسرائيلي النووي من رئيس المخابرات المركزية الأمريكية قال له “ بأن لا يعلم احد انه يعلم بالأمر وذلك ليتفادى القيام بأي جهد لإيقاف البرنامج”. إن استمرار هذا المنهج اليوم كما في السابق يعود ويؤكد للعالم العربي والإسلامي أن المنطق في النهاية هو للأقوى وليس للاحق. لكن لمنطق القوة حدود.
إن تأسيس عالم إسلامي وعربي اقل عنفا واقل كرها للسياسة الأمريكية سيتطلب ابتعادا أمريكيا عن تسليح إسرائيل وعسكرتها حتى النهاية، سوف يعني هذا سياسة أمريكية جديدة توقف تدفق المليارات من الدولارات العلنية والسرية التي تنتهي في مستوطنات تؤسس لحروب ومواجهات لا نهاية لها بين إسرائيل والعالم الإسلامي. إن الإدانة اللفظية الأمريكية للاستيطان ستؤدي في النهاية إلى جعل الدولة اليهودية خطر على نفسها وعلي الولايات المتحدة. من هنا تنبع أهمية الرئيس اوباما وإمكانية أن يكون قادرا على تغير المسار. لقد تحولت إسرائيل لعبئ كبير على الولايات المتحدة، كما أن الالتزام الأمريكي بإبقاء إسرائيل متفوقة على مجموع الدول العربية المحيطة بها بينما تقوم إسرائيل بالاعتداء على محيطها لن يساهم في السلام العالمي والإقليمي. هذه سياسات ستقوي القاعدة، كما أنها تقوي إيران أو حماس بل على العكس ستضعف كل الوسطيين العرب.
ويبقى عالمنا حتى الآن عالم غير عادل، ولهذا يصعب أن ينتهي فيه العنف. إن الولايات المتحدة التي تقاتل في أفغانستان والعراق وأماكن أخرى تزيد العداء لها في العالم الإسلامي والعربي بسبب دفاعها الأعمى عن إسرائيل التي لا تواجه خطرا. إن انسحاب الولايات المتحدة من الصدام مع العالم العربي والإسلامي لن يكون ممكنا بلا حل القضية الفلسطينية حلا عادلا يتضمن القدس وانسحاب إسرائيل والمستوطنين، وحل عادل لقضية اللاجئين، وقيام دولة فلسطينية مستقلة، كما ويتضمن انسحابا من الجولان السورية. إن حل كهذا لن يكون ممكنا بلا تحرر أمريكي من سطوة اللوبي الداخلي الذي يرهق الولايات المتحدة ويوجهها كما يريد. إن إسرائيل بوضعها الراهن عبئ على السياسة الأمريكية.
© منبر الحرية ، 29أبريل /نيسان2010