إنها الديمقراطية يا عزيزي؟

peshwazarabic18 نوفمبر، 20100

لم يصدق العرب للوهلة الأولى قرار أوباما بالانسحاب من العراق بحلول منتصف 2010.
أعاد بعضهم السؤال أكثر من مرة : هل فعلا سينسحب ؟
دارت التكهنات والتحليلات والقراءات وكلها تشكك بالقرار رغم صدوره عن أعلى مرجعية أمريكية.
قلة صدقت قرار الانسحاب، وأكثرية توقعت أنها لعبة أمريكية مكشوفة لكسب الوقت!
لكن رغم ذلك لا يخفى أن القرار أثار عند العرب مشاعر فرح واستغراب في آن !
وإذ كانت أسباب الفرح معروفة  ولا تحتاج لدليل أو برهان ولا تحليل، فإن الاستغراب ومحاولة تقصي أسبابه تزيدنا للوهلة الأولى استغرابا !
لأن الإجابة عن  أسئلة من نوع : لماذا يستغرب العربي قرار الانسحاب ؟
ولماذا لم يصدقه ومازال يشكك به حتى اللحظة ؟
ستعطينا وعيا أكثر عمقا بخواء عالمنا العربي ومدى جفاف ينابيعه الفكرية.
إن نظرة مدققة للبنى الفكرية التي تحكم تفكير الإنسان العربي عموما، والمثقف خصوصا ستجعلنا أكثر إدراكا لطبيعة هذا الاستغراب.
إذن،يبدو قرار أوباما بالانسحاب من العراق لدى العربي مستغربا لأسباب كثيرة، ولكن هناك سببين رئيسيين:
–  أولهما :الوعي المتشكل عن أمريكا وسياساتها في الذهنية العربية فهي ” إمبراطورية الشر” و” رمز الرأسمالية والإمبريالية والعولمة ” و العدو الداعم لإسرائيل وما يتسم مع ذلك من صفات ترادفها الغدر والخيانة وسياسة كسب الوقت. هذه النظرة السلبية المتشكلة في الوعي العربي عن أمريكا بعضها ناتج عن سياسات أمريكية خاطئة خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني إضافة إلى  احتلالها العراق وتدمير شعبه وتمزيق وحدته الاجتماعية لتجعله يقف على شفير حرب أهلية دون أن نغفل دور النظام الصدامي في إيصال العراق إلى مرحلة الانسداد التاريخي ومرحلة الخيارات المغلقة. وبعضها الآخر ( وهو الأهم) ناتج عن الوعي الزائف بالغرب وقيمه الديمقراطية ( من حقوق إنسان ومجتمع مدني وحريات فردية..) الذي شكلته الثقافة السائدة في البلدان العربية منذ استقلالها حتى اللحظة الحالية، إذ أدى قيام الثورات الشعبوية والانقلابات “الثورية ” إلى بتر جنين الليبرالية العربية الناهضة آنذاك، بحجة أنها من مخلفات الاستعمار، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى السير في ركاب الإيديولوجية الشعبوية (يسارية وقومية وإسلامية ) التي أبلست الغرب ومنجزاته وحملته مسؤولية كل الهزائم التي تحصدها أنظمة مستبدة وما تزال. إذ ارتبط الغرب في وعي هذه النخب وأحزابها بكل ما هو سلبي وبرجوازي (بالمعني السلبي) وبراغماتي، وكلنا ندرك الشعارات التي ترفعها القوى الديماغوجية عند نزولها الشارع العربي، إضافة إلى الأغاني والأناشيد والثقافة التي طبعت تاريخ نصف قرن من العداء الإيديولوجي لأمريكا الذي لم يستطع أن يفرق بين النخب الأمريكية التي تتخذ سياسات خاطئة مثلها مثل أي نظم أخرى، وبين القيم الديمقراطية والتعليمية ومؤسسات المجتمع المدني وفي النهاية الشعب الأمريكي بما يختزنه من قوى حية قادرة على تجديد مجتمعها و تصحيح أخطاء سياسييه.
وثانيهما : يتعلق بعدم ثقة الشعوب العربية ونخبها المثقفة بحكامها وسلطاتها على اختلاف أنواعها، فقد تعلمت الشعوب أن لا تثق بأي سلطة أو حكومة أو زعيم عربي، لأن السياسة تعني الحكم المطلق وعدم الالتزام بأي وعد.
عدم الثقة هذا، يسقطه العربي على كل السلطات دون أن يستطيع وعيه التمييز، بين سلطة وصلت الحكم عن طريق صناديق الاقتراع وترحل عن طريق الصناديق التي أنجبتها، وسلطة وصلت عن طريق العنف ولا ترحل إلا بالعنف.
لهذا يبدو الاستغراب على العربي وهو يسمع رئيس أكبر دولة في العالم يفي بوعده الذي قطعه خلال الحملة الانتخابية، لأنه لا يستطيع تخيّل سلطة في أوج قوتها تتراجع عن أخطائها، و لا يدرك أن السلطات القادمة نتيجة نظام ديمقراطي ناتج عن تمخضات عميقة حصلت في رحم المجتمع، غير قادرة على تغيير القوانين الأساسية التي أنجبها مجتمع حر.
قد تتعرض الديمقراطية لخلل كبير – وهو ما حصل في عهد بوش- ولكن بالديمقراطية نفسها يتم تصحيح الخلل وليس بأي شيء آخر، الأمر الذي يعني أن (سيئات الديمقراطية أفضل من حسنات الاستبداد).
أثبتت أمريكا مرة أخرى، أن النظام الديمقراطي هو النظام الأمثل لتصحيح الاختلالات التي تحدث في أي نظام، من انتخاب الرئيس الأسود في بلد كان الأسود لا يستطيع أن يمشي آمنا في شوارعها قبل خمسين عاما، إلى إغلاق معتقل غوانتنامو إلى قرار الانسحاب من العراق.
كم رئيس عربي أغلق سجونه ؟ كم رئيس اتعظ مما حصل في العراق ؟  كم رئيس عربي على مدى تاريخنا كله اعتذر من ضحاياه ؟
الآن،قد ينجلي استغراب العربي من قرار أوباما الانسحاب من العراق،لأن المثل العربي يقول : إذا عرف السبب بطل العجب !
إنها الديمقراطية ياعزيزي!
© منبر الحرية، 05 أبريل 2009

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018