جنوب السودان ومستقبل الشعوب غير العربية في العالم العربي

peshwazarabic13 يناير، 20110
هل يتجه العالم العربي إلى التضاؤل و الانهيار، أم أنه ينحو باتجاه إعادة صياغة و تشكيل حجمه و حدوده الحقيقية؟

هل يتجه العالم العربي إلى التضاؤل و الانهيار، أم أنه ينحو باتجاه إعادة صياغة و تشكيل حجمه و حدوده الحقيقية؟
الاستفتاء المرتقب على مصير جنوب السودان، و المقرر إجراؤه في بداية العام المقبل، هو الحدث الأكثر خطورة ميدانياً على وحدة الأراضي العربية من وجهة نظر القوميين العرب، وهو بنفس الوقت الخيار الأنسب الذي انتظره بفارغ الصبر أهالي الجنوب السوداني بعد حروب دموية طاحنة، أُغرقت فيها المنطقة بالدماء لعدة سنين متتالية.
إن الخوف من التقسيم و التجزئة و الانفصال، كان و مازال الهاجس الدائم للفكر القومي العربي الذي تبنته أغلبية الأنظمة الحاكمة في البلدان العربية والأكثرية الساحقة من مثقفي وعامة الشعب العربي الصديق. و على الرغم من الديمومة التي اتسم بها هذا الخوف، فإن أغلب البلدان العربية لم تعش يوماً واحداً حالة الوحدة القومية التي كانت ومازالت تطرحها الأنظمة الحاكمة من خلال شعارات براقة، حفظها عن ظهر قلب كل من وُلد و عاش في أي بلد عربي.
وكلما زادت درجة الخوف، ازداد معه القمع الممارس من قبل السلطات الحاكمة بحق المواطنين بشكل عام و الشعوب غير العربية بشكل خاص.
يتواجد في كافة الدول ذات الأغلبية العربية، شعوب و قوميات مختلفة. ولكن في بعض الدول مثل العراق، و سوريا، و السودان، و مصر، و الجزائر، و المغرب هناك وجود بيّن و واضح لشعوب غير عربية، لها تاريخها و لغتها و مناطقها الجغرافية الخاصة بها.
و نتيجة لحالة القمع و الحرمان المستفحلة في تلك الدول، فإن حركات التحرر القومية غير العربية انتهجت أسلوب الكفاح المسلح كوسيلة لحماية المختلق قومياً، من حروب و هجمات وسياسات الإبادة العرقية التي انتهجتها الأنظمة الحاكمة وبشكل خاص في السودان والعراق، مما أفضى إلى نشوء أقاليم لها سلطتها السياسية و العسكرية و الاقتصادية الخاصة بها.
و ها هو السودان اليوم قاب قوسين أو أدنى من الانفصال، فمن هو  المسؤول يا ترى؟ هل هم أهالي الجنوب و قيادة حركته التحررية، أم هو عمر حسن البشير رئيس جمهورية السودان الذي ضرب بعصاه المميتة شمالاً و جنوباً، فأباد الآلاف في الجنوب، و أرعب من في الشمال؟
و في العراق، دائماً كانت تهمة الانفصال والتمرد ترافق اسم الكردي أينما وُجد، و كان خوف القوميين العرب كبيراً من تعاظم قوة الكرد و تثبيتهم لخصوصيتهم القومية. لكن و بعد إعلان حكومة إقليم كردستان العراق في بداية العقد التاسع من القرن المنصرم، وتعاقب الأحداث فيما بعد، وسقوط نظام صدام حسين، و تشكيل حكومة عراقية تعبر عن حقيقة مكونات الشعب العراقي. و في الفترة الأخيرة عندما تأزمت الأمور وبقي العراق لمدة ثمانية أشهر من دون حكومة، بادر الكرد إلى العمل على لم شمل الأطراف السياسية العراقية المختلفة فيما بينها، من خلال المبادرة الأخيرة لرئيس إقليم كردستان العراق السيد مسعود البارزاني، و التي يُجمع المراقبون على أنها أنقذت العراق من حالة التشرذم السياسي. و لم يعمل الشعب الكُردي على استغلال الفراغ السياسي الحاصل في العراق، حيث انعدام الحكومة وانشغال الأطراف السياسية العراقية بخلافاتها و مسألة توزيع المناصب الوزارية، وذلك في الوقت الذي يمتلك فيه إقليم كردستان، حكومة و رئاسة منتخبة، و بنية اقتصادية قوية وقوات مسلحة نظامية و مدربة. بالإضافة إلى وجود حالة سياسية شبه صحية مقارنة مع دول الجوار حيث المعارضة الكردية بقيادة حركة التغيير و التي تسيطر على ربع مقاعد البرلمان الكردستاني.
مما لاشك فيه بأن الحالة الكردية في العراق، قد ضربت أخماس الفكر القومي العربي بأسداسه. حيث بادر من كان يُعرف بالانفصالي المتمرد بالأمس، إلى لم شمل العراقيين كافة في يومنا الراهن. فهل سيبقى هذا الخوف من المختلف قوميا بالنسبة لأصحاب الفكر القومي العربي، أم أنه سيبقى قائماً ولكن بدرجة أقل و شك أكبر؟
و ماذا لو اختار جنوب السودان طريق الاستقلال، هل سيزداد القمع الممارس بحق الشعوب غير العربية في العالم العربي، أم أن الأنظمة العربية الحاكمة ستلجأ إلى خيارات أكثر عقلانية لدرء (خطر الانفصال) والاستفادة قدر الإمكان من التنوع الثقافي و الحضاري القائم، نتيجة اختلاط العرب بغيرهم من الشعوب في بلدان تحكمها أنظمة عربية؟.
*كاتب من العراق
‎© منبر الحرية،9 يناير/كانون الثاني 2011

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018