إن الأمر الوحيد الذي يكفل خروج سوريا من الأزمة الوطنيّة والسياسيّة هو الثورة، وهي العلاج الوحيد، وهي التي تمتلك مقومات فعالة لنقل الناس ومطالبهم من الخانة التي كان الناس فيها مهمّشين إلى خانة أكثر انتعاشاً تحقق للناس حريتهم والشعور بكرامتهم.....

من المعلوم أن علم الاجتماع السياسيّ يرى في الإصلاحات  التي يقوم بها (أي) نظام إنما هي عبارة عن ترقيعات يستند إليها  لتصحيح مساره من أجل إطالة عمره  ، و ليس شرطاً أن تكون للشعوب مصلحة في هذه الإصلاحات ،  بينما تكون  للأنظمة مصلحة أساسيّة فيها ، و في الوقت الذي يرى فيه ، هذا العلم، بانّ الثورة هي العلاج الناجع لأجل استعادة حقوق الناس، فإنه يرى أن الإصلاح عمليّة إجرائية لحظيّة لا تعتبر مفصلاَ تاريخياَ في حياة الدول،  إنما ترى فيه  عبرة في حياة الأنظمة بعد أن تتعرض هذه الأنظمة إلى  انزلاقات ومهاوي جسيمة ، وتالياً حتى إن قام النظام بإصلاحات فلا تعتبر انجازاً عظيماً كونها لا تفي بما يتطلع إليه المجتمع إنما تُجرى إصلاحات من قبل الأنظمة لضمان بقائها في السلطة  أي العمليّة الانتخابيّة والدستوريّة في المراحل الأخرى.

لذلك فإنّ علم الاجتماع السياسي يميل إلى الثورة أكثر من الإصلاحات، بل يقف أصحاب هذا العلم إلى جانب ثورات الشعوب (على عكس بعض الدكاترة في العلوم السياسيّة الذين يدافعون عن الإصلاح ) فيما الواقع السياسي وفي ظل غياب المساواة سواء بين الشعب نفسه أو بينه وبين الشريحة المواليّة لدعم النظام يفرض واقعاً مفاده : أن من مصلحة الدولة والمجتمع أن تنجح الثورة وتحقق أهداف المجتمع في الحريّة والكرامة، حيث أن الثورة، وكون تراكم المشاكل لدى النظام القديم وهو تراكم ناتج عن ثقافة الاستبداد والفساد، هي الوحيدة القادرة على تحقيق مرام الشعب وتحقيق تطلعاته في العدالة الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة.

في المسألة السوريّة، لو أسقطنا هذا الفهم واعتبرنا انّ الإصلاحات التي ادعى النظام إجرائها، وتطلّب المهل من الثوار والشعب (ومن الدول الإقليميّة والدوليّة والعربيّة) حتى ينجزها ، لا تُصلح للوضع المأزوم سياسيّاً ومجتمعيّاً الذي نراه اليوم في بلدنا سوريا، ولعل آخر معالم الإصلاح التي رأيناها هي في انتخابات مجلس الشعب حيث ظهر النظام وكأنه اجري في ظل دستور يتيح للتعددية إلا انّه كرّس نفس الثقافة، وهذا ما أفصح عنه حتى المقرّبون للنظام أنفسهم.

وبدا واضحاً انّ النظام الحالي وحتى لو شكلت حكومة جديدة واستبدل الإداريون القدامى بالجدد، وأجرت تعديلات في آلية تشكيل الحكومات وغير ذلك فانّ ما أفرزته الثورة من حالة جديدة في مقاربة المجتمع والسلطة، ونوع العلاقة بينهما فانّه أصبح نظاماً من الطراز القديم.

والحال أنّ الأمر الوحيد الذي يكفل خروج هذا البلد من الأزمة الوطنيّة والسياسيّة هو الثورة، وهي العلاج الوحيد، وهي التي تمتلك مقومات فعالة لنقل الناس ومطالبهم من الخانة التي كان الناس فيها مهمّشين إلى خانة أكثر انتعاشاً تحقق للناس حريتهم والشعور بكرامتهم.

ولا نستغرب حتى انّ الإصلاحات التي تدعي السلطة بانّها تنجزها ، أو هي في طريقها إلى انجازها ليست هي الإصلاحات الجديّة التي تخلص النظام وتحافظ على بقائه لحين انتهاء فترته الانتخابيّة (إن كان هذا في الأصل جوهر الانتخابات) إنما هذه الإصلاحات صارت حمالة أوجه يعلق النظام عجزه عليها. وهي باتت أمراً مكشوفاً ولا يوجد أحد في سوريا (على الأقل) يصدقه. فلو كانت السلطة جادة في إجراء إصلاحاتها لكانت وضعت في أولوياتها فك ارتباط النظام بالدولة لا أن تبقى الدولة أسيرة في يد النظام. وحتى الآن يتم استغلال الدولة و إمكانياتها من قبل طرف ضد طرف آخر. فلو فعل النظام هذا لكان ساعد نفسه في تمديد فترة بقائه لفترة أخرى دون نزيف دم، ودون هذه التضحيات الجمّة . إلا انّ النظام لم يفعل، وبقي يختزل الدولة في نفسه إلى درجة ارتبط رحيله برحيل الدولة ولذلك سمعنا ولعدد من المرات الناطقين بلسان النظام يقولون أن معركة استعادة الدولة انتصرت ولم يبق وقت طويل حتى نستعيد كل شيء.

ثمّة من يقول أن النظام لا يستطيع العيش  بدون إمكانيات الدولة وهذا التصور معقول إلى حد كبير، لأنه حتى هذه اللحظة فإنّ حزب البعث مازال يعيش بإمكانيات الدولة، ولعل النظام استثمر كل إمكانيات الدولة لأجل الدعاية له بالرغم انّ”الدستور الجديد” يفصل الدولة عن حزب البعث ، وهنا يمكن أن نستفيد من هذه المعلومة من جهتين ،الجهة الأولى : أن النظام ما زال يرى بانّ حزب البعث قائد الدولة والمجتمع ومن جهة ثانيّة يقول للسوريين من  يكون معي سأكرس كل ما بيدي لأجله. ولعلنا رأينا قبل أكثر من شهر كيف انّ التلفزيونات السوريّة  احتفلت  بحزب البعث، في حين انّ أحد مطالب المعارضة السوريّة في الأيام والأشهر الأولى كانت تطالب بحياديّة الإعلام الوطني على أن يكون الإعلام لها ولهم. ثانيّا :المؤسسة الدفاعيّة والأمنيّة كانت حريصة كل الحرص على كل الاحتفالات البعثيّة بل كانت مساندة لها. ساحات المدن كانت متاحة للبعثيين في حين بقيت هذه الساحات خطاَ احمر أو دائرة النار بالنسبة للمعارضة.

وحال أن هذا السرد أعلاه يشكل اليوم ورقة رابحة للمعارضة وهي بهذه الأوراق بقيت قويّة ولذلك تقول للرأي العام العالمي والعربيّ أننا ملتزمون بمهلة كوفي أنان(90 يوماً) إلا انّ النظام لا نعرف كم من الوقت سيدعيّ بانّه ملتزم بها.

بعيداً عن هذه الأوراق انّ النظام نفسه يريد الإيحاء للعالم بأنه ليس  مؤمناً بهذه المهلة وقبوله لهذه الخطة بالأساس هو نابع عن عدم إحراج حلفائه الروس وغيرها. والحق انّ موالو النظام الآن يتباهون بالانتصار خصوصا بعد أن تُرك ملف المسألة السوريّة بيد روسيا التي ترى سقوط النظام من سقوطها في الشرق الأوسط!!

 * كاتب سياسي سوري

منبر الحرية،27 يوليوز/تموز2012

One comment

  • محمد

    20 يناير، 2013 at 5:51 ص

    باسم الله الرحمان الرحيم.
    أرجو الإنشقاق عن الحكومة السورية المتخلفة و اللاإنسانية للمقاومة السورية الرائعة
    أقول بالوجوب

    Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018