ترتبط الديمقراطية عادة بتداول السلطة بشكل مشروع وسلمي؛ بما يسمح بإشراك المواطنين في تدبير أمورهم والمساهمة في اتخاذ القرارات التي تهمهم، واحترام حقوق الإنسان مع القدرة على تدبير الاختلاف بشكل بناء.. وهي مسيرة معقدة ومركبة تحتاج إلى مجموعة من العوامل والشروط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية والقانونية والمؤسساتية..
ومعلوم أن هناك علاقة قوية متبادلة بين الممارسة الديموقراطية واستقلالية القضاء؛ فالديمقراطية تظل بحاجة ماسة إلى قضاء مستقل قادر على مقاربة مختلف القضايا والملفات بنوع من الجرأة والنزاهة والموضوعية؛ بعيدا عن أي تدخل قد تباشره السلطات الأخرى؛ مثلما يظل القضاء من جانبه بحاجة إلى شروط موضوعية وبيئة سليمة مبنية على الممارسة الديمقراطية تعزز من مكانته وتدعمه وتسمح له بتحقيق العدالة المنشودة وترسيخ المساواة أمام القانون؛ بعيدا عن أي استهتار أو انحراف بالقوانين.
إن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي شهدها المغرب فيما مضى؛ لم تكن لتقع بنفس الشكل والوتيرة (اختطافات واعتقالات تعسفية وتعذيب ودفن جماعي وإطلاق النار خلال أحداث اجتماعية شهدتها البلاد..) في وجود قضاء قوي ومستقل.
كما أن الانتخابات التي تفرز نخبا يفترض أن تتولى تدبير الشأن العام والوطني والسهر على قضايا المواطنين الحيوية؛ تتطلب وجود قضاء فعال ومستقل قادر على ضمان نزاهتها ومرورها في جو سليم وبناء؛ من خلال معاقبة المفسدين وتكريس تكافؤ الفرص واحترام إرادة الجماهير.
ولذلك فهناك عدد من الباحثين من يعتقد بأن وجود قضاء مستقل يؤكده ويحميه الدستور هو شرط أساسي للديموقراطية يتجاوز في أهميته إجراء الانتخابات ذاتها..
إن استقلالية القضاء تقتضي عدم وجود أي تأثير مادي أو معنوي أو تدخل مباشر أو غير مباشر وبأية وسيلة في عمل السلطة القضائية؛ بالشكل الذي يمكن أن يؤثر في عملها المرتبط بتحقيق العدالة، كما يعني أيضا رفض القضاة أنفسهم لهذه التأثيرات والحرص على استقلاليتهم ونزاهتهم.
وترسيخ استقلالية القضاء هو مدخل فعال للتغلب على الجريمة في مختلف أبعادها ووسيلة رئيسية لتكريس العدالة وحماية الحريات وضمان احترام حقوق الإنسان؛ وسيادة الثقة في القانون والمؤسسات والتشجيع على الاستثمار؛ كما أن هناك علاقة وطيدة بينه وبين بناء مجتمع ديموقراطي.
ويفترض أن يقوم مبدأ استقلالية القضاء على مجموعة من المرتكزات التي تعززه؛ من قبيل اختيار قضاة من ذوى الكفاءات والقدرات التعليمية والتدريبية المناسبة، ومنحهم سلطة حقيقية تتجاوز الصلاحيات الشكلية؛ وتسمح للقضاء بأن يحظى بنفس القوة المتاحة للسلطتين التشريعية والتنفيذية؛ وتجعله مختصا على مستوى طبيعة الهيئة القضائية والصلاحيات المخولة؛ مع توفير الشروط اللازمة لممارستها في جو من الحياد والمسؤولية، بالإضافة إلى وجود ضمانات خاصة بحماية القضاة من أي تدخل يمكن أن تباشره السلطتين التشريعية والتنفيذية في مواجهة أعمالهم أو ترقيتهم أو عزلهم؛ وإحداث نظام تأديبي خاص بهم، كما يتطلب وجود هيئة مستقلة تسهر على اختيار القضاة وتعيينهم على أساس الكفاءة وتأديبهم.
وينطوي مبدأ فصل السلطات على أهمية كبرى على اعتبار أنه يحدد مجال تدخل كل سلطة على حدة ويمنع تجاوزها؛ فالسلطة التنفيذية لا يجوز أن تتطاول على المهام القضائية بالضغط أو التأثير؛ أو الامتناع عن تنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة في حقها من قبل مختلف المحاكم؛ أو تعطيل تنفيذها أو توجيه النقد إليها؛ مع الحرص على توفير الشروط التقنية والمادية الكفيلة بضمان حسن سير العدالة.
وعلى السلطة التشريعية أيضا؛ ألا تتدخل في أي منازعة تندرج ضمن الاختصاص المخول للقضاء؛ أو منح جزء من صلاحياته إلى جهات أخرى.