الإسلام والعنف دور المثقف في تغيير الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين على مستوى البناء والإصلاح الجزء الثالث

نبيل علي صالح21 نوفمبر، 20100

الجزء الثالث
وفي الإجابة على الأسئلة التي طرحناها سابقاً نرى أنه ومن أجل أن تكون ثقافتنا إنسانية متسامحة ومنفتحة وذات طابع عالمي -بمعنى وصولها إلى كل الناس كما هي في المضمون الروحي الإنساني البعيد عن جو السياسة والمساومات- فإنه يجب أن نقدمها بمعاني وتعابير وحلّة جديدة، وبحسب مستوى الفهم والإدراك عند الأجيال الحاضرة والقادمة، كما يجب أن يتناسب خطابنا مع المستوى العلمي والرقي المدني الذي حققته البشرية في عالم اليوم. فالثقافة الثابتة والمقولبة –كما هي ثقافتنا حالياً- لا تصلح للحياة والإنسان، والمجتمع الذي يبقى منغلقاً على ذاته سينقرض لا محالة مع مرور الأيام وتقدم العصور.
وفي ضوء ذلك ينبغي على من يدعو ويمثل الإسلام سلوكاً وفكراً، نصاً وروحاً وعملاً، أن يحسن عرض أفكاره وقيمه ومثله ومبادئه وأخلاقه على مختلف المواقع بأسلوب جذاب وشيق وجميل.. وهذا يتطلب بدوره من المثقف والداعية الديني المنفتح والمتمسك بالخطاب العقلاني والفكر الإنساني:
1. الاستفادة من أجواء وقوانين العصر (ومنها هذه العولمة الإعلامية الهائلة، وثورة المعلومات الاتصالية الخارقة، وارتباط مصائر العالم بأهداف إنسانية واحدة)، حيث أن الإسلام دين إنساني عالمي ختم الله به الرسالات والنبوات، وجعله صالحاً لما تبق من عهود وعصور كما يعتقد ويدعي أصحابه وأتباعه، وهذا ما يحتم عليهم (على أتباعه ودعاته ونخبه ورموزه) أن يدعو إلى القيم الدينية الإنسانية بلغة العصر، وأن يواكبوا كل المتغيرات والمستجدات حفاظاً على أصالة الفكر وحيوية المعرفة الإسلامية وصوناً لهذه الهوية من الضياع، روحاً وعقلاً على مستوى النص أو التأويل.
والهوية التي أعنيها هنا ليست هي الهوية الثابتة والجاهزة والمعبأة نفسياً وروحياً في نفوس الناس وفي عقولهم، وإنما هي كل تلك المبادئ والقيم المعنوية الإنسانية الأصيلة (من حرية وعدل ومساواة وإخاء، و الخ) والنقاء الروحي الإسلامي المنطلق من فكرة المحبة لله، وفي الله، ومن أجل الله، التي –على ما يبدو- أصبحت آخر هموم دعاة الفكر والخطاب الإسلامي المعاصر الذين استغرقوا  في السياسة والتنظيمات السياسية والعقائديات الدينية ونسوا أو تناسوا أهمية الروح والعامل الروحي كأحد أهم مضامين ومكونات الفكر الديني. مما أول هؤلاء –المتأسلمين- إلى ما يشبه التخشب والجمود العقلي والفكري، في ظل وجود مناخ إسلامي عارم مسيطر على مجتمعاتنا العربية والإسلامية يتعيش على الفوضى الفكرية والمفاهيمية التي يروج لها دعاة ورسل الوعظ والفقه المسجدي العتيق المستند على الظاهرات الخارجية، ومن دون أن يكون عنده أدنى اهتمام بحقائق المعرفة الإنسانية التي هي أساس وجود الإنسان في هذه الحياة.. فالهوية الأساسية المقصودة هنا هي هذه الروح الإنسانية الصافية المركوزة في كينونة الإنسان، والتي تحتاج إلى عوامل مؤهبة خارجية لاستثمارها في البناء والعمل والنماء المادي الحضاري لما فيه خير وصلاح البشرية جمعاء.
2. محاولة التجديد في أبنية الدين الفكرية وبلورة صيغ معرفية عملية يمكن أن تقدم الإسلام كفكر حي معاصر ومواكب للحياة والعصر، وبصورة تجعل منه موضعاً للاستقطاب الروحي والمفاهيمي، ونقصد بهذه الصيغ أو الأفكار ما يتناول قضايا العصر، ومستجدات الأحداث، إذ علينا أن نواكب التطورات العلمية والفكرية والثقافية، وذلك عبر إبراز وتوضيح الرأي الديني الصحيح تجاه مختلف قضايا الفكر والمعرفة والثقافة المعاصرة.
3. التمسك بقيم المواطنة والعلمنة والمدنية.. أي عدم تسييس الدين وعدم تديين السياسة في كل ما يتعلق بطبيعة علاقة رجل الدين (والمثقف الديني) بالمحاور السياسية، واقتصار الارتباط بينهما (بين المثقف والسياسة) على مستوى التواصل مع العناوين الخارجية بما ينفع مصلحة المجتمع والناس.. ولا نقصد هنا ابتعاد رجل الدين عن الحياة العامة، وإنما أن يشارك فيها من موقعه كمواطن فقط، وليس كرجل دين يريد فرض قواعده وانتظاماته ومعاييره الدينية المقدسة على الناس والمجتمع وباقي التيارات.
4. ربط المثقف النقدي -سواء أكان قومياً أم ليبرالياً أم شيوعياً أم دينياً- بقضايا الحياة والعصر المتحرك والمتغير بعيداً عن لغة الايدولوجيا الشمولية والقناعات المزيفة، بما يمكن أن يؤدي لاحقاً إلى تحريره من سيطرة العقلية الدوغمائية المزيفة التي ساهم أصحابه في وصول مجتمعاتنا إلى ما هي عليه الآن من دمار فكري وأخلاقي مريع نتيجة هيمنة أفكارهم المعلبة وتصوراتهم الحالمة المغرقة في رومانسيتها.
والانطباع الجوهري الذي يمكن أن يتركه لدينا مثل هذا التفكير والرؤية الدوغمائية هو أن الخلل والعلة ليست في الواقع دائماً، بل هي –في كثير من الأحيان- في طبيعة الأفكار المتحجرة، والعقول القاصرة لأصحابها من ذوي النضالات الدونكيشوتية الفاشلة، حيث أن هؤلاء يؤمنون بأن العلة في الواقع دوماً. ولذلك فهم يسعون –وهنا أصل الداء، ومكمن العلة الجوهرية- إلى تجيير وكسر الواقع، ومطابقة وقائعه مع مقولاتهم المتكلسة البائدة من دون وجود أدنى استثمار وتوظيف للمنهج العقلي العلمي في وعيها وإدراكها وتحليلها والوصول إلى نتائج ميدانية بشأنها.. الأمر الذي سيؤدي  –كما أدى سابقاً وحالياً- إلى أن يصبح المثقف (وكذلك السياسي) ضحية أفكاره، وتقاليعه النضالية بحيث يظهر عملياً في الواقع وهو يعمل ضد مبادئه وقناعاته وأهدافه التي يزعم الدفاع عنها وحراستها، والتي كلفته –وكلفت المجتمع- كثيراً من الدماء والدموع.
وأخيراً أقولها نصيحةً لي وللآخرين أنه يجب علينا -في داخل اجتماعنا الديني والسياسي- أن نعمق إحساسنا بوجودنا الحي والفاعل من خلال تركيز الحس النقدي الذاتي لأفكارنا واعتقاداتنا. لأنه من غير وجود بنية نقدية جديدة، وتراكم نقدي ذاتي جذري يطال باستمرار الثقافة والمثقف والسياسة والسياسي والدين والتدين، فإننا لن نستطيع تطوير أنفسنا ومجتمعاتنا التي طالها الخراب منذ عهود طويلة. ومن غير حرية في الفكر والتعبير والنقد لن نتحرر جميعاً من هذه الأوهام الشعاراتية التي حبسنا أنفسنا في داخلها، وقولبنا المجتمع لأطرنا وتصنيفاتنا الضيقة التي سببت لنا كل هذا الدمار والخراب السياسي والاجتماعي والمفاهيمي، والتأخر الكبير في الفكر والممارسة.
وعندما نبدأ جميعاً –كمثقفين وسياسيين- بالتحرك على هذا الطريق الطويل والصحيح، يمكن أن نصدق أفكارنا، ونصدق أنفسنا، ونصدق بعضنا البعض.
© منبر الحرية ، 16 ماي /أيار2010

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018