إسلاميو التوافق بالمغرب: من جنة السماء إلى كراسي البرلمان

peshwazarabic19 نوفمبر، 20100

يبدو أن الطريق إلى جنة السماء والأرض لم يعد بالضرورة مسيجا بالعنف ومفروشا بالدم، على الأقل بالنسبة لإسلاميي التوافق بالمغرب الذين يفترش عدد لا بأس به من قيادييهم كراسي البرلمان المغربي. ليس الأمر وليد الأمس القريب فثمة عقود ثلاثة تفصلنا عن زمن الشبيبة الإسلامية سليلة نهج الإخوان المسلمين بالمغرب، سالت خلالها مياه كثيرة تحت الجسور التي عمل بنكيران الأمين العام للحزب ومن معه على تشييدها مع الواقع السياسي في بلد أمير المؤمنين.
اليوم لم يعد لدى جيل العدالة والتنمية ما يربطه بجيل أتباع حسن البنا في مصر العشرينيات وأتباع جيل المودودي في باكستان الأربعينيات تسمية الإسلاميين التي تحيل على التنوع والاختلاف أكثر مما تحيل على الاتساق والتناغم. إسلاميو بنكيران اليوم يعقدون المؤتمرات الحزبية في القاعات العمومية المفتوحة بدلا من الحلقات السرية في المنازل المغلقة التي كان يعقدها سابقوهم وبعض من قياداتهم، ممن ينحدرون من جيل شبيبة السبعينيات ويضعون برامج انتخابية قد تقودهم إلى كراسي السلطة بدل مخططات جهادية كان من المفترض أن تقودهم إلى جنة الخلد. مدجنون وفق منطق خصومهم و واقعيون وفق منطق مناصريهم. إسلاميو التوافق هم اليوم حزب في مملكة أمير المؤمنين. الدولة الإسلامية قائمة في المغرب فما الداعي إلى إعادة ابتكار العجلة؟
ككل الأنساق الممكنة، قد لا يخل نهج إسلاميي التوافق من بعض المعقولية، وفق نظر مبدعيه ومن يناصرهم على الأقل.  فماذا يتبقى لك لتفعله حين تكون من تعتقدها ورقتك الرابحة قوة ضاربة في يد خصمك، وهل كان عبد الكريم مطيع معلم بنكيران وإخوانه جادا حين أعلن الثورة الإسلامية قدرا للمغرب. ألم يكن الإسلام قدرا للمغرب منذ مجيء الأمير العلوي إدريس الذي لم تكن له من مقومات بناء الدولة سوى شرعية دينية قابلة للانتقال عبر النطفة بما يجعل من مقولة عاش الملك، مات الملك ناموسا لتاريخ المغرب السياسي والديني.
ثم أليس هو نفسه المغرب الذي قامت الدول التي حكمته وتكسرت على نصال الإسلام. المغرب حيث تلتبس السياسة بالدين منذ الأزل وحيث رأى جون واتربوي أن المقدس و اليومي يجري تدبيرهما من خلال شخصيتين اثنتين رئيس الدولة وأمير المؤمنين، لكن الاثنين يتجسدان في شخص واحد الملك.  فماذا كان  لدى ربائب البنا وسيد قطب من جديد ليواجهوا به سلطة و هيبة أمير المؤمنين المشيدة على أساس نسق قوي البنيان يتداخل فيه الشعبي بالرسمي بالتقليدوي.
لقد وضع نهج مطيع الحركة الإسلامية المغربية في خضم أزمة هوية تتجاوز آليات الفعل و رد الفعل إلى جدوى الوجود نفسه. الإسلاميون منفذي مشيئة الله في الأرض و أمير المؤمنين ظل الله على الأرض, لكن الله واحد والأرض واحدة فلا مناص من أن يؤمن أحدهما على الأقل بسطوة الآخر.
وفق هذا كله لم يكن من الممكن لمجموعة بنكيران هويتها الخاصة و أساس وجودها إلا من خلال حسمها لموقفها من إشكالية إمارة المؤمنين بالمغرب فقد خيم فراغ نظري هائل على أدبيات جمعية الجماعة الإسلامية التي غطت فترة الثمانينيات من مسار إسلاميي التوافق. و كانت بداية الطريق ولادة جديدة للجمعية المذكورة أريد لها أن تكون محملة بالعبر.
فمقولة الإصلاح والتجديد التي اتخذت إسما للحركة في نهاية الثمانينيات تبدو صادمة حين تصدر من حركات ماضوية رامت طيلة تاريخها تأصيل الحاضر باسم الماضي وإعادة صياغته وفق رؤى السلف الصالح إلا إذا كان هؤلاء قد راجعوا تاريخهم و تحرروا من إواليات الخطاب الإسلامي في نسخته الكلاسيكية التي تحيل على أدبيات البنا، المودودي وسيد قطب فكان أن ترك الإخوان أمر السماء لأمير المؤمنين وسعوا في الأرض كمن سبقهم من مختلف المشارب والطوائف.
وفق منظري أطروحة فشل الإسلام السياسي فحالة إسلاميي التوافق لا تعدو أن تعزز القاعدة: فشل الإسلاميين المريع في تحقيق الجنة التي وعدهم الله بها على الأرض ووعدوا بها أنصارهم منذ بدايات القرن الماضي، فالأنظمة المصنفة كافرة من قبل جيل  المؤسسين قد أضحت واقعا ممكنا للاشتغال وفق قاعدة أخف الضررين والجنة الموعودة أضحت كراسي السلطة المسيجة بالتوافقات والتنازلات. وفق من لا زالوا يؤمنون بقدرة التيار الإسلامي على انتشال الأمة من متاهات التيه، فإسلاميو التوافق بالغرب في مكانهم الصحيح. النظام المغربي حكم طويلا من دون الإسلاميين حين كان له الخيار، لكنه يحكم اليوم بمعية الإسلاميين حين لم يعد لديه الخيار والتأثير من الداخل أيسر وأسلم والتنازل عن مطلب أسلمة الدولة لا يلغي الرغبة و التوجه القائمين حول مطلب أسلمة المجتمع.
إن الإسلاميين وفق هذا التوجه في أقوى حالاتهم فالنظام بكل تاريخه و شرعيته يفاوض معهم ويقتسم بمعيتهم تدبير شؤون السماء والأرض. أما بالنسبة لمن ناصبوهم العداء، فالإسلاميون هم الإسلاميون، ولا شيء تغير على الإطلاق. كل ما هناك أنهم أضحوا أكثر مناورة و قدرة على تحقيق المكاسب بأيسر وأسهل الطرق وواهم من اعتقد بإمكانية تنازل هؤلاء عن جنتهم الموعودة.
© منبر الحرية، 13 يونيو/حزيران 2009

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018