لا تختلف الشعوب على أهمية التعليم العالي. به تربعت أمريكا العالم قلبا وقالبا، ومن خلاله انطلقت نمور الشرق واعتمدت عليه دول أوربا في تقدمها. إن سياسات التعليم الجامعي تؤثر وبشكل كبير في حراك التنمية ومستوى الفكر والمعرفة الثقافية والاجتماعية لدى الأفراد، وهو في السنوات الأخيرة نقطة انطلاق لكثير من الدول النامية في أنحاء العالم. أما في السعودية مثلاً وبالرغم من ميزانيات التعليم التي تلتهم النصيب الأكبر من ميزانية الدولة إلا أن نتائج السياسة التعليمية لا ترقى إلى حجمً تلك الميزانيات و الاستثمارات.
تطرح السعودية كنموذج تعليمي العديد من علامات الاستفهام. حين تخرج المدارس الثانوية كل عام مايقارب 300 ألف طالب وطالبه وبارتفاع سنوي يقترب من 4.3%، في حين لاتزال أعداد الجامعات 20 جامعة حكومية نصفها حديثة التأسيس و12 جامعة أهلية أخرى تتركز في المدن الرئيسية الثلاثة ( الرياض – جدة – الدمام). هذا مقارنة مع بلد كالأردن الذي يستقطب بجامعاته ال40 كل عام الطلاب بسكانة لا تتجاوز 5 مليون نسمة أو دولة البحرين كمثال آخر، والتي تحوي 20 جامعة أخرى بتعداد سكان يقارب 600 ألف نسمة.
لا تكون التنمية إلا بجيل مسلح بالعلم، والعلم الكفء فقط، جودة التعليم التي تعطي الطالب الرغبة في التخصص والانطلاق في الإبداع والدعم اللا محدود ومصادر التعلم المتنوعة ومواكبة للعصر. إن جولة سريعة في جامعاتنا تكفي عن استيعاب واقعها المزري. وتجدر الإشارة هنا إلى تحول نسبة كبيرة من الجامعات إلى مصادر تلقين أو تدجين بعيداً عن أساليب الاقتناع العملي الحر، والأسئلة المتلاحقة، وأفكار البحث العلمي المعروفة، وقد لا أنسى ترتيب الجامعات العربية في الترتيب العالمي.
وبالنظر إلى كل هذا، نجد أن الضرورة ملحة لوضع عدد من البرامج والنقاط للمساهمة في حل هذه المعضلة منها :
1- فصل المشاريع الجامعية الكبرى ضمن مشاريع وطنية مستقبلية بعيدا عن روح البيروقراطية والمنهجية ينطلق من خلالها مبادرات فعالة و مستدامة
2- تنشيط إدارات التعليم الجامعي الأهلي بوزارات التعليم العالي في استقطاب الجامعات العريقة لفتح فروع لها وتقديم الدعم المادي والمعنوي والاستثماري لهذه الجامعات ( جامعة مريلا ند استقطبتها دول في أربع قارات خلال سنتين – جامعة الأمير محمد بن فهد في السعودية بدأت العام 2007 باستقطاب خبرات أكثر من 20 جامعة أمريكية ).
3- هيكلة السياسة التعليمية وجعلها مؤهلة و قادرة على استقطاب رؤؤس الأموال للاستثمار في مشاريع تعليمية مربحة حين نرى أن جامعة هارفارد تستحوذ على أموال وسندات واستثمارات تفوق 25 مليار دولار ولا ننسى ربط هيئات الاستثمار كعضو فعال في هذا المجال.
4- الاهتمام بجودة التعليم عبر توفير مراكز بحث علمي ومنشات ومراكز خدماتية ومكتبات وغيرها.
5- الاستفادة من خبرات إدارات التدريب على المهن والأعمال الفنية الدقيقة في مجال دعم معاهد القطاع الخاص وانتشارها.
6- الاهتمام بمفاهيم التعليم المفتوح والتعليم عن بعد وفتح المجال أمام العديد من موظفي الدول والقطاع الخاص لاكتساب المعرفة وصقل المواهب.
7- مجاراة فرص العمل في طرح برامج تعليمية عملية تواكب هذه الفرص.ً
إن التجربة الماليزية والهندية والصينية والايرلندية والفنلندية وغيرها لهي أمثلة لدول نامية حققت انجازاتها من خلال اهتمامها بتعليمها ككل وتعليمها الجامعي بشكل خاص في عالم ينتظر منا ليس التقدم ولكن التقدم بأسرع ما يمكن.
© منبر الحرية، 16 أبريل 2009