حقيقة الأنظمة العربية في وثائق ويكيلكيس

نوح الهرموزي26 مارس، 20111
ألف برقية ورسالة سرية تناقلتها كبريات الصحف العالمية في صدر صفحاتها الأولى، والتي تصدرت التغطيات الإخبارية لكافة الوسائل الإعلامية الأمريكية والغربية والعربية على حد سواء عن مدى الخلل الكامن في سياسات الأنظمة العربية.....

تكشف الوثائق والبرقيات السرية التي نشرها موقع “ويكيليكس” “، والتي وصل عددها إلى ما يزيد على 250 ألف برقية ورسالة سرية تناقلتها كبريات الصحف العالمية في صدر صفحاتها الأولى، والتي تصدرت التغطيات الإخبارية لكافة الوسائل الإعلامية الأمريكية والغربية والعربية على حد سواء عن مدى الخلل الكامن في سياسات الأنظمة العربية، وعلى الرغم من أن كشف هذا الخلل ليس بجديد ولكنه هذه المرة توثقه برقيات متبادلة بين دبلوماسيي الولايات المتحدة الأمريكية المعتمدين لدى الأنظمة العربية الحليفة لها ووزارة خارجيتهم. وتتمثل أوجه هذا الخلل في سياسات الأنظمة العربية في الآتي:
أولا:- تكشف الوثائق عن بون شاسع بين ما يُقال في الخطب والكلمات والأحاديث الرسمية للقيادات والرؤساء العرب الموجهة إلى شعوبهم وما يٌقال خلف الأبواب الموصدة، وهو ما يُظهر بصورة جلية مدى اختلال شكل العلاقة بين الحاكم والمحكوم في العالم العربي من جهة، وغياب أسس الشفافية والمحاسبية من جهة أخرى. ناهيك عن تهميش الرأي العام العربي وعدم أخذ أراء المواطن العربي بعين الاعتبار عند صياغة السياسات العربية.
تؤكد الوثائق على أن الرأي العام العربي لا يُعد أحد محددات صناعة القرار العربي في ظل أن معظم  ـ إن لم يكن كل ـ  الأنظمة العربية فاقدة لشرعية تمثيل مواطنيها لوصولها إلى سدة الحكم بطرق غير شرعية سواء من خلال التوريث أو بانتخابات فاقدة للنزاهة والشفافية.
ثانيا:- كشفت الوثائق التي نُشرت عن موقف وتصريحات الرؤساء والملوك العرب فيما يخص أزمة البرنامج النووي الإيراني مدى الفجوات بين ما هو معلن في الخطب، وما يُقال مع المسئولين والدبلوماسيين خلف الأبواب المغلقة بعيدا عن عدسات وكاميرات التصوير. فقد كشفت الوثائق عن رغبة عربية في التدخل الأمريكي للتخلص من البرنامج النووي الإيراني من خلال ضربات استباقية واجهاضية للمنشآت النووية الإيرانية لتقويض مساعيها لامتلاك أسلحة نووية تؤثر على ميزان القوى المختل عربيا لصالح إسرائيل.
وهذا التوجه العربي يتعارض مع أغلبية الرأي العام العربي الذي يرى في امتلاك إيران لبرنامج نووي وأسلحة نووية في مصلحة الأمن القومي العربي لموازنته القوة النووية الإيرانية، في ظل غياب امتلاك أي من الدول العربية لقوة نووية أو تقليدية تعادل اختلال ميزان القوى لصالح تل أبيب. فقد أظهر الاستطلاع السنوي لجامعة ميرلاند للرأي العام العربي أن ما يقرب من 57% يرون أن امتلاك إيران لبرنامج نووي يصب في المصلحة العربية.
ثالثا:- اصطفاف السياسات العربية مع نظيرتها الإسرائيلية في أن إيران ببرنامجها النووي وسعيها إلى امتلاك أسلحة نووية هو التحدي الجدي أمام منظومة الأمن العربي، وتنحية الممارسات والسياسات الإسرائيلية عن أولى التهديدات الأمنية للنظام العربي وأمنه. وهو ما يحمل في طياته خلل عربي في فهم تهديدات النظام العربي وأمنه، وكذلك قصر نظر القيادات العربية في معالجة كثير من تلك التهديدات الأمنية، وفقدانها أيضا للنظرة الجماعية لمواجهة مثل تلك التهديدات الأمنية، على عكس كثير من التنظيمات الإقليمية الأخرى في أسيا وأوروبا.
رابعا:- رغم مليارات الدولارات التي تقطعها القيادات العربية من المخصصات المالية للتنمية والخدمات لشراء السلاح من الولايات المتحدة بالأساس، إلا أنها عاجزة عن مواجهة التهديدات الخارجية بمفردها بل إنها لا تستطيع مواجهتها بمعزل عن الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل غياب إستراتيجية للدفاع العربي المشترك وحرب العراق الأخيرة (مارس 2003) خير دليل على ذلك بالإضافة إلى كثير من الشواهد التاريخية التي تؤكد غياب التوافق العربي بشأن المواجهة الجماعية لتهديدات النظام العربي والتي لا يتسع المقام لذكرها.
خامسا:- تكشف الوثائق عن رغبة عربية في إخفاء كثير من الاتصالات والأحاديث بين دبلوماسيي الولايات المتحدة ومسئوليها وبين المسئولين والقيادات العربية وكثير من أوجه العلاقات الأمريكية العربية والمساعدات التي تقدمها الأنظمة العربية للولايات المتحدة خدمة للمصلحة والأمن القومي الأمريكي عن شعوبها في وقت مازالت العقول والقلوب العربية معبأة بصورة سلبية عن الولايات المتحدة رغم المحاولات الأمريكية لتحسين تلك الصورة وكسب القلوب والعقول العربية.
وتهدف القيادة العربية من إخفاء أبعاد العلاقات الأمريكيةـ العربية الحفاظ على صورتها وكرامتها الشخصية أمام شعوبها ومعارضتها الوطنية وحفاظا على مستقبلها السياسي الذي هو محك من وقت إلى آخر. ففي هذا السياق كشفت أحد الوثائق السرية المنشورة عن رفض الرئيس اليمني “علي عبد الله صالح” الإعلان عن أن الضربات الأمنية ضد معاقل التنظيمات الإرهابية في اليمن هي ضربات أمريكية ولكن الإصرار على الإعلان بأنها ضربات من قبل الحكومة اليمنية ضد المنظمات والعناصر الإرهابية التي تنشط على الأراضي اليمنية، حتى لا يثور الشعب والمعارضة اليمنية ضده.
أخيرا:- جاءت كثير من الوثائق والبرقيات الدبلوماسية السرية التي كشف عنها مؤخرا لتؤُكد تراجع قضية الصراع العربي الإسرائيلي من على أولوية قضايا المحادثات بين المسئولين الأمريكيين ونظرائهم العرب، على غير ما تتشدق به كثير من القيادات العربية في تصريحاتها، وهو ما يكشف عن تحول في أولويات العمل والنشاط العربي.
كما أن المحادثات العربية مع النظراء الأمريكيين والغربيين بشأن قضايا الصراع العربي ـ الإسرائيلي لا تتطرق إلى قضايا الحل النهائي لقضية الصراع العربي  الإسرائيلي كقضية المياه واللاجئين والحدود وشكل الدولة الفلسطينية المزمع الإعلان عنها، ولكن الحديث يقتصر على حلول قصيرة الأجل وفي الكثير منها حلول تسكينية. ناهيك عن كشفها عن ترتيبات أمنية بين دول عربية وإسرائيل تحقق أهداف أمنية إسرائيلية بالأساس، وإضافة إلى علم عدد من القيادات العربية بشأن الهجوم الإسرائيلي على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة خلال أواخر ديسمبر 2008 ويناير 2009.
وختاما، فإن الوثائق رغم أنها لم تكشف عن جديد فيما يخص الخلل في سياسات الأنظمة العربية وكثير من نقاط الضعف في النظام الإقليمي العربي إلا أنها أبرزت مدى هذا الخلل في وقت تمر به كثير من الأنظمة السياسية العربية بعديد من الأزمات الداخلية العاصفة التي تهدد مستقبلها السياسي. ومع أن القيادات والأنظمة العربية هي أكبر الخاسرين من الكشف عن تلك البرقيات السرية مقارنة بالدول التي ورد ذكرها وذكر أسماء مسئوليها بتلك البرقيات السرية، إلا أن ذلك لن يمثل نقطة تحول في العلاقات العربية الأمريكية تؤثر على قوة ومتانة العلاقات، والخدمات التي تقدمها كثير من الأنظمة العربية للمصلحة والأمن القومي الأمريكي في ظل ضعف تلك الأنظمة داخليا وضعف قواها العسكرية لحماية أمنها مما يجعلها في حاجة ماسة ومستمرة للولايات المتحدة الأمريكية ودفع المقابل المستمر لتلك الحاجة الماسة ألا وهو تقديم خدمات لا ترضى عنها الشعوب العربية.
‎© منبر الحرية،25 مارس/آذار 2011

نوح الهرموزي

الدكتور نوح الهرموزي: أستاذ الاقتصاد في جامعة ابن طفيل في القنيطرة بالمغرب.


One comment

  • اسماعيل

    27 ديسمبر، 2012 at 2:59 م

    هده الانظمة لا ندري كيف نناديها .تحفر لنفسها .قبرها وهي لا تدري مسكينة والله.من هي ويكيلكس .انها الصفقات المدمرة التي عقدها اولاءك المعتوهين لدى الانظمة العربية مع اعداء العرب والانظمة العربية .واستفاد الغرب منها وانتهت صلاحياتها .لياتي الغرب من وراء اتلك الانظمة الخسيسة العربية لينشر لها غسيلها النتن.ويكيليكس هده.هي التي مهدت للثورات او الربيع العربي لتتخاص من اولاءك.وهي وان كان ما تنشره من فضائح وخيانة الانظمة العربية للامة الاسلامية بقدر ما تثير هيجان الشعوب وتعيد لغة العنف وبالتالي الارهاب وبالتالي القاعدة وبالتالي التدخل مباشرة في شؤون الدول العربية والاسلامية . وبالتالي واخيرا تفكيك الدول والابقاء على الدول .الاستعمار .وسيتحول اولاءك الدين كانوا على هرم الانظمة العربية في نظر الشعوب .الى مجرد اقزام.بعد ان كان خدم مستفيد من الثروات المتواجدة في الدول العربية .وكيليكس عمرها عامين او اكثر.لكن حققت لاهلها مكاسب .ضربت رؤوس الافاعي العربية والامن العربي .بحجر واحد.ويكيليكس. ان هدا ما فعله الحكام العرب .صفقات مهلكة للبلاد والعباد.فهل نتعظ يا عباد

    Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018