لعبة النفاق التركية: بين قمع الكرد في تركيا والتعاطف الدعائي مع أهل غزة

حواس محمود17 نوفمبر، 20100

السلطة التركية بقيادة رجب طيب أردوغان الذي يتزعم حزبه حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا ، قامت وتقوم بأدوار إقليمية باتت مكشوفة إلى حد كبير ، فابتداء بالتوسط بين سورية وإسرائيل عبر مفاوضات غير مباشرة لإيجاد تسوية سلمية بين الطرفين، وانتهاءا بالتوسط بين حماس وإسرائيل عبر منافذ قطرية عربية كمصر وسوريا وقطر، ودولية كفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وهذه الأدوار باتت   تؤتي ردود فعل  مكشوفة  – ولو في إطار النخبتين السياسية والثقافية العربية –  تتسم بالتشكيك والريبة والتساؤل ، وكل ذلك بسبب ما يحيط بالتحرك التركي في المنطقة من مخاوف عودة ” العثمانية” إلى العالم العربي عبر القضايا العربية ودرج على تسمية هذه العثمانية ب” العثمانية الجديدة”.
إن تركيا الأردوغانية لم تكن لتستطيع أن تقوم بهذه الأدوار الإقليمية لولا الضعف العربي الذي بات مكشوفا إلى حد كبير أمام اللوحتين الإقليمية والدولية، مما أدى ويؤدي إلى إغراء العديد من القوى الإقليمية والدولية للتحرك وبسط النفوذ من خلال هذا الانكشاف الواضح، فهنالك الانقسام الواضح ضمن النظام الرسمي العربي بين دول الاعتدال  ودول الممانعة ، وتأخر الدول العربية في المجالات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والتنموية. هذا التأخر أثر وبشكل كبير في المستوى  السياسي مما أدى إلى غياب الديناميكية السياسية القادرة على التعامل مع قضايا العالم العربي الداخلية والخارجية بحيوية فائقة.
ومن المفارقات العجيبة حقا أن يتعاطف زعماء تركيا مع قضية أهل غزة وفلسطين الذين تعرضوا للعدوان الإسرائيلي، وهم يقومون  بنفس الوقت بقمع الكرد في تركيا ويمنعون عنهم لغتهم وتراثهم، وتمنع أحزابهم من العمل السياسي ويزج بالسجون آلاف المناضلين الكرد في سبيل حقوقهم القومية المشروعة !  علما أن القضيتين  تتشابهان في الظلم وإنكار الحقوق القومية ومنع تقرير المصير سواء للشعب الفلسطيني  من قبل إسرائيل أو للشعب الكردي من قبل السلطة التركية ، فهل الشعب الفلسطيني شعب والأكراد هم ليسوا شعبا أو كما يسميهم الشوفينيون  الأتراك  ب “أتراك الجبال ” !
إن قيام تركيا بهذا الدور الذي يتلخص في منع حقوق الكرد القومية داخلها والبكاء على حقوق الفلسطينيين في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة خارج نطاق الإقليم التركي، يمكننا إدراجه ضمن ازدواجية  واضحة المعالم والتجليات ، إذ كيف يمكن تصديق   هذه اللعبة الازدواجية المثيرة للاستغراب والاندهاش للمراقب السياسي؟  ، الذي ينظر برؤية سياسية دقيقة ومتمعنة وثاقبة ،ولكن من المستغرب حقا  أن  تنطلي لعبة  السلطة التركية هذه على قطاعات واسعة من الشعب العربي ، فإذا كانت تركيا تريد حقا أن تتعاطف مع العرب فهل ستضحي بعلاقاتها الإستراتيجية مع إسرائيل ؟ وهل ستلجأ إلى إلغاء  الاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل في وقت قريب ؟
ويتجلى النفاق التركي أيضا  في الرغبة بانضمام تركيا إلى السوق الأوربية المشتركة وفي نفس الوقت تحسب نفسها ضمن الدول الإسلامية في المنطقة، وهذا يأتي كانعكاس عن الثقافة الإسلامية  على صعيد الشارع التركي من جهة والثقافة العلمانية الكمالية على صعيد العسكر والنخبة السياسية ذات النفوذ القوي في دوائر السلطة والقرار في تركيا ( الأمن القومي التركي) من جهة أخرى.
وإلى حين أن تستطيع تركيا حل تناقضاتها الداخلية والخارجية ستظل تلعب أدوارا مزدوجة خارجيا بإقامة علاقات مع  إسرائيل والغرب وبنفس الوقت نسج علاقات مع الدول العربية والإسلامية.
إن مشكلة العالم العربي أنه بقي عصيا – حتى الآن- على التحولات الديمقراطية على الصعيد العالمي مما أخرها عن ركب الحضارة العالمية ، وما أدى ويؤدي  إلى أن تأتي قوى إقليمية ودولية للتدخل في قضايا هي في صميم مسؤوليات دول هذا العالم
ولذلك نرى أن دولة أخرى تتدخل وبقوة وهي إيران، وتحاول بسط نفوذها الإعلامي والسياسي على سطح القشرة الدماغية للإنسان العربي بإقناعه بأنها قوة إسلامية قادرة على حل العديد من القضايا العربية وأهمها قضية فلسطين.
© منبر الحرية، 02 فبراير / شباط 2010

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018