عندما نتحدث عن العروبة، علينا أن نفرق بين ثلاثة مفاهيم:
العروبة كواقع إنساني وجغرافي وتاريخي.
العروبة كمجال حيوي وهوية ومصير مشترك.
العروبة كأيديولوجية قومية.
وعند التحدث عن لبنان، علينا أن نتخلى عن ثلاثة مواقف مسبقة، قد تعطل أو تشوه نظرتنا إليه.
الطائفية التي مصدرها الشعور بالخوف أو الشعور بالغبن.
الشوفينية التي لم تعد تتلاءم مع روح العصر.
الأيديولوجية القومية أو الطبقية التي تتجاهل بعض الخصائص الهامة للوجود اللبناني.
إشكالية العلاقة بين لبنان والعروبة قد تصاغ على شكل التساؤلات التالية :
هل هناك تناقض أساسي بين مصلحة لبنان، (أي مصلحة الشعب اللبناني، ومصلحة الإنسان اللبناني،ومصلحة الكيان اللبناني) وبين العروبة فى جوهرها؟ وهل نظرية القومية اللبنانية بخصوصيتها وبمعطياتها التاريخية والعاطفية تقف أمام المستلزمات الموضوعية التي قد تشد لبنان إلى العروبة؟
لا يمكن أن يقوم أي شكل من أشكال الوحدة أو الاتحاد على أساس عاطفي أو ديني أو عرقي، أو على أساس إذابة القوميات والأمم في ذلك البلد أو تلك الدولة. أو على أساس سيطرة دولة على أخرى سواء كان ذلك اقتصادياً أو سياسياً، كما لا يمكن لأي شعب أن يقرر مصيره انطلاقا من اعتبارات ظرفية أو مكانية. إننا في الوطن العربي نعيش في كل بلد نفس المعضلات التي يعيشها البلد الآخر، فما يحصل في العراق أو مصر أو الأردن يحصل في لبنان ، وبالتالي لا يسعنا فهم المعضلة اللبنانية دون فهم المحيط العربي.
ولبنان قد يكون في حاجة إلى العرب، لاسيما في الوقت الحاضر حيث أن الظرفية التاريخية التي تمر بها البلدان العربية وما يرافقها من حالة اضطراب نفسي وخارجي. وما ينجم عن تلك الحالة من ردات فعل تعمل كلها على التضييق على الحريات السياسية كوجود قيود على الصحافة، والانغلاق على الخارج، يجعل الأضواء مسلطة ساطعة على هذا البلد الصغير لبنان، لوجود مساحة واسعة من الحرية، وما أحوج الوطن العربي إلى مثل لبنان القريب منه والمميز عنه في آن واحد. وفي اليوم الذي يفقد فيه لبنان طابعه المميز وحريته، لا يخسر ذاته بمقدار ما يخسره العرب أنفسهم، فإذا كانت القومية اللبنانية قبل كل شيء حرية وانفتاح وانعتاق وتفاعل خصب وخدمة مستمرة، فإن الوطن العربي لا يسعه أن يكون أقل تحمساً من هؤلاء المنادين بها. والمحافظة على لبنان مستقل خدمة للعرب قبل أن تكون خدمة للبنان.
فمن لا يخلص في خدمة لبنان، ويقوم بموجباته الوطنية نحوه بإيمان كلي وتضحية مستمرة، لا يسعه أن يكون صادقاً في حبه للعرب، ولا يخدم القضية العربية، لأن الإخلاص لا يتجزأ، ولأن تقدم الجزء يؤدي لا محالة إلى تقدم الكل. وإذا نظرنا إلى الخارج لرأينا أن العالم لا ينظر إلى مجموعة البلدان العربية إلا من خلال نظرته إلى بلد واحد. فالوجود التاريخي والسياسي لكافة أقطار الوطن العربي هي واضحة، كما أن أحكام الجغرافيا تفرض على بعض الدول لعب بعض الأدوار الإقليمية، فمصر برغم كبر حجمها وطاقاتها ومركزها لم تستطع أن تعيش خارج محيطها العربي _ بعد توقيع اتفاقية كامب دايفيد 1978_ فترة طويلة على الرغم من كل ما قدمه لها الغرب. فالعلاقات بين البلدان العربية ليست مطلقا هي علاقة إنسان بإنسان، وليست عملاً تركيبياً بشكل اعتباطي، وليست عملية نستملحها أو نستقبحها، بل هي تحكي الواقع الحياتي.
وهنالك الكثير من المشاكل الملحة التي تفرض نفسها على عالمنا العربي حالياً، فمثلاً كيف نواجه الاحتلال الإسرائيلي؟ كيف يستعيد الشعب الفلسطيني حقه القومي في وطنه؟ كيف نحرر العراق؟ كيف يمكن الحفاظ على استقرار السودان؟ كيف نجعل الثروات الطبيعية والمالية تجلب الخير لجميع العرب؟ إن الإدعاء بالعصمة والكمال سذاجة ووهم وعلينا الاعتراف بوجوب التطور والانفتاح، وهذا الموقف يملي علينا وجوب الإنعكاف على ذواتنا لنصل إلى حقيقة واقعنا عن طريق المنطق ولا نكتفي بالعاطفة كطريق لها.
إن واقعنا بحاجة إلى الكثير من التوضيح، والوطنية ليست مجرد شعور اتجاه الوطن ومجرد عاطفة، ولكنها أفعال وأعمال تنم عن شعور وعن عاطفة لا يكفي أن نثيرها، وأن نتألم لما نرى ونشاهد في بلادنا من مآسي وانحرافات، وأن نعلن ألمنا وننشره كتابة وكلاماً، لكي نعتبر موفيين واجبنا اتجاه الوطنية، لا بل ذلك الموقف النظري الخارجي قد يلحق الضرر بالبلاد إذا لم يقترن بتنفيذ الموجبات والالتزامات الوطنية، تنفيذاً مثالياً صارماً لا سيما من ناحية التضحية.
© منبر الحرية،4 شتنبر/سبتمبر 2010